موانئ الواجهة المتوسطية .. انخفاض كمية مفرغات الصيد البحري ب 12 في المائة    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأحمر    الرابطة المغربية السويسرية تعقد جمعها العام الثاني بلوزان    عدد العاملات المغربيات في حقول الفراولة الاسبانية يسجل ارتفاعا    هجوم شرس على فنان ظهر بالملابس الداخلية    عبد الإله رشيد يدخل على خط إدانة "مومو" بالحبس النافذ    المغرب يدكّ مرمى زامبيا ب13 هدفا دون رد في أمم إفريقيا للصالات    "الكوديم" يبتعد في الصدارة بثنائية في شباك جمعية سلا    التحرش يقيل مدرب سانتوس البرازيلي    انتخاب محمد شوكي رئيساً لفريق "الأحرار" بمجلس النواب    توقعات الطقس بالمغرب اليوم الثلاثاء    وفاة الأمين بوخبزة الداعية و البرلماني السابق في تطوان    صديقي يعقد اجتماعا مع مهنيي قطاع اللحوم الحمراء    العالم يشهد "ابيضاض المرجان" بسبب ارتفاع درجات الحرارة    الجزائر تغالط العالم بصورة قفطان مغربي .. والرباط تدخل على خط اللصوصية    مؤسسة منتدى أصيلة تنظم "ربيعيات أصيلة " من 15 إلى 30 أبريل الجاري    دراسة تحذر من خطورة أعراض صباحية عند المرأة الحبلى    أشرف حكيمي: "يتعين علينا تقديم كل شيء لتحقيق الانتصار في برشلونة والعودة بالفوز إلى باريس"    دوري أبطال أوروبا.. "أم المعارك" بين سيتي وريال وبايرن لانقاذ الموسم امام ارسنال    سانشيز: كأس العالم 2030 ستحقق "نجاحا كبيرا" لأننا 3 دول تعشق كرة القدم    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    حماة المستهلك: الزيادة في أسعار خدمات المقاهي غير قانونية    مسلم أفندييف مواطن أذربيجاني يتسلق أعلى قمة في المغرب    السكر العلني وإلحاق خسائر بسيارات يوقف أربعة أشخاص    وزان: مصمودة تحتضن الملتقى التلاميذي الأول ربيع القراءة 2024    المديرية الإقليمية بالعرائش تؤسس لمهرجان "داخليات المغرب تتحرك إبداعا"    المبعوث الأممي لليمن يحذر من عواقب وخيمة جراء استمرار التصعيد بالبلاد    أسعار النفط تستجيب صعودا لاحتمال رد إسرائيل على "هجوم إيران"    توقيف عضو في "العدل والإحسان" بمدينة أزمور مناهض للتطبيع مع إسرائيل (فيديو)    وفاة الأمين بوخبزة.. أحد قادة الحركة الإسلامية بالمغرب    المدرسة العليا للأساتذة بمراكش تحتفي بالناقد والباحث الأكاديمي الدكتور محمد الداهي    بعد دعم بروكسيل لمبادرة الحكم الذاتي.. العلاقات المغربية البلجيكية تدخل مرحلة جديدة    مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان يدعو إلى انهاء الحرب في السودان    بعد إيقافه بأزمور.. وقفات تضامنية مع الناشط الحقوقي مصطفى دكار    بعد خوصصتها.. وزارة الصحة تدعو لتسهيل ولوج أصحاب المستشفيات الجدد إلى عقاراتهم وممتلكاتهم    بيدرو سانشيز: "كأس العالم 2030 ستحقق نجاحا كبيرا"    العنصرية ضد المسلمين بألمانيا تتزايد.. 1464 جريمة خلال عام وجهاز الأمن تحت المجهر    سليم أملاح في مهمة صعبة لاستعادة مكانته قبل تصفيات كأس العالم 2026    المغرب وبلجيكا يدعوان إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    المغرب التطواني يصدر بلاغا ناريا بشأن اللاعب الجزائري بنشريفة    أكبر توأم ملتصق ف العالم مات.. تزادو وراسهم لاصق وحيرو كاع العلماء والأطباء    بعدما علنات القطيعة مع اللغة الفرنسية.. مالي غادي تقري ولادها اللغات المحلية وغادي تخدم الذكاء الاصطناعي    الملك يهنئ الطالبي العلمي بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا ل"النواب"    الملك يقيم مأدبة غداء على شرف الوزير الأول البلجيكي والوفد المرافق له    فلقاء دام 35 دقيقة.. ها شنو دار بين گوتيريش ودي ميستورا حول نزاع الصحرا    المغرب يعزز الإجراءات القانونية لحماية التراث الثقافي والصناعات الوطنية    الجمارك تعلن عن تحصيل أزيد من 20 مليار درهم في ثلاثة أشهر    تكريم الممثلة الإيفوارية ناكي سي سافاني بمهرجان خريبكة    عمل ثنائي يجمع لمجرد وعمور في مصر    العلوم قد تكون في خدمة ما هو غير معلن    دراسة: ممارسة التمارين الرياضية في المساء تقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 61 بالمائة    العالم الفرنسي الكندي سادلان ربح جائزة "أوسكار العلوم" على أبحاثو ف محاربة السرطان    هذه طرق بسيطة للاستيقاظ مبكرا وبدء اليوم بنشاط    الأمثال العامية بتطوان... (572)    خطيب ايت ملول خطب باسم امير المؤمنين لتنتقد امير المؤمنين بحالو بحال ابو مسلم الخرساني    هل قبل الله عملنا في رمضان؟ موضوع خطبة الجمعة للاستاذ إلياس علي التسولي بالناظور    مدونة الأسرة.. الإرث بين دعوات "الحفاظ على شرع الله" و"إعادة النظر في تفاصيل التعصيب"    "الأسرة ومراعاة حقوق الطفل الروحية عند الزواج"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة 20 فبراير بعيون اليسار، مساهمة : ذ عبد الغني القباج

