القطاع السياحي يسجل رقما قياسيا تجاوز 1.3 مليون سائح خلال أبريل الماضي    الأول من نوعه بإفريقيا.. الحكومة تبرم اتفاقية مع "أوراكل" لإطلاق مركز للبحث والابتكار    العثماني يلتقي إسماعيل هنية في قطر    البحرية الملكية تعترض قاربا على متنه 133 مرشحا للهجرة غير النظامية    جماعة طنجة تطلق أولى صفقات إصلاح الشوارع والأزقة بغلاف يناهز 8.5 مليون درهم    العثور على شخص معلقا بحبل داخل منزل بشفشاون    شفشاون على موعد مع النسخة الثانية من المهرجان الدولي لفن الطبخ المتوسطي    غوتيريش يحذر من أن هجوما بريا إسرائيليا على رفح سيؤدي إلى "كارثة إنسانية"    بيع كتب ألفت عبر "تشات جي بي تي"… ظاهرة في "أمازون" تتيح تحقيق أرباح عالية    تنديد حقوقي بالحكم الصادر بحق الحيرش ومطالب بإطلاق سراحه واحترام حرية التعبير    إحباط محاولة للهجرة غير الشرعية        سحب 332 "رخصة ثقة" من سائقي سيارات الأجرة بمراكش    2900 مظاهرة بالمغرب دعما لفلسطين    ما الذي قاله الكعبي عقب التأهل إلى نهائي المؤتمر الأوروبي على حساب أستون فيلا؟    الفيدرالية الوطنية للشبيبة التجمعية تستقبل شبيبة حزب مؤتمر التقدميين النيجيري    تأشيرة الخليج الموحدة تدخل حيز التنفيذ مطلع 2025    بتعليمات ملكية.. آيت الطالب يستقبل أعضاء البعثة الصحية للحج    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراته أمام الزمالك المصري    تفاصيل حكم قضائي انتصر لمواطنة مغربية متضررة من لقاح "أسترازينيكا" ضد الدولة المغربية وأمر بتعويضها    نقابة تنبه لوجود شبهات فساد بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير    قرار جديد من القضاء المصري في قضية اعتداء الشحات على الشيبي    إحداث منصة رقمية لتلقي طلبات الحصول على "بطاقة شخص في وضعية إعاقة"    متضررة من لقاح كورونا تشيد بالقضاء المغربي .. ووزارة الصحة تستأنف الحكم    تصفيات المونديال.. المنتخب المغربي النسوي لأقل من 17 سنة يواجه نظيره الجزائري    أخنوش يرد بقوة على تقرير مجلس الشامي: الحكومة تبدع الحلول ولا تكتفي فقط بالتشخيص    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الارتفاع    أخصائية التغذية ل"رسالة24″… أسباب عديدة يمكن أن تؤدي لتسمم الغذائي    السلة: الوداد في صدام قوي أمام المغرب الفاسي    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    التوقيت والقنوات الناقلة لمباراة المغرب والجزائر ضمن تصفيات مونديال الفتيات    أزْهَر المُعْجم على يَد أبي العزْم!    ما الذي سيتغير إذا منحت فلسطين صلاحيات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة؟    المدرب المخضرم بيليغريني يحسم الجدل حول مستقبل المغربي الزلزولي    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    معرض تلاميذي يحاكي أعمال رواد مغاربة    تقرير إخباري l أمريكا تُقرر رفع الرسوم الجمركية على واردات "الفوسفاط المغربي" بسبب استفادته من امتيازات حكومية    الدمليج يقدم "بوريوس" في المهرجان الوطني الرابع لهواة المسرح بمراكش    الحسين حنين رئيس الغرفة المغربية لمنتجي الأفلام: يتعهد بالدفاع عن المهنيين وتعزيز الإنتاج الوطني    أيوب الكعبي يواصل تألقه في دوري المؤتمر الأوروبي    المعرض الدولي للأركان في دورته الثالثة يفتتح فعالياته وسط موجة غلاء زيته واحتكار المنتوج    ارتفاع أسعار النفط بفضل بيانات صينية قوية وصراع الشرق الأوسط    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هل باتت إمدادات القمح بالعالم مهددة؟    