تذكروا جيدا أيها المغاربة ملامح وصور وأسماء الشباب الذين فتحت في وجوههم قنوات الاعلام العمومي فجأة، للتعبير عن آرائهم وأفكارهم بكل حرية أمام وزارء حكومة أخنوش، التي طالب جيل زد من ملك البلاد بإقالتها طبقا لمقتضيات الدستور، دون الدخول في مناقشة البولميك السساسي الذي رافق هذا المطلب المشروع بكل تأكيد! أبشركم، أنه في محطة 2026 الانتخابية ستجدون جزء كبير من هؤلاء الشباب في طليعة الحملة الانتخابية لاحزاب الاغلبية الحكومية الحالية وخصوصا حزب التراكتور بجانب الوزير الملقب في مواقع التواصل الاجتماعي بالمهيدي ( شخصية ادت ادوار مضحكة في مسلسل وجع التراب)، أو بقرب الهادئة نجوة كوكوس، التي تسير بسرعة البوراق، لضمان مقعدها الوزاري في حكومة المونديال بقيادة فاطمة الزهراء المنصوري ( بنت الصالحين)، التي رفعت التحدي بغضب شديد خلال اللقاء الذي جمعها بشبيبة الحزب خلال الاسبوع الماضي ( ضريب طوابل وتخراج العينين)، في مواجهة من أرادوا تلطيخ سمعتها السياسية، ووضع حد لمستقبلها السياسي، وهي التي تنتظر محطة 2026 الانتخابية بفارغ الصبر لتحقيق حلم البام الذي تطارده لعنة الاحتجاجات مند نشأته إلى غاية اليوم! الاحزاب السياسية التي تؤثت المشهد السياسي الوطني( أغلبية جلالة الملك ومعارضة جلالة الملك)، ومعهم قنوات القطب العمومي والصحافة الصفراء التي تم تفريخها في كل جهات المملكة بكل همة ونشاط خلال العشرية الاخيرة، متهمة اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، بأنها منخرطة في مسرحية سياسية واعلامية هزلية لتهدئة الوضع. الاحزاب وهذه حقيقة يعلمها المغاربة مجرد "كومبارس" تلعب الادوار التي تعطى لها من قبل مخرج المسرحية، مادام أن الجمهور متعطش للفرجة، ومستعد لاستهلاك اي عرض يقدم له على خشبة المسرح السياسي في قالب جديد، ومن تابع خرجات المهدي بن سعيد وفاطمة الزهراء المنصوري ونبيل بن عبد الله وادريس لشكر ومحمد اوزين ونزار بركة، سيتستشف ذلك بوضوح! المغاربة سئموا من عروض الحصيلة الحكومية المضحكة المبكية التي يقدمها بشكل كاريكاتوري وزراء الاغلبية الحكومية، وسئموا أيضا من شطحات وهبي وفهلوات فاطمة الزهراء المنصوري التي تلعب مع المغاربة لعبة البولميك التي تتقنها لدواعي انتخابية مادام أن غاية حزبها وطموحها الشخصي هو محطة 2026 الانتخابية! هل تتذكرون عبد الأمين حميد الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الذي تم توقيفه في اليوم الأول أو الثاني من احتجاجات جيل زد وسوقه الى سيارة الشرطة بدون أي سبب وجيه قبل إطلاق سراحه فيما بعد؟ هذا الرجل الذي بلغ من العمر عتيا هو نفسه الذي رأيناه في عز حراك 2011 يتكلم بكل حرية وطلاقة في التلفزيون المغربي عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والاستبداد والسلطوية ويبسط بدون أي مركب نقص كل أفكاره الثورية التي يحلم بها مند عقود من الزمن ! يبدو أن المسؤولين على قنوات القطب العمومي، الذين فتحوا الاعلام العمومي في وجه الشباب في إطار تنفيذ التعليمات الفوقية، يعيشون خارج السياق، ويشتغلون بمنهجية إعلامية كلاسيكية، ويتصورون المغاربة كما لو أنهم بدون ذاكرة، ولا يربطون الحاضر بالماضي، لاستشراف مستقبل بلدهم، الذي اصبح خاضعا لسلطة أوليغارشية جشعة، تتصرف في مقدرات الشعب مند عقود خلت، بدون رقيب أو حسيب، وتنظر للمغاربة كعبيد في زمن الحداثة