: أين المشروع اليساري السبعيني من شروط نشاته خلال سبعينيات القرن الفارط ؟ ما ذا انتفى من دواعي هذه النشأة و ماذا بقي منها إلى اليوم؟
عبد الغني القباج: أين المشروع اليساري السبعيني من شروط نشاته خلال سبعينات القرن الفارط..؟ سؤال يطرح إشكالية أساسية بل واقعية بالنسبة لليسار الماركسي في المغرب. أنا ماركسي و لا أطرح على نفسي هذا السؤال كذات، لأنه من بديهيات الماركسي أنه لا ينظر للحركة الماركسية اللينينية المغربية انطلاقا من مآلها و واقعها اليوم، بل من نقد أخطائها التي جرت تحت القمع الأسود الذي مارسه نظام الحسن الثاني ضد قوى المعارضة و الحركة الاجتماعية و الانتفاضات الجماهيرية و عانت من هجومه و قمعه القوى اليسارية الوطنية، قوى الإصلاحية المخزنية (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و التحرر و الاشتراكية/التقدم و الاشتراكية).. لا ننسى المهدي بنبركة كفاعل سياسي ثوري و كرمز لمناضلين و مناضلات يساريين و وطنيين تمت تصفيتهم من طرف النظام السياسي أو من طرف الرجعية الإسلاموية، دهكون ورفاقه، عمر بنجلون، زروال، سعيدة لمنبهي،جبيهة رحال، كرينة، بلهواري، دريدي تهاني.. و اللائحة طويلة... و لا أنكر أن الحركة الماركسية اللينينية المغربية ارتكبت أخطاء سياسية تكتيكية تجلت في نخبويتها أهمها:
- الشبيبة التعليمية كطليعة تكتيكية، و هي شبيبة ظلت عموما منفصلة عن الطبقات الشعبية بصفة عامة، منفصلة عن الطبقة العاملة و الفلاحين و عموم الفئات الاجتماعية الشعبية رغم، و هذه مفارقة، أن أغلب نخب الحركة الماركسية الينينية المغربية من أصول اجتماعي شعبية!
- غياب برنامج ديمقراطي مرحلي، يكون الجسر لحضور اليسار الماركسي السياسي و الاجتماعي و الثقافي في وعي الطبقات الشعبية للمساهمة في فرز طلائع من الطبقات الشعبية (عمال، فلاحين، مأجورين، فئات محرومة...)..
- تبني خطاب حرب التحرير الشعبية دون توفر الشرط الموضوعي للثورة، بالنظر لعدم فهم أن حرب التحرير الشعبية في تلك المرحلة، مرحلة النصف الثاني من ستينات و بداية سبعينات القرن الفارط في غياب الشرط الموضوعي، أي قوة اجتماعية ديمقراطية ثورية التي هي تتويج لانخراط الطبقات الشعبية في النضال الاجتماعي و الثقافي الثوري و انخراط وعيها و ممارستها في النضال السياسي الديمقراطي الثوري ضد استبداد السلطة المخزنية و التحالف الطبقي الكمبرادوري السائد آنذاك.
- الإذقاع النظري بما يعني عدم تطبيق نظرية التحليل الملموس للواقع الملموس للتشكيلة الاجتماعية المغربية مما أدى إلى تبني أطروحات لينين دون اجتهاد يجسد ارتباط الماركسية بالواقع المغربي و العالمثالثي، أي الإقرار بضعف كمي و نوعي للطبقة العاملة و تخلف البنيات الاجتماعية و الفرز الطبقي بالنظر لسيادة دولة استبدادية (المخزن كمؤسسة سلطوية حاكمة) و رأسمالية ريعية متخلفة و تسييد ثقافة تقليدية (التعليم، الزوايا، الأعيان، البنية القبلية...). و لنكن واضحين! لا يمكن لليسار أن يمارس سياسة يسارية فعلا دون نظيرة يسارية. مع العلم أننا نلمس غالبا اليوم داخل اليسار الراديكالي المغربي نوع من التلفيق النظري، أي اعتبار الديمقراطية مرتبطة عضويا بالليبرالي! و عكس ذلك استطاع اليسار الراديكالي في أمريكا اللاتينية تطورا نوعيا للتصور الديمقراطي اليساري الذي فك ارتباطه مع التصور الليبرالي و النيوليبرالي للديمقراطية.
لقد مارس اليسار الجديد نقدا إيديولوجيا و سياسيا و تنظيميا صارما لهذه القوى، كما أن تيارات من الحركة الماركسية اللينينية المغربية مارست النقد الذاتي و نقد أخطائها التكتيكية بعد مرحلة القمع الأسود، الاختطاف و الاعتقالات، الذي مارسها النظام السياسي لاجثتاته منذ 1972 إلى منتصف الثمانينات. و كان و لا زال هذا النقد، سواء نقد القوى الإصلاحية المخزنية أو النقد الذاتي، سديدا و علميا و واقعيا و موضوعيا. و بالتالي أؤكد أن هذا النقد بأبعاده الإيديولوجية و السياسية و التنظيمية لا زال راهنا بالنسبة لي، بالطبع مع التأكيد على أن هذا النقد، بشقيه النقد الذاتي و نقد قوى الإصلاحية المخزنية، لا بد أن يتأسس على الواقع السياسي الملموس الراهن:
* أولا واقع طبيعة النظام السياسي كنظام مخزني تبعي (مخزني اي استمرار فعلي للاستبداد و شكلية المؤسسات الدولة، و تبعي أي سيادة رأسمالية متخلفة و خاضعة بالكامل اقتصاديا و سياسيا للرأسمالية الامبريالية المعولمة) و واقع التحولات الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية.
