تواصلت مساء الخميس، فعاليات الدورة الثالثة والعشرين للمهرجان الوطني لفن العيطة بآسفي، من خلال ليلة طربية متميزة غمرتها أجواء فنية نابضة بروح الانتماء والاعتزاز بالأصالة المغربية. وخلال هذا الموعد الفني الذي تقاطعت فيه الأنغام بالأصالة، تقاطر جمهور غفير إلى منصة ساحة مولاي يوسف بالمدينة، حيث امتزجت الأضواء بأصوات فناني العيطة، وهم ينسجون خيوط الوجدان الشعبي على وقع الإيقاعات والموال، في احتفاء بفن العيطة كأحد الروافد العميقة للهوية الثقافية الوطنية. وحملت هذه السهرة توقيعات فنية متميزة، افتتحتها مجموعة «ولد الشريف» التي استحضرت من خلال وصلاتها العيطة «الحصباوية» الأصيلة، قبل أن يعتلي الخشبة الفنان يوسف زوبيد، الذي أتحف الحاضرين بعيوط تحاكي وجع الحياة اليومية وتعابير الحب في آن واحد. ولم تتأخر لحظة التوهج الفني كثيرا، حيث أطل الفنان الشعبي الشهير «حجيب»، بأسلوبه العفوي، ليتفاعل الجمهور، شبابا وكهولا، مع أدائه بحماس كبير. وفي تصريح له، وصف الفنان حجيب، العيطة بأنها «لغة الروح»، مضيفا «كلما اعتليت المنصة في مهرجان آسفي، أشعر وكأنني أعود إلى البيت. الجمهور هنا لا يستمع فقط، بل يعيش العيطة بكل حواسه». من جانبهم، أعرب عدد من الزوار عن إعجابهم بالأجواء الفنية التي يشهدها المهرجان، وكذا وعي الأجيال الصاعدة بقيمة العيطة الجمالية والثقافية، معتبرين أن «العيطة ليست مجرد فن شعبي، بل هي سرديات عن الحب، والكرامة، والحنين». وموازاة مع هذه السهرة، احتضن «فضاء مدينة الثقافة والفنون» عروضا فنية أخرى ضمت كوكبة من الأسماء الواعدة في سماء هذا الفن، من بينها فؤاد السفياني، والعربي لشهب، وعابدين الزرهوني، الذين قدموا لوحات فنية امتزج فيها التراث بالاجتهاد الفردي، في مشهد يؤكد أن العيطة في تطور دائم، وتجدد نفسها دون أن تنكر أصلها. من جهة أخرى، عرف اليوم الثاني من المهرجان تنظيم ورشات فنية وتكوينية في مجال «المسرح والموسيقى»، حيث شكلت فضاء خصبا لتبادل التجارب ونقل المعارف بين الفنانين والمواهب الشابة، في انفتاح على بعد التكوين والتأهيل. وسعت هذه التظاهرة الثقافية، المقامة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس ،التي اختتمت فعاليتها يوم 19 يوليوز الجاري، إلى إبراز فن العيطة كإحدى تعبيرات الهوية المغربية المتنوعة، وتعزيز حضوره في المشهد الثقافي الوطني، باعتباره عنصرا أساسيا ضمن الصناعات الإبداعية بالمملكة. وتضمن برنامج هذه التظاهرة، التي تنظمها وزارة الشباب والثقافة والتواصل بشراكة مع عمالة إقليمآسفي وجمعية أصدقاء «تور هيردال»، تحت شعار «التراث الموسيقي والصناعات الثقافية»، سهرات فنية كبرى أحياها ثلة من نجوم فن العيطة، إلى جانب أسماء أخرى لامعة من مختلف مدارس العيطة المغربية. كما عرف برنامج الدورة تنظيم فقرات فكرية متنوعة، أبرزها ندوة حول التراث الموسيقي والصناعات الثقافية، شارك فيها أكاديميون وفنانون، إلى جانب فقرات موسيقية موازية، فضلا عن ورشات تكوينية موجهة للشباب في مجالات المسرح، الموسيقى، الإعلام، ومهن الفن والثقافة، من تأطير فنانين وأساتذة متخصصين.