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    النادي الثقافي ينظم ورشة في الكتابة القصصية بثانوية الشريف الرضي الإعدادية/ عرباوة    اختتام القمة الإفريقية حول الأسمدة وصحة التربة بمشاركة المغرب    أصالة نصري تنفي الشائعات    ندوة دولية حول السيرة النبوية برحاب كلية الآداب ببنمسيك    الصين تطلق قمرا اصطناعيا جديدا    بعد محاولة اغتياله.. زيلينسكي يقيل المسؤول عن أمنه الشخصي    حراس خواص يشتكون غياب الأجور    سعار عضال.. خيال مخابرات الجزائر في مقال    السعودية تختار المغرب باعتباره الدولة العربية الوحيدة في مبادرة "الطريق إلى مكة المكرمة"    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القراءة في زمن كورونا
نشر في لكم يوم 25 - 04 - 2020

لايمكن مقاومة الحجر الصحي بالصراخ واليأس، كما لايمكن مقاومة فيروس كورونا بالخوف وبحساب عدد المصابين كل اليوم بمدن المملكة، أحسن طريقة لمواجهة أي وباء هو خلق صداقة حميمية مع الكتاب، القراءة وحدها تجعلك تصعد إلى الأعلى، تحلق بأريحية وأنت تتنفس عبق الحياة، وحدها القراءة تحررك من الحصار وتجعلك تخرج بالنهار والليل تتجول بأحياء المدينة، تصافح الأصدقاء، تركب الباص وتنتقل من مكان إلى مكان، وفجأة تتذكر السوق القديم، تلك الساحة الفسيحة حيث يتواجد كل يوم ذلك الثنائي الساخر، يالهم من شخصيات كبيرة كم يجعلوننا نضحك بثمن زهيد، وياله من عالم كم نشعر فيه بالحميمية والحب، الناس ملتصقة ببعضها البعض، رائحة الأكل تلوح من كل الاتجاهات، متنوعة، ونساء متواضعات جميلات الملامح يبعن الخبز بأنواعه، يالها من لوحات مشرقة ترتسم بين ثنايا السطور، تستأترني، تسرقني، تشعرني بقيمة الزمان وروعة الأمكنة التي كنت أمر منها مرور الكرام، آه، بفضل القراءة أجد نفسي استرجع تلك الظلال، تلك الأماكن التي حاولنا محوها من ذاكرتنا والانفصال عنها بحثا عن بديل هزيل وممسوخ وغريب، بفضل القراءة استرجع تلك الوجوه من رجال ونساء بسطاء، بسطاء في كل شيء تخلينا عنهم بأنانية ونكران فظيع نبحث عن أناس جدد وماركات جديدة، و علاقات كبيرة مزورة، اليوم في زمن كورونا كلنا نشعر بالغربة، فقدنا كل الأشياء الجميلة، فقدنا أهم شيء وهو مصافحة الآخر.
ماذا بقي لنا إذن في هذه الفترات الصعبة ؟
وحدها القراءة، ملأت كل الفراغات، وحدها فرضت نفسها علينا جميعا رغم هروبنا الجماعي منها مدة طويلة كأنها مصابة بالجذام، اليوم أو هذه الأيام التي فر منا كل شيء جميل، أو هجرنا دون إرادتنا كل شيء جميل، لم يبق لنا من اختيار نختاره لمواجهة المجهول سوى التشبت بعقيدة قديمة – جديدة، تفتح لنا كل نوافذ العالم لنطل منها على الأفق ببراءة الأطفال، إنها عقيدة القراءة وحدها تجعلنا نسافر ونعيد السفر باطمئنان كبير لنكتشف كل شيئ يحدث خارج أسوار البيوت التي كنا نهجرها بافتخار كبير.
اليوم نتصالح مع البيوت، نتحسس كل شيء، نتجول بين كل أركانه، نصافح كل شيء صغير، نتكلم ونلعب مع كل كائنات البيت، وعندما نشعر بالتعب، أو بالضجر نختبئ خلف الباب نخيف الأطفال فتسقط تلك الكؤوس الزجاجية الكبيرة المنقوش عليها شعار أحداث ما، مع مرور الزمن نسينا مناسبة شرائهما، النسيان يقتل كل المناسبات الجميلة، لكن مع هذا العزل الجبري بدأت الذاكرة تشتغل بكرم كبير، تُطْلِعُ كل المحن القديمة، ذلك التاريخ الشخصي الخفي، إنني أتذكر كل شيء فظيع، فتزداد غربتي ، وكم أرفض الاستسلام، فأقاوم وأقاوم بكل ماتعلمته من تقنيات الصراع والمواجهة، فأرفع راية الاستسلام والدخول في متاهات وعوالم الخوف الكبير.
