الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    فرانكو ماستانتونو: مكالمة ألونسو حفزتني.. ولا أهتم بالكرة الذهبية    حجز أكثر من 37 ألف قرص مخدر بمراكش وتوقيف ثلاثة مشتبه فيهم في قضية ترويج المؤثرات العقلية    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين ومهاجرين من شمال أفريقيا    الجيش السوري يدخل مدينة السويداء    منتخبون عن إقليم الحسيمة يلتقون وزير الفلاحة للترافع حول توسيع المشاريع    مجلس النواب.. تباين بين مواقف الأغلبية والمعارضة حول مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    الدين العمومي للمغرب سيصل إلى 79,2% من الناتج الداخلي الإجمالي خلال 2025    طقس حار في توقعات اليوم الثلاثاء بالمغرب    كيوسك الثلاثاء | توجه جديد لتقنين استعمال الهواتف داخل المؤسسات التعليمية    وفاة المسمى "بوعبيد" المعتدي على عنصر من الوقاية المدنية بالمستشفى بعد إلقاء نفسه من أعلى خزان مائي    إيرادات الجمارك المغربية تتجاوز 47,3 مليار درهم في النصف الأول من 2025    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال        بوريطة: الشراكة الأورو-متوسطية يجب أن تصبح تحالفا استراتيجيا حقيقيا    الداخلة، "ملتقى طرق" يربط بين فضاء البحر المتوسط ومنطقة جنوب الصحراء (صحيفة كندية)            "OCP GREEN WATER" تطلق رسميا تشغيل خط أنابيب تحلية المياه بين الجرف الأصفر وخريبكة    فيدرالية اليسار الديمقراطي تنتقد الوضع العام وتطالب بإسقاط "التطبيع" وإطلاق سراح الزفزافي ورفاقه    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحتضن دورة تكوينية لفائدة وفد فلسطيني رفيع لتعزيز الترافع الحقوقي والدولي    اليونسكو تُدرج "مقابر شيشيا" الإمبراطورية ضمن قائمة التراث العالمي... الصين تواصل ترسيخ إرثها الحضاري    الصين تواكب المغرب في إطلاق الجيل الخامس: فتح باب التراخيص يعزز الشراكة التكنولوجية بين الرباط وبكين    المنتخب المغربي للسيدات يلاقي منتخب مالي في ربع نهائي كأس أمم إفريقيا    الحكومة تخرج عن صمتها بشأن ارتفاع استهلاك الكهرباء بالمغرب خلال يونيو    نتانياهو يصطدم بالجيش بسبب "المدينة الإنسانية" في غزة: ما هو سبب الخلاف؟    نيجيريا تعلن الحداد لمدة أسبوع على وفاة رئيسها السابق بخاري    حكيمي وبونو في التشكيلة المثالية لمونديال الأندية    رسميا.. ميلان يعلن تعاقده مع لوكا مودريتش    الملك محمد السادس يراسل الرئيس الفرنسي ماكرون    "فيفا" يصدر قرارات جديدة بشأن صحة وفترات راحة اللاعبين    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي    أوروبا تستعد للحرب المدمرة    ريال مدريد يجلب الظهير "كاريراس"    شارلوروا البلجيكي يتعاقد مع خليفي    الإصلاح الضريبي.. ارتفاع الموارد الجبائية ب 25,1 مليار درهم عند متم يونيو 2025    فيلم وثائقي إسباني يقرّ بمغربية جزيرة ليلى    الفريق الاشتراكي: الاقتراع الفردي لانتخاب ممثلي الصحافيين في "مجلس الصحافة" يتعارض مع الدستور    دراسة علمية: السمنة تسرّع الشيخوخة البيولوجية لدى الشباب وتعرضهم لأمراض الكهولة في سن مبكرة        الوزير البريطاني الأسبق للدفاع والتجارة الدولية: المملكة المغربية شريك أساسي للمملكة المتحدة    زيدان: اللجنة الوطنية للاستثمار صادقت على 237 مشروعا استثماريا بقيمة 369 مليار درهم    وفاة "تيكتوكر" مغربية بعد عملية تكميم المعدة تثير الجدل حول التنمر وضغوط "السوشيال ميديا"    اللاّوعي بين الحياة النفسية والحرية    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    المحلي بوصفه أفقا للكوني في رواية خط الزناتي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حامي الدين: هناك تغييب لدور الأحزاب وتعتيم على عملها وتجاهل لأدوار المنتخبين في الإعلام العمومي
نشر في لكم يوم 28 - 05 - 2020

يخلص الجامعي والبرلماني عبد العالي حامي الدين، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربي، أنه خلال أزمة “كورونا” “هناك تغييب للدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية، وهناك نظرة قديمة تتجدد باستمرار وهو التعتيم عن العمل الذي يقوم به السياسيون الحزبيون وتسليط الضوء على غيرهم. كما أن هناك تجاهلا واضحا لأدوار المنتخبين في الإعلام العمومي”.
