شكلت زيارة الملك محمد السادس إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية فرصة كبرى أمام المغرب من أجل رفع مستوى التعاون بين البلدين، وعكست الموقع الريادي الذي بات يحتله المغرب في منطقة شمال إفريقيا كبلد جعل من الاستقرار مفتاحا لنحت مكانة له على الصعيد الإقليمي والدولي. وفي الوقت الذي تجتاز فيه البلدان العربية التي مر منها الربيع العربي مخاضا صعبا بسبب التصارع الطبيعي بين الحفاظ على القديم واستيلاد الجديد، عرف المغرب كيف يلحم بين ذاك القديم وهذا الجديد، وكيف يتجاوب مع نداءات الإصلاح ويظل منجذبا إلى توابث القديم في الوقت نفسه، وأن يوفق بين الإثنين، بطريقة ربما لا تليق سوى بالملكيات، حيث المؤسسة فوق الجميع وحيث لغة السياسة هي الاستيعاب بدل الطرد. ومثلما حصل مع إدارة جورج بوش السابقة، خلال الحملة الدولية على الإرهاب، حيث وجد المغرب نفسه بحكم موقعه وسياساته التقليدية القريبة من الولاياتالمتحدة منخرطا في هذه الحملة التي انتهت بإدخاله في زمن حقوقي جديد جر عليه انتقادات واسعة، يجد نفسه اليوم جزء من سياسة دولية جديدة تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد الإرهاب والعنف في العالم، لكن وفق منظور جديد يقطع مع إرث بوش الذي خلف احتقانا دوليا. المقاربة الجديدة تمثلت في دعوة الرئيس الأمريكي للمغرب إلى الالتحاق بالجهود الرامية إلى إحداث "المعهد الدولي للعدالة ودولة القانون" الذي سيكون مقره بمالطا، بحكم موقعها الاستراتيجي. وقد بدأت هذه المبادرة بشراكة بين "مركز التعاون لمكافحة الإرهاب" و"مؤسسة الدراسات الأمنية" و"منتدى مكافحة الإرهاب" في ماي الماضي، من أجل خلق مؤسسة تعنى بالتدريب والمعلومات والتعاون الدولي وتقوية مؤسسات العدالة والقانون، وذلك بدعوة من الولاياتالمتحدة، ومشاركة كل من تركيا والسويد وألمانيا وبريطانيا وهولندا والاتحاد الأوروبي، وسيكون مركز مالطا الثاني من نوعه بعد المركز الذي أقيم في أبو ظبي، على أن يشرع مركز مالطا في العمل خلال بدايات العام المقبل. هناك نقطتان يجب التركيز عليها. النقطة الأولى هي التوجه الأمريكي الجديد نحو"مأسسة"السياسة الدولية لمكافحة الإرهاب. في الماضي كانت هذه السياسة تعتمد عنصر الإرغام والمفاجأة بعيدا عن الشراكة الدولية مع المعنيين بالظاهرة الإرهابية، والإنصات للشركاء، وهو الأمر الذي أدى إلى تراكم الاحتقان بسبب هذه السياسات الأمريكية الانفرادية. وهذا يعني اليوم أن واشنطن تريد تصحيح أخطائها في هذه السياسة مع الإدارة الأمريكية الحالية، والتخلص من إرث بوش. أما النقطة الثانية فتتعلق بهذا الربط الذي تم اصطناعه بين محاربة الإرهاب وأهمية العدالة والقانون، وفي هذا نوع من النقد الذاتي للسياسة الأمريكية السابقة في محاربة الظاهرة الإرهابية، وللسياسات الوطنية الموازية التي سارت وراء الإدارة الأمريكية، والتي أدت إلى التضحية بمبادئ القانون وحقوق الإنسان ومطلب العدالة الجنائية على مذبح محاربة الظاهرة الإرهابية. الإرهاب لم يعد ظاهرة محلية في أماكن معينة، فنحن أمام ظاهرة صارت أكثر عالمية بحكم التحولات السياسية الكبرى والتداخل في السياسات الدولية ما بين الوطني والدولي من جهة، وحالة التمزق الديني والمذهبي والعقائدي في العالم العربي والإسلامي من جهة ثانية، خاصة في مرحلة ما بعد الربيع العربي. ولذلك لا بد من استدخال ثلاث مقاربات: المقاربة التنموية، التي اقترحها المغرب في إفريقيا، والمقاربة الحقوقية، التي من شأن هذه المبادرة الدولية الجديدة أن تكون خطوة في اتجاهها إذا صح هذا التوجه ثم المقاربة الفكرية، وهذه لا تزال غائبة أو محتشمة بسبب غلبة المقاربة الأمنية التي سادت طيلة المرحلة التي بدأت مع تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001.