رئاسة النيابة العامة تطلق دورة تكوينة للأطباء الشرعيين حول بروتوكول إسطنبول    رئيس جزر القمر يشيد بالشراكة الاستراتيجية مع المغرب    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    استثمار صيني جديد يعزز الزراعة الذكية في المغرب لمواجهة تحديات الماء والمناخ    منع الباحث أحمد ويحمان من دخول افتتاح المنتدى العالمي للسوسيولوجيا    مصرع تلميذة تبلغ من العمر 14 سنة غرقا في سد الوحدة    القوات المسلحة الملكية ستحول "برج دار البارود بطنجة" إلى فضاء ثقافي مفتوح أمام العموم    بنسعيد يوقع على مذكرة تفاهم مع المنظمة العالمية للملكية الفكرية لحماية التراث الثقافي المغربي    اتفاقية لإدماج 110 من الأطفال والشباب في وضعية هشة بالدار البيضاء            هيئات أمازيغية ترفع دعوى ضد الحكومة بسبب تأخير تعميم تدريس اللغة الأمازيغية إلى 2030    ترامب يعلّق بسخرية على مشروع ماسك السياسي: "يمكنه أن يتسلى بذلك قدر ما يشاء"        الإصابة تبعد موسيالا لاعب بايرن ميونيخ عن الملاعب لمدة طويلة        الانتخابات الجزئية… رسائل صناديق الاقتراع    بنكيران بين "أحواش" و"موازين": رقصة على حبل التناقضات        إدانة لترهيب المبلغين عن الفساد ومطالب بالتحقيق والمحاسبة في ملفات الفساد بمراكش        النفط يتراجع مع رفع "أوبك+" إنتاج غشت أكثر من المتوقع    طوفان الأقصى: عودة إلى نقطة الصفر    أعمو: جهة سوس ماسة تشكو ارتفاع المديونية وضعف المداخيل وتعثر مشاريع مهيكلة    توسيع صادرات الأفوكادو يثير الجدل بالمغرب في ظل أزمة الجفاف    أبرزهم أوناحي.. أولمبيك مارسيليا يُنزل 6 لاعبين إلى الفريق الرديف    سلسلة بشرية في الدار البيضاء ترفع أعلام فلسطين وتندد ب"الإبادة" في غزة    محمد بهضوض... الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    افتتاح متحف للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو في هونغ كونغ    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    الاكتظاظ يحرم نزلاء سجن رأس الماء من حق النوم على سرير.. ينتظرون دورهم للحصول على سرير    فيضانات تكساس.. ارتفاع حصيلة القتلى إلى 82    بالأرقام.. المغرب في طليعة الذكاء الاصطناعي: نحو ريادة عالمية برؤية شاملة وأخلاقيات راسخة    الأساتذة المبرزون يصعّدون احتجاجهم ضد وزارة التربية الوطنية ويدعون لاعتصام وطني بالرباط    تراجع الذهب نتيجة التقدم في تمديد مهلة الرسوم الجمركية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    رئيس وزراء ماليزيا: "البريكس" أمل الجنوب العالمي لنظام دولي أكثر عدلاً    نتنياهو في واشنطن لبحث هدنة غزة    فيروس غامض ضواحي الناظور.. والمصابون يشكون آلاما حادة في المعدة والأمعاء    منتج غذائي يتناوله المغاربة كثيرا.. الأطباء: تجنبوه فورًا    لفتيت يكشف أرقاماً صادمة عن الجريمة بالمغرب    المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان يرفض مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة ويعتبره «نكسة دستورية»    النيجيريات يهزمن التونسيات بالبيضاء    "لبؤات الأطلس" يتدربن في المعمورة    جمال موسيالا يغيب لفترة طويلة بسبب كسر في الشظية    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية        "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!    غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحرشاو يرسم ملامح ظاهرة "سيكولوجية الشيخوخة" في المجتمع المغربي
نشر في هسبريس يوم 21 - 11 - 2021

لماذا تؤثر الشيخوخة في بعض الوظائف المعرفية أكثر من غيرها، وفي أشخاص دون آخرين؟ لماذا يتزايد حجم هذا التأثير عند مراحل محددة وليس عند بقية مراحل العمر الأخرى؟ هل تتراجع وظائف الذاكرة والانتباه والإدراك واللغة والتفكير مع التقدم في السن بنفس الحجم والشكل والإيقاع لدى الجميع؟ هل توجد تقنيات للتدريب واستراتيجيات للتعويض يستعملها المسنّون لمواجهة آثار الشيخوخة وتجويد مواردهم المعرفية؟
إنها عينة من الأسئلة التي سنحاول الإجابة عنها في هذا المقال الذي يروم، عبر عرض مجموعة من النتائج والخلاصات البحثية، إلى تقديم قراءة فاحصة للشيخوخة المعرفية بالمغرب في علاقتها بأهم المقاربات النظرية والممارسات التطبيقية المتداولة في كثير من المنظومات السيكولوجية العالمية.
الأكيد أن الشيخوخة، التي تعتبر ظاهرة ديمغرافية واسعة الانتشار، أصبحت تطرح مشاكل شخصية ومجتمعية عويصة. فبالمعرفة الجيدة للطاقات المعرفية للأشخاص المسنين ولمشاكلهم الصحية والمعرفية والاجتماعية، يحاول علماء وأطباء النفس المساهمة في تشخيص إكراهات الحياة النفسية لهؤلاء، وتحديد وسائل مساعدتهم ليعيشوا شيخوختهم بكيفية مريحة.