ويتخوف حامي الدين، في حوار مع موقع “لكم”، من استغلال هذه الظروف من طرف البعض من أجل كسب مساحات تراجعية في مجال الحقوق والحريات، ومحاولة الإجهاز على الحقوق والحريات ستصطدم بالوعي الجماعي للمغاربة الذين بقدر ما يعبرون عن استعدادهم للتفاعل مع القرارات المعقولة للدولة ومؤسساتها في ظل حالة الطوارئ الصحية، فليس لهم استعداد للتخلي عن المكتسبات المتراكمة في مجال الحقوق والحريات الأساسية”.

وبقدر ما يؤكد حامي الدين أن النموذج الحالي لم يسهم في توسيع الطبقة الوسطى، بل بالعكس ساهم في تقليصها، لم يحل مشكلة بطالة الشباب ولاسيما حاملي الشهادات، كما لم ينجح في جعل الإنسان في قلب التنمية،ولم ينجح في جعل المغرب منخرطا في اقتصاد المعرفة بالشكل المطلوب”، فإن تحديات مغرب ما بعد كورونا “لا يمكن أن ننجح فيها إلا في ظل مؤسسات قوية منبثقة عن الاختيار الديموقراطي وتشتغل بشكل فعال، ولا مناص من استثمار هذه اللحظة التاريخية للقيام بمصالحة وطنية حقيقية، وإطلاق مبادرة سياسية حقيقية قصد الطي النهائي لصفحة بعض الملفات الحقوقية العالقة والتوجه لبناء مستقبل أفضل”.
وفي ما يلي نص الحوار:
ماذا يعني لك الحجر الصحي؟
الحجر الصحي هو سلوك وقائي فرضته السياسة المتبعة لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد 19)الذي أصاب العالم، وانتشر بسرعة رهيبة وكادت أن تنهار أمامه منظومات صحية متطورة لبلدان متقدمة، فلم يكن أمام بلادنا التي يوجد فيها قطاع الصحة في الوضع الذي تعلمون إلا اعتماد سياسة الحجر الصحي والتقليص من حرية الناس في الحركة والتنقل والتجمع ضمانا للحق في السلامة الصحية وللحق في الحياة.
وبالنسبة لي، يمثل الحجر الصحي امتثالا لقواعد السلامة الصحية أولا، لكنه فرصة للتأمل والتفكير والمراجعة وإعادة ترتيب مجموعة من الأشياء.