* ثانيا واقع المغرب بعد انبثاق حركة 20 فبراير كعلامة فاصلة و انعطاف سياسي تاريخي في الصراع الطبقي السياسي و الاجتماعي و الثقافي و كحركة مناهضة في جوهرها للاستبداد المخزني و متطلعة لديمقراطية حقيقية جديدة مناهضة لليبرالية و للرأسمالية المتوحشة. و كان طبيعيا أن لا تشارك قوى الإصلاحية المخزنية في النضال الجماهيري لحركة 20 فبراير.
* واقع اليسار الإصلاحي المخزني و واقع اليسار الراديكالي باختلاف فصاءله السياسية و الطلابية. و هو واقع التشتت و الصراعات و التناقضات الثانوية و الموضوعية.
* كما أن هذا النقد يطال كذلك قوى أخرى على يسار قوى الإصلاح المخزني، على الأقل هي على يسار هذه القوى في الخطاب و المواقف و ليس في الممارسات، و هي القوى التي لها موقف إصلاح النظام السياسي المخزني التبعي، عبر "دمقرطته"، و هو موقف لم يتعلم و يستفيد من دروس الصراع الديمقراطي في المغرب، دروس أكدت استحالة أي تطور ديمقراطي في ظل نظام مخزني تبعي لأنه موقف يطرح إمكانية الإصلاح الديمقراطي دون تغيير طبيعة النظام و جوهره الاستبدادي الذي، ظل يحاول، في كل المنعطفات السياسية التي شهدها المغرب، أن يلبس، عبر الدستور و القانون و الانتخابات و البرلمان، لباس "ديمقراطية" تبقى في نهاية التحليل مزيفة.
و بالتالي أعتقد جازما أن المشروع اليساري السبعيني، مع مراجعته العميقة و ممارسة نقده الإيديولوجي و السياسي و التنظيمي، لا زال مشروعا راهنا لأنه مشروع الدولة الديمقراطية و التحول الاشتراكي الذي هو القادر على تحرير الانسان المغربي و الشعب المغربي من سيطرة النظام المخزني التبعي و إيديولوجيته الليبرالية المتخلفة و الدينية المتخلفة و اقتصاده التبعي و "ديمقراطيته" المزيفة.
و أعتقد أن ثورات الشعوب المغاربية في تونس و ليبيا و العربية في مصر و سوريا و اليمن و البحرين... و انتفاضة حركة 20 فبراير في المغرب تؤكد حاجة و راهنية ما كان يطرحه اليسار السبعيني الماركسي في عموميته (الثورة الديمقراطية الشعبية)، و ليس في أساليبه (حرب التحرير و الكفاح المسلح)، مع العلم أن فصيل من الحركة الماركسية اللينينية المغربية كان يطرح كذلك الثورة الديمقراطية الجماهيرية كبديل للإصلاحية المخزنية.
و ما جرى من دخول الاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية بدون شروط، و في أوج النضال الديمقراطي الجماهيري لحركة 20 فبراير، في الآلية الحزبية المواكبة ل"لجنة تعديل الدستور" التي أسسها الملك على إثر خطابه يوم 9 مارس 2011، و ما جرى من مشاركة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و المؤتمر الوطني الاتحادي في هذه الآلية، إضافة إلى نقابة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل و الاتحاد المغربي للشغل المحسوبين، تجاوزا، على اليسار، كل ذلك يؤكد الخط الإصلاحي الذاعن (la ligne réformatrice cooptée ) لهذه القوى لتصور و خطة و برنامج النظام السياسي المخزني التبعي. و لا ننسى أن هتين المركزيتين النقابيتين قبلتا العودة إلى الحوار الاجتماعي، بعد فشله، مع الحكومة بوزيرها الأول عباس الفاسي و بالتالي سقطتا في شرك المخزن الذي جرهما إلى اتفاق 26 أبريل 2011 لقطع الطريق عن القواعد النقابية كي لا تشارك و تنخرط في نضالات حركة 20 فبراير آنذاك.
