أكدت منظمة العفو الدولية (فرع المغرب) على الحق في الرعاية الصحية لملايين النساء والفتيات والحاجة الملحة لإجهاض في إطار القانون توفر فيه الخدمات الصحية اللازمة، داعية إلى إخراج قضية الإجهاض من مجال إنفاذ القانون الحالي، باعتبارها قضية طبية، تفاديا للنتائج الوخيمة المترتبة عن الإجهاض السري. وأشارت في ندوة صحفية عقدتها، اليوم الثلاثاء، لتقديم تقريرها الذي يحمل عنوان "حياتي تدمّرت، كيف أدّى تجريم الإجهاض إلى عواقب وخيمة على حقوق النساء والفتيات" أن هذا الموضوع لا يخص المغرب وحده، ذلك أن "أمنيستي" أطلقت حملة عالمية حول الإجهاض.
ونبهت المنظمة للنتائج الوخيمة التي يحدثها الإجهاض السري، داعية إلى إطلاق حوار منفتح يوفق بين الآراء ويتعامل مع قضية الإجهاض بانفتاح، مع مراعاة الصحة العامة والحقوق الفردية والسلامة الجسدية والنفسية للنساء والفتيات ولأسرهن أيضا، مؤكدة أن هذا الموضوع يتطلب شجاعة كافية من أجل تناوله من خلال معطيات الواقع الذي نعيشه، خاصة أننا في سياق مراجعة قانون الأسرة والقانون الجنائي، الذي ينتظر الجميع أن يكونا منصفين ومطابقين لروح العصر. وشدد التقرير على أن تجريم الإجهاض في المغرب يحمل عواقب وخيمة على النساء والفتيات، فخطر التعرّض لعقوبة السجن يخلق مناخًا من الخوف، يضطر النساء والفتيات إلى اللجوء إلى أساليب خطيرة لإنهاء الحمل غير المرغوب فيه، بما في ذلك الحمل الناجم عن الاغتصاب. وأشار أن الأساليب غير الطبية لإيقاف الحمل تسبب للنساء والفتيات صدمات نفسية وتشويهات في كثير من الأحيان، وفي بلد يجرِّّم فيه القانون أيضًا العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، لا تجد هؤلاء النساء والفتيات فعليًا مفرًا من مواصلة الحمل حتى نهايته، الأمر الذي يعرّضهن للملاحقة القضائية والنبذ والعوز، إلى جانب تحمل العواقب المؤلمة لمحاولات الإجهاض الفاشلة. وسجل أن الأبحاث التي أجرتها منظمة العفو الدولية، تظهر أن السلطات المغربية تنتهك مجموعة واسعة من الحقوق الإنسانية للنساء والفتيات من خلال تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج؛ وحرمانهن من الخدمات والمعلومات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، ومن الاستقلالية الإنجابية؛ وترسيخ الصور النمطية الضارة، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتمييز ضد المرأة. واستغرب التقرير كيف أن الدستور المغربي يكفل حقوق الإنسان في الحياة، والصحة، والخصوصية، وعدم التعرّض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، والمساواة بين الرجال والنساء، لكن كل هذه الحقوق تُهدر في المغرب بسبب تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، معتبرا أننا اليوم أمام فرصة تاريخية للسلطات المغربية لتعزيز حق النساء في المغرب في اتخاذ قراراتهن المستقلة، عن طريق إلغاء تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. وحمل التقرير شهادات لعشرات النساء اللواتي أفصحن عن تجاربهن لباحثات منظمة العفو الدولية، مشيرا أنه من بين النسوة الثلاث والثلاثين اللاتي سعين للحصول على الإجهاض، ممن قابلتهن المنظمة، لم تتمكن سوى 14 من الحصول عليه؛ أما التسع عشرة الأخريات فقد اضطررن لمواصلة الحمل حتى نهايته. وحملت عشر نساء ممن أجريت مقابلات معهن نتيجة للاغتصاب. وانتهى المطاف بسبع نساء إلى إيداع أطفالهن في دور للأيتام، أو التخلي عنهم ووضعهم تحت رعاية أسرة أو مؤسسة ما في إطار نظام الكفالة. وقالت خمس نساء للمنظمة إنهن حاولن الانتحار أو فكّرن فيه. وأدانت إحدى المحاكم الجنائية ثلاث نساء بتهمة إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، ومن بين النساء الثلاث والثلاثين اللاتي أجرت المنظمة مقابلات معهن، أفادت 28 أنهن تعرّضن لشكل من أشكال العنف، على يد