لم يكن يخطر ببالي ،أنا الذي قضيت ثمان سنوات من طفولتي بإحدى دول الخليج العربي - سلطنة عمان – ، أنني سأصير في يوم من الأيام مواطنا خليجيا بأي شكل من الأشكال.خصوصا و أني أحمل خلفيتين لظروف العيش و لسمات المجتمعين ،و التي هي ، بصراحة ،بعيدة كل البعد عن بعضها . ومنه فقد اعتبرت أول الأمر بأن دعوة الخليجيين للمغرب كي ينضم لمجلس التعاون الخليجي مجرد نكتة سمجة من تلك النكت التي يلقيها علينا السياسيون العرب بين الفينة و الأخرى. لكن الأمر لم يكن كذلك ،بل كانت دعوة رسمية بالفعل ،الشيئ الذي دفعني إلى الرجوع بذاكرتي إلى أيام إقامتي بتلك الديار ، في محاولة لإجراء مقارنة بديهية ، علّي أجد وجه شبه بيننا يعلل فكرة الإنضمام هذه. أول ما قد يطرق باب المنطق هو تسمية هذا الإتحاد : " مجلس التعاون الخليجي " أو "دول الخليج العربي " ، و القاسم المشترك بين الإسمين هو كلمة " الخليج " و التي تشير إلى (بحر) الخليج العربي ، أي أن هذه الدول المتحدة فيما بينها هي بالضرورة مطلة على هذا الخليج البحري (الذي يختزن في قاعه " الكنز النفطي "). تذكرت ساعتها أن المغرب لم يسبق له – في هذا العصر الجيولوجي – أن أطل سوى على المحيط الأطلسي و البحر الأبيض المتوسط ، و لا أظن أن جغرافيته تنوي حتى هذه الساعة أن تطل على غيرهما .احترت في هذا الأمر فوضعت علامة إستفهام أولى ..وعدت إلى السطر. ثم تذكرت أن المغرب بلد إسلامي و دول الخليج كذلك بل هي مهد الإسلام و منشأه، فرجحت أن يكون ذلك هو سبب هذا الإتحاد ،غير أني ما لبثت أن تساءلت : لماذا المغرب من دون كل البلاد الإسلامية الأخرى ؟ لماذا لا تكون أندونيسيا مثلا ؟ وهي صاحبة أكبر تجمع للمسلمين في العالم ..أو فلتكن إيران !! و التي تطل بدورها على الخليج العربي فتكون بذلك قد استوفت شرطين : الدين و الجغرافيا ... أو لماذا ،و هم قد ضموا الأردن ، لم يكملوا طريقهم نحو فلسطين؟ فيحتضنوها و يشكلون بذلك أداة ضغط على إسرائيل و يسترجعون المسجد الأقصى لتصبح الأماكن المقدسة الثلاثة تحت لواء اتحاد واحد .. لم أجد إجابات عن هذه الأسئلة ...فرسمت علامة إستفهام ثانية ..و عدت إلى السطر . مر ببالي ساعتئذ أننا جميعا عرب ... صحيح أننا عرب ..و لكن ، ألم يدرسونا في إحدى دروس التربية على المواطنة أن هناك اتحاداً يدعى " الجامعة العربية " ؟ نعم هذا التنظيم لا يزال حيا – بمعنى ما - ، و دول الخليج و المغرب أعضاء فيه منذ سنوات طوال ، إذن لماذا نربك أنفسنا ؟ ونجعل اتحادا وسط اتحاد ،طالما سبب وجودهما واحد و هو اللغة العربية... لم أجد جوابا... فخططت علامة إستفهام ثالثة ...و عدت إلى السطر . قلت بيني و بين نفسي ، علّ سبب هذا الإتحاد هو سبب إقتصادي !! ، لم لا؟ ... وجدت في هذا التعليل شيئا من المعقول فتبنيته لوهلة . بدأت أمنطقه و أبحث عن إمكانيته ... أول ما استهللت به ، بطبيعة الحال ،هو جرد الموارد الإقتصادية لكل من الطرفين . علمت كما يعلم الجميع أن اقتصاد الخليجيين يقوم أساسا على عائدات النفط أو البترودولار كما يحلو للبعض تسميته. هذا المدخول يسيرون به أمورهم الإقتصادية و يستوردون به حاجياتهم الأساسية ، كما يؤدون به أجور الموظفين من الخليجيين الذين هم موظفو الدرجة الأولى على الورق و