السكتيوي يعلن لائحة المنتخب الرديف المشاركة في كأس العرب    الحسيمة.. الغموض يلف حادثة إطلاق نار ببني بوعياش    مندوبية بنموسى.. معدلات التضخم تواصل منحاها التراجعي    تحت شعار "مشاركة الأطفال في تنمية إفريقيا".. افتتاح المنتدى الافريقي لبرلمان الطفل بالرباط    المنتخب المغربي للسيدات داخل القاعة ينهزم أمام نظيره الأرجنتيني    صحف إسبانية .. المغرب يؤكد مكانته على قمة كرة القدم العالمية    حظر جمع وتسويق الصدفيات بتارغة-الشماعلة وجنان النيش-أمتار الغرب    وفاة رضيع في الطرامواي تولد في العراء الطبي بسلا تهز الرأي العام    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت        تسريب منسوب ل "المجلس الوطني للصحافة" يثير جدلاً واسعاً حول طريقة تدبير الملفات التأديبية واستقلال القضاء    الاتحاد العام للفلاحين يتدارس ملف إعادة تشكيل القطيع الوطني    المطر يُعرّي أخطاء البشر !    النفط يواصل التراجع وسط ضغط أمريكي لإبرام اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا    حكيمي وبن صغير في القوائم النهائية لجوائز "غلوب سوكر"    بعد الهدنة في لبنان.. حصيلة دموية ثقيلة إثر استهدافات الإسرائيلية    أطباء مغاربة يهبون للتطوع في قطاع غزة.. وتنسيقية تتوصل بأزيد من 130 طلبا    من 28 نقطة… النص الحرفي لخطة ترامب لوقف الحرب في أوكرانيا    ولد الرشيد: الأوراش المهيكلة التي تعرفها مدن الصحراء المغربية تفتح آفاقا واسعة للتنمية المستدامة    بوانو: من العار الإبقاء على القاسم الانتخابي والمقاربة العقابية في القوانين الانتخابية غير مقبولة    لوحة بورتريه لفريدا كاهلو تصبح أغلى عمل فني من إنجاز امرأة    اختتام مهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور وتتويج أبرز الأعمال    القوة الجوية المغربية تقتني 10 مروحيات "إتش 225 إم" من إيرباص    التجمع الوطني للأحرار يصادق على تصوره لمقترح الحكم الذاتي استعداداً لرفعه إلى الملك    "الأول يكشف تفاصيل استنطاق "بوز فلو".. الرابور أمام القضاء بسبب اتهامات مرتبطة بمضامين أغانيه    أمل موكادور لكرة القدم الشاطئية بطلا للمغرب لسنة 2025    المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينظم دورات تكوينية للقاضيات الراغبات في تولي مناصب المسؤولية    تتويج سفير المغرب لدى الأرجنتين ضمن "قادة التحول في أمريكا اللاتينية"    مدرب مارسيليا: أكرد لاعب لا يعوض.. وعلينا التأقلم مع غيابه    30 دولة تعارض مسودة اتفاق "كوب30"    خطف 52 تلميذا من مدرسة بنيجيريا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    سيراليون تجدد دعمها للوحدة الترابية للمغرب وتعبر عن ارتياح بالغ باعتماد القرار التاريخي 2797    مهرجان الدوحة السينمائي 2025 يفتتح فعالياته معززاً مكانة قطر في المشهد السينمائي العالمي    مراكش: استئناف هدم مساكن العسكريين وقدماء المحاربين... وتعويضات تشمل بقعاً أرضية ومساعدات للبناء    اعتداء خطير بمستعجلات مستشفى بني ملال يخرج النقابة الوطنية للصحة للاحتجاج والتصعيد    كيوسك الجمعة | المنظومة المؤطرة للانتخابات تهدف إلى تخليق العملية الانتخابية والسياسية    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم يتعلق بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة    المغرب يرتقي إلى المرتبة السادسة عالميا في مؤشر الأداء المناخي 2026    المغرب يرأس المجلس الدولي للزيتون لعام 2026    المغربي إدريس علواني يحصد الميدالية البرونزية في بطولة إفريقيا للدراجات    وسام حمادة والدة "هند رجب" في افتتاح الدوحة السينمائي:    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    اليوم.. فتيان الأطلس يواجهون البرازيل بأمل المرور إلى نصف نهائي المونديال    زلزال بقوة 5,5 درجات يضرب بنغلادش    المكسيكية فاطمة بوش تتوَّج ملكة جمال الكون بعد جدل واسع    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    ( الحب المر)... فيلم يكشف الوجه الخفي للنرجسية داخل الأسرة المغربية    أجهزة قياس السكر المستمر بين الحياة والألم: نداء أسر الأطفال السكريين لإدماجها في التغطية الصحية    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    الفنان المغربي إِلياه والنجم المصري محمد رمضان يجتمعان في أغنية جديدة    في الحاجة إلى فلسفة "لا"    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    ارتفاع معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى الأطفال والمراهقين بواقع الضعف خلال العقدين الماضيين    أطباء يوصون بتقليل "شد الجلد" بعد الجراحة    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نَقْد العَمل بِالتِيَارَات السياسية داخل الحِزب
نشر في لكم يوم 17 - 07 - 2021

في هذا المقال، أنتقد العمل بأسلوب "التيارات"السياسية داخل الحزب(courants politiques, political currents). وقد اِستعملتُ بعض الحُجَج المُسْتَخْلَصَة مِن تجربة استعمال هذه "اليارات"داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد"، الموجود في المغرب.وقد دامت هذه التجربة خلال قرابة عشرين سنة(ابتداءً من يوليوز 2002).

