البنوك.. عجز السيولة يتراجع بنسبة 2.87 في المئة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    المدرب مغينية: مستوى لاعبات المنتخب المغربي يتطور مباراة بعد أخرى    باها يستدعي حارس أميان بيومي لتعويض بدوي في كأس العالم للناشئين    لقجع يكشف السرّ وراء تألق الكرة المغربية وبروز المواهب الشابة    كيف يتمّ اختيار مدربي المنتخبات المغربية؟..فتحي جمال يجيب    سلا الجديدة.. اعتقال شخص كان ينقل أجنبيا بدون ترخيص بتهمة عدم الامتثال وسحل رجل شرطة    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    مساعد مدرب برشلونة: الانتقادات ستحفز لامين جمال في الكلاسيكو    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    قمة صينية أمريكية بماليزيا لخفض التوتر التجاري بين البلدين وضمان لقاء ترامب ونظيره شي    عشرات الدول توقع أول معاهدة أممية خاصة بمكافحة الجرائم الإلكترونية    بتنسيق أمني محكم.. تفكيك شبكة للهجرة السرية والاتجار في البشر بضواحي طنجة    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    مدريد توشح بوعياش بوسام استحقاق    تايلاند تنعى "الملكة الأم سيريكيت" عن 93 عاما    طنجة... تتويج الفائزين بجوائز القدس الشريف للتميز الصحفي في الإعلام الإنمائي    تقارب النقاط بين المتنافسين يزيد من حدة الإثارة بين أصحاب المقدمة وذيل الترتيب    تصريحات لترامب تعيد مروان البرغوثي إلى الواجهة (بروفايل)    تركيا تتوسط بين أفغانستان وباكستان    القضاء يدين العقل المدبر لشبكة نصب    حادثة مأساوية تودي بحياة شاب في حد السوالم    الولايات المتحدة.. باحثون يطورون رقعة ذكية للكشف المبكر عن سرطان الجلد    جلالة الملك يواسي أفراد أسرة المرحوم محمد الرزين    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    طقس السبت.. أجواء حارة بعدد من مناطق المملكة    كيوسك السبت | الحكومة تطلق دعما مباشرا للفلاحين لإعادة تكوين القطيع الوطني    الصحراء المغربية.. الأمين العام الأممي يبرز التنمية متعددة الأبعاد لفائدة ساكنة الأقاليم الجنوبية للمملكة    "اللبؤات" ينهزمن أمام اسكتلندا وديا    الوداد يقدم لاعبه الجديد حكيم زياش    من التعرف إلى التتبع.. دليل يضمن توحيد جهود التكفل بالطفولة المهاجرة    عامل طاطا يهتم بإعادة تأهيل تمنارت    "متنفس للكسابة".. مهنيو تربية المواشي بالمغرب يرحّبون بالدعم الحكومي المباشر    حدود "الخط الأصفر" تمنع نازحين في قطاع غزة من العودة إلى الديار    توتّر إداري بالمدرسة العليا ببني ملال    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    إلى السيد عبد الإله بنكيران    عبد الإله بنكيران والولاء العابر للوطن    مهرجان عيطة الشاوية يطلق دورته الأولى ببنسليمان    من وادي السيليكون إلى وادي أبي رقراق    من العاصمة .. حكومة بلا رؤية ولا كفاءات    مطارات المملكة استقبلت أزيد من 23,9 مليون مسافر خلال 8 أشهر    اتصالات المغرب تحقق أكثر من 5,5 مليار درهم أرباحًا في تسعة أشهر    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    المخرج نبيل عيوش يغوص في عالم "الشيخات ". ويبدع في فيلمه الجديد الكل "يحب تودا "    دبوس ماسي لنابليون بونابرت يعرض للبيع في مزاد    المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب يطلق مشروعا لنشر أطروحات الدكتوراه    أكاديمية المملكة تحتفي بالمسار العلمي الحافل للباحث جان فرانسوا تروان    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لتتوقّف هذه المهزلة.. !!
نشر في هسبريس يوم 11 - 12 - 2013

صرنا في زمن أصبحت تتنصّل مؤسسات الدّولة من مسؤولياتها وتنقض التزاماتها وتغتصب حقوق مواطنيها، وهذا مسؤول يوقّع ويلتزم، وذاك آخر يتبرّأ مما وقّعه مسؤول آخر ويتنصّل منه. وضعية تجعلنا نتساءل، هل نعيش فعلا في إطار دولة مؤسسات بالمعنى المتعارف عليه كونيا؟ أم أنّنا نعيش في كيان آخر تعمّ فيه العبثية واللامسؤولية، حيث يحقّ لكل مسؤول أن يقوم بما يحلو له وبما يتلاءم و"هواه"، مما يضع بعض الشعارات "كدولة المؤسسات" و"دولة الحق والقانون" موضع شكّ وريبة؟
من بين ما دفعني إلى طرح هذا التساؤل هوقضيّة المرسوم الوزاري رقم 2.11.100 وكذا محضر 20 يوليوز وتوضيح علاقتهما بمثل هذه الشعارات.
