بعد فراره لساعات.. سائق سيارة نقل العمال المتسبب في مقتل سيدة مسنة يسلم نفسه لأمن طنجة    الأقاليم الجنوبية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    بايرن ميونخ يحتفل بلقبه ال34 بفوزه على ضيفه بوروسيا مونشنغلادباخ (2-0)    الوكالة الفرنسية للتنمية تعلن تمويل استثمارات بقيمة 150 مليار بالصحراء المغربية    الاتحاد الاشتراكي بطنجة يعقد لقاءً تنظيمياً ويُفرز مكاتب فرعي المدينة وبني مكادة    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    دروس من الصراع الهندي - الباكستاني..    الصين وروسيا تؤكدان التزامهما بحماية العدالة الدولية وتعزيز التعددية    ريال مدريد يعلن قائمته للكلاسيكو بحضور دياز ولخديم    المغرب – السعودية .. افتتاح النسخة الثانية من معرض "جسور" بمراكش    تقديم 8 متهمين في قضية طنين من مخدر الشيرا بالعرائش    نادي السد يتوج بلقب كأس قطر لكرة القدم عقب فوزه على الدحيل (4-3)    التعاون الفلاحي يتصدر إعلان نواكشوط    أرسنال يجهز الممر الشرفي لليفربول    بدء منافسات بطولة المغرب للشطرنج    مركز مغربي: الحكم الذاتي يتيح تنافس قادة "البوليساريو" مع نخب الصحراء    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    الى صديقي يونس    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    زيارة استثنائية وإنسانية للزفزافي تنعش آمال الحل في ملف حراك الريف    زلزال تفوق قوته 5 درجات يضرب هذه الدولة    حريق مهول يلتهم وحدة صناعية للأغطية دون خسائر بشرية    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    سحابة كلور سامة في إسبانيا ترغم 160 ألف شخص على ملازمة منازلهم    إسبانيا تُطلق دراسة جديدة لمشروع النفق مع طنجة بميزانية 1.6 مليون أورو    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    وساطة أمريكية تنهي التصعيد بين باكستان والهند    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق الإلحاد والوهم الكبير
نشر في هوية بريس يوم 13 - 03 - 2022

يقول "ول ديورانت" في كتابه قصة الحضارة (لا يزال الاعتقاد القديم بأن الدين ظاهرة تعم البشر جميعا اعتقادا سليما وهذه في رأي الفيلسوف حقيقة من الحقائق التاريخية والنفسية).
هذا النص وغيره يؤكد أن الدين كان حاضرا والتدين كان هو السمة البارزة للشعوب عبر التاريخ. وأن الإلحاد حتى وإن كان موجودا عبر فترات تاريخية فإنه يبقى حالة شاذة هناوهناك، لذلك لم يستقم للباحثين في هذا التوجه اتفاق على تحديد تاريخ مضبوط لظهوره.
بينما في الزمن المعاصر فهناك شبه اتفاق على أن هذا التوجه -الذي هو الالحاد- بدأ ظهورهإبان الثورة الفرنسية سنة 1789م، وكان للثورة العلمية الغربية بالأساس أثر كبير في ظهوره بشكل واضح وعلني كتوجه له منظرون واتباع وأنصار، ومبادئ وأفكار وأسس وأصول. وذلك ناتج عن الصراع الذي نتج عن التناقض بين الكنيسة ومعتقداتها المتعلقة بتفسير الكون وظواهره الطبيعية وما وراء الطبيعية، وبين ما توصل إليه العلماء نتيجة البحث وتطور العلوم.إذ كانت الكنيسة تحكم سيطرتها على الاتباع وترغمهم على الإيمان بمعتقداتها والكفر بما أنتجه العلم آنذاك.
وهنا سيكتشف الناس أن ما تفرضه الكنيسة باعتباره منسوبا إلى الكتاب المقدس الذي ينسب إلى الإله متناقض مع العلم والاكتشافات الحديثة التي تفسر ظواهر الكون وتجيب عن العديد من القضايا، التي كان الإنسان مضطرا أن يفسرها غيبيا وينسب ذلك إلى الإله الغيبي الخارق قبل ذلك. هذا التصور جاء العلم ليدحضه، مما ولد الشكوك لدا العامة اتجاه معتقدات الكنيسة المنسوبة إلى الإله؛إذ لا يعقلأن يكون ما يقوله الإله في الكتاب المقدس متعارضا مع ما يثبته العلم، وهذا يعني أمرين اثنين؛أحدهماأن ما جاء به العلم خطأ، وما تقوله الكنيسة صواب.