وقبل الشُرُوع في نقاش مسألة "التيارات"، نحتاج إلى تقديم بعض المُعْطَيَات أو التفاصيل حول أحزاب اليسار بالمغرب. وفي سنة 2021، يتكوّن اليسار في المغرب من أربعة أحزاب، ومن بعض التِيَّارات أو التنظيمات المتنوّعةوالمستقلّة. وهذه الأحزاب الأربعة هي"الحزب الاشتراكي الموحّد"، و"حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، و"حزب المؤتمر الوطني الاتحادي"، و"حزب النهج الديمقراطي". وتتحالف الأحزاب الثلاثة الأولى في "فيديرالية اليسار الديمقراطي". وتسعى أحزاب "فيديرالية اليسار"إلى اِنْدِمَاجِهَا في حزب يساري واحد. ومنذ قرابة سنة 2015، تَقدّمت كثيرًا هذه الأحزاب الثلاثة في مجال نقاشاتها، وتقاربها، وتعاونها، إلى درجة أنها أصبحت في بداية سنة 2021على وشك الإعلان عن اِندماجها في حزب واحد مُوَحَّد.
وسبق لِقيادات أحزاب اليسار الثلاثة، المُتحالفة في إطار "فيديرالية اليسار الديمقراطي"بالمغرب، (وهي"الحزب الاشتراكي الموحد"، و"حزب الطليعة"، و"حزب المؤتمر")، أن وضعت تصريحا لدى هَيْئَة (تَابِعَة لِوزارة الداخلية) تُشْرِفُ على تنظيم الانتخابات في المغرب.وَيُخَوِّلُ هذاالتصريح للأحزاب الثلاثة(وهي "الحزب الاشتراكي الموحد"، و"حزب الطليعة"، و"حزب المؤتمر")تكوين تحالف سياسي، وانتخابي. ويسمح هذا التصريح للأحزاب الثلاثة بِتَرْشِيح أعضائها بشكل مُشتركَ، في إطار لائحة انتخابية واحدة،خلال الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والتي سَتُجرىفي شتنبر 2021.وبعد مُرور عدّة شهور على إِيدَاع هذا "التصريح"، واعتبارًا لِحُدُوث أفعال، واعتبارًا لِتَرَاكُم رُدُود أفعال، أَثَارت خِلافات وصراعات مُتوتِّرَة،فيما بين مكوّنات "فيديرالية اليسار"، أَقْدَمَت فَجْأَةًنبيلة مُنيب، (الأمينة العامة "للحزب الاشتراكي الموحد"، وَبِدَعْم من أغلبية أعضاءالمكتب السياسي لهذا الحزب)، أقدمت على سَحْب توقيعها من التصريح المشتركالمُسَجَّل لدى الهيئة المُشرفة على تنظيم الانتخابات.وسحب توقيع نبيلة منيب يعني عمليا انسحاب حزبها ("الحزب الاشتراكي الموحد") من "فيديرالية اليسار الديمقراطي"، ومن هيئاتها الوطنية والمحلية. وفي 4يوليوز 2021، اِجتمع المكتب السياسي "لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي"، والكتابة الوطنية "لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، وقرّرا استمرارَ تحالف "فيديرالية اليساري الديمقراطي"، ولو بعد اِنسحاب "الحزب الاشتراكي الموحد"منه.
وفي عشرة أيام الأخيرة من شهر يونيو 2021، وَقُبَيْل انطلاق عملية الانتخابات العامة المُبرمجة في شهر شُتنبر 2021 (وهي الانتخابات المتعلّقة بِالغُرف المِهَنية، وبالجماعات المَحلية، وبالجِهات، وبالأقاليم، وبالبرلمان)، حدثت صراعات، وصدامات، وخصومات.
وأدّت فَجْأَةًمُبادرات وَقَرارات نبيلة منيب(الأمينة العامّة "للحزب الاشتراكي الموحّد")إلى تقسيم "الحزب الاشتراكي الموحد"إلى "تِيَّارَين"سِيَّاسِيَّيْن عَدُوَّيْن،وَمُتَنَاحِرَيْن.وأدّت كذلك إلى تقسيم «فيديرالية اليسار»بالمغرب إلى طَرفين مُتناقضين.