الرقمية! جزء كبير من الاحزاب السياسية سارعت إلى عقد اجتماعات صورية مع شبيباتها تحت غطاء جيل زد ( باستثناء شبيبة حزب بنكيران الذي اختفى عن الانظار كما تختفي القطط يوم عيد الأضحى)، حتى تمر عاصفة جيل رقمي يطالب بإصلاح التعليم، والصحة، ومحاربة الفساد، وإقالة رئيس الحكومة الذي تصدر حزبه نتائج الانتخابات في عهد الوزير عبد الوافي الفتيت الذي عمل بقاسم انتخابي لم يسبق لأي نظام انتخابي في العالم أن عمل به! هل تريدون رأيي بكل موضوعية ووفق مقاربة تحليلية نابعة من تراكم معرفي ومواكبة دقيقة للشأن السياسي مند أكثر من 30 سنة حول احتجاجات جيل زد؟ جيل زد هو الوجه الاخر لحركة عشرين فبراير ( وجهان لعملة واحدة) التي بدلت الخطة والخطاب وانتقلت من المطالبة بالملكية البرلمانية ومحاربة الفساد والاستبداد إلى الاكتفاء فقط بمحاربة الفساد دون تحديد تمظهراته وأوجهه وإصلاح التعليم والصحة رغم أن الشباب يدركون مسبقا استحالة اصلاح ما فشلت في إصلاحه الحكومات المتعاقبة لعقود من الزمن خلال أشهر فقط تفصلنا عن اللحظة الانتخابية التي يتربص بها الجميع وفق حسابات مختلفة لكل طرف! لو نزل الشباب للشارع وللمنصات الرقمية تحت يافطة عشرين فبراير سيكون التشويش عليهم كبير من طرف جيوب مقاومة الإصلاح والتغيير داخل السلطة والاحزاب والمجتمع وسيخرجون لهم أسرار شبابهم وشاباتهم الذين باعوا الجمل بما حمل بعد أن تم استقطابهم وتدجينهم والاغداق عليهم بالامتيازات ودفعهم إلى خوض حرب الصور في مواجهة رفاق الأمس من جزر المالديف وسردينيا ومن شوارع باريس وشرفات الفنادق خمس نجوم! من خلال تلك الفئة الانتهازية من الشباب، الهشة في قيمها ومبادئها وأخلاقها وكرامتها الانسانية، مع كل التقدير للشرفاء منهم الذين رفضوا المساومة وظلوا اوفياء لمواقفهم وقناعاتهم وراضون بذلك، ستزايد مرة أخرى جيوب جيوب مقاومة التغيير على شباب حركة عشرين فبراير وستظهرهم كمجموعة من الانتهازيين والخبزيين الذين تخلوا على شعاراتهم في أول إختبار من خلال تذكير المجتمع برموز الحركة الذين تحولوا في زمن قصير الى بورجوازيين صغار يسافرون من بلد الى اخر ويركبون افخم اليخوت ويشربون افخم انواع النبيذ المعتق! اليوم، وهذا تقدير موقف يخصني، تغيرت الاستراتيجية، وتغير التكتيك، والأمر الخفي في هذه الاحتجاجات الملغزة، لا يعلمه إلا من اختبأ وراء الانترنت، لتجييش آلاف الشباب، وتعبأتهم عبر منصة رقمية تحت يافطة جيل زد، في إطار تدافع غير شفاف، ستعرف حيثياته الدقيقة بعد انتخابات 2026 بدون أي شك في ذلك! خروج الأمينة العامة السابقة للحزب الاشتراكي الموحد نبيلة منيب وعدد من الشباب المنتمي لشبيبات أحزاب فيدرالية اليسار والحزب الاشتراكي الموحد والنهج الديمقراطي في الأيام الأولى بكل من البيضاء وطنجة والرباط والقنيطرة لم يكن اعتباطيا والمواكبة الاعلامية التي تقوم بها بعض المواقع والاذاعات الخاصة للتظاهرات مند انطلاقتها مؤشرات تؤكد أن جيل زد لم ينزل من السماء بل هو استمرار لجيل عشرين فبراير الذي خلع هندامه القديم ولبس هنداما جديدا لاعطاء نفس جديد لنفسه. القطيعة بين جيل زد وحركة عشرين فبراير غير موجودة على الإطلاق بل يمكن القول أنهما وجهان لعملة واحدة كما هو شأن اخنوش وبنكيران في الجهة الأخرى من المشهد السياسي العام! من الامور المثيرة جدا والتي ينبغي التوقف عندها هي أن المواقع الإلكترونية