المقال الذي تطرق لكتاب أدونيس " نظرة أورفي " لصاحبه عبد العالي مجذوب لا يرقى إلى مستوى القراءة الموضوعية القائمة على مناقشة الأفكار والآراء بقدر ما جاء مشحون بالعاطفة والحماسة الدينية حيث طغت عليه مفردات وألفاظ العنف والوعيد، من خلالها نجد أنها تخل باللياقة الأدبية...( الوقاحة، الدنائة، السفالة المعاصي، المخازي الآثام، المنكرات، الفسق، الفجار، الإباحية، الكذابين، الخونة، المبطلين، أهل الإلحاد وأهل الشرك والتلبس، والبهتان... أهل الجحيم..) في المقابل يعترف صاحب المقال بأنه لأول مرة يقرأ كتابا يتسم بهذه الجرأة والشجاعة في "التطاول على معتقدات المسلمين" باستعمال ألفاظ أنكر، أشنع، أفظع الهمز، اللمز، الإيحاء الحقير، الطريقة الإبليسية الخبيثة، البهتان الهدام، تدليس، شادة منكرة... لكن الملاحظ في المقال أن كلمتي الجرأة والشجاعة، تكررت كثيرا.. مع غياب واضح لأي نقاش فكري للأسئلة التي يحملها الكتاب "نظرة اورفي" واكتفى بالمعارضة العاطفية دون سند يذكر معتمدا في ذلك على قاموس لفظي عنيف ومتعصب ... فمعارضة صاحب المقال لما جاء في الكتاب نابعة أساسا من استغرابه المذهل للجرأة والشجاعة التي حظي بها أدونيس في تناوله لموضوعات دينية... فهي تشكل أي الجرأة والشجاعة صدمة لقناعات الكاتب الذي تتطلب مجهودا فكريا واستعدادا نفسيا لتقبله والتعامل معه كرأي مخالف في سياق موقع العقل ذاته داخل منظومة الحقيقة. هذا الاستغراب والاندهاش من الجرأة والشجاعة التي عبر عنها صاحب المقال هو تعبير عن رد فعل طبيعي وقوي يريد التعويض عن الواقع البائس لمجتمعنا من خلال تضخيم المقدس. فهناك صدمة ورجة تصيب الذات والأنا الجماعية في نفس الوقت.. فالجرأة والشجاعة هي المدخل الأساسي والطبيعي لطرق أبواب استعمال العقل.. فبهما نكشف عن مواطن الصمت والفراغ والتواطؤ في موروثنا الثقافي.. فإذا كان صاحب المقال يدافع عن الحقائق التاريخية كما يقول فهناك في المقابل حقائق تاريخية مسكوت عنها وقع تهريبها وقرصنتها تاريخيا تدخل ضمن دائرة التحريم في الوقت الراهن لا يسلم بها كاتب المقال .. رغم أنه يزعم تمسكه بالبحث الأكاديمي والأمانة العلمية.. حيث يقول " وأدونيس وهو يحكي هذه الكفريات الصارخة في حق ذات الله ويقررها بل ويفلسفها ويذهب في تفريعها كل مذهب لا يكترث بمقدسات المسلمين وبعقائدهم الثابتة في أصول الإسلام القطعية". فأدونيس حين تطرق لموضوعات دينية مسكوت عنها هي "واقعة الإفك" مارس حقه كباحث في التراث لأنه يؤمن أنه ليس هناك شيء في هذا الوجود لا يقبل التفسير بالعقل، لأن وجود الشيء يعني صدوره عن سبب فاعل وسبب غائي وتعقل الشيء المختلف عنه. وإذا كان كاتب المقال يتساءل لماذا لا يسلك أدونيس كتابات الغزالي الصوفي المشهور..؟ نقول أنه أجاب على تساءله من خلال الاستدلال بالغزالي تحديدا. فالمعروف تاريخيا عن أبو حامد الغزالي أنه أفرغ "المنطق" الآرسطي من محتواه. معوضا إياه " بالقسطاس المستقيم" و "الجدل" كمعاول لخوض نقاشات أيديولوجية فقهية عقيمة تخدم في الأخير السلطة السياسية القائمة آنذاك المتمثلة في المعتصم. وخير دليل على ذلك ما جاء في كتابه " تهافت الفلاسفة" بمناسبة مناقشة ثلاثة مسائل: 1) القول بقدم العالم. 2) وبان الله تعالى لا يعلم الجزئيات 3) وفي تأويل ما جاء في حشر الأجساد وأحوال العباد. وكذلك ما صرح به في "كتاب التفرقة بين الاسلام والزندقة" حيث نستنتج من ذلك أنه رغم تأثره الواضح بالهرمسية والعرفان الصوفي، فإن سلاحه كان موجها ضد النزعة الانسية لفكر ابن سينا والفارابي، بحيث إنه لم يطلع على المنطق الأرسطي من مصدره بل عن طريق ابن سينا والرد عليه في نفس الوقت. وانتهى به الأمر إلى تكفيرهما. ونعود في الختام لنتساءل بدورنا لماذا لم يستدل صاحب المقال بابن رشد ؟ ألم يكن هذا الأخير سباقا إلى القول بتاريخية العقل ؟ ألم يدافع عن تضامن المفكرين من مختلف العصور والديانات حتى الوثنية منها على انتاج حقيقة عقلانية ؟ ألم يدافع على قدرة العقل البشري على انتاج الحقيقة باستقلالية كاملة وأن هذه الحقيقة هي التي تستطيع وحدها أن تفسر الحقيقة الموحى بها ؟ لقد نسي صاحبنا أن أعماق الأنا يسكنها الفكر كما يقول " هيدغر" لا يفعل الفكر إلا باعتباره ينقل حقيقة الوجود إلى اللغة ؟