وأسباب هذه الصّراعات الحادّة، وأحداث هذه الانقسامات المُخَرِّبَة، التي وقعت في "الحزب الاشتراكي الموحد"، وكذلك في "فيديرالية اليسار"، مُتعدّدة،ومُتنوّعة، ومُزمنة،ومترابطة فيما بينها. ومن غير الممكن أن نُحَلِّل هنا (في مقال قصير) كل هذه «الأسباب»،و«النقائص»،و«الأخطاء» المُرْتَكَبَة.وقد سبق لي أن شرحتُ أهمّ نَقَائِص، وأخطاء، وَنُقَطُ ضُعف، أحزاب اليسار بالمغرب، في كتاب سابق يحمل عنوان "نَقد أحزاب اليسار". ويمكن للقارئ المُهتم أن يُنَزِّلَ هذا الكتاب من مُدَوَّنَة الكاتب( ). ومن المؤسف أن عامّة المناضلين لا تَقرأ بما فيه الكفاية.وسأكتفي هنا بِالإشارة إلى أهم أسباب ضُعْف وَتَأَزُّم "الحزب الاشتراكي الموحد".وألخّصها فيما يلي:
1) عدم توفّر الحزب على مسؤولين قياديّين مُحْتَرِفِين، أي مسؤولين مُتَفَرِّغِين للعمل السياسي الثوري.وَمُجْمَل قَادَة أحزاب اليسار بالمغرب يُرَكِّزُون جُهدهم على عملهم المِهَنِي، وعلى عائلتهم، ولَا يَتَفَرَّغُون للنضال السياسي سوى خلال يوم الرَّاحَة أو العُطلة الأسبوعية.
2) العمل بأسلوب "التِيَّارَات"السياسية(courants politiques, political currents)داخل "الحزب الاشتراكي الموحد". وهذا الأسلوب يؤدّي، في آخر المطاف، إلى تَكْبِيل الحزب المعني، ثم إلى تخريبه.(وسأعود فيما بعدلِلتَفْصِيلفي نقد العمل بأسلوب "التيارات"السياسية داخل الحزب).
3) ضُعف التَكْوِين السياسي، والنظري، والثقافي، لدى معظم أعضاء، وأطر، وقياديِّي "الحزب الاشتراكي الموحد"،وكذلك لدى مُجمل أحزاب اليسار بالمغرب.(خاصّة في مَيَادِين: النظرية الماركسية، وتاريخ الثورات المُجتمعية في العالم، وَفُنُون الثورات المُجتمعية، وفنون التنظيم، وأساليب النضال الجماهيري الثوري، وتاريخ المغرب، والفلسفات، والمنطق، والنظريات الاقتصادية، والعُلوم، والتكنولوجيات، وعلوم المُجتمع (sociologies)، وفلسفة القانون، والبيئة، إلى آخره). ولا تتوفّر أحزاب اليسار على مَدَارِسَمُنَظَّمَة، وَمُمَنْهَجَة، وَمُتَوَاصِلَة، لتكوين أعضاء الحزب، وأطره. ولا تُقَدِّم أحزاب اليسار لأعضائها تكوينا منظما، ومتواصلا، ومتنوّعا.
4) لَا تُشَجِّعُ القيادات السياسية أعضاءَ الحزب على ضرورة الرَّبْط بين المبادئ السياسية الثورية، والأخلاق النبيلة. كما لَا تَحُثُّهَا على ضرورةالرّبط بين النظريات والمُمَارَسَات.
5) الثقة المبالغ فيها في "العمل السياسي العَلَنِي".والتَخلّي التام عن الاحتياطات الحزبية السّرية. وعدم التشدّد في مُراقبة شروط الحصول على العضوية دَاخل الحزب. والإفراط في فتح إمكانية العَضوية في الحزب على مصراعيه أمام كل غريب. وَخُلُوّ الحزب مِن العمّال والفلّاحين.وهيمنة الأشخاص البرجوازيّين الصِّغار على الحزب. وعدم توفّر الحزب على جهاز أمنيمُضاد لِلْمُخبرين، ومضاد لِتَسَرُّب العناصر المُعادية إلى داخل الحزب. وَنَسِيَ قادة "الحزب الاشتراكي الموحد"أنه سبق مرارًا وتكرارًا للأجهزة المخابراتية (التابعة للنظام السياسي القائم في المغرب)أن سَرَّبَت عناصرها داخل بعض الأحزاب اليسارية القديمة، وحوّلتها مِن الداخل إلى نَقِيضِها. (مثل تَسَرُّب اسماعيل العلوي، ونبيل بن عبد الله،إلى داخل "الحزب الشيوعي"القديم، وحوّلاه إلى حزب ملكي، محافظ، ويميني، وانتهازي. وتوجد أمثلة أخرى على عناصر تسرّبت داخل"حزب الاتحاد الوطني للقُوَّات الشعبية"، وَعَمِلَت على إضعافه، وعلى تقسيمه. كما تُوجد أمثلة أخرى على تَسَرُّب عناصر مُعادية إلى داخل "حزب الاتحاد الاشتراكي"، وسَاهَمَت في تحويله إلى حزب ملكي، ويميني، وغير مبدئي. إلى آخره).
