نزهة الوافي غاضبة من ابن كيران: لا يليق برئيس حكومة سابق التهكم على الرئيس الفرنسي    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    إدارة الدفاع الوطني تحذر من ثغرات أمنية خطيرة في متصفح للأنترنيت    أمسية احتفائية بالشاعر عبد الله زريقة    الجزائر.. نظام العسكر يعتقل المؤرخ محمد الأمين بلغيث بسبب تصريحات إعلامية ويوجه له تهما خطيرة    أخنوش : السياسة بالنسبة إلينا هي العمل والجدية والوفاء بالالتزامات المقدمة للمواطنين    قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء    52 ألفا و495 شهيدا في قطاع غزة حصيلة الإبادة الإسرائيلية منذ بدء الحرب    تقرير: المغرب يحتل المرتبة 63 عالميا في جاهزية البنيات المعرفية وسط تحديات تشريعية وصناعية    تفاصيل زيارة الأميرة للا أسماء لجامعة غالوديت وترؤسها لحفل توقيع مذكرة تفاهم بين مؤسسة للا أسماء وغالوديت    انتحار مراهق يهز حي حومة الشوك بطنجة صباح اليوم السبت    الملك محمد السادس يواسي أسرة الفنان محمد الشوبي: ممثل مقتدر خلّد اسمه بتشخيص متقن لأدوار متنوعة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    المغرب يبدأ تصنيع وتجميع هياكل طائراته F-16 في الدار البيضاء    حادث مروع في ألمانيا.. ثمانية جرحى بعد دهس جماعي وسط المدينة    ابنة الناظور حنان الخضر تعود بعد سنوات من الغياب.. وتمسح ماضيها من إنستغرام    وصول 17 مهاجراً إلى إسبانيا على متن "فانتوم" انطلق من سواحل الحسيمة    العد التنازلي بدأ .. سعد لمجرد في مواجهة مصيره مجددا أمام القضاء الفرنسي    توقيف شخص وحجز 4 أطنان و328 كلغ من مخدر الشيرا بأكادير    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    مجموعة أكديطال تعلن عن نجاح أول جراحة عن بُعد (تيليجراحة) في المغرب بين اثنين من مؤسساتها في الدار البيضاء والعيون    الملك: الراحل الشوبي ممثل مقتدر    تير شتيغن يعود لحراسة مرمى برشلونة بعد غياب 7 أشهر بسبب الإصابة    دار الطالب بأولاد حمدان تحتضن بطولة مؤسسات الرعاية الاجتماعية    كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة تحتضن أول مؤتمر دولي حول الطاقات المتجددة والبيئة    الإمارات وعبث النظام الجزائري: من يصنع القرار ومن يختبئ خلف الشعارات؟    إسرائيل تعيد رسم خطوط الاشتباك في سوريا .. ومخاوف من تصعيد مقصود    تونس: محكمة الإرهاب تصدر حكما بالسجن 34 سنة بحق رئيس الحكومة الأسبق علي العريض    كازاخستان تستأنف تصدير القمح إلى المغرب لأول مرة منذ عام 2008    بيزيد يسائل كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري حول وضعية مهني قوارب الصيد التقليدي بالجديدة    الإقبال على ماراثون "لندن 2026" يعد بمنافسة مليونية    العصبة تفرج عن برنامج الجولة ما قبل الأخيرة من البطولة الاحترافبة وسط صراع محتدم على البقاء    الملك محمد السادس يبارك عيد بولندا    الأزمي: لم تحترم إرادة الشعب في 2021 وحكومة أخنوش تدعم الكبار وتحتقر "الصغار"    الداخلة-وادي الذهب: البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية    منحة مالية للاعبي الجيش الملكي مقابل الفوز على الوداد    يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة    أصيلة تسعى إلى الانضمام لشبكة المدن المبدعة لليونسكو    الكوكب يسعى لوقف نزيف النقاط أمام "الكاك"    اللحوم المستوردة في المغرب : هل تنجح المنافسة الأجنبية في خفض الأسعار؟    أكادير… توقيف شخص يشتبه في ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في التهريب الدولي للمخدرات وحجز أربعة أطنان و328 كيلوغراما من مخدر الشيرا    "هِمَمْ": أداء الحكومة لرواتب الصحفيين العاملين في المؤسسات الخاصة أدى إلى تدجينها    "كان" الشباب: المنتخب المغربي ينهي تحضيراته استعدادا لمواجهة نيجيريا وسط شكوك حول مشاركة الزبيري وأيت بودلال    غوارديولا: سآخذ قسطًا من الراحة بعد نهاية عقدي مع مانشستر سيتي    توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حقائق تاريخية للقضية الفلسطينية: من سقوط الخلافة إلى إعلان دولة «إسرائيل»
نشر في هوية بريس يوم 19 - 03 - 2016


السبت 19 مارس 2016
سنحاول في هذه الورقة تقديم تأطير تاريخي يتضمن أهم المحطات التي عرفتها القضية الفلسطينية من قبيل سقوط الخلافة العثمانية، إلى إعلان قيام دولة إسرائيل سنة 1948. محاولين الوقوف على بعض الحقائق التاريخية المهمة، والسياقات الحقيقية للقضية الفلسطينية.
