لما اصطدمت سيارة أجرة كبير مع طوبيس حافلة الكرامة بضواحي خنيفرة وقضى موتا من مات وقضى سجنا من سجن و ترمل و تشرد من تشرد كان الأمر مجرد حادث سير ومكتوبا و طريقا...، و لما حاصر سائقو طاكسي صغير حافلة الكرامة بحي أمالوا قيل أن السبب خرق لدفاتر تحملات وتطاول على خطوط وقطع أرزاق، وحين يقصد هذا الطرف أو ذاك باب العمالة للاحتجاج مع توالي الأحداث يعني أن هناك ظلم أو تجاوز، وحين لم تلتحق طاكسي صغير بالمحتجين قيل خوفا من أن يفسح المجال للطاكسي الكبير للعمل في الوسط الحضري، وحين حاول المتضررون من حافلات الكرامة نقل احتجاجهم إلى ولاية مكناس قيل جهرا أن السبب مصالح وامتيازات جديدة للطوبيس في سياق دعاية قبل الأوان وشبه تواطئ مع شخصية نافذة هيمنت على نقل خنيفرة ولا أحد محليا يستطيع ثنيها عن تجاوزاتها حتى عامل الإقليم. الولاية أرجعت التداول لخنيفرة وفي آخر جلسات الحوار تمسك صاحب أكبر أسطول بري بالامتيازات الممنوحة له ملوحا بورقة التعويض، وفي لحظة تبين أن العمالة و والي الجهة والمجلس الاقليمي في موقف حرج، موقف عجزٍ عن اتخاذ أي قرار. بالإمكان التشطيب على لاكريمات ووسائل نقل بقرار معين وكل مواطن حر في اختيار وسيلته المناسبة، ودرهمان للتنقل أحسن من عشرة طبعا في ظل ظروف عيش مزرية، والمواطن لا يعنيه من الخدمات غير جودتها، والنقل رقم في فاتورة العيش والغلاء وجزء من العذاب، لكن لا أحد يسأل عن الإنسان والسلامة والجوانب الإنسانية المظلمة التي تؤجج الغضب إلى حد الاحتجاج أو التهور، لا حديث عن شروط تنافسية متكافئة أو قطع أرزاق وتشريد عائلات، لا سؤال عن دفاتر تحملات ولا سؤال عن مستخدمين من أبناء شعب يجلد بعضهم الآخر لخدمة الباطرونا، أبناء شعب يساهمون مكرهين لإفقار الفقير وإغناء الغني. المتأمل في هذا القطاع الاقتصادي تختلط عليه الحسابات والاعتبارات والشكايات، لكن، رغم ذلك لا يصح تصنيف ووضع مشاكل قطاع نقل خنيفرة إلا في سياق اختيارات اقتصادية ريعية وحكامة سياسية تجني ضرائب اختيارات خائبة، فمراعاة ظروف العيش والقدرة الشرائية وفك العزلة لا تمر إلا عبر فتح أوراش تنموية وبنيات اقتصادية واجتماعية مدرة للدخل، أو ما من شأنه خلق طبقة متوسطة قادرة على ضمان وتأمين بقاء القطاعات التقليدية و تنافسيتها وتطويرها أو حتى استبدالها بشكل سلس. أما قطاع نقل خنيفرة إذا جهلت به، حالات الإشفاق أو السخط تنتابك لما تركب سيارة أجرة وتدخل في الاحراج عند الأداء، ولما تدفع ثمن التذكرة مضاعفة بالليل أو بالمناسبات، ولما تصاب بالإغماء وتشعر بالتقيؤ جراء تردي الخدمات في وسائل نقل مهترئة لا تقوى على المنافسة في زمن العولمة، لما تقف لساعات طوال دون وسيلة نقل في شبه محطات أو الخلاء، ولما تنتظر لساعات طوال دون اكتمال العدد الكافي لانطلاق الرحلة، ولما يحتج مواطنون تضامنا مع البيكوبات لأنها وسيلة نقلهم في القفار، ولما تستعين "بالخطافة" أو البيكوبات أو تمشي على الأقدام في الفيافي والمسارب، لما تخجل لحال محطات وقوف طوبيس بدائية والدراهم والملايين تخرج لحسابات خارج المدينة، ولا تضحية ولا مشروع