6) مَيْلُ بعض القِيَادِيِّين في أحزاب اليسار بالمغرب، وخاصة منهم بعض الكُتَّاب العَامِّين، إلى محاولة فرض «زَعَامَتِهِم»الشخصية(leadership)،أو إلى مُحاولة تَرْسِيخمَنَاهِج «الزَّعَامِيَة» داخل الحزب. وتُبْنَى دائمًا «الزَعَامَة»على أساس غُرُور «الزَّعِيم»، وعلى أساس أوهامه الشخصية، وَذَاتِيَتِه المُفرطة. وقد سبق لي أن أوضحتُ كيف أن منهج «الزَّعَامِيَة» يُؤدّي حتمًا إلى إضعاف الحزب، ثميُؤدِّي إلى تَخْرِيب طَاقَات الحزب (أنظر مقال: «نَقد الزَّعِيم وَالزَعَامِيَة»)،
7) في إطار تفسير نَاقِص، أو خاطئ، لانهيّار "الاتحاد السوفياتي"، تَقَرَّبَت بعض أحزاب اليسار(ومنها "الحزب الاشتراكي الموحّد") مِن المناهج الإصلاحية، أو اِبْتَعَدَت عن استراتيجية النضال الثوري، أو تَنَحَّت عن تُرَاث الفكر الماركسي الثوري،أو تخلّت عن المَرَاجِع النظرية الأساسية، المتجلّية خُصوصًا في النظرية الماركسية. كما تراجعت بعض قوى اليسار عن الطُمُوح إلى الاشتراكية الثورية، أو أصبحت تُعاديها، أو غَدَتتَتَبَنَّى الرأسمالية، أو الليبيرالية، كنظام مُجتمعي حَتْمِي وَأَبدي.وَصَارَت بعض أحزاب اليسار تَعتقد أن الرأسمالية هي المصير الوحيد والأبدي للبشرية. بينما المُلاحظ فيما بعد انهيّار "الاتحاد السُّوفْيَاتِي"، هو أن رُوح الثَورية هي النظرية المَاركسية ! وكلّ المناضلين القُدَامَى الذين تَخَلَّوْا عن دراسة تُرَاث الفِكْرِ الماركسي الثوري، أَصْبَحُوا رَأْسْمَالِيِّين، أو مُحَافِظِين، أو يَمِينِيِّين، أو مُتَعَاوِنِين مع الإمبرياليات!
8) لا يمارس قادة أحزاب اليسار (بما فيهم قادة"الحزب الاشتراكي الموحد") النقد الفكري، والصراع الأَيْدِيُولُوجِي، ضد الأطروحات الاقتصادية الرأسمالية، ولا ضدّ الأفكار السياسية البرجوازية، ولا ضد الأيديولوجية الإسلامية الأصولية.
—– * —- * —–
بعد هذه الإشارة المُوجزة السّابقة إلى جزء محدود منالأسباب العامّة التيأَزَّمَت"الحزب الاشتراكي الموحد"، لنحاول الآن التعمّق في دراسة،وَلَوْ سَبَب واحد، من بين هذه الأسباب المذكورة سابقًا، وهو العمل بأسلوب "التِيَّارَات"السياسية داخل "الحزب الاشتراكي الموحد". وهذا الحزب، هو الوحيد في المغرب الذي ظلّ يعمل بأسلوب "التيارات"السياسية. ويوجد ترابط بين عمل هذا الحزب بأسلوب "التيارات"، وبين احتداد التناقضات داخله، إلى درجة استحالة التعايش، والتعاون،والتكامل، فيمابين "التيارات"السياسية المكوّنةلهذا الحزب.
لَا يُمكن فهم العمل بِ "التيارات"السياسية، داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد"، دون الرجوع إلىتَفاصيل تاريخ الصراعات السياسية داخل هذا الحزب. ومِن المؤسف أنه لم تُنشر بعد أية دراسة حول تَاريخ "الصراع بين التيارات"السياسية داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد".
وحسب توضيحات المناضل غني القباج، أحد المشاركين في تأسيس وبناء هذا الحزب، كان هذا الحزب يتكوّن مِن أربعة مُكَوِّنَات مختلفة. وقد بدأ العمل بأسلوب "التيارات"قبل المؤتمر الأول للحزب في سنة 2004. وكان المناضلون الماركسيّون الثوريّون في الحزب هم السَبَّاقُون (في سنة 2002) إلى الدِّفَاع على ضرورة العمل بأسلوب "التيارات"السياسية داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد".وكان هدفهم من ذلك هو تَوْفِير فضاءلِلتَحَاوُر، ولِلْعَمَل المُشترك، داخل الحزب المُشترك الواحد، فيما بين أعضاء الحزب الحاملين لأفكار، وتصوّرات، وَطُمُوحَات، سياسية مختلفة. وكانتغَايَة أولئك المناضلين الماركسيّين (مِن اِستعمال"التيارات") هو تَلَافِي الاِنْشِقَاقَات، أو الاِنْقِسَامَات، بين المجموعات الحاملة لِأُطْرُوحَات سياسية مُختلفة أو مُتَبَايِنَة.