فارقنا اليوم الفاضل السعيد، الكريم الوجيه، سيدي الحاج التهامي بنكيران رحمه الله تعالى. الرجل الذي عاش حياة ملأى بالدروس والقيم. حياة يمكن أن تكون دروسا للأجيال الصاعدة من أجل الاقتداء والاستلهام. حياة يحار الإنسان في البحث عن الجانب الذي يمكنه البدء به. عاش الحاج التهامي رحمه الله يتيم الأب. وعاش في كنف خاله سيدي محمد بنقدور الوهراني وعمه سيدي الحاج أحمد بنكيران. وكانت علاقته بهذين الرجلين علاقة استثنائية من حيث المحبة وصلة الرحم. وحسن الثناء. لم يذكرهما إلا بالكلام العطر والفعل الحسن. كان وصالا لرحمه. خصوصا خاله سيدي أحمد بنقدور الوهراني الذي كثيرا ما أوقفنا اللعب في الصغر لنسمح له بالمرور إلى بيته. وكأننا كنا شهودا على هذا الفعل الجميل غير المعولم. من الدروس المستفادة من حياة الرجل. بره الاستثنائي بأمه السيدة الحاجة أمينة. وعطفه وحنوه عليها. والسؤال عن أحوالها. وتلبية حاجاتها. ومرافقتها سفرا وحضرا. وخدمتها في صحتها ومرضها. والاستمرار على ذلك إلى أن التحقت بربها. ويكفيه أن يجد بر والدته في صحيفته ليكون من أهل اليمين إن شاء الله. أما علاقته بأخيه فهي الدرس الأعظم.في الوقت الذي نجد في عصرنا نزاعات بين الإخوة قد تصل أحيانا إلى المحاكم. كانت علاقة الرجل بأخيه علاقة وئام مسيج من جميع الجهات. لا يمكن لأحد أن يحدث فيه شرخا على الإطلاق. عاشا معا في جميع لحظات الحياة. في الصبا والشباب. عاشا معا اليتم. واشتركا في أعمال حرة إلى أن انخرطا في الوظيفة بعيد الاستقلال. عاشا في بيت واحد. وعاشا في بيتين كأنهما بيت واحد. بل عاشا في قلب واحد. قلب السيدة أمينة الوهراني. عاش الحاج الصادق بنكيران والحاج التهامي بنكيران حياة رجل لا رجلين. حياة أسرة لا أسرتين.هما توأم الروح. لم يفترقا في مسيرتيهما كلها إلى أن تقدم الحاج الصادق المشيعين للصلاة على شقيق قلبه مودعا له. إنها علاقة أخوية نادرة. يمكن استحضارها والإفادة منها. لم يكن الحاج التهامي رحمه الله من العلماء. لكن زرع الله في قلبه محبتهم. فكان يشد الرحال إلى طنجة لزيارة العلماء الغماريين. ويعلن محبتهم ويفخر بخدمتهم. ويستضيفهم في بيته. ويبذل جهده في البر بهم. وتقريب الناس منهم. وكانت له اليد الطولى في بناء الزاوية الصديقية بالقصر الكبير عمرها الله بذكره. كان رحمه الله مشاركا في الاحتفاء بليالي المولد النبوي. بجهده. بماله. بقلبه ووجدانه. وكان يحضرها رغم ظروفه الصحية العصيبة. بقلب منشرح وابتسامة ربانية. ولم يقبضه الله إليه إلا في شهر الربيع الأنور. بعد اختتام حفل المولد الذي لم يستطع حضوره. كان رحمه الله كثير الشوق لزيارة البقاع المقدسة. يشد الرحال مرات إلى البيت الحرام وإلى زيارة سيد الأنام. جعله الله تعالى من الرعيل الأول من شفاعته. وكان يصر على الذهاب رفقة ذويه وأقاربه. فينشط هناك بهم ويغنموا بخدمته. وقد التقى مرة بأخوي وفرح بهما وفرحوا به. حبا متبادلا من غير تصنع. ولما علمت السيدة الوالدة بلقائهم هناك فرحت فرحا استثنائيا. لمكانته عندها. إنها المحبة. ولاتعبير عنها إلا بالفرح. وأنا في جنازته. حاولت أن أقارب علاقته بوالدي. لم أفلح في سرعة الجواب. كان أخا… نعم. وأكثر كان صديقا. نعم وأكثر. يصعب الجواب…. المهم. أن بينهما علاقة… أرق من النسيم إذا سرى. علاقة القلوب لا تعبر عنها الكلمات أصيب رحمه الله تعالى بمرض ألزمه الفراش. وكان صابرا محتسبا. يعانق زائره ويحتضنه. ويسأل عن أحواله وعن الصغير قبل الكبير ثبت في الحديث أن الشوكة تشاك الإنسان المسلم تكون كفارة لذنوبه. فما بال المرض المقعد للإنسان. عاش رحمه الله تعالى اجتماعيا كثير المخالطة لأصدقائه وذويه. وقدر الله له أن يدفن قرب أصدقائه وأصهاره…. فدفن بجوار رفيقه وصهره وابن شيخه سيدي محمد بن محمد بن الطاهر الجباري ومن جهة رأسه شيخ المديح والسماع سيدي البشير الكشوري. وبالقرب من الأستاذ الخليل أطاع الله وآخرين….. رفقة صالحة في الدنيا. ورفقة صالحة في العالم الآخر رحم الله تعالى سيدي الحاج التهامي بنكيران. وتقبل الله أعماله الصالحة. وجعل الله مرضه سببا لتكفير ذنوبه. ورفع درجاته. وعلو مقامه. وجعله ووالديه مع النبيئين والصديقين والصالحين. ورزق أهله الصبر العظيم على فراقه.