1- ما قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين وسقوط الخلافة العثمانية:
– بدايات الأطماع الصهيونية.
تظهر الدراسات التاريخية، أن اليهود فقدوا صلتهم بفلسطين لمدة تصل إلى 1800 عام. ولم يفكروا حتى في سبل العودة إلى فلسطين، لأن رجال الدين اليهود كانوا يؤمنون أن اليهود يستحقون هذا "الشتات"ّ لما ارتكبوه من آثام وخطايا، وأن عودتهم لن تتحقق إلا بعد مجيء "الماشياح" أو "المسيا" (Messiah/Mashiah) وهو الذي سيمكنهم من الاستقرار في فلسطين.
وعلى عكس الكنيسة الكاثوليكية التي تعتبر اليهود قتلة المسيح، فإن ظهور البروتستانتية في أوروبا منذ القرن السادس عشر في إطار حركة الإصلاح الديني، سيُكسب الصهيونية دعما أكبر، بين أتباع الإصلاح الديني، لإيمان البروتستانتية بالعهد القديم (التوراة) ومقولاته التي تتضمن عودة اليهود إلى فلسطين، إذ يؤمن البروتستانتيون بما يسمى "نبوءة العصر الألفي السعيد"، والتي تقول بظهور المسيح المنتظر بعد اجتماع اليهود بفلسطين، ليقوم بتنصيرهم، ثم يقودهم في معركة "آرمجدون" التي سينتصر فيها، ليبدأ عهد جديد من السعادة يدوم ألف عام.
ونظرا لانتشار البروتستانتية بأغلبية في بريطانيا والولايات المتحدة وهولندا، وبدرجة أقل في ألمانيا، فستصبح هذه الدول داعمة للمشروع الصهيوني بشكل تلقائي انطلاقًا من خلفيتهم الدينية.
وبشكل عام، تمتع اليهود بمزيد من الحريات والحقوق في أوروبا الغربية في ارتباط مع تأسيس الدول العلمانية بها، عكس ما عرفته روسيا من تضييق عليهم، بلغ أوجه سنة 1881 بعد اتهام اليهود باغتيال قيصر روسيا ألكسندر الثاني. وبدأت حملات التضييق والعداء لليهود، لتظهر حينها ما يعرف "بالمشكلة اليهودية"، والتي تتلخص ببساطة في عدم وجود وطن قومي لليهود، وبدء أعداد هائلة من اليهود في الهجرة من روسيا إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية والجنوبية، لتصبح الأجواء حينها مناسبة للحركة الصهيونية، للبروز إلى العلن، والحديث صراحة عن حل "المشكلة اليهودية" بإقامة وطن لهم في فلسطين؛ وهي الدعوة التي بدأت تحصد المزيد من الأتباع تدريجيا بين اليهود، خصوصا الفارين منهم من روسيا؛ وبين الغربيين أيضا والراغبين في توجيه تدفق الهجرة اليهودية إلى الخارج.
– تمسك الدولة العثمانية بفلسطين:
وفي هذا السياق، أصبحت الهجرة اليهودية القادمة من روسيا أكثر كثافة وتدفقًا منذ سنة 1882، مما أثار انتباه الدولة العثمانية، ودفعها إلى اتخاذ العديد من الإجراءات لمنع الاستيطان اليهودي في فلسطين. حتى أن السلطات العثمانية قامت سنة 1887 بفصل منطقة القدس عن ولاية سورية، وجعلتها تابعة للسلطة المركزية بشكل مباشر لتحظى بالمزيد من العناية والاهتمام.