وفي المؤتمر الثاني للحزب، المُنْعَقِد في سنة 2007، قُدِّمَت للمُؤتمرين 7أرضيات. ولم تَحْصُل على "العَتَبَة القانونية" (أي 5 %من الأصوات) سوى 5أرضيات.وكان العمل بأسلوب "التيارات"يتمّ كالتّالي: أثناء انعقاد مؤتمر الحزب، تُقَدِّمُ كل مجموعة (أو "تِيَّار") أرضية سياسية خاصّة بها؛ ثم يُصوت المؤتمرون (كأفراد مُسْتَقِلِّين، وليس كَمُنْضَبِطِين لِهَيْئَة مُعَيَّنَة) على مختلف الأرضيات السياسية المقترحة؛ ثم تُوَزّع مَقَاعِد "المجلس الوطني"للحزب بين هذه "التيارات"المُتبارية، وذلك حسب النِسَب المِئَوِيَة التي حَصَلَت عليها مختلف الأرضيات.بينما تُمْنَحُ أغلبية مقاعد "المكتب السياسي للحزب"إلى "التِيَار"الذي حصل على أغلبية الأصوات.و"المجلس الوطني"هو أعلى سلطة في الحزب. وهو الذي يَحْسِمُ في القرارات الهَامَّة.وَيُطْلَبُ مِن "الأمين العام للحزب"أن يعمل كَمُنَسِّق، وليس كَقَائِد، أو كَمُقَرِّر.مع التَأْكِيد على إِيصَال كل الأخبار والمعطيات إلى كلّ أعضاء "المجلس الوطني".وكان أولئك المناضلين الماركسيّين يُلِحُّون على ضرورة العمل بِأُسْلُوب «القيادة الجماعية»، وليس العمل بِ «قِيَّادة "التيار"الأَغْلَبِي»، وَلَا بِقيادة «زعيم»مُعَيَّن(أو «زعيمة»).لكن الذي حدث فيما بعد، وبالمَلْمُوس، هو أن المجموعات السياسية المختلفة أخضعت فكرة "التيارات"السياسية الداخلية في الحزب لِلتَّحْرِيف، ولِلتَشْوِيه، لِتلبية مصالح خاصّة، أو لِخِدْمَة طُمُوحات شخصية انتهازية، أو يَمِينِيَة.
وخطأ العمل بهذه "التيارات"السياسية يأتي خُصوصًا مِن كونها، لَا تعمل كَ «تيّارات فكرية»، وإنما تعمل كَ «جماعات عَصَبِيَة»، أو كَ «قَبَائِل سياسية».بل تحوّلت "التيارات"بسرعة إلى «أحزاب» قائمة بذاتها، داخل الحزب الواحد المشترك.ويميل كلّ "تيار"إلى القيّام بأنشطة سياسية، أو يقوم بدعاية سياسية، خاصّة به كَ "تيّار"مُتَمَيِّز. وكلّ نشاط سياسي للحزب يُصبح مُنَظَّمًا، ومَحْسُوبًا، بِمنطق المُحَاصَصَة فيما بين"التيارات"، وليس بِمَنطق الحزب الواحد المُشترك.
وفي الأصل، كان المطلوب من هذه "التيارات"السياسية أن تَكُونُ مَرِنَة في مواقفها، ومُتَحَرِّكَة في تَركِيبَتِهَا البشرية، وذلك حَسب تطوّر الواقع، وحسب تطوّر الأطروحات الفكرية، وحسب تَقدّم الاجتهادات النظرية.لكن في تجربة "الحزب الاشتراكي الموحد"، بَقِيَت هذه "التيارات"السياسية، وخلال قرابة عشرين سنة،ثَابِتَة في جماعات بَشريةمُحدّدة، وفينفسالأشخاص المَعْنِيِّين. بل تعملهذه "التيارات"السياسية كَ «أحْزَاب داخل الحزب» الواحد. وَلَا تَتَغَيَّرُ تَرْكِيبَة هذه "التيارات"السياسية، حتّى لَوْ تَبَدَّلَت الأوضاع السياسية، وَحتّى لَوْ تغيّرت الإشكاليات السياسية المطروحة.
ومن الغرائب أنه، منذ أن بدأ "الحزب الاشتراكي الموحد"العمل بأسلوب «التيارات»السياسية إلى الآن، على امتداد قُرابة عشرين عامًا، لم نشاهد نقاشات فكرية حقيقية، أو صراعات أيديولوجية، حول أطروحات سياسية، بين هذه «التيارات»السياسية. وإنما رأينا، على الخصوص، تنافسًا، أو تدافعا، أو تزاحما، بين أشخاص أو جماعات، حول مناصب المسؤوليات القيادية في الحزب. الشيء الذي يُوحِي، أو يؤكّد، أن «التيارات» السياسية، المعمول بها داخل "الحزب الاشتراكي الموحد"، هي في الحقيقة«قبائل سياسية»، وليست«تيارات»فكرية.