في البداية لابدّ من الإشارة إلى أن المرسوم الوزاري رقم 2.11.100 الصادر بتاريخ 8 أبريل 2011، الذي ينصّ على الإدماج المباشر لحاملي الشهادات العليا في أسلاك الوظيفة العمومية، أُصدِرَ "بعد دراسة المشروع في المجلس الوزاري المنعقد في فاتح أبريل 2011". وكما هومعلوم فالمجلس الوزاري يترأسه الملك، "الممثّل الأسمى للدولة".(الفصل 42 من الدستور) ويحضره وزراء الحكومة وعلى رأسهم الوزير الأوّل (حسب دستور 1996، رئيس الحكومة حسب دستور 2011). ومن جهة ثانية هذا المرسوم مذيّل بإمضاء كل من عباس الفاسي الوزير الأول كثاني أعلى مسؤول في البلاد بعد الملك ثم توقيعات كل من وزير الداخلية الطيب الشرقاوي، وزير الاقتصاد والمالية صلاح الدين مزوار والوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بتحديث القطاعات العامة محمد سعد العلمي.
وبالتالي فالملك "الممثّل الأسمى للدولة" برفقة "مسؤولي الدّولة"، الوزير الأول وباقي أعضاء الحكومة قاموا "بعد دراسة المشروع في المجلس الوزاري" بإصدار المرسوم رقم 2.11.100. وعلى إثر ذلك عمل "مسؤولو" البلاد على إبلاغ هذا المرسوم في مختلف وسائل الإعلام لاسيما القنوات التلفزية العمومية.
أما فيما يخص محضر 20 يوليوز والذي يمثّل ابنا شرعيا للمرسوم، فهو يشمل فئة من الأطر المشمولة بالمرسوم، فبعد استفادة الدّفعة الأولى من الإدماج في فاتح مارس 2011، وإقصاء أطر أخرى معنيّة بالمرسوم الاستثنائي، تمّ توقيع محضر تلتزم الدولة بموجبه "بتخصيص المناصب المالية لهاته الأطر ضمن قانون المالية 2012".
هذا المحضر يبتدئ ب "تتمّة للمبادرة الملكية"، أي أنّ هذا المحضر يندرج في إطار مبادرة ملكية وذاك ما يتجسّد من خلال إشراف "الأمانة العامّة للحكومة" على صياغته، وأكّده "عامل صاحب الجلالة" بالرباط حين قال أنّ "هذا المحضر جاء بمبادرة من جلالة الملك". ثمّ ذُيِّلَ بخواتم كل من الوزارة الأولى، وزارة الدّاخلية ووزارة تحديث القطاعات العامّة.
يتبيّن ممّا سبق أنّ كل من المرسوم والمحضر ساهمت في إفرازهما كل من المؤسسة الملكية سواء كمشاركة في "دراسة مشروع المرسوم" ضمن المجلس الوزاري ثمّ إصداره، أو "كمبادرة" في توقيع المحضر. ثمّ مؤسسة الحكومة من خلال الوزير الأول والقطاعات الوزارية الأخرى خصوصا وزارة الاقتصاد والمالية، وزارة الدّاخلية، ووزارة تحديث القطاعات.
إلى حدود إصدار المرسوم وتوقيع المحضر كانت تبدوالأمور عادية، خصوصا وأنّنا في "دولة المؤسسات" و"دولة الحقّ والقانون". لكن فجأة تمّ في مرحلة أولى إقصاء عدد كبير من الأطر التي يشملها المرسوم الاستثنائي بدعوى وجود قانون الوظيفة العمومية، على الرغم من أن هذا الأخير لم يُصدَر مرسومه التطبيقي إلا في 31 دجنبر 2011، وبالتالي لم يعد هذا القانون سَارِيَ المفعول إلا في فاتح يناير 2012. ليتمّ الانتقال بعد ذلك إلى "التّبرّأ" مما وقعت أيديهم، أوأيدي أسلافهم ونعني محضر 20 يوليوز.
