الطالبي العلمي يستقبل وفدا من الكونغرس الأمريكي برئاسة النائب روني جاكسون    جلالة الملك يستقبل الولاة والعمال الجدد المعينين بالإدارة الترابية والمركزية    البطولة: السوالم يقترب من ضمان البقاء عقب انتصاره على أولمبيك الدشيرة    "ماطا" تبعث برسائل السلم والتآخي والتعايش بين الأديان    المانيا.. محاكمة مهاجر مغربي تسبب في وفاة سيدة بعد سقوطها من الطابق الرابع    بمشاركة 30 دولة... منتدى مراكش البرلماني يختتم أشغاله بالدعوة إلى الحد من مخاطر التوترات التجارية    خبيرة من منظمة التعاون الاقتصادي تحذر من مخاطر حوادث الذكاء الاصطناعي    رسميا..الوداد يحسم تعاقده مع نور الدين أمرابط لموسم واحد    مصب واد درعة بطانطان: مناورات عسكرية مغربية أمريكية واسعة النطاق في ختام تمرين "الأسد الإفريقي2025"    انخراط المغرب في الدينامية الأطلسية سيساهم في إعادة التوازن إلى خارطة الاقتصاد العالمي (ولعلو)    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    مدرب بركان: جاهزون لحسم اللقب    عزيز كي يوقع عقد الالتحاق بالوداد    انقطاع واسع للكهرباء في جنوب شرق فرنسا بسبب حريق مشبوه    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    توقيف شخصين بشبهة تورطهما في قضية تتعلق بالسرقة باستعمال الكسر بمكناس    عطل عالمي يضرب منصة "إكس"    تصرف مفاجئ من لامين يامال تجاه النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي    من سواحل الناظور إلى شواطئ إسبانيا.. تفكيك شبكة لتهريب البشر    كأس العرب 2025 ومونديال أقل من 17 عاما.. إجراء القرعة غدا الأحد بالدوحة    استعدادات الوكالة الوطنية للمياه والغابات لموسم الحرائق: جهود حثيثة للوقاية والتوعية    ارتفاع تهديدات اختطاف الأطفال من وإلى هولندا.. والمغرب في دائرة الاتهام    حجز آلاف حبوب الهلوسة بباب سبتة    إنقاذ شخص من سيول بإقليم الدريوش    هونغ كونغ ترحب ب"الطلاب الممنوعين" في أمريكا    لكريني يرفض إساءة الجزائري بخوش    الفنان عبد الرحمان بورحيم في ذمة الله    وفاة المخرج الجزائري لخضر حمينة عن 95 عاما    السغروشني: تموقع بلدنا غير بارز كفاية على مستوى الترتيب العالمي المرتبط بالذكاء الاصطناعي    "استدامة الموارد المائية والأمن الغذائي" شعار المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بسوس ماسة    تداولات بورصة الدار البيضاء تتجاوز 2 مليار درهم في أسبوع    جامعة هارفارد: القضاء الأمريكي يعلق العمل بقرار منع تسجيل الطلبة الدوليين    المعهد الموريتاني يحذر: صيد الأخطبوط في هذه الفترة يهدد تجدد المخزون البيولوجي    مدينة العرائش تحتضن الدورة الثانية من ملكة جمال الفراولة    الجناح المغربي يتألق في مهرجان كان السينمائي    ألمانيا تحذر من صعود جماعات شبابية يمينية إجرامية    "Art du Caftan"يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    أبو زيد: "الاتحاد الاشتراكي" تحول إلى عقيدة "المناولة" وقيادته تسخره في أعمال التحايل الممتهن سياسا وأخلاقيا    نهاية 2024: الصين تتصدر العالم ببناء أكثر من 94 ألف سد وقدرات كهرومائية غير مسبوقة    هل يدخل الرجاء عصر الخصخصة بثقة: مؤسسات ملاحية عملاقة تفتح أفقًا جديدًا للنادي    تيمور الشرقية... المنتخبة غلة باهيا تسلط الضوء على التحول التنموي العميق في الصحراء المغربية    لجنة التقنيات والعمليات السيبرانية بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب تعقد اجتماعها الأول    كريستيانو رونالدو على وشك توقيع عقد القرن … !    الاستثمار الصيني في المغرب: بطاريات المستقبل تنبض من طنجة نحو أسواق العالم    بوريطة يمثل جلالة الملك في حفل تنصيب رئيس الإكوادور وسط تقارب دبلوماسي متزايد    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    خبر تهريب 2,5 طن من الشيرا من شاطئ "طالع القرع"… يستنفر المصالح المختصة    تتويج الفائزين بجائزة المغرب للشباب 2025    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    الأزمي «البليكيه»    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أجل جبهة لمقاومة النكوص السياسي والحقوقي
نشر في لكم يوم 13 - 03 - 2012

الإعتداء الشنيع الذي أقدم عليه ممثل حزب العدالة والتنمية بمدينة تارودانت على الأستاذ أحمد موعشى (أستاذ الفلسفة وناشط أمازيغي عضو منظمة "تاماينوت"، كبرى الجمعيات الأمازيغية بالمغرب)، إذا وُضع في سياق أحداث أخرى مماثلة وقعت في مناطق متفرقة، يجعلنا ندقّ ناقوس الخطر ونطرح أسئلة جوهرية وصريحة حول ما يحدث من حولنا.