ومن الغرائب أيضًا أنه، رغم الطابع الحاد، والمتواصل، للصراعات السياسية الجارية فيما بين "التيارات"السياسية الموجودة داخل "الحزب الاشتراكي الموحد"، فإن عامّة المناضلين في قوى اليسار الأخرى، وكذلك المناضلين غير المُتَحَزِّبِين، لا يَقدرون على مَعْرِفَة، وَلَا على فَهْمِ، ما هي بالضبط الخلافات السياسية، أو النظرية، القائمة فيما بين "التِيَارَات"الموجودة داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد".ويشهد كثير من المناضلين أن هذه الصراعات (القائمة داخل "الحزب الاشتراكي الموحد") هي صراعات بين شخصيات، أو بين جماعات، أو بين «قبائل»سياسية، وليست صراعات بين خُطُوط سياسية حقيقية ومُتَبَايِنَة.وكثير من مناضلي اليسار لا يفهمون مثلًا ما هي الخلافات السياسية، أو النظرية، أو التكتيكية،أو الاستراتيجية، الموجودة فيما بين "تِيَّار"الأغلبية المرتبط بالسَّادَة نبيلة منيب، ومصطفى مسداد، ومصطفى بوعزيز، وابراهيم يَاسِين، ومحمد بُولَامي، من جهة أولى، ومن جهة ثانية "تِيَّار"الأقلية المُرتبط بِالسّادة محمد السَاسِي، ومحمد امجاهد، وعمر بلافريج، ومصطفى الشناوي.ورغم الصراع الحاد بين هذين "التيارين"، فإنهما، هما مَعًا، يُعَارِضَان النضال الجماهيري الثوري، وَيَتَهَرَّبَان هُمَا معًا من المُساهمة في خوض النضالات الجماهيرية المُشتركة، وَيُؤْمِنَان هما معًا بِإِمْكَانِيَة إِصْلَاح النظام السياسي من دَاخل مؤسّساته الصُّورية، واستراتيجيتهما هما معًا تَقْتَصِرُ على المُراهنة على المُشاركة في انتخابات تُوصِلُ إلى مُؤسّسات شكلية، وَهُمَا معًا يرفضان الماركسية الثورية، ويرفضان الطموح إلى الاشتراكية، ويقبلان العمل في إطار الرأسمالية، ويقبلان التَقَيُّدَ بِمَنْظُومَة الانتخابات كما هي، ويرفضان مواجهة مَنَاهِج الرأسمالية.
وَفي تاريخ المغرب الحديث، حدثت العديد من الانشقاقات في أحزاب اليسار. وكانت دائما "التيّارات"«الأكثر ثورية» هي التي تنفصل، أو تَبتعد، عن "التيارات"«الأقلّ ثوريةً»، أو «الأكثر يمينيةً». لكن في حالة الصراعات الحالية التي جرت داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد"، لا تعرف عامّة المناضلين مَن هو "التيّار"الأكثر «ثورية»، وَلَا مَن هو "التيّار"الأكثر «يمينية»، مِن بين "التِيَّارَيْن"الرئيسيّين المتصارعين داخل هذا"الحزب الاشتراكي الموحّد".
والسبب في غموض هذه الصراعات بين "تيارات"الحزب الاشتراكي المُوحّد،يرجع لكون هذه "التيارات"، أو «القبائل»السياسية، لَا تُعَبِّر، وَلَا تُوضِّح، وَلَا تنشر، بما فيه الكفاية، آراءها السياسية، أو النظرية، أو التكتيكية، أو الاستراتيجية.ولا تُمارس النَقْد السياسي المكتوب، أو العلني. ويبقى السِجَّال فيما بين هذه "التيارات"يدور حول: «قَالَ فُلَان»، و«فَعَلَ فُلَان»، و«فُلَان مُمْتَاز»، و«فُلَان أَرْعَن»، و«فُلَان زْوِينْ»، و«فُلَان خَايْبْ»،و«فُلَان مَعَنَا»، و«فُلَان ضِدَّنَا»، إلى آخره. وغالبًا ما لَا يرقى النقاش، أو الجِدَال، فيما بين هذه "التيارات"إلى مُستوى البحث النظري، والمَوْضُوعِي،والمُعمَّق، والعِلْمِي، حَول آراء سياسية، أو حول أطروحات نظرية.
وعندما نقرأ الآراء النادرة التي ينشرها الأفراد أو الجماعات المتصارعين داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد"، نلاحظ أن خلافاتهم، لا تدور حول أطروحات فكرية، أو حول تكتيكات مختلفة، أو حول برامج استراتيجية، وإنما تدور هذه الصراعات حول التنافس فيما بين أشخاص، أو بين جماعات، تعمل كَ «أحزاب»مُتميِّزة ومتواجدة داخل نفس الحزب الواحد الشّامل. ونلاحظ أنه لا تُوجد خلافات استراتيجية فيما بين أعضاء هذه "التيارات". بل يَتَّفِقُأعضاء مختلف هذه"التيارات"على الكثير من القضايا الأساسية. وبإمكانهم أن يتعايشوا داخل حزب واحدوموحّد، وبدون الإحتياج إلى العمل بأسلوب "التيارات"السياسية.
وَبعد تجربة "انهيّار الاتحاد السوفياتي"(في قرابة 1990)، وبعد انتشار التفسير الغربي الرأسمالي لهذا الانهيّار، أصبحتغالبية أُطُر "الحزب الاشتراكي الموحد"تظنّ أن وجود «الديمقراطية»داخل هذا الحزب، يستوجب بالضرورة العمل بأسلوب "التيارات"السياسية. وأصبح أحد أسس هذا "الحزب الاشتراكي الموحد"هو العمل بأسلوب "التيارات"السياسية داخل الحزب.
لكن نتيجة العمل بِ "التيارات"التي حصدها هذا الحزب، لم تكن هي «الديمقراطية»الداخلية، وإنما هي إغراق الحزب في مُنَافَسَات عَقِيمَة،أو في صراعات غير مُنْتَهِيَة، ليس حول أطروحات فكرية، وإنما بين أشخاص وجماعات يصعب التوفيق بين طموحاتهم الشخصية أو الزَعَامِيَة.
