المغرب ومقدونيا الشمالية يوقعان مذكرتي تفاهم لتعزيز التعاون الثنائي    منظمات مغربية تندد بأحداث مورسيا    الملك يشيد بصداقة المغرب وبلجيكا    رئيس النيابة العامة: قانون العقوبات البديلة يخدم الأطفال المتابعين قضائيا    مرصد: أزيد من 11,88 مليون ليلة مبيت في الفنادق المغربية المصنفة حتى ماي 2025    البنك الإفريقي للتنمية يمنح المغرب قرضا بقيمة 116 مليون دولار لدعم الزراعة المستدامة    إسرائيل تقتل 21 فلسطينيا بغزة منذ فجر الاثنين بينهم 5 منتظري مساعدات    دبابات إسرائيلة تتوغل في قطاع غزة    العاهل البلجيكي فيليب: الوضع في غزة "عار على الإنسانية"    روما الإيطالي يعلن تعاقده مع المغربي نائل العيناوي    "سوبر مان" يواصل تصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    كيف تحولت الشرفة الأطلسية بالعرائش لمسرح للجريمة !    وزارة الخارجية الأرجنتينية: المغرب يتموقع كسوق استراتيجية بالنسبة للأرجنتين        إجهاض محاولة تهريب دولي للمخدرات بطاطا وحجز 598 كلغ من الشيرا    المصلحة البيطرية بتازة تكشف حقيقة "هياكل الحمير" بواد أمليل    مصرع شخص وإصابة آخرين في حادث سير بإقليم الدريوش    البيضاء.. الأمن يُطيح بمشتبه به في قضية ضرب وجرح خطيرة بسلاح أبيض    هشام البلاوي: العقوبات البديلة ليست خيارا قانونيا فقط بل اختيار حضاري لحماية أطفالنا    العرائش تخرج عن بكرة أبيها… وتصرخ: "أعيدوا لنا شرفتنا!"    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة العدل والمرصد الوطني للإجرام والمندوبية السامية للتخطيط    مجموعات تراثية في فن لوناسة تضيء سماء تارودانت    ما حقيقة إصابة الفنانة أنغام بسرطان الثدي؟..بيان رسمي يوضّح        اتحاد يعقوب المنصور يعلن عن تعاقده مع 6 لاعبين    هل تخلص مولودية وجدة من إرثه الثقيل؟    مارسيليا يرفض عرض جيرونا لضم أوناحي ويصفه ب"السخيف"    المغربي نائل العيناوي ينضم رسميا إلى نادي روما الإيطالي    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بمختلف مناطق المملكة    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    الأغلبية والمعارضة تقترحان التراجع عن منح "مجلس الصحافة" صلاحية توقيف المطبوعات والصحف    "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    حاجيب يُتوّج النسخة الثالثة من ليلة العيطة بالرباط    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة        غدا، الكاتب الأول إدريس لشكر يترأس المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بتطوان    تير شتيغن يخضع لجراحة في الظهر تُثير الشكوك حول استمراره مع برشلونة    صحيفة إسبانية تسلط الضوء على المغرب كنموذج للاستقرار الاقتصادي في إفريقيا        في صمت بعيدًا عن الضجيج.. المغرب يواصل إغاثة غزة    مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    مصرع خمسة أشخاص في حريق عبارة    مكتب نتنياهو يٌعلن إصابته بتسمم غذائي.. والصحافة العبرية تتهمه بافتعال المرض للتهرب من محاكمته    أمريكا تتسلم زعيم عصابة مخدرات    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر        آسفي .. ليلة فنية تحتفي بأصالة العيطة وتجذرها في الهوية الوطنية    دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    الحسيمة تحتفي بانطلاق مهرجان الشواطئ بأمسية للفنان رشيد قاسمي    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كعكة الكيف السياسي
نشر في هسبريس يوم 11 - 12 - 2013

تنطبق قصة "الفيل والفيلة"، المشهورة في الموروث الثقافي المغربي، على ملف الكيف في المغرب. إذ في الوقت الذي ينتظر فيه المغاربة من الأحزاب السياسية أن تمارس مهامها الدستورية في حمل الحكومة على الفاعلية والنجاعة في برامجها في معالجة ملف الكيف نجد بعضها يقفز إلى الأمام ويعمل على إضفاء الشرعية القانونية على أنشطة لم تستطع الحكومة في ظل حذرها النيل منها!
فلأزيد من عقدين من الزمن والمغرب "يحارب" نبتة الكيف تحت وابل من قصف التقارير الدولية التي تصنفه كل سنة ضمن أكبر مزودي السوق العالمية بهذا المخدر. وازداد الضغط على المغرب بدخوله في شراكة مع الاتحاد الأوروبي و تمتيعه بالوضع المتقدم. حيث يعتبر المغرب المزود الرئيسي للأسواق الأوروبية بهذا المخدر. رغم ذلك استعصى الكيف على "المخزن" واستمر في غزو العالم حيث لا يزال المغرب، في تقرير الأمم المتحدة الأخير"، المزود الثاني بعد أفغانسان لأسواق المخدرات بهذا المنتوج.
وفي كل سنة تقدم وزارة الداخلية تقريرا يرصد منجزاتها في محاربة زراعة الكيف، سواء بالعمل على تقليص المساحات المزروعة به أو من خلال التضييق على شبكات إنتاج وتسويق الكيف. لكن توالي السنين بدون نتائج قوية على أرض الواقع رغم الضغط الدولي وكل "الجهود" التي تعلن عليها وزارة الداخلية، ودخول بعض الأحزاب على خط الاستثمار السياسي للملف مؤخرا، يطرح أكثر من سؤال حول وجود إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذا الملف.