ما الذي تنشغل يه في الحجر الصحي؟
في البداية لم أستطع أن أتكيف مع فترة الحجر الصحي بسهولة، فقد كانت تلازمني حالة من القلق من جراء الغموض الذي كشف عنه هذا الفيروس، عن أصله وكيفية انتشاره وعجز العالم عن القضاء عليه، وكيف نجح فيروس “حقير” لا يرى بالعين المجردة في شل حركة الطيران وإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية وانكفاء الدول على نفسها وتركيزها الاهتمام على مواطنيها. فباستثناء إنجاز بعض المحاضرات المكتوبة لفائدة الطلبة الذين أدرسهم، فقد كنت أقضي وقته كله تقريبا في متابعة الأخبار المتعلقة بانتشار الوباء وقراءة التقارير والتحليلات والمقالات التي تتحدث عن هذا الوباء، لكن مع مرور الوقت بدأت أتكيف مع الوضع وأخصص وقتا للكتابة والقراءة والمشاركة في الندوات عن بعد وتخصيص وقت للأسرة الصغيرة من خلال متابعة دراسة الأبناء الذين بدؤوا يتأقلمون مع أسلوب ” الدراسة عن بعد” أو مشاهدة بعض الأفلام بشكل جماعي أو القيام ببعض المهام داخل المطبخ، بالإضافة إلى المهام الروتينية المتعلقة بالعمل البرلماني والحزبي وما يرتبط بهما من اجتماعات ومراسلات.
وما قراءتك لما يقع اليوم وما الذي كشفته هاته الأزمة؟
هذه الأزمة أكدت التشخيص السابق المتعلق بمحدودية النموذج التنموي الحالي والذي تم الإقرار به من أعلى قمة هرم الدولة منذ حوالي سنة، وتم تعيين لجنة ملكية قبل بضعة أشهر لإعادة التفكير وصياغة تصور جديد يعتمد على مقاربات جديدة للتنمية في المغرب.
لقد ساهم هذا الوباء في الكشف بوضوح أكبر على أن النموذج الحالي لم يتمكن من محاصرة ظاهرة الفقر ولم يحقق العدالة الاجتماعية المنشودة، أزيد من 5 ملايين أسرة تستفيد من الدعم الاجتماعي المباشر، أي ما يعادل تقريبا أزيد من نصف ساكنة المغرب، وهو رقم كبير يعكس حجم الهشاشة الاجتماعية في بلادنا،
لم يسهم النموذج الحالي في توسيع الطبقة الوسطى، بل بالعكس ساهم في تقليصها، لم يحل مشكلة بطالة الشباب ولاسيما حاملي الشهادات.
لم ينجح في جعل الإنسان في قلب التنمية،ولم ينجح في جعل المغرب منخرطا في اقتصاد المعرفة بالشكل المطلوب،ولم ينجح المغرب في التحول إلى مصاف الدول الصاعدة كما كان متوقعا. من حسنات هذا الوباء أنه كشف لنا عن خريطة القطاع غير المهيكل وهو ما يفرض على الدولة العمل على تنظيمه في أقرب فرصة والعمل على إدماجه في الاقتصاد الوطني بشكل كامل.
هذه الأزمة كشفت أيضا على الدور الاجتماعي للدولة الذي لا يمكن ملِؤه من طرف أي جهة أخرى، وهو ما برز بشكل واضح مع قطاع الصحة، ومع الدعم الاجتماعي المباشر للفقراء.
هناك من يعتبر أن سلوك التضامن والتآزر الذي تنامى خلال الأزمة، سيدفع لتمرير قرارات أو مواقف والإجهاز على الحقوق والحريات كما نبهت إلى ذلك الأمم المتحدة. هل لديك هذا التخوف؟
أولا علينا أن نشيد بروح التضامن والتآزر التي عبرت عنها مختلف فئات الشعب المغربي، وهذه ميزة حضارية تعكس العمق الإنساني النبيل للشخصية المغربية، كما أن ارتفاع منسوب الثقة في القرارات التي اتخذتها الدولة والتفاعل التلقائي مع مجموع القرارات المتخذة في ظل حالة الطوارئ الصحية برهن على مستوى عال من التلاحم بين المجتمع والدولة، يقف وراءها الإحساس بالمسؤولية المشتركة والمصير المشترك وتيسير مهام السلطات العمومية قصد محاصرة الوباء والتحكم في انتشاره.