ولا مساهمة مجتمعية، ولما تضاف الامتيازات بلا تحملات جديدة وتحرم جيوش البطالة، لما يحمى الفساد وتسمع أن شغيلة يُمتص دمها وتستبدل كل شهر مع قطع الغيار بلا قانون، لما تعلم أن من انحاز لمدونات ودستور "قولوا نعم" يجنى ثماره، ولما تقتنع أن الإكراميات تجعل من المواطنة درجات، ولما تعرف أن القرارات تتخذ في العاصمة وتحاصر وأنت في الطريق نحوها... كثيرة هي انتظارات وأسئلة المحتاج لخدمة النقل والتي تحويها دفاتر تحملات، وكثيرة أيضا شكاوي المشتغلين بالقطاع إلى حد البكاء أذكر منها، (س.س سائق: مشغلي لا يعرف سوى الروسيطة ولا يعنيه كيف أجلبها ولن يحتج ما دمت أتنازل عن حقي من أجل بقائي في الشغل أضطر أحيانا للزيادة على الزبون أو التحايل، أدخل في تطاحن وصراع يومي في قطاع لا يؤمن بالمنافسة الشريفة)، (ح،م سائق، في 40 كلمتر هناك طوبيسات وعدة عربات، نقل مزدوج، طاكسي كبير... وباسم فك العزلة يتم زيادة رحلات طوبيس إلى 4 حافلات أو أكثر، ويتم ذلك على حساب قطع أرزاقنا، أنا مع فك العزلة ومع المواطنين ومراعاة القدرة الشرائية والله يحسن العوان لكل واحد لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار مصير هذا القطاع والتزاماتنا الضريبية والعائلية )، (ح.م، نقابي، هناك تواطؤ لحماية مصالح شخص نافذ فوق القانون والعمالة والجهة وخلال آخر حوار كانوا يرغبونه عله يسمح بنقص الحافلات) ،( ب،س، تخدم فالطوبيس في ظروف العبودية غير شوية ويبدلوك، راك عارف باش تستمر خصك تنازل و تدهن...) آخر الاحتجاجات قادها الطاكسي الكبير ونقل الأسواق والنقل المزدوج وتخلف الطاكسي الصغير رغم أنه القطاع الأكثر تضررا من خروقات حافلات الكرامة حسب بعض السائقين في إشارة لكونهم يريدون خوض معركتهم بشكل منفرد، وفي الكواليس تهديد أو تخوف من أن يتم حل مشكل النقل شبه الحضري على حساب النقل الحضري فتنافس سيارة الأجرة الكبيرة الطاكسي الصغيرة. هناك مصالح وحسابات سياسية معقدة وكل طرف يؤكد على أنه يتم بناء قطاع على حساب إنهاك وإنهاء الآخر، على هامش احتجاج تنسيقية النقل بخنيفرة أصوات تؤكد أن قطاع النقل عشوائي ولا يخضع للتخطيط، وأصوات تتهم المجلس الإقليمي بالتواطؤ ولا حديث في وقفة المحتجين إلا عن صفقات ومصالح عبرها يتم قطع أرزاق فئات شعبية بئيسة وجبروت صاحب الأسطول الذي استمر في حصد الامتيازات منذ عهد العامل السابق 2011، ولن يستطيع أحد ثنيه أو إرجاع شيء. عويص أمر قطاع النقل بخنيفرة خاصة وأن المشكل القديم الجديد تجاوز عمالة خنيفرة وأصبح البحث عن سلطة تحكيمية عليا مطلب شغيلة مضطهدة. المحتجون ينقلون الاحتجاجات إلى ولاية الجهة مكناس ويذكرون بعجز عمالة خنيفرة عن حل مشاكل خنيفرة كما حدث مع مشكل الفاتورات يوم مسيرة على الأقدام من خنيفرة نحو العاصمة والتي تصدى لها الأمن بالمنع والاعتقال بعد 40 كلم من المسير، والآن بعد خمس كيلومترات يُعترَض سبيل تنسيقية النقل القاصدين والي الجهة، هذا الأخير يأمرهم بالجلوس إلى طاولة الحوار المحلية التي كرست تفوق صاحب الأسطول الذي وصفوه بالنفوذ في انتظار... "غدوة كما في الأسطورة"؟.