مازالت قضية شركة "سامير" لتكرير البترول تثير الجدل بين الحكومة والمطالبين بإعادة تشغيلها لمواجهة الأسعار المرتفعة للمحروقات. وصدر حكم التصفية القضائية في مواجهة شركة "سامير" قبل ست سنوات، وتم تأكيده في جميع مراحل التقاضي، وكان يفترض أن يتم تفويتها لمشتر، لكن ذلك لم يتحقق. وسعت فرق برلمانية من المعارضة إلى حث الحكومة على اتخاذ مبادرة تأميم الشركة وإعادتها إلى المؤسسات العمومية كما كانت في السابق، لكن تم رفض المقترح. وتبرر الحكومة موقفها من عدم التدخل في هذا الملف والاستفادة من قدرات التكرير والتخزين في الشركة بوجود مسطرة قضائية يتعين احترامها؛ لكنه مبرر لا يقنع عددا من المدافعين عن المصفاة الوحيدة بالمغرب، إذ يدفعون بأن نسبة مهمة من ديون الشركة تعود للدولة؛ ناهيك عن انتهاء مسطرة التقاضي بصدور حكم التصفية. وخلال الأسبوع الماضي، قالت ليلى بنعلي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، في لقاء مع الصحافة، إن مسطرة التحكيم الدولي التي مازالت جارية أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي تعيق استغلال مصفاة "سامير". والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار هو هيئة تحكيمية تأسست سنة 1966، وتنظر في منازعات الاستثمار بين الشركات والدول. وقد لجأت شركة "كورال موروكو هولدينغ"، التابعة لمجموعة "كورال بيتروليوم هولدينغ" السويدية، التي كانت تملك في السابق مصفاة سامير، إلى وضع طلب تحكيم بعد قرار التصفية القضائية. ويُعهَد للمركز الدولي النظر في النزاعات المرتبطة باستثمار شركة دولية في بلاد ما بناءً على اتفاقيات موقعة بين البلدين. فيما خصوصية المسطرة المعتمدة تكمن في كونها سرية، إذ يتم الإفصاح فقط عن تاريخ وضع الطلب وتعيين لجنة التحكيم وتاريخ إغلاق الملف ونتيجته. واعتمد الحسين العمودي، المالك السابق لمصفاة سامير رجل الأعمال السعودي من أصل إثيوبي، في طلب التحكيم الدولي في مواجهة المملكة على الاتفاق الموقع سنة 1990 بين المغرب والسويد بشأن إنعاش وحماية الاستثمار على وجه التبادل، الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2009، وتنص مقتضياته على ضرورة حماية مستثمري الدولة الطرف. وضمن مقتضيات الاتفاق، تم التنصيص على ضرورة عرض الخلاف المرتبط بالاستثمار بين الطرفين أمام المركز الدولي لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمار؛ وذلك في إطار معاهدة واشنطن لسنة 1965 الخاصة بتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدولة ورعايا دول أخرى. وأشار العمودي، في دفعه أمام لجنة التحكيم، إلى أن "المغرب لجأ إلى التصفية القضائية لإخراجه من تسيير سامير، أي تهديد استثماره"، ما يجعل المغرب "متردداً في اتخاذ قرار في مصير الشركة تفادياً لإعطاء شرعية وصدقية لاتهامات العمودي"، وفق تعبير مصدر قريب من الملف. لكن هل يمكن للتحكيم الدولي أن يعرقل تنفيذ حكم صادر عن القضاء المغربي استوفى جميع المراحل؟ يُجيب مصدر قريب من الملف بأن "المسطرتين منفصلين، ويجب على الدولة أن تنظر في العروض الجدية التي تسعى لشراء سامير لإنقاذ ما يمكن إنقاذه". تصريحات وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة حول التحكيم الدولي لم تمر دون أن تثير ردود فعل من طرف الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، التي أكدت أن "أن القضاء المغربي انتهى من كل المراحل بالحكم بالتصفية القضائية في مواجهة شركة سامير، وهو بصدد تلقي العروض من أجل التفويت القضائي للشركة بغاية المحافظة على التشغيل وتغطية الممكن من الديون". وذكرت الجبهة، ضمن بلاغ توصلت به هسبريس، ن "نجاح مساعي التفويت للخواص رهين بتوضيح سياسة المغرب في قطاع تكرير البترول وتشجيع الاستثمار فيه؛ مع تنظيمه ووضع حد للفوضى الرائجة فيه، والكف عن التصريحات المقوضة لمساعي التفويت من خلال تبخيس دور شركة سامير والتشكيك في قدراتها الإنتاجية والتخزينية والتنافسية". وأوضحت الجبهة التي تضم سياسيين وبرلمانيين وحقوقيين ومحامين أن "ملف التحكيم الدولي مفتوح بين الدولة المغربية والمستثمر السابق، أما شركة سامير فليست طرفا فيه ولا يمكن ربط مصيرها بمآل النزاع المعروض على مركز التحكيم الدولي الذي لا يمكن التحكم في أجل طيه للملف"، مردفة: "نخشى أن تكون الخسارة في نهاية المطاف خسارتين، أي 15 مليار درهم في التحكيم الدولي و15 مليار درهم قيمة المصفاة". ودعت الجهة ذاتها إلى "المحافظة على الأصول المادية وعلى الثروة البشرية بشركة سامير التي تعيش بأقل من 60 في المائة من مدخولها والحرمان من التقاعد، من خلال الاستئناف العاجل للإنتاج بالمصفاة بدون مماطلة ولا تسويف ولا اختلاق الذرائع، سواء بالتفويت للخواص أو لفائدة الدولة المغربية". كما نبهت الهيئة ذاتها إلى أن "التأخر في ذلك سيؤدي حتما إلى الخسران المبين لكل المكاسب التي توفرها صناعات تكرير البترول لفائدة المغرب والمغاربة، وسيقضي على الثروة الوطنية التي بنيت وتراكمت على مدى 6 عقود من الزمن وأكثر". وذهب أصحاب البلاغ إلى أبعد مدى بالمطالبة ب"تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق يرأسها نائب من المعارضة وتتكون على وجه الخصوص من خبراء معروفين بكفاءتهم واستقلاليتهم، بهدف التحقيق في إخفاقات الحكومة في معالجة ملف شركة سامير منذ الخوصصة حتى اليوم، وملف المحروقات منذ رفع الدعم حتى اليوم". وجددت الجبهة مطالبتها ب"فتح تحقيق موسع في أسباب سقوط شركة سامير في التصفية القضائية والتوقف عن الإنتاج وملاحقة المتسببين في ذلك"، وأكدت أن "شركة سامير هي المخرج الوحيد والمضمون من أجل الرفع من الاحتياطي الوطني من الطاقة البترولية ومواجهة خطر انقطاع أو اضطراب الإمدادات، والحد من الأسعار الفاحشة للمحروقات بعد التحرير الأعمى للأسعار سنة 2015".