سبع سنوات ونيف قضاها ناصر الزفزافي ورفاقه خلف قضبان السجون، على خلفية حراك الريف الذي اندلع سنة 2017 إثر فاجعة طحن الشهيد محسن فكري، حاملًا معه مطالب اجتماعية بديهية: مستشفى لمرضى السرطان، جامعة لأبناء المنطقة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. تلك المطالب التي رأت فيها منظمات حقوقية، وطنية ودولية، تعبيرًا عن معاناة ممتدة وصرخة مشروعة ضد التهميش. اليوم، يعود ناصر الزفزافي ليطل من جديد من فوق سطح منزل أسرته بالحسيمة، السطح نفسه الذي اتخذه منصة لخطاباته زمن الحراك، غير أن الرسائل هذه المرة حملت نبرة مختلفة: خطاب وطني جامع، بعيد عن أي نزعات انفصالية حاولت أطراف عديدة إلصاقها بالحراك وأبنائه. كان المشهد بليغًا: خروج ناصر من السجن لتشييع والده، أحمد الزفزافي، الذي غيّبه مرض السرطان، المرض نفسه الذي دفع الحراك إلى رفع مطلب مستشفى يعالج أبناء المنطقة. قدرٌ يبعث برسالة عميقة، كأنما يؤكد مشروعية المطالب التي رفعت آنذاك. إطلالة ناصر الأخيرة، برعاية وتسهيل من السلطات، جسدت لحظة سياسية بامتياز. فقد أظهر الرجل وعيًا وطنيًا حين أكد أن "الوطن ليس الريف وحده، بل هو الشرق والغرب والشمال والجنوب"، معلنًا استعداده للتضحية بنفسه في سبيل وحدة الوطن. كلمات اختصرت الكثير، وبدّدت ما حاول البعض ترويجه من تهم الانفصال والارتباط بأجندات خارجية. لقد كان السماح لناصر بتشييع والده موقفًا نبيلاً من الدولة، يؤشر إلى أن صفحة جديدة قد تُفتح في هذا الملف المؤلم. وما رسائل ناصر الأخيرة إلا جسرًا نحو طي هذا الملف بروح من المصالحة الوطنية الحقيقية، التي لا تُقصي ولا تُخوّن، بل تحتضن أبناء الوطن تحت سقف واحد. اليوم، لم يعد هناك ما يبرر استمرار اعتقال ناصر ورفاقه. فالمغاربة من طنجة إلى الكويرة يتطلعون إلى عفو ملكي سامٍ يطوي صفحة من صفحات الجراح، ويعيد لمّ شمل أسرة الزفزافي، كما يعيد الثقة والأمل لساكنة الريف التي دفعت ثمنًا باهظًا. والملك، الذي عُرف بمبادراته الإنسانية ورغبته الدائمة في تعزيز الوحدة الوطنية، يظل وحده القادر على إغلاق هذا الملف بما يليق بتاريخ المغرب ومستقبله. إن الوطن أكبر من الجميع، وأغلى من كل شيء. وما قاله ناصر الزفزافي من فوق سطح منزل أسرته لم يكن مجرد كلمات عابرة، بل تعبير صادق عن وطنية لم تنكسر رغم سنوات السجن والجراح. اليوم، ينتظر الجميع لحظة العفو، كي يتحقق العدل بالرحمة، وتتحول الجراح إلى جسور جديدة من الثقة والانتماء.