كما أدّى العمل بأسلوب "التيارات"إلى تَكْبِيل مُجمل طَاقات الحزب، وذلك إلى درجة أن الحزب لم يَعُد قادرًا على اكتساب أية فعالية في ميدان النضالات الجماهيرية المشتركة.
وكان دائمًا "التيار"السياسي الذي يحظى بالأغلبية داخل مؤتمرالحزب، يُمارس سُلطة مُطلقة على "التيارات"الأخرى، ويهمّشها إلى حدّ الإقصاء.وحتّى داخل "التيار"ذُو الأغلبية في الحزب، لَا نجد العمل بِ «الديمقراطية» الداخلية، وإنما نجد مجموعة صغيرة من الأشخاص هم الذين يَنْفَرِدُونبِتَدْبِير تطوّر هذا"التيار"، ويُقرّرون كذلك في تطوّر الحزب المشترك، بعيدًا عن إشراك "التيارات"الأخرى المنافسة، وبعيدًا عن إشراك أعضاءالقواعد الحزبية في التفكير، وفي تهيئ اِتِّخَاذ القرارات السياسية الهامّة. فَلَا يُمكن "لِتِيَّارات"لَا تُمارس الديمقراطية داخل هَيْئَاتِهَا الخاصّة، أن تُمارس الديمقراطية مع "التيارات"الأخرى المنافسة لَهَا.
ومن خلال الاتهامات المُتَبَادَلة فيما بين "التيارات"، يظهر أولًا أن "التيار"ذُو الأغلبية داخل الحزب، لَا يُقَيِّدُ نفسه بِتَنْفِيذ قرارات مؤتمر الحزب، وإنما يمارس توجّهات مخالفة، أو مناقضة لها. ويظهر ثانيًّا أن "التيارات"لا تلتزم عُمُومًا باحترام صَارِم للقوانين الداخلية للحزب.وَيَعْجِزُ عامّة المناضلين المعارضين، أو غير الرَّاضِين عن الفوضى التنظيمية الجارية داخل الحزب المعني، عن إِجِبَار "التيارات"على احترام مُجمل بُنُود النظام الداخلي للحزب.
وكلما كان الحزب يعمل بأسلوب "التيارات"السياسية، يصبح «الوَلَاءُ لِلتِّيَار» السياسي أقوى وأهم من الوَلَاء للحزب المشترك. وَتَغْدُو «العَصَبِيَة لصالح التيار» السياسي أَوْلَى من العصبية لصالح الحزب المشترك. وحتّى المبادئ، والمناهج، والأهداف، والمُقَرَّرَات، التي يُسَطِّرِهَا مُؤتمرالحزب بِصُعُوبَة في وثائقه الداخلية، تُصبح فَورًا ثانوية بِالمُقارنة مع ضرورة الانتماء إلى "التِيَّار" السياسي، والدِّفَاع المُتَعَصِّب عنه. ويُصبح المطلوب من العُضو في الحزب هو أَوَّلًا الانضباط "للتيّار"السياسي، بينما الانضباط للحزب يبقى ثانويّا، أو ضعيفًا، أو ضئيلًا، أو مُنعدمًا.
ويؤدّي العمل بهذه "التيارات"إلى انتشار العمل ب «الزَّبُونية السياسية»داخل الحزب المعني. وهذه «الزبونية»تُمارس على شكل مُكَافَأَة مَن يُناصر"الزَّعِيم"، أو مَن يُناصر"التيّار"المعني،عبر منحه بعض المسؤوليات في الحزب، أو عبر إعطاءه بعضالامتيازات (سواءً كانت مَبدئية، أم غير مبدئية،وسواءً كانت معنوية، أم سياسية، أم غيرها).
وفي إطار العمل بأسلوب "التيارات"داخل الحزب الواحد، تُصبح مُمارسة المُراقبة المُتبادلة، والمحاسبة المُتبادلة، غير مُمكنة. لأنه مهما كانت أخطاء، أو نَقَائِص، أو عُيُوب، أيّ عُضو مُحدَّد في الحزب، فإن المطلوب منه هو فقط أن يكون مناصرًا مُتَعَصِّبًا "لِتِيَّارنَا"السياسي الخاص. أما إذا كان هذا العُضو من تِيَّار منافس، فهو مَيْؤُوس منه، ولَا أمل في نَقده، وَلَا في مُراقبته، وَلَا في مُحاسبته، وَلَا في تَكوينه، ولا في تَثْقِيفِه، ولا في إصلاحه.
