في عمق الأطلس الكبير، حيث تنبسط هضبة أيت بوكَماز كلوحة طبيعية خلابة تحيط بها الجبال الشامخة وتكسوها الحقول الخضراء في الربيع، ينسج السكان يومياتهم بتواضع وكبرياء، ويصنعون من قساوة الطبيعة فرصة لصقل الإرادة والصبر. يُطلق عليها محبوها اسم "الهضبة السعيدة"، لكن ما يبدو من سكينة في المشهد يخفي معاناة دفينة وسنوات طويلة من التهميش وغياب التنمية العادلة. في أيت بوكَماز، لا يُقاس الرخاء بعدد السيارات ولا بوفرة المراكز التجارية، بل بعرق الجبين ورائحة الأرض المزروعة، وبحياة بسيطة تتكئ على الكفاف والعفة. سكانها، الذين يعتمدون على الزراعة التقليدية وتربية المواشي، يحيون في تناغم مع محيطهم، لكنهم لا يخفون الإحساس بالخذلان نتيجة الإقصاء التنموي الذي طال قريتهم لعقود. من عرف أهل هذه الأرض، كما عرفهم الأساتذة والطلبة والمهنيون الذين عاشوا بينهم أو درسوا أبناءهم، يُدرك أن الحديث هنا لا يدور عن مجتمع منغلق أو متقوقع، بل عن رجال ونساء يتصفون بدماثة الخُلق، وكرم الضيافة، والتمسك بالقيم، والاستعداد للتفاعل الإيجابي مع كل من يدخل فضاءهم بتقدير واحترام. ولذلك، حين يختار سكان أيت بوكَماز تنظيم وقفة احتجاجية أو مسيرة سلمية، فإن الأمر يتجاوز مجرد مطلب آني، بل هو تعبير عن تراكم إحباطات وسنوات من الانتظار دون جدوى. إنها صرخة الهضبة السعيدة التي ضاقت ذرعًا بالتجاهل، وهي رسالة من قلوب طيبة تأبى إلا أن تُسمع صوتها بطريقة حضارية وسلمية. وتعود مطالب السكان إلى ملفات أساسية تتعلق بالبنية التحتية المتهالكة، وصعوبة الولوج إلى الخدمات الصحية، وتردي أوضاع المؤسسات التعليمية، ناهيك عن هشاشة المسالك الطرقية التي تعزل المنطقة في مواسم الأمطار والثلوج. ورغم موقعها الجغرافي المهم وثرائها الطبيعي والسياحي، إلا أن أيت بوكَماز لا تزال خارج خارطة الأولويات في السياسات التنموية. لقد أكدت تقارير سابقة لمؤسسات وطنية، منها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن المناطق الجبلية، رغم غناها الثقافي والبيئي، تعاني من ضعف الاستثمارات العمومية وغياب العدالة المجالية، ما يؤثر بشكل مباشر على مؤشرات التنمية البشرية فيها. ويبدو أن أيت بوكَماز ليست استثناءً، بل نموذجًا لهذا الإقصاء الهيكلي. اليوم، تسير وجوه الهضبة الصبورة في مسيرات الأمل، ليس ضد أحد، بل من أجل أن يسمعهم الجميع. من أجل أن تصل أصواتهم إلى مَن بيدهم القرار، ليعيدوا رسم خريطة التنمية الوطنية على أسس أكثر عدلاً وتوازناً، تُنصف الإنسان الجبلي وتحترم حقه في العيش الكريم فوق أرضه. فهل تستجيب الجهات المعنية؟ وهل تُنقذ الهضبة السعيدة من مصير التهميش الذي يُهدد حاضرها ومستقبل أجيالها؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.