لكن ينبغي تفهم التخوفات التي تخشى من استغلال هذه الظروف من طرف البعض من أجل كسب مساحات تراجعية في مجال الحقوق والحريات، وهناك بعض المؤشرات التي تزكي هذه التخوفات، من قبيل محاولة تمرير مشروع قانون 22-20 المتعلق بتقنين استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح، وهو المشروع الذي ووجه من طرف رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف القوى الحية في البلاد، مما يعني أن محاولة الإجهاز على الحقوق والحريات ستصطدم بالوعي الجماعي للمغاربة الذين بقدر ما يعبرون عن استعدادهم للتفاعل مع القرارات المعقولة للدولة ومؤسساتها في ظل حالة الطوارئ الصحية، فليس لهم استعداد للتخلي عن المكتسبات المتراكمة في مجال الحقوق والحريات الأساسية.
البعض يرى أن دور الأحزاب محدود ومقلص ومهمش خلال الأزمة. من يتحمل المسؤولية؟
الأصح أن هناك تغييب للدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية، وهناك نظرة قديمة تتجدد باستمرار وهو التعتيم عن العمل الذي يقوم به السياسيون الحزبيون وتسليط الضوء على غيرهم.
جميع القرارات التي تتخذ حاليا تساهم فيها النخب الحزبية من مختلف المستويات، فعلى مستوى الجهاز التنفيذي هناك حضور للأحزاب من خلال الوزراء الذين يمثلون أحزابهم، وعلى المستوى التشريعي ساهمت الفرق البرلمانية في التأطير القانوني لحالة الطوارئ الصحية، وأيضا في المصادقة على التشريعات ذات الصلة بالإجراءات المتعلقة بالدعم الاجتماعي لعدد من الفئات المتضررة من جائحة كورونا من أجراء ومقاولات وغيرهم، كما أن الجماعات الترابية ومن خلال رؤسائها ومكاتبها المسيرة ومن خلال المكاتب الصحية تقوم بعمل كبير يتعلق بالنظافة وبتعقيم المنشآت العمومية، لكن بطبيعة الحال علينا أن نستحضر بأننا في حالة طوارئ صحية وهو ما يجعل العبء يقع أساسا على عاتق السلطات الصحية والداخلية والمالية، ومن الطبيعي أن يكون الضوء مسلطا على هذه القطاعات أكثر من غيرها، لكننا لا يمكن أن نغفل أن هناك تجاهلا واضحا لأدوار المنتخبين في الإعلام العمومي.
يرى مراقبون أن الإجراءات الاحترازية منعت أعضاء البرلمان من ممارسة اختصاصاتهم الدستورية دونما سند دستوري أو ما يمليه النظام الداخلي للمجلسين. هل تعطل دور البرلمان؟
لا لا، البرلمان لم يتعطل، وحافظ على دوره الرقابي والتشريعي، ولكنه قام بتكييف عمله حتى يتلاءم مع حالة الطوارئ الصحية وذلك باتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية والاحترازية من طرف أجهزة مجلسي البرلمان، والتي تهم أساسا التقليص من نسبة الحضور في اللجان والجلسات العامة والاقتصار في جلسات الأسئلة الشفوية على سؤال محوري واحد يتعلق بقطاع واحد. بل بالعكس لاحظنا أن هناك بعض الممارسات الجديدة التي تم تفعيلها لأول مرة على مستوى العمل البرلماني، مثل تفعيل مقتضيات الفصل 68 من الدستور الذي أتاح الفرصة لانعقاد البرلمان بمجلسيه، في اجتماع مشترك، للاستماع إلى بيانات حول تطورات تدبير الحجر الصحي ما بعد 20 ماي من طرف السيد رئيس الحكومة، وتخصيص جلستين عموميتين على مستوى المجلسين لمناقشة العرض الذي قدمه رئيس الحكومة والإدلاء بالملاحظات بشأنه، كما سجلنا اللجوء إلى التصويت على مشاريع القوانين بواسطة تقنية التصويت عن بعد سواء بالنسبة للجان أو بالنسبة للجلسة التشريعية العامة، وهو ما تم لأول مرة بالنسبة لمجلس المستشارين.
