بعد قراءة الجزء المخصص للأشخاص ذوي الإعاقة من البرنامج الحكومي الممتد على صفحة و نصف من مجموع 79 صفحة أي 1,8%، فلا بد من تسجيل الملاحظات التالية والتي نبغي من ورائها قراءة موضوعية ما أمكن ذلك: تثمين تخصيص حيز من البرنامج ومن التصريح الحكومي لشريحة مهمة من المواطنات والمواطنين المغاربة يعتبرون بكل المقاييس والمعايير المعتمدة من الفئات الأكثر هشاشة واقصاءها من الولوج إلى حقوقهم الأساسية التي بدونها لن يكونوا أبدا مواطنين كاملي المواطنة. الملاحظة الثانية والتي تبدو لي أساسية، وهي إعتماد واضعي البرنامج الحكومي على أرقام الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، عوض الارتكاز على معطيات البحث الوطني الثاني حول الإعاقة لنفس السنة. فعند قراءة في أرقام المصدرين، ربما قد نفهم السبب. وهكذا فحسب أرقام التصريح الحكومي فإن نسبة الأشخاص في وضعية إعاقة في المغرب لا تتعدى 5% اي أقل من 1,7مليون شخص، ثم إن نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى توفر معطيات إحصائية عامة لا تتناول بالدراسة والتحليل أوضاع الأشخاص في وضعية إعاقة من مختلف جوانبها. كما ان التعريفات المستشفة من التقرير الحكومي تقترب أكثر من المقاربات الاحسانية في أحسن الأحوال الطبية. في حين أن أرقام البحث الوطني الثاني حول الإعاقة تشير إلى أن نسبة انتشار الإعاقة على المستوى الوطني تصل إلى حوالي 7%، بالضبط 6,8% أي 2.264.672 . وهكذا نلاحظ أن الفرق بين أرقام البرنامج الحكومي وتلك المعتمدة في البحث الوطني، والذي هو وثيقة رسمية يصل الى 1,8% . أعتقد أنه كان من الأجدر بمعدي البرنامج الحكومي الارتكاز على معطيات البحث الوطني الثاني حول الإعاقة لعدة اعتبارات منها على الخصوص أنه: صادر عن مؤسسة حكومية، وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة، وبمباركة ومشاركة المندوبية السامية للتخطيط، إن البحث الوطني الثاني حول الإعاقة استند في مرجعياته على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي صادقت ووقعت عليها بلادنا و خاصة: -الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الاختياري التي صادق عليها المغرب بتاريخ 28 أبريل 2009 -الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التي صادق عليها المغرب بتاريخ 1989. -ميثاق اطاوا في 21 نوفمبر 1986،الذي يدعو إلى إدماج الصحة في صلب السياسات العمومية. -بروتوكول #مجموعة واشنطن لإحصاءات الإعاقة # WG كمرجع دولي للدراسات والإحصاءات في مجال الإعاقة. وتتبنى مجموعة واشنطن التصنيف الدولي للوظائف والعجز والصحة، CIF ،الذي يتوافق مع مبادئ وممارسات الوكالات الوطنية للإحصاء، على الشكل المحدد من قبل اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة. من أجل كل ما سبق نعتقد أن تبني أرقام الإحصاء الوطني عوض الارتكاز على معطيات البحث الوطني الثاني حول الإعاقة يقلل من مدى الإلمام بجميع قضايا الأشخاص في وضعية إعاقة، كما أنه لا يمت بصلة إلى المقاربة الحقوقية الحقوقية. وفي الجزء الثاني من البرنامج الحكومي، فإننا مع كامل للأسف نجد أنفسنا أمام قطعة إنشائية تفتقر إلى روابط موضوعية. فلم يسعفنا الحظ للوقوف على رؤية واضحة المعالم، تمدنا بأهداف واضحة وتواريخ يمكن الرجوع إليها من أجل التأكد من مدى نجاعتها وإنجازاتها، فمثلا لم يخبرنا البرنامج الحكومي كيف سيرتفع من وتيرة تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة والرفع من المعدل الحالي والذي لا يتجاوز 42% من الأطفال في سن التمدرس، والوصول به مثلا إلى نفس مستوى تمدرس الاطفال غير المعاقين. كما لم يخبرنا البرنماج كيف سيعمل على تخفيض نسبة البطالة لدى الأشخاص في وضعية إعاقة والتي تفوق ست مرات المعدل الوطني……. إن هذا البرنامج الحكومي هو مجموعة من إعلان النوايا الحسنة، تهيمن عليها المقاربة الاحسانية، تستند على الجمعيات الخيرية أكثر منها على الدولة ومؤسساتها المختلفة. فلا يعقل مثلا أن تقوم الجمعيات بتوفير الحقوق الأساسية الأشخاص في وضعية إعاقة من تعليم وصحة و شغل، وادماج مهني، وتكوين وحضانة،والولوج إلى الخدمات الأساسية الخ… إن هذه الحقوق الأساسية يجب أن تكون حصرا على الدولة، أما عمل الجمعيات وبالرغم من أهميته، فيجب أن يكون فقط داعما و مكملا لعمل الدولة. وهذا لا يعني الانتقاص من دور الجمعيات ، ولكن نطرح السؤال هل هذه الجمعيات لها من الموارد البشرية المكونة والمؤهلة لتقديم خدمات ذات جودة وسهلة الولوج إلى ذوي المصلحة؟ هل منتشرة في كل أرجاء الوطن بالقدر نفسه من التأهيل حتى تصل إلى الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم القروي وبصفة خاصة النساء في وضعية إعاقة والاطفال؟ فإذا كانت الدولة بكل إمكاناتها ومواردها المالية لم تنجح حتى الآن في تمكينهم من الولوج إلى حقوقهم الأساسية بيسر، فما بالك بالجمعيات. هذه المقاربة هي التي كانت سائدة خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ونحن نرى أن الأشخاص في وضعية إعاقة مازالوا على الهامش ولا يلجون إلى حقوقهم الأساسية. الجمعيات يمكن أن تساهم في تغيير الصور النمطية والتمييز، ترافع من أجل إذكاء الوعي، الاتصال بالأسر. أعتقد أن المقاربة المتبعة في التعامل مع الإعاقة و الأشخاص في وضعية إعاقة متجاوزة، ولا ينبغي لها أن تكون العمود الفقري للسياسة العمومية في مجال الإعاقة في مغرب ما بعد 2021، مغرب كان من أول الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، مغرب يعتبر دستوره من الدساتير التي تحرم التمييز على أساس الإعاقة، مغرب مقبل على تقديم تقريره الثاني أمام اللجنة الأممية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة يوم الثلاثاء 2 ماي 2023. *خبير في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتنمية الدامجة