أو أن ما يقوله العلم صحيحا وما تقوله الكنيسة خطأ، وما دام أن العلم يمتلك الحجة فإن له تأثيرا على العامة الذين يرون أن ما أثبته العلم يدل على عدم وجود الإله، وأن ما تقوله الكنيسة إنما هو رغبة من رجال الدين المتحالفين مع الساسة والإقطاعيين للسيطرة على الشعوب، وأن فكرة الإله إنما هي محاولة غبية لتفسير الظواهر الكونية نتيجة الفراغ وعدم القدرة على فهم ذلك علميا وهذا ما تحقق مع الثورة العلمية.
إذا أضفنا إلى هذا أن من أسباب الإلحاد هو ردود الأفعال العنيفة، والرغبة في التحرر من قيود التعاليم الدينية من أجل حياة مليئة بالرفاهية والمتعة بلا حدود، يتأكد ما قلناه من انتشار الإلحاد الذي وجد له تربة خصبة في بلاد الغرب حيث سيطرة الكنيسة الخرافية.
المثير في أمر الإلحاد -وإن كان له ما يبرره عند الإنسان الغربي-، هو انتشاره بين المسلمين، حيث يلحد منهم من يلحد بما له تعلق بأسباب أنتجها الدين الكنسي المحرف، والذي يحارب العلم والعلماء فيسقطها على الإسلام دين العلم والاحتفاء بالعلماء -الذين يجمعون بين المعرفة المادية والروحية-، لكن عند التأمل في واقع الإلحاد في عالمنا الإسلامي نجد غالبه ناتجا عن الرغبة في التمرد على تعاليم الدين وقيم المجتمع بسبب الإغراق في المعاصي والشهوات، أو نتيجة عدم القدرة على تحمل المحن والمصائب والابتلاءات خاصة عند تواليها أو طول أمدها أو قوتها بسبب ضعف الإيمان واليقين والجهل بالله وحكمته في التدبير والتقدير، كما يمكن أن نجد هناك ملحدين كان لهم من العلم والإيمان ما ليس عند من ذكر، لكن قوة الغرور والإعجاب بالنفس إلى حد السكر والغفلة عن فضل الله في الهداية والثبات، فيسلبون الإيمان على حين غرة، نايك عن كونه موضة فكرية عند كثير من الشباب، والواقع فيه ما يكفي من الأدلة على هذا التشخيص دون إنكار لغير هذا من الأسباب.
إن الإلحاد في نظري ليس إلا وهما لا حقيقة له. لأن الشعور بوجود الإله فطري لا ينفك عن وجدان الإنسان، ولذلك عبر التاريخ كان الناس مرتبطين روحيا بإله يختارونه من بين أعظم قوى الطبيعةحيث يرون فيه القوة والجبروت وأنه مصدر الحياة للكائنات، قبل أن يأتي الأنبياء ليوجهونهم إلى الإله الحق، أو يدعونهم إلى إخلاص العبودية للإله الواحد، ولذلك يبدوا الإلحاد كفلسفة في الخلق والوجود نشازا في تاريخ البشرية. بل ممارسة للعناد في أبشع مظاهره، فالملحد لا يجد انشراحا عند إنكار وجود الخالق ولا يطمئن لذلك، فيبقى مهموما مشغولا طول حياته بإنكاره والبحث عن الأدلة التي تمنحه هذا الانشراح عند ادعائه عدم وجود الخالق.
فإذا نظرنا إلى العلل التي على أساسها ينكر الملاحدة وجود الخالق المالك المدبر المشرع المعبود، حيث إن الإله لا يثبت لا عقلا ولا حسا ولا علما، نجدهم يعيشون تناقضا صارخا في الحياة، لأن أسس المعرفة اليقينية عندهم لا تستقيم إلا عند انكار الخالق وما يتعلق به من غيبيات، بينما لا تنسجم مع باقي اليقينيات التي يؤمنون بها. والتي هي غارقة في الغيبيات مما لا يقبله عقل ولا تدركه حواس ولا تثبته تجربة.