وقد نجحت الجهود العثمانية في التصدي لذلك المد الاستيطاني، فمن بين مليونين و367 ألف مهاجر يهودي هاجروا من روسيا وأوروبا الشرقية في الفترة الممتدة من 1881 إلى 1914، لم ينجح سوى 55 ألفا منهم في الهجرة إلى فلسطين؛ وهي النسبة التي لم تتجاوز (2.32%).
ويحفظ التاريخ للدولة العثمانية، والسلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) مواقف مشرفة للدفاع عن فلسطين وحمايتها. إذ تعرض السلطان عبد الحميد للعديد من الضغوط والإغراءات للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، وتمكينهم من حكمها تحت السيادة العثمانية، ووصلت الإغراءات إلى حد تقديم مبالغ مالية خيالية وأداء جميع ديون الدولة العثمانية في ظرفية صعبة كانت تعيشها هذه الأخيرة والتعهد ببناء أسطول لحمايتها، بل وتقديم قرض يصل إلى 35 مليون ليرة ذهبية إلى خزينة الدولة العثمانية.
غير أن السلطان عبد الحميد رفض كل ذلك، وتحدى مختلف الضغوط التي مورست عليه، وكان رده حاسما لهرتزل باستحالة بيعه لفلسطين لأنها ليست له، بل هي ملك للشعب؛ وبأنه سيدافع عنها مادام حيا، فإذا سقطت الإمبراطورية العثمانية، آنذاك يستطيع الصهاينة أخذها مجانا، وهي النبوءة التي لم تنتظر طويلا لتتحقق.
ولعل المواقف الصلبة للسلطان عبد الحميد، أنهت آمال الصهاينة في استيطان فلسطين مادام هذا الأخير على رأس الدولة العثمانية؛ ودفعتهم إلى المشاركة بقوة في إنهاء حكمه وإسقاط الدولة العثمانية، وهو ما نجحوا فيه بعدما تسربوا في لجنة الاتحاد والترقي، ووصلوا إلى مناصب قيادية سنة 1907، حيث شاركوا في الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني بتاريخ 27 أبريل 1909، وعزل هذا الأخير ووضعه تحت الإقامة الجبرية إلى حين وفاته سنة 1918.
وبعد الانقلاب، تغيرت الموازين لصالح اليهود، الذين تمتعوا بنفوذ كبير خصوصًا تحت حكم الاتحاد والترقي ما بين 1911 و 1914.. وانطلق البرنامج الصهيوني الاستيطاني بقوة من خلال الهجرة اليهودية الكثيفة إلى الأراضي الفلسطينية وشراء الأراضي بها.. إلى حين سقوط الدولة العثمانية رسميًا عام 1924 واستحواذ الجيوش البريطانية على فلسطين.
– تأسيس الحركة الصهيونية
جاء تأسيس الحركة الصهيونية كتتويج لمجموعة من المبادرات التي عمت أرجاء أوروبا، وأيضًا كنتيجة لمجموعة من التحولات الفكرية التي طالت القناعات الدينية اليهودية من خلال المساهمات الفكرية لمفكرين وحاخامات يهود، تحايلوا على التحريم الديني لعودة اليهود، والمشروط بمجيء "المسيا" مسيح اليهود، حيث تحايلوا على هذا التحريم وروجوا أن عودة اليهود إلى أرض الميعاد ستجبر المسيح على النزول.
وإذا كان مصطلح الصهيونية قد ظهر لأول مرة على يد الكاتب الألماني "ناثان برنباوم" سنة 1893، فإن الصهيونية السياسية قد برزت إلى العلن بتأسيس المنظمة الصهيونية العالمية (WZO) كحركة سياسية منظمة بزعامة "ثيودور هرتزل"، والذي ترأس مؤتمرها الأول في بازل بسويسرا بتاريخ (29-31/08/1897). وقد كان مكان المؤتمر مقررا في البداية في مدينة ميونخ الألمانية، إلا أن فكرة المؤتمر لقيت معارضة شديدة من اليهود أنفسهم، ليتم نقل مكان المؤتمر إلى بازل السويسرية بحضور حوالي 200 مشارك.