أجور موظفي الدرجة الأولى على أرض الواقع :من عقول عربية و أوروبية و آسيوية . ما تبقى من العائدات ،و هو كثير ، يصرفونه على البنيات التحتية من طرق معبدة باتقان ولو في عرض الصحراء و مستشفيات كبرى مجهزة و مجانية و مدارس ، علاوة على البنيات الرفاهية من فنادق فخمة و قصور متخمة و بنايات و أبراج شاهقة تسابق العالم من حيث طولها و هندستها ، ناهيك عن الملاعب العالمية و الجزر الإصطناعية ... و اللائحة تطول . ما زاد عن تلك النفقات المليارية ، تتقاسمه العائلات الكبرى و المستثمرون (العظماء) ليصرفوه في المنتزهات العالمية و الشواطئ العربية و دور القمار و العهر في شتى بقاع العالم .أما الباقي الكثير فيودع لدى الأبناك السويسرية لتنتفع به في معاملاتها الدولية. فماذا تبقى للحليف الدخيل ؟؟؟؟؟ عدت إلى بلدنا الحبيب لأجرد ثرواته،فوجدت أن مواردنا :فلاحية،بحرية ،و فوسفاطية .فأما الفلاحية منها فإن قمحها بالكاد يكفي أبناءها (و ليس لدينا أرز لهم ) و أما خضرواتها و فواكهها فجيدها يصدر نحو أوربا و عاديها و رديئها يأكله المواطنون ما استطاعوا لذلك سبيلا، فماذا تبقى للخليجيين ؟؟ أما الثروات البحرية فقد بيعت حقوق صيدها للغربيين و ذلك لأجل غير مسمى يجدد ظاهريا كل مدة زمنية بعقود بروتوكولية... وما تبقى من هذه الثروة السمكية فجيده يسير مغمض العينين نحو الفنادق و المطاعم المترفة و رديئه و سردينه يوجه نحو المواطن الظريف؟؟. - على فكرة- الخليجيون لديهم ما يكفيهم من الأسماك .!!!!! أما فوسفاطنا فذاك لا نعلم عنه سوى أنه تابع للمكتب الشريف و أن مناجمه على حدود خريبكة و اليوسفية و مناطق أخرى و أن قطارات نقله تمر بنا كل يوم عددا من المرات ،يقولون أنه يوجه نحو الجرف الأصفر فيعالج و من ثم إلى الميناء ثم إلى وجهات مجهولة ... فماذا تبقى للخليجيين ؟(و آش بغاو ايديرو بيه ؟؟؟). أما ما يزيد عن حاجتنا بالنهب و السرقة لا بالإكتفاء ...ف(راكم عارفين فين كايمشي و آش كيدار بيه ) !!!!! من هنا أدركت أن الإقتصاد لا يمكن أن يجمع هذه الدول و أن تلك الإستثمارات التي كانت موجودة حتى قبل هذا الإتحاد فدخلها يبقى بين أيدي صانعيها لا غير و لا ينفع الطرفين بربح يذكر. إذن فما حاجتنا الى هذا الإتحاد يا ترى ؟؟؟؟؟ ..و عدت الى السطر. بمجرد عودتي الى السطر ،أطل أحد المحللين السياسيين على شاشة التلفاز ،ليخبرنا أنه على حسب فهمه ،هذا الإتحاد لم يوجد إلا ليحمي الأنظمة الملكية العربية (كيف؟؟ ما عرت!!) ربما !! قد يكون هذا هو التفسير الأقرب الى المنطق حتى هذه اللحظة،فأنظمة الحكم الأميرية و الملكية والسلطانية هي أوجه متعددة لعملة واحدة هي نظام الحكم الملكي ،و من ثم كان هذا الإتحاد ليحفظ على هذه الممالك أمنها – السياسي – في خضم هذا الحراك اللامألوف على الساحة العربية و الذي لم يصب حتى اللحظة إلا " الجمهوريات الظاهرية الإمبراطوريات الباطنية " . فهل يستطيعون فعلا ذلك؟؟ و ان هم استطاعوا هناك في الخليج الحفاظ على هذا النظام لأنه يوفر لهم ثلة من الميزات و أشياء أخرى هم يعرفونها ، فهل يستطيع المغرب مقاومة هذا الحراك دونما إصلاحات و تغييرات جذرية؟ هنا الإستفهامات الكبرى و تبقى الأيام الآتية هي الكفيلة بالإجابة عنها ... أنهيت السطور .