و بالتالي لا لليسار الراديكالي، على الأقل اليسار المنحدر من الحركة الماركسية اللينينية المغربية (النهج الديمقراطي، الحزب الاشتراكي الموحد، الفصائل الطلابية القاعدية الماركسية و الماوية و التروتسكية...) أن تتجاوز، بالنقد و النقد الذاتي، خلافاتها الثانوية و تتحالف على أساس التصور المشترك لحركة 20 فبراير، كحركة ديمقراطية جماهيرية، تصور يمكن تحيينه و مراجعته في ضوء تطور الصراع الطبقي السياسي و الاجتماعي، و التحليل الملموس لواقع المغرب و أين يتجه الصراع الطبقي السياسي و الاجتماعي و الثقافي، و الخطة السياسية للممارسة الوازنة و الفاعلة في هذا الصراع من موقع الجماهير الشعبية التي عبرت خلال الزخم النضالي لحركة 20 فبراير و بلورة على أساس ذلك


المسائية العربية:بالإمكان ان نتحدث حول هذا الموضوع و نتساءل عما يفيد الانتصار وعدم الانهزام، لكن حاول ،و المعطيات القابلة للقياس وباعتماد مؤشرات ، حصلية ما ينيف عن اربعة عقود من النضال و الكفاح المستميتين؟ و بقياس الخسارة و الربح،ماهي الحصيلة الفعلية؟
عبد الغني القباج: أعتقد أن السياسي اليساري الماركسي المناضل الذي يهزمه واقع اليسار، مهما كان هذا الواقع قاسيا و مرتدا و منهزما و انتهازيا، هذا اليساري الذي أصبح يطرح الليبرالية طريقا للديمقراطيةن لا يمكن اعتباره يساري لقد طلق يساريته و سقط في انتهازية متخلفة. و بالتالي ما يجري في المغرب اليوم هي محاولة الالتفاف على أطروحات اليسار الماركسي و استعمالها و توظيفها لتلميع الدولة المخزنية التبعية خصوصا عبر "هيئة الانصاف و المصالحة" و عبر انتقال يساريين، ماركسيين أواتحاديين أو غيرهم من اليساريين السابقين، للاصطفاف وراء المؤسسة المخزنية و خدمتها. و لا ننسى اللقاء الذي تم خطط له النظام المخزني، من وراء قرارات أجهزة اليسار الاشتراكي الموحد، و الذي جمع فواد عالى الهمة و مستشار الملك محمد معتصم بمحمد الساسي و محمد حفيظ (كانا آنذاك عصوين في المكتب السياسي لليسار الاشتراكي الموحد).. و الذي كان الهدف منه جر هذا الحزب إلى حاشية المخزن الذي كان يريد الاشتغال بأطره كما اشتغل ببعض من كانوا من بين "قيادييه" (أحمد حرزني، صلاح الوديع...)!
إن المسألة في السياسة ليست مسالة الخسارة و الربح!! و الانتصار و الانهزام!! إن نضال اليسار من أجل التغيير الديمقراطي للمجتمع و تغيير النظام السياسي من نظام مخزني تبعي إلى نظام سياسي ديمقراطي و مجتمع ديمقراطي بافق التحول الاشتراكي، و هو نضال طويل الأمد، نضال طويل الأمد لأن المطلوب من اليسار الراديكالي هو العمل من أجل بلورة قوة اجتماعية شعبية ديمقراطية بقيادة يسارية ديمقراطية ثورية قادرة على تغيير ميزان القوى و إنجاز الثورة الديمقراطية. لا يجب أن ننسى أن حركة 20 فبراير رسمت الطريق لإنجاز هذه الثورة الديمقراطية غير أن اليسار الراديكالي لم يكن مهيأً ً سياسيا و تنظيميا لقيادة انتفاضة حركة 20 فبراير بالنظر لضعف ارتباطه العضوي السياسي و الإيديولوجي و التنظيمي بالطبقة العاملة و الفلاحين و المأجورين، أي الطبقات و الفئات الاجتماعية المنتجة.
لم ينهزم اليسار الراديكالي من المنظور التاريخي. بل يعاني من أزمة إعادة تشكله السياسي و النظري و التنظيمي.
حصيلة كفاح اليسار الجديد و اليسار الإصلاحي منذ نهاية ستينات القرن الفارط فرض النظام السياسي الاعتراف بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان التي مارسها ضد مناضلي و مناضلات اليسار عموما و مواطنات و مواطني في جميع مناطق المغرب، كما فرض نضال اليسار الجديد و اليسار الإصلاحي على النظام السياسي توسيع حرية التعبير و الحريات العامة، و لا ننسى أن مناضلي اليسار الراديكالي أو المناضلين و المناضلات اليساريين لهم دور أساسي في توسيع نضال و ثقافة حقوق الانسان، و وسع و قاد هؤلاء المناضلن و المناضلات، بالنظر لجرأتهم و تضحياتهم، النضال الاجتماعي الذي أصبح يعم كل مناطق المغرب خصوصا في المدن الصغيرة و البادية و كان اليسار الراديكالي وراء نضالات نقابية و اجتماعية في عدة مناطق (سيدي إفني، طاطا، بوعرفة، الحسيمة، كلميم، آيت أورير، رغم أن القمع و خرق هذه الحقوق لا زال مسلطا على الطبفات الشعبية.

المسائية العربية:ضمن هذا الجدل،أو ضمن هذه الثنائية، أين تتموضع حركة 20 فبراير؟
عبد الغني القباجستفاجأ جل النخب السياسية و الاجتماعية اليسارية المغربية بالتحول النوعي في الحركة الاجتماعية الذي جعل هذه الحركة تنتقل من الكمون و "الركود" إلى الظهور و فعالية و الحيوية مع حركة شباب 20 فبراير. و هي النخب السياسية و الاجتماعية التي ظلت تنعت الجماهير الشعبية بالركود و التأخر التاريخي و تخلف الوعي الديمقراطي و ظلت تربط "الإصلاح" السياسي و الاجتماعي بإرادة المؤسسة المخزنية و النخب.
لقد برهنت جماهير شعبية منذ 20 فبراير 2011 في جل المناطق المغربية، و هي تردد شعارات"إسقاط الاستبداد و "إسقاط الفساد" و "حرية".. "كرامة".. "عدالة اجتماعية".. "مساواة"، عن طموحات و قدرات و طاقات نضالية عظيمة لا زالت لم تجد التنظيمات السياسية و الاجتماعية القدرة على تحويلها لحركة اجتماعية منظمة، واعية و حاملة لمشروع مجتمعي ديمقراطي بديل، حركة ممتدة في مستقبل زمننا السياسي و النضالي الديمقراطي.