وقد أعلن المؤتمر هدفه المتمثل في وضع حجر الأساس لوطن قومي لليهود، كما أكد المؤتمر على أهمية الدعم الدولي لتحقيق أهدافه، وعمل على إنشاء صندوق لتمويل شراء أراضي فلسطينية، وتمويل الاستيطان. وقد عرف المؤتمر الدعوة إلى إحياء اللغة العبرية رغم أن لغة المؤتمر كانت الألمانية واليديشية؛ كما قام المؤتمر بوضع مسودة البرنامج الصهيوني الذي عرف ببرنامج بازل .
ومن الحقائق التاريخية المهمة، أن الحركة الصهيونية لم تحسم في بداياتها في مكان إقامة الدولة اليهودية، بل إن هرتزل نفسه كان مستعدا لإقامتها في فلسطين أو الأرجنتين؛ كما أن بريطانيا قد اقترحت في وقت سابق على اليهود إقامة دولتهم في "أوغندا" وهو الاقتراح الذي قسم الحركة الصهيونية بين معارض ومؤيد، ليرفض المقترح لاحقا في المؤتمر الصهيوني السابع عام 1905، خصوصًا وأن اختيار فلسطين كان منسجمًا مع المخططات الاستراتيجية للقوى الاستعمارية في المنطقة العربية.
فلسطين في قلب الأطماع الاستعمارية:
على المستوى الاستراتيجي، وجدت القوى الكبرى في أوروبا الغربية الأجواء مناسبة بعد ضعف الدول العثمانية لتقسيم العالم العربي، والتفوق عليه استراتيجيًا؛ وذلك لاستباق نهوض دولة إسلامية قوية بعد سقوط الخلافة العثمانية. وضعف هذه الأخيرة هو الذي شجع ظهور الحركة الصهيونية، رغم ما يحفظ للدولة العثمانية من دفاع عن فلسطين وأهلها.
كما أنه منذ القرن التاسع عشر، وفلسطين مركز الأطماع الاستعمارية الأوروبية، خصوصًا البريطانية منها: إذ كانت التنافس الاستعماري على أشده بين فرنسا وبريطانيا.. وفي هذا السياق، فكرت بريطانيا في فلسطين، كحاجز بين الجناحين الآسيوي والإفريقي للعالم الإسلامي. ومهمة هذا الحاجز هو منع واستباق أي محاولة توحيد للبلدان الإسلامية، والعمل على شغل هذه الأخيرة بنزاعات مفتعلة. وهنا نؤكد على الحقيقة التالية: إن الاحتلال الصهيوني لفلسطين، هو في العمق احتلال لحلم الوحدة الإسلامي، وإجهاض لأي نهوض حضاري مستقبلي للأمة الإسلامية. وينبغي التعامل مع القضية الفلسطينية على هذا الأساس، وليس باعتبارها مشكلة للشعب الفلسطيني وحده.
وظلت فكرة الدولة الحاجزة كمخطط استراتيجي مأمول لبريطانيا، تحاول تحقيقه تدريجيًا؛ فافتتحت قنصلية لها بفلسطين عام 1838، وكانت أول مهمة للقنصل حماية اليهود هناك. وبعد نجاح بريطانيا في السيطرة على مصر سنة 1882، أصبحت في حاجة إلى حماية الجناح الشرقي لقناة السويس، والتي كانت ممرا استراتيجيًا للمواصلات التجارية مع آسيا والهند خصوصًا.
مع هذه التطورات، سيحظى المشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين بحافز مزدوج: ديني عند اليهود الصهاينة والمسيحيين البروتستانت؛ واستراتيجي عند الدول الغربية التي لا ترغب في دولة إسلامية موحدة، وعند بريطانيا لتحقيق نفس الهدف، وأيضًا لضمان تفوقها الاقتصادي والاستراتيجي على باقي القوى الاستعمارية.
وأثناء الحرب العالمية الأولى، كثفت بريطانيا جهودها لتحقيق مشروع الدولة الحاجزة، فشجعت مختلف الثورات العربية الهادفة للخروج عن الدولة العثمانية، كما عمدت إلى التفاوض مع المنظمات الصهيونية لاستخدام النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على هذه الأخيرة لمشاركة في الحرب العالمية الأولى لصالح الحلفاء، وقد نجح اللوبي اليهودي الأمريكي في ذلك، لتنضم الولايات المتحدة إلى الحرب بدءا من آذار/مارس 1917.