والأمثلة أكثر من أن تحصر، إلا أن الملحد مثلا يؤمنبكونه ولد من أبوين لا يقبل أن يشكك أحد في كونهما أبويه رغم أنه لم يدرك ذلك بأي حاسة ولا أثبت ذلك علميا، وما يمكن أن يقال عن توظيف تحليل البصمة الوراثية في إثبات النسب فليس إلا حجة عليه لأنه في النهاية سيتشكل يقينه بناء على أخبار من المختص الذي قام بالعملية ولم يقم بها هو، ونفس الشيء يقال عن جده وما فوقه، فلا يقبل الملحد أن يقال عنه إنه جاء صدفة أو نتيجة تفاعلات كيميائية لبقايا قشور الخضر أو نفايات المنزل، بينما يؤمن بذلك وبيقين في ما يتعلق بنشأة الكون وتطوره وتصميمه ونظامه.
كما نجد هذا الملحد أيضا يصدق ما يقال عن وجود دول أو شخصيات أو أحداث لم يعشها ولم تثبتها التجربة ولا يستوعبها العقل، لكن وجودها عنده مسلم به لا يقبل النقاش، وهي غيب عنده؛ مثل تصديقه لما يقال في نشرة الأحوال الجوية لمدة أسابيع، ويتخذ قرارات بناء على ما قيل فيها، ويصدق الطبيب حين يخبره بمرضه وأنه لو استمر في التدخين مثلا سيصاب بثقب في المعدة أو يموت، فتجد الملحد عازما على العمل بما قال الطبيب وهو في حكم الغيب، ولا يعكر على هذا ما يمكن أن يقال إنها معلومات مبنية على العلم، نعم إن سلمنا بذلك فهي ملزمة لمن قام بالعلم وأنجز التجربة وليس في حقمن تلقاه خبرا عن الغير. ونفس الشيء يقال عن يقينه بأن أصل الإنسان قرد وأن أصل القرد سمكة وهلم جرا، فكلها أخبار قرأها أو سمعها، لا هي تابته عنده بالحس أي رأى القردة تتطور مثلا، أو قام بتجربة علمية،أو أن العقل السوي يستوعب ذلك أصلا.
فالملحد يرد الدين على أساس أنه غيب؛ فالله والرسول والقرآن والبعث وأحداثه غيب، ولا يمكن إثبات شيء من ذلك بأحد الأصول التي يبني عليها يقينه؛ أعني الحس أو العقل أو التجربة، ولأن كثيرا من أصول الإلحاد مثل الصدفة والانفجار والخلية والحثالة الميكروبية وتطور الكائنات، وكل ما يفسر به نشوء الكون وتطوره عند معشر الملاحدة يحدث عند بعضهم انفصاما بين الواقع والشعور والفطرة،فإنه ولد مذهبا إلحاديا مخنثا يؤمن بوجود الخالق (الربوبيون) لكنه خالق لا يملك سلطة على ما خلق ولا يهتم بالكون وما يجري فيه. وهذا تلفيق يوقع الملحد في تيه وضياع وشرود، وهو ما أنتج عندهم ما يسمى بالعدمية. حيث الحياة بلا معنى.
فيعيش الملحد في مأزق كبير وعقد نفسية ينفس عن ضغوطه وأزماته بمنشورات كلها سخرية بالأديان وبدين الإسلام خاصة، ونشر الأغاليط والتهم الباطلة، يفعلون ذلك أحيانابلغة وقحة متفحشة بشكل عنيف، مما يدل على التوتر والضياع وفقدان البوصلة والحقد على أهل الايمان.
إن تناقضات الإلحاد أبلغ من أن يحصرها مقال، لأنه مذهب يصادم الحقيقة والعقل والحواس والعلم، ويركب حبل العناد والمكابرة. خاصة ملحدو أمة الإسلام الذين استهواهم التوجه في ظل سيادة الجهل بالإسلام وسيطرة الأهواء والشهوات والفراغ الروحي الرهيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.