ذلك ما نبه له السوسيولوجي ألان تورين حين خلص إلى ضرورة بناء رباط بين الحركة الاجتماعية و الهيئات السياسية.
و نعتبر أن ارتباط العلاقة بين حركة 20 فبراير و النضال السياسي اليساري الراديكالي ارتباط طبيعي و موضوعي، لأن الحركة الاجتماعية لا تلغي الحركة السياسية اليسارية أو تأخذ وظيفتها. فحركة 20 فبراير حركة للمستقبل الديمقراطي المغربي كما هو الحال مرحليا لليسار الراديكالي الاشتراكي فمشروعه مشروع المستقبل، و هذه العلاقة هي ما يؤكد عليها ماركس السوسيولوجي عندما يقول: "لا تَدَّعُوا أن الحركة الاجتماعية تستبعد الحركة السياسية، فلا توجد حركة سياسية حقيقية لا تكون اجتماعية في نفس الوقت" ("بؤس الفلسفة" دار مكتبة الحياة - لبنان - الطبعة الثانية 1979، ترجمة: أندريه يازجي).
من جانب ثاني، أوضح نضال حركة 20 فبراير، و لا زال يوضح، إن ديناميتها في التغيير فرضت على النظام السياسي تقديم تنازلات، لم يكن هذا النظام يُقَدِّر، و لا قوى اليسار الإصلاحي المخزني، أنه سيُرْغَمُ على تقديم هذه التنازلات لولا النضال الجماهيري العارم لحركة 20 فبراير.
اكيد أن دينامية نضال حركة 20 فبراير في التغيير تراجعت بالنظر، كما أسلفت، إلى أن اليسار الراديكالي المنحدر من اليسار الجديد و اليسار الإصلاحي المخزني لم يكن مهيأ سياسيا و تنظيميا و إيديولوجيا للمساهمة الوازنة و الجدلية مع شباب حركة 20 فبراير في قيادة موحدة لجماهير حركة 20 فبراير (الجماهير التي استجابت سياسيا لنداء و برنامج حركة 20 فبراير) في اطثر من مائة موقع و منطقة في المغرب. مع الأسف ظهرت تناقضات و صراعات بين أطراف اليسار الراديكالي داخل حركة 20 فبرايرن بالنظر لأن كل طرف يساري بدون قصد مبيت، بل بدون وعي ثوري عميق بما تتطلبه المرحلة و ضمان استمرار زخم النضال الجماهيري الديمقراطي الذي أطلقته حركة 20 فبراير، إضافة إلى خطأ مد جسور بعض اليساريين مع جماعة العدل و الإحسان، مما أربك جماهيرية حركة 20 فبراير، لأنها جماهيرية عفوية، في حين أن المنعطف السياسي و المرحلة التاريخية الجديدة اللذان فجرتهما حركة 20 فبراير، على خلفية بداية ثورات شعوب مغاربية و عربية، كانت تتطلب من فصائل اليسار الراديكالي، داخل حركة 20 فبراير، توحيد الشعارات و توحيد البرنامج الديمقراطي وفق ما يسمح به تصور هذه الحركة، و هو التصور الذي تهدف نقطه البرنامجية إلى تفكيك المؤسسة المخزنية و تجاوزها. فانتفاضة حركة 20 فبراير هي انتفاضة تلقائية لا قيادة لها سوى الجموع العامة، و هي جموع عملية و إجرائية، استطاعت أن تخرج الجماهير للشارع بشكل منظم مما مكن هذه الجماهير من "تقرير" مصيرها النضالي و تعبر عن واقعها و طموحها.
و رغم تراجع كبير لنضال حركة 20 فبراير، لم يستطع النظام السياسي رغم تعديل الدستور و الانتخابات السابقة لأوانها.. احتواء شباب حركة 20 فبراير، و بالتالي لا زال هذا الشباب يحمل حركته في وعيه الخصب و في طموحه السياسي.
و أعتقد أن حركة 20 فبراير وقعت بين أخطاء سياسية ثلاثة:
* أولا، خطأ النزعة الهادفة لإصلاح جزئي للنظام السياسي المخزني التبعي و عدم طرح بديل واضح، متماسك، شامل للنظام السياسي السائد و في نفس الوقت يستطيع أن يساهم في حل تناقضات الأطراف السياسية اليسارية الراديكالية. و هذا ما ادخل عدد من شباب حركة 20 فبراير في نوع من الانعزالية و التوجس تجاه هذه الأطراف السياسية اليسارية الراديكالية.
* ثانيا، خطأ النزعة الشعبوية الإطلاقية، و هي نزعة ضعيفة الوعي بما العمل للارتقاء السياسي و التنظيمي بدور الجماهير في التغيير الجدري للوضع السياسي.