ونتيجة لهذا الدعم الصهيوني لبريطانيا، حصل الصهاينة في المقابل على وعد مغر من وزير الخاريجية البريطاني "جيمس بلفور" الذي صرح في (2/11/1917) بتعهد بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين. وهو ما اشتهر تاريخيا "بوعد بلفور"، ومن غرابة هذا الوعد، تعارضه مع الاتفاقيات التي كانت بريطانيا قد التزمت بها، كما أنه وعد بمنح أراض لم تمتلكها بريطانيا بعد حينها!
ومنذ إعلان هذا الوعد عمت الاحتجاجات جميع أنحاء فلسطين وبعض الأقطار العربية، ولم يطل الوقت ببريطانيا لتنفيذ هذا الوعد، إذ دخلت جيوشها القدس بتاريخ (11 كانون الأول/ ديسمبر 1917) وحدثت على أثر ذلك صدامات بين العرب واليهود..
على مستوى آخر، كانت المفاوضات السرية تجري على قدم وساق بين بريطانيا وفرنسا (انضمت إليهما روسيا لاحقًا) لتقسيم المنطقة العربية بينهما؛ وهي المفاوضات التي أدارها كل من جورج بيكو عن فرنسا ومارك سايكس عن بريطانيا. وتوجت باتفاقية "سايكس- بيكو" بتاريخ أيار/ ماي 1916. وبموجب الاتفاقية، حصلت فرنسا على الشام (لبنان وسوريا) ومنطقة الموصل وجنوب الأناضول، بينما حصلت بريطانيا على معظم العراق والأردن ومنطقة حيفا في فلسطين؛ ونظرا لكون كل من فرنسا وبريطانيا تطمعان في الاستحواذ على فلسطين، فقد اتفقا على جعل فلسطين منطقة دولية.
2- من الاحتلال البريطاني لفلسطين إلى إعلان قيام إسرائيل (1918-1948):
– فرض الاحتلال البريطاني على فلسطين:
قامت بريطانيا باحتلال القدس الشريف وجنوب ووسط فلسطين سنة 1917، وهو احتلال يجمع بين البعدين الاستراتيجي الاستعماري، والديني؛ وهذا ما تؤكده القولة الشهيرة لقائد الجيش البريطاني "ألِنبي" الذي خطب في القدس قائلا: "والآن، انتهت الحروب الصليبية"، التي انطلقت قبل 800 عام خلت. وأتمت بريطانيا احتلال باقي الأراضي الفلسطينية في العام الموالي 1918. كما استصدرت قرارا دولية من عصبة الأمم سنة 1922 يعطيها شرعية الانتداب، وضمنته وعد بلفور أيضًا.
– العمليات الاستيطانية الصهيونية:
بدءا من أواخر سنة 1922، وضعت بريطانيا فلسطين تحت إدارة مندوبين سامين يهود، كان أولهم هربرت صامويل (1920-1925) الذي شرع في تنزيل المشروع الصهيوني على أرض الواقع، وكان وزيراً للداخلية البريطانية ومتعاطفاً مع الصهاينة… وكان أشرسَ المندوبين وأنجَحهم في تطبيق المشروع الاستيطاني هو "آرثر واكهوب" (1931-1932).
وطول الوقت كانت بريطانيا تضيق على الفلسطينيين سبل العيش وتضطهدهم وتذكي الانقسامات العائلية والطائفية، كما حرصت على نزع تسليح الفلسطينيين على بساطته. كل ذلك مقابل تشجيع الهجرة اليهودية، حيث انتقل عدد اليهود بفلسطين من 55 ألفا (8% من السكان) سنة 1918 إلى 646 ألفا (31% من السكان) سنة 1948. كما عمدت بريطانيا أيضًا إلى تسليح اليهود وتدريبهم، إذ وصل تعداد الجيش الإسرائيلي 70 ألفا سنة 1948. وحرص الصهاينة على إقامة مؤسسات اقتصادية واجتماعية وتعليمية، وتأسيس البنى التحتية للدولة اليهودية المستقبلية بدعم من بريطانيا.
عمومًا تعرض الشعب الفلسطيني لأبشع أنواع الظلم والاضطهاد على يد المستوطنين اليهود مدعومين من بريطانيا.