كما استمر العمل التشريعي للبرلمان بغرفتيه بشكل عادي فبالإضافة إلى المناقشة والمصادقة على مشاريع القوانين المقدمة من طرف الحكومة بادرت الفرق البرلمانية بوضع أزيد من عشرين مقترح قانون جرى تقديمها خلال فترة الحجر الصحي والتي من شأن إقرارها أن تساهم بشكل فعال في معالجة العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
لكن، من المفروض أن يراقب أعضاء البرلمان عمل الحكومة ويسائلوها؟
نعم، فطبقا لأحكام الفصل 100 من الدستور ومقتضيات النظام الداخلي للمجلسين، حافظ البرلمان المغربي على الوتيرة الأسبوعية للجلسات العمومية المخصصة للأسئلة الشفوية، بالإضافة إلى جلسات مساءلة السيد رئيس الحكومة، لكن ما يمكن أن يعاب على العمل البرلماني، هو عدم احترام مبدأ التمثيل النسبي في الحضور، وهو مبدأ دستوري، وكان يمكن التقليص من حضور البرلمانيين لكن مع احترام التمثيلية النسبية، الملاحظة الثانية هي المتعلقة بطريقة التصويت حيث لجأ مجلس المستشارين إلى التصويت الإلكتروني عن بعد وهو ما ضمن للبرلمانيين في مجلس المستشارين القيام بحقهم الشخصي في التصويت، وهو حق غير قابل للتفويض طبقا لمقتضيات الفصل 60 من الدستور، بينما اختار مجلس النواب طريقة أخرى أثارت نقاشا حول مدى دستوريتها مما تم معه اللجوء إلى القضاء الدستوري، وبينما حافظ مجلس المستشارين على اجتماعاته هياكله المسيرة بشكل عادي (مكتب المجلس وندوة الرؤساء)، ابتدع مجلس النواب آلية جديدة وهي اجتماع رئيس المجلس مع رؤساء الفرق، وهي الآلية التي لا وجود لها في النظام الداخلي لمجلس النواب.
هناك من يعتبر أننا نعيش أزمة دستورية حقيقية، كثير من المبادئ الدستورية لم تفعل إلى اليوم، وزادتها أزمة كورونا تعقيدا؟
لا أعتقد أننا أمام أزمة دستورية، ولا أعتقد أن هناك تغاضي مقصود عن تفعيل بعض المبادئ الدستورية، ولكن الدستور لم ينظم حالة الطوارئ الصحية وكيفية اشتغال المؤسسات لأن الدستور لم يتوقع هذه الحالة، بينما توقع حالة الحصار وحالة الحرب وحالة الاستثناء، كما أن النظام الداخلي لكلا المجلسين لم يتوقع حالة الطوارئ، إذن كان من الطبيعي أن نكون أمام اجتهادات جديدة وربما بعض الارتباك بسبب عصر المفاجأة والسرعة الذي سببته جائحة كوفيد 19، ليس فقط في المغرب ولكن في جميع البلدان، ولذلك لاحظنا بأن عددا من البلدان الديموقراطية لجأت إلى الإعلان عن حالة الطوارئ نتج عنها نقاش دستوري واسع كما حصل في الحالة الفرنسية، كما أن عددا من برلمانات العالم اعتمدت نظام الاجتماعات عن بعد والتصويت عن بعد واقتصر الحضور الجسدي في مقراتها على عدد محدود من النواب.
قانون الطوارئ الصحية يساءل السياسة الجنائية، فكيف يمكن تدبير وضع وتفرض عقوبات حبسية، فالسجن والاعتقال يساهم في الاكتظاظ بالسجون. أين يكمن الخلل؟
هناك خلل في السياسة الجنائية المتبعة وهو السبب الرئيسي وراء اكتظاظ السجون، وهذا الموضوع أثرناه قبل جائحة كورونا، هناك مبالغة كبيرة في اللجوء إلى الاعتقال قبل صدور أحكام قضائية نهائية في عدد كبير من القضايا لا تكتسي خطورة على المجتمع، مما يجعل نسبة الاعتقال الاحتياطي في بلادنا من النسب المرتفعة في العالم بالمقارنة مع التجارب الأخرى، كما أن ظاهرة الإيداع في السجن من طرف النيابة العامة تبقى آلية معيبة وتفتقر إلى الأساس القانوني المتين، وهو ما ينبغي العمل على تجاوزه في المراجعة التشريعية التي طال انتظارها للمسطرة الجنائية.