صار من البديهي القول إن ساكنة المغرب، مثلها مثل ساكنة العالم، بدأت تشيخ بدرجة معينة، إذ أن عدد الأشخاص البالغين 65 سنة فأكثر أخذ يرتفع بالتدريج خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن شبح الشيخوخة بدأ يزحف ليفرض نفسه بقوة. وهذه مسألة يعكسها التزايد المطرد لأعداد المسنين في المملكة، إذ من المتوقع أن هذا العدد، الذي انتقل من 836 ألفا، بنسبة 7.2 بالمائة، سنة 1960 إلى أكثر من 3 ملايين، بنسبة 9.4 بالمائة، سنة 2014، سيرتفع تقريبا إلى الضعف بحلول عام 2030، على أن يواصل الارتفاع ليبلغ أكثر من 10 ملايين، بنسبة 23.2 بالمائة، من إجمالي الساكنة بحلول عام 2050، حسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط. وبهذا يمكن الإقرار بأن المغرب أصبح يعرف تحولا ديمغرافيا سريعا، يتجلى في تطور وتيرة شيخوخة ساكنته، وتزايد تعدادها مع توالي السنوات. فبالرغم من بعض قيم وسلوكيات الاحترام والتقدير والرمزية والمكانة التي يحظى بها المسنون داخل كثير من الأسر والمرافق العمومية، وبالرغم من سعي المغرب الحثيث في السنوات الأخيرة إلى التجاوب النسبي مع حاجياتهم الحقوقية والمهنية والاقتصادية، فإن ذلك لا ينفي أن كثيرا منهم لم يسلموا، نتيجة فقدانهم الكلي أو الجزئي لجوانب من مؤهلاتهم الجسمية أو قدراتهم الذهنية أو كليهما، من ممارسات وأفعال كلها حيف وتهميش وتمييز ووصم اجتماعي. وهي ممارسات عادة ما تلقي بهم في متاهات الانعزال والانطواء والاضطراب والنفور من الحياة ومشاكلها.
بالاحتكام إلى التراكم العلمي في مجال الدراسة النفسية للشيخوخة عبر كثير من دول العالم المتقدم، يمكن التأطير لسيكولوجية هذه الظاهرة، التي لا تزال في بداياتها المحتشمة بالمغرب، بالتفصيل في بعدين اثنين:
الأول يهم المقاربات النفسية التي تتراوح بين مقاربة كلية، تقول بإمكانية تفسير الشيخوخة المعرفية بعامل معرفي واحد مثل التباطؤ في الاشتغال، أو بعوامل معرفية متعددة مثل سرعة معالجة المعلومات وقدرات الكبح وذاكرة العمل، ثم مقاربة تحليلية تستبعد القول بتماسك التدهور المعرفي على امتداد مختلف مراحل العمر، إذ أن آثار السن الضارة يمكنها أن تشمل بعض السيرورات والوظائف المعرفية دون غيرها.
البعد الثاني يخص النظريات النفسية، التي تتجلى من جهة في نظريات عامة تعبر عنها كل من النظرية الانتقائية السوسيو-انفعالية التي تتخذ من التحفيز أسلوبا شخصيا للتكيف مع مستجدات الحياة والإقبال عليها مع التقدم في السن، ونظرية الانتقاء والتعويض التي تسلم بخطط جديدة لتجويد الحياة، إذ أنه مهما تكن حدة المشاكل وكثرة الإحباطات، فإن الأمل في الحياة والتجارب الإيجابية كلها عوامل تكبح الانعكاسات السلبية للسن على إنجازات الشخص المعرفية. وتتمثل من جهة أخرى في نظريات خاصة تترجمها على التوالي كل من نظرية التباطؤ المعرفي، التي تؤكد على أن التراجع في سرعة معالجة المعلومات مع التقدم في السن يكون في جزئه الكبير هو المسؤول عن انخفاض الإنجازات المعرفية للعديد من المسنين، وفي نظرية القالبية العصبية التي ترى أن الجهاز العصبي في علاقته بالتقدم في السن عادة ما يصاب بالتدهور المصاحب بالتراجع في التمثلات الذهنية وانتشار المعلومات وقدرات معالجتها، وبالتالي الانخفاض في الإنجازات المعرفية.
أما فيما يتعلق بأبرز الممارسات التطبيقية، فالأكيد أن شيخوخة الساكنة لا تخلو من طرح مشاكل فردية ومجتمعية عويصة، وبصورة خاصة في المغرب وغيره من البلدان، التي لا تزال تفتقر إلى أهم ظروف وشروط الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية للأشخاص المسنين، وفي مقدمتها محدودية فضاءات الاستقبال والإيواء، تواضع مراكز الإرشاد والاستشفاء، ندرة النفسانيين المتخصصين في الشيخوخة وفي أساليب تدبير ضغوطاتها الانفعالية وطرق التعامل معها تشخيصا وعلاجا وتكفلا. فالأمر يتعلق عندنا بظاهرة لم تنل بعد نصيبها من الاهتمام العلمي النفسي والطبنفسي، إن على مستوى التدخل والدعم المقدم للمسنين المرضى ولأسرهم، أو على صعيد إقامة ورشات للتقويم النفسي والعلاج المعرفي، من غاياتها الأساسية تجويد قدراتهم المعرفية المتمثلة أساسا في الإدراك والانتباه، الذاكرة والتفكير، اللغة والتواصل، ثم حل المشاكل واتخاذ القرار. فالرهان إذن يبدو كبيرا لأن الأمر يتعلق بتخصص علمي واعد بالعطاء والتطور في السنوات القادمة، وبتوفير فرص عمل كثيرة لعلماء وطب نفس الغد والمستقبل، لاسيما أن المغرب لا يزال يعاني نقصا كبيرا في مثل هذا التخصص وخدماته، وفي مضاعفة الجهود لتكوين وتأهيل أخصائيين في علوم وطب نفس الشيخوخة ببعض الجامعات والمراكز الاستشفائية.
* أستاذ علم النفس المعرفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.