فالأستاذ موعشى أعلن عبر ملصق مرخص له من طرف مدير الثانوية التي يعمل بها، عن تنظيم ندوة فكرية حول الأمازيغية بقاعة بلدية المدينة، فأقدم ممثل حزب العدالة والتنمية الذي هو أستاذ التربية الإسلامية بنفس الثانوية على انتزاع الملصق من مكانه المخصص للإعلانات دون أن يكون مخوّلا له ذلك من الناحية القانونية، وعندما أعاد الأستاذ موعشى الملصق إلى مكانه الأصلي فوجئ بعضو العدالة و التنمية مع شخص آخر يهاجمانه ويعتديان عليه اعتداء ماديا ورمزيا.
هذه الواقعة قد تبدو عادية جدا لو وقعت قبل تولي حزب المصباح مسؤولية حكومية، حيث ستكون واقعة معزولة ونادرة، وستعبّر عن تهوّر شخصي قد لا يتكرّر. لكن المشكل أن سلوكا كهذا لم يحدُث من قبل، كما أن له نظائر في مناطق أخرى وصل فيها أتباع الحزب المذكور إلى حدّ إيقاف السيارات ومطالبة أصحابها ببطائق التعريف الوطنية، والإعتداء على المارّة الذين يقتربون من الأحياء التي تمارس فيها الدعارة كما في "عين اللوح"، وترحيل نساء من عين المكان باعتبارهن لسن من الساكنة الأصلية للمنطقة، وهو عمل منظم في شكل لجان وتوزيع محكم للأدوار لا يقوم به مواطنون عاديون، بل يصدُر عن أعضاء التنظيم الدعوي "التوحيد والإصلاح" الذي يعرف الجميع صلته بحزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو سلوك يستحيل أن يمرّ في غفلة من مصالح الأمن التي لا تخفى مهاراتها في تعقب الشاذة والفاذة.
كانت مثل هذه السلوكات مستحيلا حدوثها لولا ظهور سياق جديد فهمه بعض الناس من تيار سياسي معين، على أنه الضوء الأخضر لهم لكي ينقضّوا على المجتمع، ويستعملوا كل الوسائل من أجل ترسيخ وصايتهم على المواطنين واحتكار الفضاء العمومي لأنفسهم، وهو ما سيشكل تهديدا خطيرا لاستقرار البلاد لا يشك فيه عاقل.
والأسئلة المطروحة في هذا الصدد هي التالية: إذا كان حزب العدالة والتنمية يتحمل مسؤولية إدارة الشأن العام، فما الذي يمنعه من أن يقدم بشكل مباشر على اتخاذ الإجراءات القانونية المباشرة، واستعمال القوات العمومية لفرض ما يرى أنه حق حسب مذهبه الديني وتوجهه الإيديولوجي ؟ لقد أعلن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات (عاشت الأسامي !) بأن الحكومة التي يشارك فيها حزبه لن تقبل بتسليم "رخص جديدة" لبيع الخمور، فلماذا نجد أتباع الحزب من التنظيم الدعوي يقومون بتنظيم وقفات احتجاجية أمام المطاعم والمحلات التجارية في كل من سيدي قاسم والقنيطرة وأكادير احتجاجا على تسليم رخص جديدة ؟ لماذا لا تقوم الحكومة في إطار صلاحياتها بالمتعيّن وتعفي أتباعها من التظاهر؟ ونفس الشيء يقال عن المهرجانات التي ما فتئ أتباع الحزب وقياديوه يتربصون بها منذ سنوات، والتي رأى فيها بعض جُهالهم مجرد مهرجانات ل"العاهرات" (تحيا الحرية !) ألا يمكن للحكومة أن تعلن على منظمي هذه المهرجانات قرا رها بعدم الترخيص لهذه التظاهرات الفنية التي تتعارض مع إيديولوجيا الحزب عوض هذه المناوشات الصبيانية ؟ فمن مظاهر ضعف خبرة الإسلاميين في السياسة، بسبب تهميشهم وإقصائهم لعقود طويلة، اعتقادهم أن تصويت كتلة ناخبة محدودة لصالحهم في الإنتخابات، تعطيهم الحق أن يفرضوا على المجتمع ككل ذوقهم واختياراتهم في كل المجالات، وهو وهمٌ لن يستفيقوا منه إلا بعد هياط ومياط.