وقد أدّى العمل بأسلوب "التِيَّارات"السياسيةداخل "الحزب الاشتراكي الموحد"إلى اِحْتِدَام المُنافسات الشخصية، وإلى تَأَجُّج الصِّراعات الذاتية، وإلىتَضْيِيع مُعظم طاقاتالحزب في صراعات داخلية مُعَقَّدَة، وَغَامِضَة، وَعَقِيمَة، وَمُزْمِنَة،فيما بين "التِيَّارات"السياسية الموجودة داخل الحزب. وإذا اِسْتَثْنَيْنَا المشاركة في الأنشطة الانتخابية العمومية، يكاد الحزب لا يُساهم في أية أنشطة نضالية جماهيري مشتركة. وَبِسبب العمل بأسلوب"التيارات"السياسية خلال قُرَابَة عِقْدَين، تحوّل "الحزب الاشتراكي الموحد"إلى نَقِيضِه، أي أنه تَحَوَّلَ إلى حزب "غير اشتراكي"، و"غير مُوَحَّد".وأُصِيب بعض أعضاء هذا الحزب باليأس، أو الإحباط.
وبعد قُرابة عِقْدَيْن من العمل بأسلوب "التيارات"، حدث ما كان مُحَتَّمًا، وهو انفجار "الحزب الاشتراكي الموحّد"، وانقسامه إلى "تيّارات"تَائِهَة، أو مجموعات مُعَادِيَة، أو فِرَق نَاقِمَة.وقد سبق لي أن نَبَّهْتُ، في كتاب "نقد أحزاب اليسار"، المنشور على الأنترنيت مُنذ قرابة سنة 2012، إلى أن "التيارات"السياسية التي تعمل داخل حزب مُحدّد كَ «قبائل سياسية»مُتَنَافِسَة، وَمُتَنَاقِضَة، وَمُتَنَاحِرَة، ستكون نتيجتها الحتمية، وفي آخر المطاف، هي أولًا انقسام هذا الحزب المعني إلى جماعات متنافسة. وهي ثانيًّا تَكْبِيل طَاقَات الحزب. وهي ثَالِثًا خَنْق مُجمل المُبادراتالمقترحةداخل الحزب المشترك. وهي رابعًا إضعاف الحزب، وَحَبْس إشعاعه السياسي.
ومن إِيجَابِيَّات العمل بِأسلوب "التيارات"داخل الحزب، أنه يَدفع كلّ "تِيَار"إلى أن يُعَبٍّرَ بِالملموس عن طُموحاته السياسية الخَفِيَة. ورغم المناورات السِرِّيَة لبعض "التيارات"داخل "الحزب الاشتراكي الموحّد"، اِنْفَضَحَت(منذ سنة 2006)اِتِّصَالاتزُعماء بعض هذه"التيارات"بالسُّلطة السياسية، أو بِخُدَّام القصر الملكي (مثل المستشار فُؤاد عَلِي الهِمَّة)، واتَّضَح تَوَجُّهُهُم نحو العمل السياسي الإصلاحي والانتهازي، مِن داخل المُؤَسَّسَات الشَّكْلِيَة، أو المَغْشُوشَة، التابعة للنظام السياسي القائم.وَانْكَشَفَ استعداد بعض "الزعماء"لِمُمَارسة الكَوْلَسَة، والحلقية، والمُساومات المَخْفِيَة على المناضلين القاعديّين.
والعمل بأسلوب "التيارات"السياسية، ليس خَاطئًا، أو سلبيًّا، أو مرفوضًا، بشكل دَائِم، أو مطلق. وإنما يكون العمل بهذه "التيارات"خاطئا حينما لا تتوفّر شُروطها الضرورية. ومن أهم شروط العمل بِ "التيارات"السياسية، أن تكون هذه "التيارات"مجموعات فكرية، أو فِرَق ثَقَافية، أو عِلْمِيَة، وأن تكون مَرِنَة، وَمُتَحَوِّلَة، حسب تطور الظروف، وحسب تطور الاجتهادات الفكرية، أو النظرية، أو العلمية.لكن حينما يكون المُجتمع المعني متخلّفًا، أو حينما يكون فيه الجهل عميقا، والغِشُّ شَائِعًا، أو مُنتشرا، مثلما هو الحال في المجتمعات المُسلمة، وفي المُجتمعات الناطقة بالعربية، فإن "التيارات"السياسية تتحوّل بسهولة إلى «جماعات مُتَعَصِّبَة»، أو تتطوّر إلى «قَبائل سياسية» غير مبدئية.
ومن خلال قراءة هذا المقال، قد يظهر لبعض القرّاء أن أحزاب اليسار التي تَعمل بِأسلوب "التيارات"السياسية داخل الحزب الواحد هي أحزاب مُخطئة، وأن أحزاب اليسار الأخرى (التي لا تستعمل "التيارات") هي أحزاب جَيِّدة أو مُمتازة. وسيكون هذا التأويل خاطئا. والحقيقة المُرَّة هي أن مُجمل أحزاب اليسار بالمغرب تعيش في أزمات مُعقّدة، ومركّبة. وَتُعَانِي مِن ضعف بِنْيَوِي ومُزمن. لكن هذا موضوع آخر.
وإذا لم تقم قوى اليسار بعمليات التَقْيِيم، والتَقْوِيم، والتَثْوِير، فإنها سَتُصبح مُتخلّفة، ثم ستَخْتَفِي مِن السّاحة السياسية. وقد تُعوّضها قوى ثورية أخرى من نوع جديد. لأن الصراع الطبقي لَا يتوقف إلّا مع زوال الطبقات من المُجتمع.
(حرّر المقال في 9يليوز 2021).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.