المؤكد اليوم أن النشاط الزراعي والتجاري الدائم في المنطقة و المتعلق بالكيف، وكل جهود وزارة الداخلية فيما له صلة به، ليس في الواقع سوى الظاهر من "جبل الكيف". و تمتد جذور الجبل لتستقر في عالم السياسة وحساباتها، حيث يعتبر الكيف الورقة السياسية الأكثر حيوية في المنطقة. وتتحدث التقارير الاعلامية المختلفة عن أن نصف مليون ناخب يزاولون زراعة الكيف. وهذا الرقم وحده كاف لبيان الأهمية الاستراتيجية التي تلعبها "ورقة الكيف" في ضبط الخريطة السياسية. و بعد أن استفردت السلطات تقريبا بلعب هذه الورقة طيلة أزيد من خمسة عقود، دخلت أحزاب سياسية حلبة التنافس حول هذه الورقة المغرية والحاسمة مند آخر انتخابات محلية بشكل واضح، بعد أن كانت هذه الورقة من الطابوهات الانتخابية والسياسية.
وفي إطار الضغط عليها، لتقاسم كعكة الكيف السياسية، حَوَّل الخطاب السياسي الجديد لتلك الأحزاب، ما تعتبره الداخلية منجزات تُضمِّنها تقاريرها الرسمية إلى انتكاسات بطعم اقتصادي وإنساني. وأصبح نحو 40 ألف مزارع في وضعية المبحوث عنهم عنوانا ل"مأساة إنسانية مقلقة"، وأصبحت المساحات المحروقة من الكيف عنوان تهديد مورد رزق 90 ألف عائلة تعيش من الكيف... هذا الخطاب الجديد الذي تم تصريفه محليا من طرف بعض الأحزاب في حملات انتخابية مستمرة، شكل مصدر ضغط كبير على السلطات خاصة وأن حزب "البام"، السلطوي التأسيس، هو أحد أكبر الفاعلين في هذا الملف، مما مهد الطريق لتقاسم "كعكة الكيف" معها.
لكن "التوافق" على تقاسم "كعكة الكيف" في ظل كونه نبتة غير قانونية، زراعة وتجارة، سيفضي لا محالة إلى كارثة سياسية، حيث ستتقوى مافيا الكيف بالأحزاب لتعزيز "استقلاليتها" عن السلطات المحلية مما سيجعل سياسات وزارة الداخلية في ضبط لعبة الكيف تخرج عن "السيطرة" التي كانت تحتها حتى الآن والتي بوأت المغرب مرتب كبار منتجي ومصدري الكيف في العالم! و الوضع الجديد، الذي ستفقد فيه وزارة الداخلية "السيطرة" على ملف الكيف السياسي، من شأنه إضعاف جهودها على الأرض، سواء فيما يتعلق بتقليص الأراضي المزروعة أو فيما يتعلق بمحاربة الاتجار في ذلك المخدر، مما سيعني الانزلاق الخطير نحو درجة من الفوضى ستمس بصورة المغرب ومصالحه في المنتديات الدولية. وهذا السيناريو الجديد يحتاج إلى إخراج سياسي يجعل المسؤوليات موزعة بين الجميع.
هناك حاجة إذن لتغطية تقاسم "الكعكة السياسية"، وحاجة لتبرير الفشل الرسمي في محاربة الأنشطة الفلاحية والتجارية المرتبطة بالكيف. وهذا التبرير، وفي إطار توزيع الأدوار ودر الرماد في العيون، قدمه "البام" بشكل رسمي بعد أن كان مجرد خطابات للاستهلاك المحلي. وفي هذا السياق التبريري جاء اليوم الدراسي الذي نظمه "البام" في مجلس المستشارين الأربعاء الماضي، وأعلن خلاله عزمه تقديم مقترح قانون لتنظيم "قطاع الكيف".
إنه مع غياب إرادة سياسية حقيقية لمعالجة ملف الكيف، سوف يكرر المغرب بتقنين الكيف، تجربة التبغ والكحول، والتي أصبحت اليوم محميات يرضع البعض ثديها ويؤدي المجتمع ضريبتها غاليا.
إن قانونا يعطي الحق في زراعة الكيف وتداوله لا يعني في ظل المعطيات السابقة، سوى توفير غطاء شرعي لمافيا اكتسبت خبرة واسعة لعدة عقود في مجال تهريبه، مافيا نسجت علاقات مع الفلاحين البسطاء ومع نافذين محليين أقوياء و اخترقت العديد من الأحزاب الوطنية، حيث أبانت التسريحات الواسعة لبعضهم بعد "حملة تخليق" داخل الحزب السلطوي، و رفض وزارة الداخلية ملفات ترشيح بعضهم خلال المحطتين الأخيرتين من الانتخابات التشريعية، (أبانت) أن المؤسسة التشريعية مهددة بالاختراق من طرف مافيا المخدرات كلما ضعفت السلطات أمام الضغط والابتزاز السياسي الذي تمارسه بعض الأحزاب بلعب "ورقة الكيف".
إن الحديث عن مؤسسة رسمية تتولى جمع وتسويق محصول الكيف ليس سوى ذر للرماد في العيون، فالعجز الذي طبع تعامل السلطات مع أنشطة الكيف وهي في وضعية غير قانونية طيلة عقود لا يمكن إلا أن يتفاقم حين تضفى الشرعية على تلك الأنشطة. إن مقاربة هذا الملف من زاوية قانونية فقط مقاربة قاصرة بل و خطيرة. إن ملف الكيف يحتاج في المقام الأول إلى إرادة سياسية تترجم إلى استراتيجية بعيدة المدى تحوله إلى قطاع اقتصادي نافع لساكنة الريف وللوطن و لكنه آمن بالدرجة الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.