يمثل إقرار الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب العربية أحد أبرز ما جاء به الدستور الجديد، فقد تجاوب الدستور الملكي مع الحضور البارز لشباب و مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية في تظاهرات حركة 20 فبراير و أدرجت الأمازيغية لغة رسمية في مسودة الدستور الذي تم إقراره لاحقا، و هكذا وافق المغاربة ممن شاركوا في الاستفتاء على جعل الأمازيغية رصيدا مشتركا لهم جميعا، و هو أمر إيجابي و جميل جدا: فأخيرا أكد المغاربة من خلال تصويت وصف بالديموقراطي على أن الأمازيغية جزء من هويتهم و إغناء لتاريخهم و حضارتهم، غير أن الدستور و كما في جميع مواده كان فضفاضا قابلا لأكثر من تأويل و أقرب لنص أدبي منه لنص قانوني يفترض فيه الوضوح و الدقة. يقول الدستور المغربي الجديد في فصله الخامس: " تظل العربية اللغة الرسمية للدولة.وتعمل الدولة على حمايتها و تطويرها وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء و يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية". -العربية تظل و الأمازيغية تعد: هكذا يؤكد الدستور على العربية و يعرج على الأمازيغية و كأنما الأولى في حاجة إلى تأكيد؟ -العربية هي اللغة الرسمية و الأمازيغية لغة رسمية : واحدة معرفة و هي لا تحتاج إلى تعريف و ثانية نكرة كما في واقعها، لغتنا الأم التي ننظر إليها تحتضر. و حين يتوجه الدستور إلى الدولة فهو صارم تجاهها في قيامها بواجب تطوير و حماية و تنمية العربية القوية و متساهل تجاهها حين يتعلق الأمر بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية المستضعفة المحتاجة للحماية و التنمية والتطوير،فالأمازيغية لغة رسمية للمستقبل و لا زلنا نجهل كيف ندمجها في التعليم و لا نعلم مجالات استعمالها ذات الأولوية، و هكذا فإن رسميتها رهينة بقانون تنظيمي يرسم ملامح مستقبلها وهي بذلك رهينة بالإرادة السياسية لدى الجهات المنوطة بإعداد قانونها التنظيمي. تعتبر الحكومة هي الجهة المنوطة بإصدار القانون التنظيمي للأمازيغية، و هي حكومة قطباها هما: حزب العدالة و التنمية الإسلامي التوجه و الذي يعتبر كجميع الإسلاميين اللغة العربية لغة مقدسة للدنيا و الآخرة، في حين لم يعبر يوما عن موقف واضح من القضية الأمازيغية، و رغم عدم معارضته العلنية لمطالب الحركة الأمازيغية إلا أنه لا طالما هاجم رموزها و منتسبيها متهما إياهم ببث التفرقة أحيانا و التحالف مع اليهود أحيانا أخرى، كما أنه لم يفعل شيئا لدعم المطالب الأمازيغية و لم يضعها أبدا من بين أهدافه. أما القطب الثاني و هو حزب الاستقلال فهو يعد عدو الأمازيغية بامتياز و هو يقتبس حل هتلر "الأخير" مع اليهود و يساهم منذ الاستقلال في إبادة الشعب الأمازيغي بكل ما أوتي من إمكانيات، إبادة لا تراق فيها الدماء لكنها لا تقل وحشية عن إبادة الأرمن أو الهنود الحمر، فقد تم عبر المدرسة و التلفزة تعريب أبناء الأمازيغ و سلخهم عن هويتهم و هوية أمهاتهم و آبائهم، و عدد الناطقين بالأمازيغية في تناقص مستمر منذ الاستقلال إلى اليوم بفضل حزب الاستقلال. أما في ما يخص الأحزاب المعارضة:فإذا ما أخذنا الإتحاد الاشتراكي مثلا، فهو استمرارية للأحزاب القومية العربية التي نشأ بجوارها و مواقفه من الأمازيغية لا تتعدى محاولات لتنويم