* ثالثا، عدم قدرتها على استشراف جميع الاحتمالات، أي ضعف التحليل السياسي لاستيعاب واعي إلى أين يتجه الصراع السياسي الذي اطلقته الحركة و هذا ما جعلها غير قادرة كحركة سياسية اجتماعية جماهيرية على وضع خطط متعددة للإجابة السياسية و التنظيمية على هذه لاحتمالات تطور الصراع السياسي. أي ما العمل إذا تجاوز النظام السياسي المخزني التبعي أزمته و أعاد ترتيب نظامه السياسي بدستور 1 يوليوز 2011 و انتخاباته و إذماجه لجزء من الحركة الإسلاموية؟
المسائية العربية:: من السرية إلى العلنية، من مشروع الثورة الشعبية إلى اختيار التغيير الديمقراطي الجدري؟
فما الذي تغير،و من غير من ، اليسار من غير الواقع أم الواقع هو من غير اليسار؟
عبد الغني القباج: السرية ليست لازمة للعمل السياسي و الاجتماعي و الثقافي لليسار الماركسي. كنا نعي أن السرية نمارسها لمقاومة القمع البوليسي و المخابراتي لنظام الملك الحسن الثاني و لعدم تعريض المناضلين و المناضلات للقمع و الاختطاف و الاعتقال، السرية كانت اسلوب للمقاومة و الاستمرار في ظل القمع الأسود الذي تمارسه الأجهزة المخابراتية و البوليسية لمواجهة نضال اليساريين و اليساريات ماركسيين او اتحاديين أو غيرهم. و بالتالي كانت السرية ضامنة لاستمرار التنظيمات السيارية الماركسية.
عندما نحلل بالملموس الواقع السياسي و الاجتماعي من منظور يساري حقيقي، لا زلت أطرح ضرورة ثورة ديمقراطية شعبية سلمية لتجاوز النظام المخزني التبعي. لننظر إلى تجارب الشعوب التي تماثلنا! أمريكا اللاتينية، بعض دول آسيا كجورجيا و أوكرانيا.. و أخيرا و ليس آخرا ثورات شعوب تونس و مصر و اليمن و ليبيا و هي ثورات ديمقراطي شعبية لازالت في بدايتها و أمامها طريق طويل.. و في مسارها يتعمق وعي الشعب و طبقاته الشعبية بمصالحها و بطموحاتها الديمقراطية.. و تكالب الأنظمة الخليجية و الامبريالية الأمريكية و الأروبية و تدخلها السافر أو المستتر في مصير هذه الثورات يؤكد خوفها من أن تحول الشعوب هذه الثورات إلى ثورات ديمقراطية تناهض، في منطقة الشرق الأوسط، المصالح السياسية و الاقتصادية الاستراتيجية لهذه الأنظمة الرجعية و بالتالي لهذه الامبرياليات.

المسائية العربية: من جملة ما ارتبط تبلور مع اليسار كما عشته مفهوم الطليعة التكتيكية الذي جرى إخضاعه للنقد فيما بعد، و حركة 20 فبراير لم تنشأ إلا و قد كان الشباب المغربي مفجرها و طليعتها ، فهل في هذا ما يعني ان للنقد السابق للمفهوم راهنية ؟ أم انه الواقع من تطور؟
عبد الغني القباج:بموضوعية نقدية، ممارسة فصائل الحركة الماركسية اللينينية المغربية للطليعة التكتيكية تجسد بشكل واقعي. نعي جيدا ما أكده لينين من كون دور المثقفين الثوريين هو بلورة الوعي الثوري للبروليتاريا، و أكد لينين في "ما العمل؟" أن العمال غير ممكن أن يمتلكوا الوعي الاشتراكي الديمقراطي من خلال نظالهم ضد الباطرونا و الوعي الاشتراكي الديمقراطي لا يمكن أن يأتيهم سوى من خارجهم، أي من الأنتليجينسيا. لم تفهم فصائل الحركة الماركسية اللينسنية الطليعة التكتيكية فهما ماركسيا، أي طليعة ماركسية مثقفة و واعية مهمتها نقل الوعي السياسي الديمقراطي و الاشتراكي للطبقة العاملة و الفلاحين لتجاوز وعيها النقابي. و لينين عندما يطرح أن الوعي الاشتراكي تستمده الطبقة العاملة من خارجها يطرح كذلك أن العمال يساهمون في بلورة الوعي و النظرية الاشتراكيين. إنها جدلية الممارسة و النظرية.
خاصية حركة 20 فبراير انها لم تنشأ من النظرية. نشأت من الفعل. فعل النزول إلى الشارع، إلى النضال السياسي الجماهيري الديمقراطي. لم يتشكل شباب 20 فبراير كطليعة للشعب! بل الفعل من أجل حركة جماهيرية الذي مارسه شباب الحركة هو الذي جعل منهم طليعة حركة ينظمها الجمع العام و ترتبط بها جماهير شعبية في الفعل الجماهيري في الشارع. و لم يبلور و يمارس شباب حركة 20 فبراير خطة تنظيم و و توعية الجماهير التي تنزل للنضال إلى الشارع.
و أستنتج أن هذا الاختلال أدى إلى تآكل الجماهرية التي انطلقت بها الحركة. فالجماهير حين لا يتشكل عندها، خلال الصراع و الممارسة، وعي البديل السياسي الديمقراطي الواضح و الملموس و تلمس أن نضالها غير قادر على تحقيق مصالحها الملموسة.. تتراجع و تعود إلى روتينيتها اليومية. و هذا ما جرى للجماهير التي خرجت إلى الشارع بكثافة غير مسبوقة! لأن شباب حركة 20 فبراير لم يبلور تصور وخطة و برنامج و أساليب عملية و أشكال تنظيمية تمكن شباب الحركة و العناصر من الجماهير الأكثر استعدادا و وعيا ديمقراطيا من صياغة طليعة عضوية لجماهير حركة 20 فبراير. لم تفهم حركة 20 فبراير و فصائل اليسار الراديكالي أن واقع الحرمان السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و النفسي و واقع الكدح و انعدام الحرية و العدالة الاجتماعية و الكرامة الذي تعيشه جماهير الشعب المغربي طَوَّرَ وعيها الجنيني و حررها من الخوف و من القمع و الاستبداد الذي ظل طبيعة جوهرية لنظام الملك الحسن الثاني، لكن وعي هذه الجماهير لم يتطور إلى وعي سياسي مرتبط بمصالحها و حقوقها الديمقراطية.