– المقاومة الفلسطينية:
رغم اختلال موازين القوى بشكل واضح لصالح المستوطنين الصهاينة، فإن هذا لم يمنع الفلسطينيين من مقاومة الاحتلال والتصدي له بكل قوتهم، رغم أن أجواء الدعم العربي لم تكن في المستوى المأمول، بسبب وقوع أغلب الدول العربية تحت الاستعمار.
هكذا قاوم الشعب الفلسطيني الاحتلال البريطاني والمشروع الاستيطاني منذ بداياتهما، فتأسست المقاومة الفلسطينية مبكرا، ونمثل لها بجمعية "الفدائية" وهي جمعية سرية تأسست سنة 1918، وضمت عدداً من رجال الشرطة الفلسطينية، كما أن المقامة الفلسطينية لم تقتصر على الفلسطينيين فقط، بل احتضنت كل من رغب في الدفاع عن فلسطين، مثل الشيخ المجاهد عز الدين القسام الذي قدم إلى حيفا من سوريا بعد انهيار الثورة السورية ضد فرنسا، وأسس حركة من أقوى الحركات الجهادية…
وهكذا أقامت الحركة الفلسطينية مؤتمرها الأول عام 1919 بالقدس الشريف، وهو المؤتمر الذي حمل أبعادا عربية وحدوية، سواء من خلال تسميته: "المؤتمر العربي الفلسطيني"، أو من حيث ما خلص إليه من رفض للتقسيم الاستعماري لبلاد الشام، واعتبار فلسطين جزءا منها. كما طالب المؤتمر باستقلال سوريا في إطار الوحدة العربية، وتشكيل حكومة فلسطينية مستقلة، وقد استمرت مؤتمرات الحركة الوطنية تباعا.
وقد تميزت المقاومة الفلسطينية بتوجهها السلمي إلى حدود سنة 1929، وذلك لأسباب عدة: على رأسها افتقار إلى موارد وإمكانات مادية، وتهيب الفلسطينيين من القوة البريطانية وقدراتها العسكرية الضخمة، بالإضافة إلى بعض الخلافات الداخلية على تزعم الحركة، وهي الخلافات التي حرصت بريطانيا على إذكائها.
غير أن هذا لم يمنع من قيام ثلاث ثورات عكست احتجاج الفلسطينيين على الوضع القائم، وإن كانت تلك الثورات صبت جام غضبها على اليهود، وتحاشت المستعمر البريطاني، رغم أنه من تولى إخماد هذه الثورات. ويتعلق الأمر بثورة "موسم النبي موسى" في القدس ( ما بين 4 و 10/4/1920)، وثورة يافا (من 1 إلى 15/5/1921)، وثورة البراق (ما بين 15/8 و2/9/1929). وقد أخذت هذه الثورات طابعًا إسلاميًا ساهم في تأجيج المشاعر الوطنية.
ومنذ سنة 1929، تصاعدت حدة المقاومة الجهادية التي بدأت توجه أسلحتها نحو المستعمر البريطاني أيضا؛ كما تأسست العديد من الأحزاب الوطنية وحركات المقاومة المنظمة والتنظيمات الجهادية العسكرية بدءا من سنة 1933؛ والتي كان نشاطها في تزايد مستمر توازى مع تزايد اليأس الفلسطيني من استرجاع حقوقهم بالطرق السلمية والدبلوماسية.
وحرصت المقاومة الفلسطينية دائما على البعد العربي في برامجها، وعملت على التنسيق مع زعماء الحركات العربية الأخرى. وفي عام 1931، أخذت المقاومة طابعا إسلاميا إثر المؤتمر الإسلامي العام المنعقد في القدس، والذي استضاف علماء وشخصيات إسلامية مرموقة، مثل محمد إقبال، وعبد العزيز الثعالبي والشيخ محمد رشيد رضا وغيرهم…
وتعد حركة "الجهادية" من أقدم الحركات السرية الجهادية، إذ تأسست مبكرا سنة 1925، وكان لها دور بارز في ثورة "البراق"، كما كانت المحرك الأساسي للثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936؛ حيث أعلن الفلسطينيون حينها الإضراب العام في 20 أبريل/نيسان، والذي دام حوالي ستة أشهر (178 يوما) وهو أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب كامل.
وعرفت الثورة مواجهات عنيفة بين الجهاديين الذين دشنوا عمليات قوية مثل نجاح القساميين في اغتيال الحاكم البريطاني سنة 1937، وبين البريطانيين الذين نهجوا إجراءات قمعية قاسية.