إنّ التنصّل من تفعيل المرسوم ثمّ من تنفيذ المحضر من بعده، يضع شعارات "دولة المؤسسات و دولة الحق والقانون" على المحك ويطرح أسئلة عدّة، أوليست الدّولة بمؤسساتها ومسؤوليها هي من أصدرت المرسوم الوزاري 2.11.100 ووقّعت محضر 20 يوليوز؟ هل البلاغات التي نشرتها الدّولة عبر إعلامها العمومي كان الغرض منها النّصب والاحتيال على إحدى شرائح المجتمع المغربي؟ أوليست التصريحات التي أوردها وزراء الحكومة بخصوص المرسوم والمحضر هي تصريحات مسؤولي الدّولة؟ أوليس "الدستور الجديد يقرن "المسؤولية بالمحاسبة"؟ فلماذا تطلقون العنان لأيديكم وألسنتكم ثمّ تقولون نحن "آسفون" وبريئون ممّا كسبت أيدينا ونطقت أفواهنا؟
إنّ تملّص بن كيران من تنفيذ المرسوم والمحضر، يدلّ على تسفيهه واستهتاره بقرارات اتخذها مسؤولو الدّولة وعلى رأسهم "الممثّل الأسمى للدّولة"، والتي رأى فيها المسؤولين وعلى رأسهم الملك، أنّها قرارات صائبة بل "حكيمة". ثم إن التشكيك في مشروعيتهما قد ينمّ عن انعدام الثّقة فيمن اتخذوا هذه القرارات. وذاك ما أكّده الوزير بدون حقيبة عبد الله باها، حين قالت له بعض الأطر المعنيّة، أنّ المرسوم والمحضر يمثلان قرارا ومبادرة من الملك، فأجاب: " وإن يَكُنْ". عبارة تعبّر عن قمّة الاستهتار بمؤسسات البلاد من جهة وبمصائر أطر من جهة أخرى ممّا ولَّدَ احتقان سيؤدّي إلى ما لا تُحمد عقباه.
إنّ قضيّة المرسوم الوزاري رقم 2.11.100 ومحضر 20 يوليوز، تعتبر قضيّة وطنيّة، لكونها تتعلّق بالتنصّل من التزامات الدّولة اتجاه مواطنيها وانتهاك حقّ إحدى شرائح المجتمع المغربي، وذلك يعتبر "رجعية" و"رِدّة" ديمقراطية تُوجِب استنهاض قيم العدل والكرامة في كل الفعاليات الدّيمقراطية والضّمائر الحيّة، والتّصدّي بكلّ حزم لمثل هذه الممارسات التي تهدّد مكتسبات الشعب المغربي، وعلى رأسها إرساء دولة المؤسسات ودولة الحقّ والقانون.
كما أنّ استمرار المسؤولين في التنصل من تفعيل وتنفيذ التزاماتهم هو دعوة إلى الأطر المعنيّة، بالتحلّل من أي علاقة أوعقد اجتماعي أوسياسي أو"قانوني" يربطها بهذه الدّولة ومؤسساتها. فأيّة مشروعية لمؤسسات تبرّأت من مولود أنجبته ثمّ تعتبره لقيطا وغير شرعي، فإذا كان بالفعل لقيطا وغير شرعيّ، فيجب أن تُحاسب هذه المؤسسات بتهمة الفساد الذي نتج عنه إنجاب ابن غير شرعي، وأن تتحمل مسؤولية ممارساتها التي أدّت إلى إنجاب هذا المولود وكذا محاولات وأدِه التي لازالت مستمرّة.
إنّ عدم تفعيل وتنفيذ هاتين الوثيقتين -المرسوم والمحضر- في ظلّ تضمّنهما لتوقيعات المؤسسات ووجود أسماء مسؤولي البلاد بهما، هو استهتار بهذه المؤسسات وإخلال "بالاحترام الواجب" لتلك الأسماء ودعوة إلى عدم الثّقة فيهما. والتشكيك في قانونيتهما وشرعيتهما هو تشكيك في المؤسسات والجهات التي كانت وراء إصدارهما.
في الأخير نعتبر بأنّ الاستمرار في التنصّل من تنفيذ المرسوم الوزاري رقم 2.11.100 ومن تفعيل محضر 20 يوليوز، هي مهزلة يجب أن تتوقّف في الحال، "فكيف يجوز الدّفع ببطلان عمل قانوني من طرف من كان طرفا فيه"؟ إنّه منطق اللامنطق، إنّها العبثية والاستهتار بقرارات الدّولة من جهة وبمصائر المواطنين من جهة أخرى. وبالتالي على كل من لازال يتملّص من تنفيذهما وتفعيلهما أن يتحمّل مسؤولية كلّ ما قد يترتّب عن ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.