و أكد واقع اليسار الراديكالي اليوم و نضال حركة 20 فبراير، خصوصا منذ 20 فبراير سنة 2011 إلى حدود نهاية هذه السنة النضالية النوعية سياسيا، أن الشباب هو مُوَلِّد و دينامو النضال الديمقراطي الشعبي و الجماهيري. لا ننسى أن الحركة الماركسية اللينينية المغربية (الحملم) كانت بامتياز شبابية، و حتى كهول قيادة الحملم كان وعيهم و عقلهم شابا و ممارستهم شابة، يعني أنها تناضل من أجل المستقبل الديمقراطي و الاشتراكي.

المسائية العربية: ارتبط اليسار المغربي تاريخا بفعالية أشخاص أفراد و بما ميز حضورهم و فعاليتهم من قوة تأثير،و من جاذبية ألقت بأثرها حتى على التنظيم نفسه، و باتت رموزا لا تاريخ لها خارج تاريخ اليسار،لكن حركة 20 فبراير ظلت رمزا شبابيا بامتياز. ما هي المغازي السياسية و الفكرية التي يؤشر لها هذا التحول؟
عبد الغني القباج:أكيد أن اليسار ارتبط بأشخاص أفراد (رغم أن استعمال مصطلح أشخاص غير علمي سياسيا و نظريا) خلال تاريخه النضالي و هو واقع عادي لأن هؤلاء "الأشخاص" كانوا يشكلون الانتلجينسية اليسارية الثورية. و قد أشار لينين إلى هذا ذلك و أكد أن ماركس و غيره من المثقفين الثوريين انبثقوا من النخبة المثقفة و كان لهم أثر وازن غَيَّرَ تاريخ البشرية مع انبثاق الاشتراكية بديلا واقعيا و تاريخيا للرأسمالية. و كانت لأفكارهم و ممارستهم و نضالهم من أجل أفكارهم المرتبطة عضويا و جدليا و نقديا بالطبقة المنتجة، الطبقة العاملة و الفلاحين و عموم المأجورين، لأن أفكارهم و نظريتهم هي وليدة نقدية و جدلية من الواقع الملموس الذي تعيشه الطبقة العاملة و عموم الطبقات الشعبية.
أما اليوم و مع انفجار تكنولوجية الإعلام مع الإنترنيت و الفضائيات، التي تتحكم فيها بشكل كبير شركات العولمة الرأسمالية، بدأ يسود وعي "الفوضى" إلى حد أن عدد كبير من مناضلي اليسار او غيرهم أصبحوا يمارسون إنتاج الأفكار و المواقف و النقد بشكل عشوائي و غير منظم كما هو حاصل مثلا في المواقع الإلكترونية و الفايسبوك!! لقد تحولت الديمقراطية نسبيا مع وسائل الاتصال هذه إلى نوع من فوضى سياسية و فكرية لا تَعْتَبِرُ و لا تُقَدِّر مسئولية الكلمة و الموقف و الرأي!! و هذه الفوضى ليس لها علاقة بحرية التعبير و الديمقراطية داخل المجتمع و داخل التنظيمات اليسارية و غيرها! إذ عندما تعم الفوضى، داخل المجتمع أو داخل تنظيمات سياسية أو نقابية أو ثقافية أو مدنية، تتسرب ممارسات ليبرالية، بمعناها السلبي، و ممارسات فوضوية إلى المجتمع أو إلى هذه التنظيمات و حتى اليسارية و الديمقراطية منها.
و قد عانى شباب حركة 20 فبراير من هذه الفوضى و التسيب لأن أغلب هؤلاء الشباب لم يتمرس تنظيميا و لم يتكون نظريا و سياسيا و ليس له مشروع مجتمعي ديمقراطية واضح، لانه يعرف و يعي ما الذي يرفضه لكنه لا يعرف ماذا يريد؟ لا يعرف ما هو النظام السياسي الديمقراطي الذي يناضل من أجله! لا يعرف ما هو المجتمع الذي يطمح لتحقيقه! لقد تشكل وعيه من هذا الواقع الذي نعثته بالفوضي و التسيبب و هو واقع كما نعيشه لا يؤمن بفعالية "الأشخاص"، "الأشخاص" كنخبة مناضلة و منتجة للافكار الثورية و الديمقراطية البديلة..
و لا ننسى كذلك أن أشخاص من صفوة الحركة الوطنية و اليسار انهزموا و و باعوا و أذعنوا لسطوة الدولة المخزنية و لمؤسساتها، بل و أصبحوا يخدمونها. و بالتالي أية مصداقية و رمزية ستكون لمثل هؤلاء الأشخاص وسط الشباب و الطبقات الشعبية؟!
بالمقابل أفرز واقع نضال اليسار "أشخاص" استمروا في مناهضة النظام السياسي المخزني مثل محمد بنسعيد آيت إيدر و بعض رفيقاته و رفاقه، و الفقيد ادريس بنعلي و بعض الجامعيين و الجامعيات، و عبد الحميد أمين و بعض رفيقاته و رفاقه... على سبيل المثال..