والصفحات التي تتحرك في محيط السلطة بعدد من الجهات والعمالات باركت مند اليوم الأول احتجاجات جيل زد وتبنت مطالبها وروجت لها في إطار خطة مدروسة بكل تأكيد لضرب مصداقية الاحتجاج والتشكيك فيه من طرف جزء كبير من المغاربة الذين يعلمون كيف تناسلت تلك المواقع والصفحات وما هو خطها التحريري طيلة شهور السنة وما هي آليات اشتغالها! هذا المعطى بالضبط يدفعني إلى القول بأن الجهة التي وظفت تلك المواقع والصفحات بعد بروز الاحتجاجات كانت شاطر ة جدا ونجحت إلى حد كبير في مسعاها لإطفاء جدوة الاحتجاج في المهد قبل أن تتسع رقعة الاحتجاج ويتفاقم الوضع أكثر. لقد لاحظ الجميع كيف تغير خطاب تلك المواقع والصفحات مباشرة بعد اندلاع أعمال التخريب التي قام بها أشخاص ملثمون في عدد من المدن ورطوا معهم عشرات الأبرياء من الأطفال القاصرين والشباب اليافعين الذين تنتظرهم أحكام قاسية بالسجن النافذ للأسف الشديد! التحول من عشرين فبراير الى جيل زد ذكرني بكيفية انتقال الاتحاديين من الفكر الثوري إلى استراتيجية النضال الديمقراطي ( الإصلاح والتغيير من داخل المؤسسات) في المؤتمر الاستثنائي للحزب الذي انعقد سنة 1975 تحت يافطة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تحول مع إدريس لشكر إلى معارضة جلالة الملك في مواجهة أغلبية جلالة الملك! هذا الانتقال أنعش الحزب وبقي الاتحاد الوطني القوات الشعبي جزء من الذاكرة السياسية الوطنية والتاريخية للمغرب من خلال المحافظة على مقره المركزي في الرباط من باب الذكرى فقط. واستحضار لمعيار القياس عن طريق المماثلة فإن حركة عشرين فبراير لبست هندام جيل زد لكي ينتعش الاحتجاج من جديد ولكن هذه المرة بنفس اصلاحي وبشعارات بسيطة ( السهل الممتنع) في العلاقة مع النظام السياسي القائم ( نظام الملكية التنفيذية) الذي يسود فيه الملك ويحكم وفق صلاحيات دستورية ووفق شرعية تاريخية ودينية، تاركة له ( أي النظام السياسي) حرية التصرف في المستقبل الذي يمكن أن يكون أفقه هو الملكية البرلمانية اذا اقتضت ارادة الحكم ذلك في سياق دولي واقليمي متغير! اعتقد بأننا أمام فرصة جيدة للدولة والمجتمع من أجل بناء تعاقد جديد بين المؤسسة الملكية والشعب لبناء دولة الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وربط المسؤولية بالمحاسبة. أما النخب الحزبية الموجودة اليوم في سوق السياسة مثل أخنوش وبنكيران ونزار بركة وفاطمة الزهراء المنصوري وقرينها المهدي بن سعيد وادريس لشكر ومحمد أوزين ونبيل بن عبد الله وغيرهم من الفاعلين الحزبيين في معارضة جلالة الملك وأغلبية جلالة الملك فهي مجرد (حيوانات سياسية أليفة) تعيش في حديقة النظام وتقتات من قوت دار المخزن مما هو متاح أمامها من قوت تختلف اطباقه الشهية حسب الظروف وحسب السياق وميزان القوى أيضا! هنيئا لحركة عشرين فبراير بهندامها الجديد "جيل زد"، وتحية عطرة لمواقع الجهات والعمالات والمقاطعات، التي أمتعتنا بالتغطية الصحفية الهائلة خلال الثلاثة أيام الأولى من الاحتجاجات قبل أن تغير خطها في الايام الموالية لاعمال التخريب، وهنيئا للمهدي بن سعيد، وفيصل العرايشي، ونجوى كوكوس، وحسن طارق، ونزار بركة، ومصطفى بايتاس، وشبيبات الاحزاب التي لبست قناع جيل زد، على مشاركتهم في تنفيس الوضع، وفي تبديد سوء الفهم الحاصل بين الدولة والمجتمع، وموعدنا في استحقاقات 2026 لانتخاب حكومة…؟؟