أما بخصوص المتابعات الجارية بسبب خرق حالة الطوارئ الصحية، فعلينا أن نميز بين المتابعات الخاصة بسبب حالة الطوارئ لوحدها، والمتابعات الخاصة بجرائم أخرى تقترن بخرق حالة الطوارئ مثل السكر العلني أو السرقة أو غيرها من الجرائم.وأعتقد بأن الأرقام المعلنة تبقى مرتفعة في جميع الأحوال.
في ظل هاته الأزمة، كيف تنظر لمستقبل عيشنا المشترك؟.
أعتقد أن هناك فرصة أمامنا لاستثمار التعبئة الوطنية والتلاحم الموجود بين الدولة والمجتمع وارتفاع روح التضامن ومنسوب الثقة من أجل الإسراع في بلورة نموذج تنموي جديد يستحضر التحولات الجديدة، على أرضية عقد اجتماعي جديد.
فهناك اليوم خلاصات متفق عليها تقريبا مستفادة من هذه الجائحة ينبغي إدماجها بسرعة في عملية التفكير الجماعي حول النموذج التنموي الذي نريد، فهناك حاجة ماسة للنهوض بواقع الصحة العمومية، (الميزانية المرصودة لا تتجاوز 5 أو 6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في الوقت الذي تنبه منظمة الصحة العالمية إلى اعتماد 11 إلى 13 في المائة)، كما أن هناك حاجة لتغيير الرؤية التي كانت تحكمها في السابق والمستوحاة من النموذج النيوليبرالي الذي كشف عن محدوديته في هذه الجائحة،ثانيا، لابد من تعزيز الدور الاجتماعي للدولة ومعالجة الفوارق الاجتماعية الكبيرة التي كشفتها عنها جائحة كورونا وإعادة توزيع الثروة الوطنية بما يحقق بعض العدالة الاجتماعية وبما يحصننا من هزات اجتماعية مؤكدة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، ثالثا، ضرورة الانتباه إلى ملحاحية واستعجالية تطوير برامج البحث العلمي وتعزيز مكانته في السياسات العمومية المتبعة في مختلف القطاعات، رابعا، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز البنية التحتية الملائمة لصناعة وطنية متطورة قادرة على الإقلاع والصمود وقد أظهرت أزمة كورونا الإمكانيات المهمة التي يتوفر عليها المغرب في هذا الإطار، وأخيرا ضرورة الانتباه إلى التحول الرقمي كحاجة اجتماعية يومية، إننا ذاهبون بسرعة شديدة نحو ثورة صناعية رابعة وهو ما سيحدث فجوة اجتماعية هائلة ستطيح بالكثير من فئات المجتمع، وربما سنناقش غدا إشكاليات جديدة مثل الفقر الرقمي والأمية الرقمية والفجوة الرقمية، وستصبح الرقمنة خيارات مفروضة على جميع الفئات الاجتماعية مما يستدعي تدخل الدولة لخلق نوع من التوزيع العادل للخدمات الرقمية يما يحقق الحد الأدنى من العدالة في الاستفادة منها.
طبعا، كل هذه التحديات لا يمكن أن ننجح فيها إلا في ظل مؤسسات قوية منبثقة عن الاختيار الديموقراطي وتشتغل بشكل فعال، في إطار دولة القانون التي تحترم حقوق الإنسان، وفي هذا الإطار لا مناص من استثمار هذه اللحظة التاريخية للقيام بمصالحة وطنية حقيقية، وإطلاق مبادرة سياسية حقيقية قصد الطي النهائي لصفحة بعض الملفات الحقوقية العالقة والتوجه لبناء مستقبل أفضل بكل ثقة ووحدة وتضامن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.