وقد دفع نجاح المقاومة المستعمر البريطاني إلى القيام بإجراءات كبرى، مثل إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة إلى فلسطين، تحت قيادة أفضل قادتها العسكريين؛ كما أعادت احتلال فلسطين من جديد، قرية قرية، لضمان القضاء على المقاومة… وهي الإجراءات التي نجحت في تخفيف حدة المقاومة تدريجيًا، رغم أن هذه الأخيرة نجحت بدورها في جر بريطانيا إلى طاولة الحوار، حيث اضطرت بريطانيا سنة 1939 إلى إعلان "الكتاب الأبيض" الذي يتضمن دعم بريطانيا لإقامة دولة فلسطينية مستقلة يقتسم فيها العرب السلطة مع اليهود، بالإضافة إلى إجراءات أخرى لصالح الفلسطينيين.
وباندلاع الحرب العالمية الثانية، عمدت المقاومة الفلسطينية إلى التحالف مع ألمانيا وإيطاليا للحصول على دعمهما. لكن فوز الحلفاء في الحرب أفشل خطط المقاومة. على عكس ذلك، كانت أجواء الحرب لصالح المنظمات الصهيونية التي استغلت ما تعرض له اليهود بألمانيا وأوروبا الشرقية لكسب التعاطف، والتأكيد على ضرورة إقامة وطن قومي بفلسطين؛ كما ركز اللوبي الصهيوني ضغطه على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فاز بكل الدعم المطلوب. ونجح الصهاينة على إثر ذلك في دفع البريطانيين إلى التخلي عن الكتاب الأبيض وما حفل به من وعود، وأدرجوا الولايات المتحدة كطرف أساسي وداعم لهم في كل ما يتعلق بمشروعهم الاستيطاني.
وسجلت سنة 1947 تحول القضية الفلسطينية إلى قضية دولية، حيث أصدرت الأمم المتحدة قرارها الجائر رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، وهو القرار الذي تم تمرير بعد موجة من الضغوط والإغراءات التي تعرضت لها الدول التي كانت ترفضه.
وإثره اندلعت الحرب التي خاضها الفلسطينيون لوحدهم لمدة ستة أشهر كاملة، حيث رفضت الدول العربية إرسال جيوشها قبل خروج بريطانيا. ورغم ضعف الدعم العربي وافتقار المقاومة الفلسطينية للسلاح والموارد فقد تمكنت هذه الأخيرة من الحفاظ على 82% من الأراضي الفلسطينية، وأرعبت الصهاينة، بل ودفعت الولايات المتحدة إلى التفكير جديا في التراجع عن فكرة التقسيم في مارس/آذار 1948.
ورغم صدق المجاهدين العرب، فإن مشاركة الجيوش العربية كانت أقرب إلى المأساة، إذ لم يتجاوز تعداد الجيوش العربية المكونة من سبعة دول 24 ألف مقاوم، مقابل 70 ألفا من جيش العدو الصهيوني. كما عانى المجاهدون العرب من الأسلحة الفاسدة والقديمة، وضعف التدريب والتنسيق، خصوصًا وأن الجيوش العربية ضمت 45 ضابطا بريطانيا ضمن قاداتها، نظرا لكون بعض الدول العربية كانت لا تزال تحت النفوذ البريطاني؛ هذا بالإضافة إلى أن بعض الجيوش العربية عمدت أحيانًا إلى نزع سلاح الفلسطينيين بدل تسليحهم، كما ضيقت بعض السلطات العربية على المشاركين في المقاومة من أبنائها.
في ظل هذا التهافت، تمكن الصهاينة من هزيمة الجيوش العربية، واستولوا على (77%) من الأراضي الفلسطينية، وأعلنوا قيام دولة إسرائيل بتاريخ (14-5-1948).
ومن النتائج المأساوية لهذه الحرب، قيام العصابات الصهيونية بتشريد (58%) من الشعب الفلسطيني بالقوة من أراضيهم، ودمروا 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية، وارتكبوا 34 مجزرة في حق المدنيين، من أشهرها مذبحة دير ياسين (9/4/1948). وإذا كانت المقاومة الفلسطينية قد نجحت لوحدها، وبجهودها الخاصة، ومواردها شبه منعدمة في التصدي لليهود الذين لم ينجحوا منذ قدومهم، وإلى حدود سنة 1948، في الاستحواذ إلا على (6%) من الأراضي الفلسطينية، وهي في معظمها أراض حكومية أو لإقطاعيين غير فلسطينيين؛ فإن حرب 1948 مزقت الشعب الفلسطيني واقتلعته من أرضه التي استقر بها آلاف السنين، وشتته ما بين مستعمَر مضطهد ولاجئ هائم.
