هذا المساء، لم يمرّ كباقي المساءات الرتيبة بأكبر حاضرة صغيرة مغربية كما يصر المبدع محمد العناز على تسميتها (أبيدوم نوفوم/القصر الكبير). ذلك أن الفرع المحلي لاتحاد كتاب المغرب، وبضربة الكبار، استطاع أن يُحيل قاعة البلدية الكبرى بالمدينة فضاء شاعريا بامتياز، ولم يكن أمام مرتادي هذه القاعة، على اختلاف أعمارهم ودرجة غوايتهم بالشعر، إلا أن يستسلموا للوثة الشعر الباذخة التي عمت المكان. لم لا والمناسبة شرط كما يقال؟! فالمدينة، وانخراطا منها في دينامية إحياء اليوم العالمي للشعر، استضافت أحد كبار شعراء العراق الشقيق: شوقي عبد الأمير. وإذا كان الرجل/الشاعر المحتفى به قد فشل في الاعتداء على الموت، كما اعترف هو نفسه في أحد دواوينه "محاولة فاشلة للاعتداء على الموت (2010)"، فإنه هذه المرة تم له ما نوى. فقد استطاع أن يقتل الموت/الركود/السبات في طاقم إبداعي محلي لم نألف في عناصره سوى المبادرة تلو المبادرة، ولا سيما مع جمعية الامتداد الأدبية (ذ. عبد الإله المويسي، الشاعرة أمل الأخضر، ...) ورابطة الإبداع الثقافي (الروائي رشيد الجلولي، الشاعران محمد العناز وعبد السلام دخان، والقاص عبد الواحد الزفري، ....). ويحيي جذوة الحرف الحالم فينا أيضا. لكن، ولاستكمال الشهادة وجعلها أمينة، لم يكن شوقي ليشفي غليله فينا لو لم يستعن بإحدى الخبيرات/الشواعر في تشنيف الأسماع وتهذيبها. إنها الشاعرة القصرية/العربية "وداد بنموسى" التي، وبطريقة السناريست/المخرجين العظام، تمكنت من سبر عوالم غائرة لدى الشاعر الضيف، بدءا من النشأة الأولى، ومرورا بالمنحى الفلسفي/الوجودي في نظمه، وانتهاء بالبعد النقدي لدى الرجل. كل ذلك تم عبر محاورة ندية شاعرية اتسمت بالبهاء والجمال ولا غيرهما. أمام هذا الأداء الراقي والمتعة المائزة، لم يدع الشاعر شوقي عبد الأمير فرصة الاعتراف بفعلته هاته، ليستأذن جمهوره في إعادة تسمية مدينة "القصر الكبير" بِمدينة "الدرس الكبير". فشكرا جزيلا لجميع الفاعليات المدنية التي ساهمت في إنجاز الحدث، فهذا هو دأب مبدعي المدينة وديدنهم، وإلى موعد تنويري لاحق.