وفي لحظة التردد، أحسم الأمر بدون مواربة، وأقفز من مكاني والاتجاه صوب المكتبة ، وحدها " عزازيل " هذه الرواية الملهمة للكاتب الكبير يوسف زيدان سوف تنقدني من التفكير الأسود من هذا الفيروس الخفي كورونا، ويالها من حيلة، إنني أستنجد بالسيدة الجميلة " هيباتيا " هذا مكر أخفي به حقيقة المعرفة العليا لهذه العالمة والفيلسوفة التي شغلت الناس في حياتها ومماتها، أنا لايهمني كل هذا فهذا من اختصاص المؤرخ ليقول كلمته بحق أو بزور في حق امرأة قاومت الخرافة وانتصرت للعلم، العلم الذي لازلنا في الوطن العربي نرفض مصاحبته وتبنيه، وهيباتيا هذه المرأة الفاتنة والثائرة على كل شيء، وفي تلك الفترة العصيبة من التاريخ الكنسي استطاعت أن ترفع يافطة الرفض عاليا مكتوب عليها بخط بارز " لا " ، وكم كانت منسجمة مع فكرها وأفكارها ، ألم يقل الفيلسوف الفرنسي " ألان " : " أن تفكر هو أن تقول : لا .
كم أشعر بالمتعة وأنا أعيد قراءة هذه الرواية من جديد، أريد أن أحطم شيئا ما يسكنني، هل الخوف من الموت ؟ هل هو الإحساس بالعجز، لكننا كلنا في هذه الأيام نشعر بالعجز، مؤسسات وحكام كبار ودول عظيمة وأفراد، ومفكرين…. أين هو إذن الإشكال ؟
الإشكال هو استهانة الإنسان بالطبيعة، واعتقاده بأن التقدم سوف يمكنه من التحكم في كل شيء يقف في طريقه كما قال أحد الفلاسفة، لكنه يوما بعد يوم يشعر هذا الكائن المتهور بالفشل، بالفشل الدريع، وعليه إعادة التفكير في كل شيء، أليس هذا ما توصل ليه بطل رواية " عزازيل " هيبا، الطبيب والراهب الذي لم يجد الخلاص سوى في مكتبته الصغيرة ومجموعة من الكتب والمخطوطات التي كانت تدفئ بيته الصغير في الصومعة، ولهذا لم يجد أي دواء رغم أنه الطبيب الماهر لوحدته وحريته سوى الكتابة، وحدها الكتابة كان يعتقد بسحرها وسفرها عبر كل الأوطان ولهذا كان يوصي نفسه بالقول " أكتب ياهيبا فمن يكتب لايموت " .
وهل من لا يقرأ يموت ؟
ربما..
يقول شيشرون: " ذلك بجرة قلم : لاوجود لمسن ينسى أين خبأ كنزه "، هذا الأمر يتعلق برجل يحب المال، وماذا لو كان رجلا مرتبطا بالكتب مثلي، أو برجل استثنائي كالعجوز إيغوشي، بطل رواية " ذاكرة غانياتي الحزينات"، للكاتب الكبير غابرييل غارسيا ماركيز، هذا البطل الذي قضى كل حياته بين النساء والشهوة والكتب، لكن السؤال كيف استطاع أن يقاوم عزلته الاختيارية وهو الرجل الذي تجاوز التسعين سنة من عمره ؟ أليس هو القائل في لحظة تيه قاسي : " ليس هناك نكبة أسوأ من موت المرء وحيدا…" لكن علاجه الوحيد هو مكتبته المتنوعة، هو إدمانه على القراءة رغم الشيخوخة وعوالمها الغريبة، استطاع العجوز إيغوشي أن يفوز بوسام التقدير عندما نجح بطريقته الخاصة أن يجعل الآلاف من الشباب يتابعون كل سبت عموده المثير، وبذلك تمكن من صنع شريحة كبيرة من القراء يشعرون بالمتعة والفرح رغم تباين الأعمار.
هذه الرواية " ذاكرة غانياتي .." رغم مافيها من التركيز على الاستفادة من الحياة، ومحاولة ما أمكن طرد الملل والقلق، لكنني أجد أن الفرح ليست مهنتي على حد تعبير الشاعر السوري الكبير محمد الماغوط، ويوم بعد يوم يتسرب اليأس والخوف إلى قلوبنا، إننا نحاول قدر المستطاع أن نتشبت بالأمل ونقاوم، ألم يكن يقول الكاتب والروائي " توماس مان " على لسان أحد شخوصة في رواية " موت في البندقية " إن الصمود للقدر وملاقاة الشدائد بالإبتسام، شيء يعلو على معنى النصر.. إنه ردة فعل للعدوان ونصر ايجابي "، لاأخفيكم أنني أشعر بالخوف ولاأعرف لماذا ؟ ولكنني عندما أصافح كتاب ما، ويصافحني كاتب ما وهو يبتسم أشعر بالأمل، أشعر فعلا أنني أسافر عبر كل الأقطار، متجاوزا عنف الحجر الصحي وأنا أشعر بالانتصار…


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.