يؤكد عبد العزيز أفتاتي عضو الأمانة العام لحزب العدالة والتنمية والبرلماني السابق لنفس التنظيم السياسي، أن ما يسميه ” البؤس الرديف، هو الذي يقف خلف المقتضيات القمعية في مشروع محسوب على تأطير العالم الافتراضي. هدفه الالتفاف على ما بعد “كورونا” وتحصين المقاولات الريعية وبعض مؤسسات الائتمان من أي مساءلة أو انتقاد في المرحلة القادمة. وهذا لم يعد ممكنا”. ويشرح أفتاتي، وهو برلماني سابق، أن “ما يجري اليوم هو معاودة نفس المقاربة بتجميع التكنوقراط والمال الفاسد و”الأدلوجة المتهالكة”، ولكن من خلال هيئات جديدة وليس نفس الهيئات السابقة. وهذا البؤس الرديف، أي التحالف الجديد الهجين، هو الذي استعمل في مواجهة الأستاذ بنكيران عام 2016”.
ويسير أفتات إلى أن “جماعات المصالح والريع المتواطئة ضد غالبية المواطنين أو “الكاترتيل” له امتدادات ووجود وأعشاش لكنه سيتراجع بكل تأكيد، لفائدة مزيد من سلطة الشعب، لأن تدبير الجائحة سترجح الاتجاهات التي تعمل لاستدراك ما فات من أجل العدالة الاجتماعية والتوافق الديمقراطي، وسترصد المكتسبات والتراكم في جانبه الايجابي، والشعب سيخرج معززا بمزيد من المكتسبات”. ماذا يعني لك الحجر الصحي؟ الحجر الصحي وبخلاف ما يتوقع من تكريسه لبعض الظواهر المرضية التي أخذت في الانتشار بحكم التطور المجتمعي كالفردانية، وخاصة فردانية الكبار المتحكمين والماسكين بزمام الأمور، فإنه – أي هذا الحجر الصحي – يوضح ويبين ويكشف أن المصير مشترك والخلاص جماعي، ولا وجود للمصير الفردي، وللخلاص الأناني. وفي النهاية وفي المحصلة، ومهما كانت مكانتك وأموالك وموقعك ووضعيتك فإن المصير واحد ومشترك وجماعي. المصير المشترك يهم الجماعة ويمر من خلال الجماعة، لذلك ينبغي التركيز على الأشياء الجماعية والمقاربات الجماعية، بدليل أن هذه الجائحة فاجأت الجميع، بما في ذلك بعض كبار القوم الذين نسوا المصير المشترك. الحجر الصحي تمرين مندمج على تجديد المسؤولية المشتركة، وتجديد الثقة في هذا المصير المشترك، وتمرين على تجديد التعاون والتضامن حول المصير المشترك، وتجديد الالتزام، وتجديد معاني البذل وأشكال البذل والبذل ثم البذل الذي يفيد أن تعطي بدون حدود قبل أن تأخذ إذا قدر لك أن تأخذ. ما الذي غيره الحجر في تدبير وقتك؟ الحجر الصحي يمنحك مزيدا من الوقت للتركيز والتدبر والتمعن ويحرمك من أشياء بكل تأكيد. وزمن الحجر أقضيه بين قراءات متنوعة، ومتابعة الصحافة الوطنية والإعلام الدولي. ومتابعة بعض مصادر المعلومة المرتبطة بوزارة المالية والمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب. والحجر سمح لي بالعودة لبعض المنتظرات مما كنت قد اقتنيته من قبل كإصدار باسم مجلة “إيكونوميك كريتيك”، ويقع في ثلاثة أجزاء حول التصنيع والتنمية والمقاولة والسوق والصناعة وتطور الاقتصاد والقطاعات الإنتاجية. وكل جزء به ما يناهز 400 صفحة. كما عدت إلى بعض الإصدارات، منها “بوح الذاكرة وإشهاد الوثيقة” حول أحداث 1973 للأستاذ مبارك بودرقة رفيق المرحوم الفقيه البصري، ويحكي فيه فصولا من تاريخ مختلف بشأنه، وكتاب “الوطنيون المغاربة” في جزءين للأستاذ المصطفى بوعزيز، وكتاب للأستاذ إدريس الكراوي حول تجربة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في رئاسة حكومة التناوب التوافقي، ورواية للأستاذ أحمد التوفيق “جيران أبي العباس”، إلى جانب كتيبات أخرى لها علاقة بتجارب التحول الديمقراطي، وكتيبات هي خليط بين الفرنسية والعربية. وكما يقول الإمام الغزالي العمل بلا علم جنون، والعمل بغير علم لا يكون. بالعودة إلى زمن الحجر الصحي في بلادنا، ما الذي كشفت عنه هاته الأزمة؟ كشفت هذه الأزمة ضرورة التواضع العلمي، بعدما فاجأت الجميع وخاصة العقل المادي الذي كان يعتقد سيطرته على المجريات وبأنه بإمكانه أن يتملك الحقيقة، كما فاجأت هذه الأزمة الدول عظيمها وضعيفها، والكارتيلات والمؤسسات الكبرى والصغرى ومراكز الدراسات والبحث الاستشرافي والاستراتيجي. وهو ما يفرض العودة إلى التواضع العلمي من أجل مزيد من العلم النسبي غير الوثوقي. اليوم تبين القصور المرعب أمام هاته الجائحة، رغم الإمكانات المادية الهائلة والفلكية للبعض. هناك من اعتبر أن دور الأحزاب صار غائبا أو مغيبا خلال هاته الأزمة. ما تعليقك؟ هذه الخلاصة المخدومة غير صحيحة، ويقف خلفها العقل السلطوي الذي اكتشف بأن أدواره ستنحصر بعد كورونا في إطار مكره أخاك لا بطل. ولذلك يحاول العقل السلطوي أن يمني النفس بالالتفاف على مرحلة ما بعد كورونا بالتشطيب على الأحزاب والتمكين لمقاربة سلطوية فاشية والفاشية هي المقابل والنقيض للحياة الحزبية والسياسية السليمة. اليوم نرى أن الأزمة تدبرها إدارات وهيئات هي رهن إشارة الحكومة أو في إطار المقاربة التشاركية مع مؤسسات دستورية أخرى، وهنالك تمرين غير مسبوق لاستهداف الفئات الهشة سواوسومء المصنفين في راميد أو غير مصنفين والذين سيستفيدون من دعم وإسناد ماليا في ظل هذه الجائحة. وهذا العدد يناهز الآن 4,3 مليون أسرة، فمن قام بهذا الإجراء؟ هل العفاريت والتماسيح؟. ولذلك فمن يدبر هذه الجهود المعتبرة إما إدارات تابعة للحكومة أو جماعات ترابية وهي مشمولة كلها بتأطير الأحزاب في السياق المغربي بالطبع. مؤسسات الدولة منخرطة في العملية بانسيابية وتكامل وانسجام وتطاوع من رئاسة الدولة إلى الحكومة والمؤسسة التشريعية والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية. ولن يفلح “الكارتيل السلطوي الريعي” في ترجيح المسار لفائدته. تعتقد أن هذا “الكارتيل” الذي تتحدث عنه، هو من يعيق تحقيق انتظارات المغاربة بعد الأزمة وقبلها؟ جماعات المصالح والريع المتواطئة ضد غالبية المواطنين أو “الكاترتيل” له امتدادات ووجود وأعشاش لكنه سيتراجع بكل تأكيد، لفائدة مزيد من سلطة الشعب. المغرب من خلال الحساب الخصوصي عبأ نحو 33 مليار درهم، وقد نكون مضطرين للإضافة قريب من هذا المبلغ أو ضعفي هذا المبلغ، ومن أين سنأتي بهذه الأموال دون مساهمة مباشرة للمنظومة المالية والمؤسسات والمقاولات الكبرى التي راكمت الأرباح وتراكمها حتى زمن الجارحة؟. ومعلوم أن إمكانات الميزانية لن تكون كافية لمفردها. لذلك لابد من خيارات أخرى من مساهمات مباشرة واكتتابات وشراكات وخاصة من الجهات التي ظلت طيلة السنوات الفارطة تراكم أرباحا مهولة. كيف ترى الخروج من الأزمة وتداعياتها مستقبلا؟ ميزة المغرب هو التراكم، في 20 سنة الأخيرة دخلنا مرحلة تناوب توافقي، وفي المقابل كانت محاولات لإحداث انزياحات بتأسيس البؤس في 2009 وجاءت فعاليات 20 فبراير وأفضت إلى دستور جديد وانتخابات سابقة لأوانها في 2011، ثم عدنا لمحاولات نكوص جديدة في 2013 و2016 ، ووقع صمود كبير ودخلنا في مرحلة إنتاج نموذج تنموي جديد بناء على الحصيلة التراكمية الإيجابية في العموم، وجاءت الجائحة ووجدت المغرب في وضعية من يمكنه ترصيد التراكم في الاتجاه السليم والصحيح. لذلك فتدبير الجائحة سترجح الاتجاهات التي تعمل لاستدراك ما فات من أجل العدالة الاجتماعية والتوافق الديمقراطي، وسترصد المكتسبات والتراكم في جانبه الايجابي. والشعب عموما سيخرج معززا بمزيد من المكتسبات الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية. طفت قيم التضامن والتآزر خلال الأزمة، لكن هناك تخوفات من تمرير قرارات أو الجهاز على الحقوق والحريات وتراجعات. ما تعليقك؟ أصعب شيء هو أن يكون نوع من الانسداد والرفض في الأوضاع الحرجة عكس الأوقات العادية التي تكون فيها هوامش للمناورة، لذلك في زمن الجائحة وما بعدها يصعب تدبير أي شيء على حساب المواطنين. والمغاربة يقارنون بين ما يقع في العالم وما يقع في بلدهم، لذلك أصبح من سابع المستحيلات الالتفاف على الأوضاع ولا خيار لنا إلا سبيل الإصلاحات لفائدة الشعب. بعد الأزمة، كيف يمكن تدبير عيشنا المشترك؟ المرحلة المقبلة عنوانها البذل، وسندخل حقبة ينبغي فيها لمن هم فوق أن يردوا على من هم تحت من خلال مقاربة جدية لإعادة التوزيع، وأن يسهموا في معاودة الانطلاقة الاجتماعية والاقتصادية على أسس سياسية سليمة. علينا تعبئة كل الوسائل والشراكات والإمكانات بما فيها مساهمات المنظومة المالية والمقاولات الكبيرة لأن إمكانات الميزانية وأدواتها لتعبئة الموارد من استدانة ومقاربة جبائية بالنسبة للبعض لا يمكن أن تفي بكل الاحتياجات. والمرحلة تتطلب مقاربة البذل المواطن وليس لنا من خيار سوى ذلك لأن مصيرنا مشترك. هل تابعت النقاش حول مشروع قانون 22.20 .. كيف تنظر إلى ما يجري بخصوص هذا الموضوع؟ باختصار لفهم هذا التحالف القديم/الجديد بين المال الريعي و”الأدلوجة الخاسرة” يمكن العودة إلى خلفيات تأسيس البؤس بتجميع وحشر ثلاث مكونات: “المال الريعي والفاسد” ومكون “الأدلوجة” ومكون “التكنوقراط”، وذلك لمواجهة العدالة والتنمية ساعتها. وهذا لم يأت بنتيجة واندحر البؤس والكل يتابع اليوم مسار هذا الاندحار وما يجري اليوم هو معاودة نفس المقاربة بتجميع التكنوقراط والمال الفاسد و”الأدلوجة المتهالكة”، ولكن من خلال هيئات جديدة وليس نفس الهيئات السابقة. وهذا البؤس الرديف، أي التحالف الجديد الهجين، هو الذي استعمل في مواجهة الأستاذ بنكيران سنة 2016 ، حتى لا يشكل أغلبية سياسية مسؤولة بطريقة إرادية، وبالتالي تشكيل حكومة منسجمة بطريقة إرادية دائما. هذا البؤس الرديف، هو الذي يقف خلف المقتضيات القمعية في مشروع محسوب على تأطير العالم الافتراضي. وأهداف هذا البؤس الرديف هو الالتفاف على ما بعد “كورونا” وتحصين المقاولات الريعية وبعض مؤسسات الائتمان من أي مساءلة أو انتقاد في المرحلة القادمة. وهذا لم يعد ممكنا، والمقتضيات الهجينة المجرمة لما يمكن أن يكون من دعوات مقاطعة ومواجهة للمقاولات الريعية، ستسقط، بل سقطت بكل تأكيد، ولن تمر بفعل يقظة المواطنين الهائلة في مواجهة الاستغلال وكل أشكال اقتسام وافتراس الأسواق والقطاعات.