القضية مع نية مبيتة و صريحة أحيانا لوضع الأمازيغية في متحف اللغات، و فيما يخص الأحزاب اليمينية و التي تحسب على المخزن تاريخيا فهي لا تملك أي حضور فاعل في النقاش السياسي، و رغم أن بعضها يتبنى الأمازيغية و يعتبر نفسه ممثلا لمطالبها -والمقصود هنا خصوصا هو حزب الحركة الشعبية- إلا أنها بدورها لم تعبر عن رؤية واضحة لحل القضية الأمازيغية المستعصية والتي تعاني أساسا من تكريس الأمر الواقع و عدم وجود الرغبة لدى أي من الأحزاب التي تشكل الفسيفساء السياسي المغربي في حمل الهم الأمازيغي. نحن إذن أمام حكومة ومعارضة لا يمكن أبدا أن تؤتمن على إعداد مشروع يعيد تعريف الهوية الوطنية كما اختارها المغاربة مزدوجة اللغة و الثقافة و التاريخ، فهل أملنا الوحيد المتبقي هو المؤسسة الملكية؟ و ليس لنا إلا أن نعول على ضغطها في اتجاه ترسيم حقيقي للأمازيغية؟ أخشى من أن الإجابة هنا أيضا لا يمكن أن تصب لصالح الأمازيغية فالملكية المغربية تعتبر نفسها امتدادا لدولة المدينة و الملك يستمد شرعيته من نسبه العربي الشريف، و رغم أن الراحل الحسن الثاني أبدى انفتاحا على اللغة الأمازيغية من خلال إدخالها للإعلام (أخبار اللهجات) و إعلانه قبوله المبدئي بتدريس اللهجات الأمازيغية، و هو نهج سار عليه كذلك الملك محمد السادس من خلال تأكيده في خطاب أجدير على أهمية المكون الأمازيغي للهوية المغربية وضرورة العمل على تنميتها و إعلانه عن إحداث المعهد الملكي للأمازيغية، فإن وضعية هذه الأخيرة لا زالت تراوح مكانها، فكيف نفسر إدراج خبر بتاشلحيت ثم روبورطاج عنه بتاريفيت و تعليقا عن ذات الخبر بتامازيغت أليس هذا استهتارا بأمازيغ المغرب و بكل المغاربة الذين يعتبرونها رصيدا لهم؟ كيف نفسر أن إدخال الأمازيغية أو لهجاتها للتعليم كان يفترض أن يكون معمما في أفق 2011 في حين أن نسبة التلاميذ الذين يدرسونها بالفعل لا يتجاوز 7.5 في المئة، مع الإشارة إلى كون هذا التعليم يتم فقط خلال السنتين الأوليين من التعليم الابتدائي. نستخلص إذن أن تجربة المخزن مع المطالب الأمازيغية هو تاريخ من المناورات السياسية التي تريد الالتفاف على المطالب اللغوية و الثقافية المشروعة للشعب المغربي أكثر مما ترغب في إعطاء الأمازيغية مكانتها المستحقة في النسيج الهوياتي المغربي و ذلك في معاكسة للإرادة الملكية المعلنة. إنطلاقا مما تقدم يتضح أن القرار القاضي بترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي ليسا إلا ذرا للرماد في العيون و أن تنمية اللغة و الثقافة الأمازيغيتين رهين بإرادة سياسية حقيقية، تفتح الباب أما الطاقات الوطنية الخلاقة و أمام مناضلي الحركة الثقافية الأمازيغية الحقيقيين، لأجل بلورة تصور واضح للقضية الأمازيغية، يروم إعادة الاعتبار لهذا المكون الأساسي للهوية الوطنية و يؤسس لمجتمع مغربي يحترم الاختلاف و يعزز في أبنائه غناهم الحضاري والتاريخي وتنوعهم اللسني و يمهد الطريق أمام اللغات الأمازيغية الحية لكي تعود إلى وظيفتها الطبيعية في تحقيق التواصل و حمل فكر و إبداع الإنسان الأمازيغي العريق في التاريخ، و المطلوب هنا من مناضلي الحركة و من المغاربة الغيورين على انتمائهم هو الاستمرار في الضغط لأجل فرض هذه الإرادة السياسية التي لن تأتي إلا بنضالات بتضحيات أبناء الشعب المغربي الأبي.