لقد كان وزراء حزب المصباح في الحكومة الحالية سباقين إلى الكتابة بالأمازيغية في إداراتهم بحروف سبق لزعيمهم أن نعتها ب"الشينوية"، كما استعمل الحزب نفسه هذه الحروف بشكل واسع في حملته الإنتخابية، فكيف يسمح عضو من الحزب لنفسه بالإعتداء على مناضل أمازيغي ومصادرة حقه في التواصل مع الغير؟ لماذا هذا الفرق بين سلوك قيادة الحزب في الحكومة وبين الأتباع في المناطق ؟ هل يعاني الحزب بعد توليه إدارة الشأن العام من تشظي وعصيان داخلي، أم أنّ الأمر يتعلق بتوزيع مقصود للأدوار ينكشف فيها الوجه والقناع معا بشكل واضح ؟
ليس مثيرا للإستغراب بروز دور الإسلاميين في المغرب وبلدان الجوار بعد حرمانهم لمدة طويلة من حقهم في المشاركة السياسية، كما ليس أمرا مفاجئا ظهور بعض الفتور في مواقف اليسار والتيارات المدنية الديمقراطية التي فضلت التفرّج عوض العمل في عمق المجتمع، غير أن التحليل السطحي والتبسيطي الذي اعتمده بعض الإسلاميين قد أوقعهم في قراءة متسرّعة لما يجري، معتقدين أن الأمر يتعلق ب"نهاية العلمانية"، أو "نهاية الديمقراطية" كما يعبر بعض السلفيين، و"عودة الإسلام" كمرجعية وحيدة ونهائية، وهي تخريجات غاية في السطحية والسذاجة، لأنها تقرأ التاريخ من منظور حتمية ميتافيزيقية تغفل عناصر الواقع من أجل إرضاء الطوبى أو الحلم. وإذا كان لكل واحد الحق في الحلم، فإن من الضروري رغم ذلك لفت الإنتباه إلى العناصر الإشكالية التالية:
أن الإسلاميين الذين قوي شغبهم على الناس لم يفهموا جيدا شعارات الحراك الشعبي الذي عبّد الطريق لهم لكي يصلوا إلى مناصب الحكومة، وهي الشعارات التي نادت بإسقاط الإستبداد و الفساد في الدولة، وليس بفرض منظور ديني متطرف على الناس والمجتمع، وممارسة الرقابة على المأكل والمشرب والملبس والتنشيط الفني والثقافي، ففي هذا كله يختلف الناس اختلافا جوهريا عن الإسلاميين الذين هم أقلية، والذين إن كان لهم الحق في أن يعيشوا نمط حياتهم كما يرتضونه، فإن لغالبية المجتمع كذلك نفس الحق في إطار المساواة بين الجميع.
إن التحدي الذي أمام الإسلاميين، والذي يفرضه السياق الحالي، هو تحقيق أهداف الحراك الشعبي وليس أهدافهم الخاصة والضيقة، فلا أعتقد أن أحدا في الشارع المغربي رفع داخل حركة 20 فبراير مطالب الحجر على الحريات أو منع بيع الخمور أو منع المهرجانات أو منع الكتابة بالأمازيغية.
أن أمام الإسلاميين اختيارات ثلاثة: إما السعي إلى الأسلمة المتهوّرة والمباشرة عبر قرارات إدارية وتسلطية وهو أمر مستبعد لأنه سيؤدي إلى ردّ الفعل القوي من قبل القوى الديمقراطية التي ما زالت في معظمها لا تشعر بالخطر، وإما ثانيا إثارة القلاقل عبر تحريض الأتباع المهيّجين والمتشدّدين من الجناح الدعوي، في إطار تقاسم غبي ومكشوف للأدوار، وهو ما سيؤدي حتما إلى تهديد الإستقرار وإحداث الفتن في المجتمع، وإما ثالثا محاربة الفساد الإداري والرشوة والمحسوبية في الدولة وإنعاش الإقتصاد وإيجاد مناصب شغل للعاطلين ومحاربة الفقر وتنمية العالم القوي، وتقليص بؤر الإستبداد ما أمكن، وتنزيل الدستور في إطار قراءة ديمقراطية وفي احترام تام لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وباعتبارها كلا غير قابل للتجزيء، وهذا هو الخيار الأسلم والذي سيضمن بقاء الكتلة الناخبة للإسلاميين وفية لهذا الحزب في الإنتخابات التشريعية القادمة.
في انتظار أن يظهر الإتجاه العام الذي سيكشف عن الإختيار الإستراتيجي لحزب المصباح في تدبير هذه المرحلة، بين انتظارات المجتمع ونزوعاته المتشددة، نرى
ضرورة تأسيس جبهة من تكتل القوى الديمقراطية، لليقظة والرصد والمتابعة ، ثم التعبئة والتظاهر لمواجهة أي نكوص سياسي أو قيمي أو حقوقي محتمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.