بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، ودع المغاربة عامة وأهل منطقة الريف خاصة المسمى قيد حياته أحمد الزفزافي، الذي أسلم الروح إلى بارئها عصر يوم الأربعاء 3 شتنبر 2025 عن عمر يناهز 78 سنة بمستشفى أجدير بإقليمالحسيمة، بعد صراع مرير مع مرض عضال لم ينفع معه علاج، والد أحد أبرز قادة "حراك الريف"، الذي يقضي عقوبة سجنية مدتها "عشرون سنة"، مخلفا وراءه صورة الأب المناضل الذي كرس وقته وجهوده، دفاعا عن قضية ابنه وباقي رفاقه المعتقلين، منذ اعتقالهم عام 2017، حيث لعب طوال سنوات وقبل وقوعه طريح الفراش دور المتحدث غير الرسمي باسم عائلات معتقلي "الحراك" فقد كان الراحل الذي اشتهر باسم "عيزي أحمد" منارة شامخة في تاريخ النضال بما يمتلك من جرأة وقدرة على تحمل الصعاب، حيث جال الساحات الوطنية والدولية من أجل الدفاع عن الحرية وكرامة المواطن المقهور، وكان يشكل واحدا من الشخصيات الحرة في مواجهة الظلم والتسلط ليس فقط على أبناء منطقة الريف، بل على سائر أبناء الشعب المغربي من طنجة إلى لكويرة. غير أن المرض اللعين أقعده الفراش وحال دون مواصلة طريق البحث عن حرية ابنه ناصر ورفاقه المعتقلين، إذ جاء موته على إثر إصابته بالداء اللعين السرطان في مراحله الرابعة، مما أجبره على الخضوع للعلاج الكيماوي إلى أن التحق بالرفيق الأعلى... ذلك أنه بمجرد ما إن تم الإعلان عن خبر وفاته من قبل أحد أبنائه المسمى "طارق الزفزافي" حتى خيمت مظاهر الحزن والأسى على الكثير من الأهل والأصدقاء والمتعاطفين معه، وعجت مواقع التواصل الاجتماعي بالتدوينات الحاملة لكل معاني المواساة الصادقة والتعازي الحارة لجميع أفراد عائلته وفي مقدمتهم ناصر الزفزافي، الذي سمحت له إدارة السجون يوم الخميس 4 شتنبر 2024 بمغادرة زنزانته بصفة استثنائية، بل وتكفلت بنقله إلى إقليمالحسيمة، قصد إلقاء نظرة الوداع الأخير على والده قبل مواراته التراب... ففي أول تصريح علني له منذ اعتقاله سنة 2017، ومن أعلى سطح منزل العائلة المتواضع في مدينة الحسيمة، قال بكل نضج ومسؤولية أمام مئات المواطنات والمواطنين الذين حجوا إلى بيت الراحل من مختلف الجهات، لتقديم واجب العزاء في هذا المصاب الجلل، إن "لا شيء فوق مصلحة الوطن أولا وأخيرا" مشددا على أن الوطن لا يعني فقط منطقة الريف، بل يشمل كل جهات المملكة: شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، سهولها وجبالها، للتأكيد على مدى تمسكه بوطنه والرد في ذات الوقت على فئة المشككين من الذين سبق لهم أن وجهوا لقادة الحراك اتهامات باطلة بالانفصال، وأضاف مخاطبا تلك الجموع من الحاضرين "وجودكم اليوم هنا هو انتصار للوطن"، كما استغل المناسبة ليصف والده الراحل أحمد الزفزافي ب"أبو الحرائر والأحرار"، كما لم يفته توجيه الشكر الجزيل للمندوبية العامة للسجون على ما بذلت من جهود في سبيل حضوره مراسم الجنازة وتشييع جثمان والده الطاهر. وكم كان لافتا للانتباه ذلك الموكب الجنائزي المهبب الذي رافق الراحل "أحمد عيزي" عصر يوم الخميس 4 شتنبر 2025 إلى مثواه الأخير، حيث انطلق من المسجد العتيق بالحسيمة نحو مقبرة المجاهدين بأجدير ليوارى جثمانه الثرى وتطوى صفحة رجل مكافح، بحضور نجله ناصر الزفزافي ومئات المواطنين من أبناء المدينة وخارجها، الذين رفعوا شعارات تطالب بالإفراج النهائي عنه، ولاسيما بعد السماح له في وقت سابق بزيارة والده قبل الوفاة، ثم المشاركة في راسم الدفن... ففي تفاعل مع هذه اللحظات الإنسانية المؤثرة نشرت عدة د فعاليات سياسية ومدنية مغربية تدوينات على صفحاتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، تثمن موقف إدارة السجون والسلطات العمومية التي رخصت لناصر الزفزافي بإلقاء نظرة الوداع الأخير على والده، وأكدت أن تصريحات قائد "حراك الريف" تكشف بوضوح عن تشبعه بحب الوطن ورفضه القاطع لنزعات الانفصال والنزعة الجهوية الضيقة، ولاسيما أن كلمته أمام الجماهير الحاضرة جاءت متضمنة لعدة إشارات ورسائل مباشرة، يمكن أن نستشف من خلالها بداية انفراج قادم في اتجاه طي صفحة ملف "حراك الريف"، مشددا على أن منطقة الريف جزء لا يتجزأ من المغرب، وأن جميع مناورات الخونة والأعداء وعلى رأسهم النظام العسكري الجزائري، لن تكون قادرة على زعزعة استقرار المغرب مهما حاولت ذلك. في ظل استعداد أبنائه البررة على تقديم المزيد من التضحيات من أجل الحفاظ على وحدته الترابية. إننا وبصرف النظر عن دواعي اعتقال ناصر الزفزافي ورفاقه وعن الحكم القاسي الذي صدر في حقهم منذ حوالي ثماني سنوات، لا يسعنا إلا أن ننوه بقرار المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج والسلطات القاضي بالسماح لناصر في هذه الظروف الحزينة بحضور جنازة والده، وعدم منعه من إلقاء تلك الكلمة المعبرة وسط تلك الحشود الغفيرة، وأن نلتمس من القائد الحكيم والأب الروحي للمغاربة قاطبة، الملك محمد السادس، التعجيل بإصدار عفوه الكريم على المحكوم عليهم في هذا الملف الذي ما انفك يثير الجدل داخل المغرب وخارجه، وما ذلك على إرادته السامية بعزيز...