3- خاتمة: ما ينبغي تذكره من حقائق
– يحفظ التاريخ للدولة العثمانية، والسلطان عبد الحميد الثاني خصوصًا مواقف مشرفة للدفاع عن فلسطين وحمايتها والتصدي للمد الاستيطاني الصهيوني.
– في تأسيس الحركة الصهيونية تحايل على التحريم الديني لعودة اليهود إلى فلسطين، والمشروط بمجيء "المسيا" مسيح اليهود المخلص، لذا لقيت فكرة المؤتمر الصهيوني الأول معارضة شديدة من اليهود أنفسهم.
– لم تكن فلسطين الهدف الأول للحركة الصهيونية، بل هي خيار بين خيارات متعددة شملت الأرجنتين وأوغندا أيضًا، غير أن اختيار فلسطين كان منسجما مع المخططات الاستراتيجية للقوى الاستعمارية في المنطقة العربية.
– الاحتلال الصهيوني لفسطين، هو في العمق احتلال لحلم الوحدة الإسلامي، وإجهاض لأي نهوض حضاري مستقبلي للأمة الإسلامية، باعتبار فلسطين في نظر الغرب حاجزا بين الجناحين الآسيوي والإفريقي للعالم الإسلامي.
– احتلال القدس الشريف سنة 1917 يجمع بين البعدين الاستراتيجي الاستعماري، والديني؛ وهذا ما تؤكده القولة الشهيرة لقائد الجيش البريطاني "ألِنبي" الذي خطب حين دخوله القدس قائلًا: "والآن، انتهت الحروب الصليبية".
– تميزت المقاومة الفلسطينية بتوجهها السلمي إلى حدود سنة 1929، غير أن هذا لم يمنع من قيام ثلاث ثورات عكست احتجاج الفلسطينيين على الوضع القائم، بعدها تصاعدت حدة المقاومة الجهادية.
– الإضراب العام الذي أعلنه الفلسطينيون في 20 أبريل/نيسان 1936، والذي دام حوالي ستة أشهر (178 يوما) هو أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب كامل.
– سنة 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرارها الجائر رقم (181) القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.
– مشاركة الجيوش العربية في حرب 1948 كانت أقرب إلى المأساة: إذ لم يتجاوز تعداد الجيوش العربية المكونة من سبعة دول 24 ألف مقاوم، مقابل 70 ألفًا من جيش العدو الصهيوني، كما عانى المجاهدون العرب من الأسلحة الفاسدة والقديمة، وضعف التدريب والتنسيق. لذا هزمهم الصهاينة واستولوا على (77%) من الأراضي الفلسطينية، وأعلنوا قيام دولة إسرائيل بتاريخ (14-5-1948).
– قامت العصابات الصهيونية بتشريد (58%) من الشعب الفلسطيني بالقوة من أراضيهم، ودمروا 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية، وارتكبوا 34 مجزرة في حق المدنيين، من أشهرها مذبحة دير ياسين (9/4/1948).
المراجع المعتمدة:
– كتب:
– محسن محمد صالح، القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، لبنان، طبعة مزيدة ومنقحة، 2012.
– عبد الوهاب المسيري، مقدمة لدراسة الصراع العربي الإسرائيلي: جذوره ومساره ومستقبله، دار الفكر، دمشق – دار الفكر المعاصر، بيروت، إعادة الطبعة الأولى 2003.
– مواقع إلكترونية:
فلسطين: سؤال وجواب، موقع خاص بكل تفاصيل القضية الفلسطينية:
http://www.palqa.com/
– المؤتمرات الصهيونية 1897 1903 (محمد سيف الدولة)، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية:
http://www.dctcrs.org/s7001.htm
– مدخل الى القضية الفلسطينية، المركز الفلسطيني للإعلام: صوت فلسطين إلى العالم.. وصوت العالم إلى فلسطين:
http://www.palestine-info.com/arabic/qadhya/madkhal.htm


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.