شريك حميم، أو أحد أفراد أسرهن، أو المهنيين الطبيين، أو أفراد المجتمع. وأبرز التقرير أنه خارج إطار الحالات الاستثنائية المحدودة التي ينص عليها القانون، تتعرض النساء اللاتي يجهضن حملهن أو يحاولن الإجهاض لخطر الملاحقة القضائية، وعقوبة الحبس من ستة أشهر إلى سنتين والغرامة. ويعاقب القانون الجنائي كل من أجهض أو حاول إجهاض امرأة حبلى بالحبس من سنة إلى خمس سنوات. إضافة إلى أن القانون الجنائي يعاقب على كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية، بالحبس من شهر واحد إلى سنة، كما يعاقب على جريمة "الخيانة الزوجية" بالحبس من سنة إلى سنتين، وكثيرًا ما يكون عقاب المرأة أشدّ من عقاب الرجل قانونيًا واجتماعيًا. ولهذا التجريم آثار عميقة على قدرة النساء على الوصول إلى المعلومات والخدمات والسلع المتعلقة بالرعاية الصحية الجنسية والإنجابية، ويؤجج العنف والتمييز القائمين على النوع الاجتماعي. وبحسب التقرير أدينت ثلاث من النساء اللاتي أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات معهن، بتهمة إقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، وكان ذلك نتيجة مباشرة لعجزهن عن الحصول على الإجهاض، ومن ثم اضطرارهن لمواصلة الحمل حتى نهايته. وشددت "أمنيستي" في تقريرها على أن تجريم الإجهاض في المغرب، لا يمنع النساء من السعي للإجهاض، وإنما يجبرهن على اللجوء إلى وسائل سرية للإجهاض غير منظمة وغير آمنة، وكثيرًا ما تكون باهظة التكاليف. كما أن التجريم ينتهك مجموعة من حقوق الإنسان، من بينها الحق في الحياة، وفي بلوغ أعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والنفسية، بما في ذلك الصحة الجنسية والإنجابية، والحق في المساواة وعدم التعرض للتمييز، وفي الخصوصية، والمساواة في الحماية بموجب القانون، وفي عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وسلط التقرير الضوء على تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، الذي يدفع الكثير من النساء اللاتي أجريت مقابلات معهن للسعي للإجهاض تحاشيًا للقبض عليهن، كما أن التجريم يرسخ الصور النمطية الضارة فيما يتعلق بالسلوك "اللائق" للمرأة، مما يزيد من نبذها في المجتمع، ويبرر العنف القائم على النوع الاجتماعي. كما تُحرم النساء من استقلاليتهن الإنجابية عندما يخضعن للإجهاض قسرًا أو بالإكراه، فقد ذكرت امرأتان للمنظمة أن عائلتيهما أو شريكيهما الحميمين أجبروهما على الإجهاض؛ وأحجمتا عن إبلاغ السلطات بذلك بسبب تجريم الإجهاض وقصور استجابة الدولة للعنف الأسري ضد النساء. وذكر التقرير أن تقاعس السلطات المغربية عن ضمان تيسر وسائل الإجهاض الآمن والقانوني، يؤدي إلى انتهاكات لحق النساء في الحياة والصحة، ويجعلهن عرضة لخطر العنف، ويشكل خطرًا على تعليمهن وتوظيفهن. كما أن الإجهاضات السرية، التي كثيرًا ما تجري في ظروف غير آمنة، وبدون معلومات كافية، تعرّض حياة النساء والفتيات وصحتهن للخطر، حيث تسعى نساء كثيرات مرارًا لإحداث الإجهاض ذاتيًا باستخدام مجموعة من الأساليب غير الفعالة و/أو الخطيرة التي تشمل الأعشاب والمستحضرات الدوائية و/أو العنف البدني. ُ وقالت منظمة العفو الدولية إنها أعدت هذا التقرير وأطلعت السلطات المغربية على نتائجه قبل نشره، لحثها على اغتنام هذه الفرصة لإلغاء تجريم الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان. ودعت الحكومة المغربية على إخراج قضية الإجهاض من مجال إنفاذ القانون، باعتبارها مسألة جنائية، وإدراجها تحت سلطة وزارة الصحة باعتبارها قضية طبية، لافتة أنه وعلى وجه التحديد، يجب على وزارة العدل ومجلس النواب إلغاء جميع أحكام القانون الجنائي التي تجرِّّم السعي للإجهاض أو الحصول عليه أو إجرائه أو المساعدة في الحصول على معلومات أو سلع أو أدوية أو خدمات تتعلق به.