و بالتلي يجب فهم و وعي دور هؤلاء "الأشخاص" كإنتليجينسيا داخل حركة و دينامية الفعل او التنظيم السياسي أو النقابي أو الثقافي أو المدني و موقفهم و ممارستهم داخل المجتمع و مع الطبقات الشعبية، بل و طرح إلى من يتوجهون بموقفهم و بممارستهم؟؟

هل باتت رموزا لا تاريخ لها؟
بالفعل هي رموز لا تاريخ لها في التاريخ الرسمي الذي يتحكم فيه النظام السياسي المخزني! يجب أن نعي أن الإنتلجينسية الثورية و الديمقراطية انبثقت من صلب الحركات الشبابية الحاملة لوعي التغيير، وعي الثورة بمعنى الثورة على ماهو قائم و مستبد بالواقع السياسي و المجتمعي. و بالتالي لا يمكن أن تكون حركة 20 فبراير سوى حركة شبابية و رمزا شبابيا بامتياز، و قد فهم اليسار الراديكالي ذلك و كامت ممارسته من موقع الدعم حركة 20 فبراير و المشاركة العضوية في نضالها وفق قرارات تجمعاتها التي كانت تمارس أسلوب الديمقراطية المباشرة في اتخاذ قراراتها، أي أن قراراتها يتم اتخاذها في الجمع المفتوح للجميع. ثم لماذا "كهول" و "شيوخ" اليسار، نساء و رجال، ناضلوا تحت راية تصور و شعارات شباب حركة 20 فبراير؟! لأنهم بالضبط "كهول" و "شيوخ"بأعمارهم و ليس بأفكارهم و بأفكارهم الديمقراطية الثورية.
و بالتالي فالمغازي السياسية و الفكرية التي يؤشر لها هذا التحول، و أعتقد أن هذا التحول كان تاريخيا، بمعنى أن الواقع الملموس للمجتمع و الشعب و الصراع السياسي و الطبقي هو الذي أفرزه و ليس رغبات الأشخاص مهما كانت مكانتهم الفكرية أو السياسية، هذه المغازي تتبلور أساسا:
- أن اليسار الراديكالي المغربي، كاستمرار نقدي و جدلي للحركة الماركسية اللينينية، تأخر في إعادة تشكله نظريا و سياسيا و تنظيميا، في ضوء انهيار الاتحاد السفياتي و محاولة العولمة الرأسمالية فرض سياستها و إيديولوجيتها و تصورها للعالم (فرض زمن العولمة الراسمالية الامبريالية). و صيرورة التشكل لا زالت جارية. و كنت و لا زلت أرى أننا كيسار راديكالي فوتنا إمكانية إعادة تشكيل نظري و سياسي و تنظيمي يسارنا بجميع فصائله المنظمة السياسية و الثقافية و الطلابية و النقابية و المدنية كيسار راديكالي جديد، ماركسي حسب تصوري، له إرادة قوية نظرية و سياسية و في الممارسة لاقتحام الطبقات الشعبية و تاطيرها تاطيرا ديمقراطيا نظريا و سياسيا و ثقافيا و مدنيا و نقابيا. و فوتنا إمكانية بناء حركة جماهيرية ديمقراطية تشكل قوة مجتمعية ديمقراطية قادرة على فرض تغيير ديمقراطي حقيقي. فبدون عمل اليسار الراديكالي و الديمقراطي لبلورة و تشكيل قوة تغييرية ديمقراطية واعية عميقة مرتبطة عضويا نظيرا و سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا و مدنيا بالمجتمع و أساسا بطبقاته الكادحة و المحرومة لا يمكن تحقيق الديمقراطية في المغرب.
- انتفاضة حركة 20 فبراير، على خلفية ما يجري من تفاعلات و تناقضات في "ثورات" شعوب مغاربية، ما يجري في تونس، و شعوب عربية، ما يجري في مصر و سوريا و اليمن و السودان... و ما يحققه يسار و شعوب أمريكا اللاتينية و بعض شعوب آسيا و إفريقيا، مع الأخذ بالاعتبار و التحليل ما يجري في الصين من تحول، كل ذلك يجعل من انتفاضة حركة 20 فبراير انعطافا سياسيا ثوريا تاريخيا في تاريخ النضال الديمقراطي للشعب المغربي رغم استطاعة النظام السياسي المخزني التبعي و نخبه، بما فيها اليسار الإصلاحي المخزني، الالتفاف على صيرورة التغيير الديمقراطي الحقيقي. و هو انعطاف، رغم بطء ديناميته الآن و بطء فرز سياسي طبقي واضح، سيستمر في التفاعل و ستستمر ديناميته في التحول النوعي نحو ثورة ديمقراطية جماهيرية قادرة على تفكك مؤسسات النظام المخزني التبعي و تجاوزه لبناء نظام سياسي و مجتمعي ديمقراطي حقيقي.
- أن الشباب المغربي و حركاته الديمقراطية المناضلة و على رأسها حركة 20 فبراير في تصورها و أساليب عملها الديمقراطية و الجماهيرية رسمت طريق التغيير الديمقراطي الحقيقي. و على اليسار فهم نقدي و وعي ثوري و ممارسة فاعلة لدروس ما قدمته "ثورات" شعوب مغاربية و عربية أسقطت رؤوس الاستبداد و ما قدمته حركة 20 فبراير من بداية تحرر وعي الطبقات الشعبية الكادحة و المحرومة المغربية من استبداد و فساد النظام السياسي المخزني التبعي و مؤسساته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.