كشف تقرير حديث لشبكة "أفروباروميتر" البحثية، أن 47 بالمائة من المغاربة أنهم لم يواجهوا أي حرمان من الحاجات الأساسية الخمس، وهي الغذاء، والماء النظيف، والعلاج الطبي، ووقود الطهي، والدخل النقدي، بحسب ما ورد في "مؤشر الفقر المعيشي" الصادر في 8 أكتوبر 2025. ووفقا لنتائج المسح الميداني الذي شمل 39 بلدا إفريقيا في الجولة التاسعة من استطلاعات "أفروباروميتر" (2021-2023) واستند إلى مقابلات مباشرة مع أكثر من 53 ألف مواطن، أظهرت البيانات أن المغرب يعد ضمن الدول الإفريقية التي حققت أعلى نسبة من المواطنين المصنفين في فئة "من دون فقرٍ معيشي"، إلى جانب سيشل التي تتصدر ب65 بالمائة وموريشيوس ب38 بالمائة.
غير أن التقرير ذاته أظهر مفارقة لافتة، إذ تبيّن أن جزءا من هؤلاء "غير الفقراء" ما زال يفتقر إلى المياه النظيفة والمياه الموصولة إلى المنازل، ما يعكس استمرار فجوات خدمية وهيكلية رغم تحسن مؤشرات الرفاه العام، وفقا للمسح الميداني الذي جرى في المغرب بين غشت وشتنبر 2022، وقد أظهرت البيانات أن نحو 15 بالمائة من المغاربة الذين لا يعانون أي فقرٍ معيشي لا تتوفر لهم مياه نظيفة كافية للاستخدام المنزلي، في حين أن قرابة 20 بالمائة يضطرون إلى جلب المياه من خارج مساكنهم، و15 بالمائة فقط لا يملكون وصولا إلى شبكة المياه الموصولة بالمنازل أو الأفنية. وتفسر "أفروباروميتر" هذا التناقض بما تسميه "التكيف السلوكي" الذي يجعل الأسر تتأقلم مع نقص الخدمات بوسائل بديلة مثل تخزين المياه أو تقاسمها جماعيا، ما يؤدي إلى عدم إدراكها لحالة الحرمان رغم استمرار النقص الفعلي. ويخلص التقرير إلى أن مؤشر الفقر المعيش، رغم قيمته في قياس المعاناة اليومية، قد لا يلتقط تماما أوجه الحرمان الهيكلي، مثل غياب البنى التحتية المستدامة أو الخدمات العامة الدائمة. كما أشار التقرير إلى أن الفجوة بين المناطق الحضرية والقروية في المغرب ما تزال واضحة، إذ تتجاوز احتمالات الحرمان من المياه النظيفة بين سكان الأرياف ثلاثة أضعاف نظرائهم في المدن (29 بالمائة مقابل 9 بالمائة). كما أن 53 بالمائة من سكان القرى الذين لا يعانون فقرا معيشيا يفتقرون إلى المياه المنقولة مقارنة ب17 بالمائة فقط في المدن. كذلك، 46 بالمائة من غير المتعلمين في المغرب وجواره الإفريقي يضطرون إلى جلب المياه من خارج منازلهم، ما يجعل التعليم عاملا حاسما في تحسين فرص الحصول على الخدمات. وبحسب الأرقام المفصلة، فإن 73 بالمائة من الأفارقة الذين يعانون فقرا معيشيا حادا يحصلون على مياه محسّنة المصدر، مقارنة ب95 بالمائة بين من لا يعانون أي فقرٍ معيشي. لكن المفاجئ أن 27 بالمائة من "غير الفقراء" لا تصلهم المياه عبر الأنابيب، و20 بالمائة منهم يجلبونها من خارج مساكنهم، ما يعني أن تجارب الرفاه المعلنة لا تعني بالضرورة أمنا مائيا مستداما. وفي مقارنة إفريقية أوسع، كشف التقرير أن نسب "انعدام الفقر المعيشي" تقلّ عن 5 بالمائة في 18 بلدا، بينها مدغشقر والنيجر، في حين تراوحت بين 30 بالمائة و40 بالمائة في دول ككينيا، إثيوبيا، وتنزانيا. غير أن المفارقة تتكررح؛ ففي كينيا مثلا، 78 بالمائة من غير الفقراء لا يحصلون على مياه منقولة إلى مساكنهم، وفي مالي تصل النسبة إلى 76 بالمائة، ما يدل على أن الازدهار المعيشي لا يواكبه بالضرورة تحسّن في البنية التحتية. ولا يكتفي التقرير برصد المياه، بل يربطها بمؤشرات البنى التحتية الأخرى. ففي عموم إفريقيا، 13 بالمائة من غير الفقراء يفتقرون إلى الكهرباء الموصولة بالشبكة الوطنية، و11 بالمائة لا يملكون مرحاضا أو مرافق صحية داخل مساكنهم، و30 بالمائة لا يملكون هاتفا ذكيا متصلا بالإنترنت. وأوصى التقرير سائر الحكومات الإفريقية، بضرورة دمج مؤشرات الفقر المعيش مع مؤشرات النفاذ إلى الخدمات الأساسية في إطار نظم رصد وطنية متكاملة، تتيح وضع سياسات أكثر دقة وفعالية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما شدد على أهمية التركيز على الاستثمارات القروية في شبكات الماء والكهرباء والإنترنت، معتبراً أن "العدالة في البنية التحتية شرطٌ مسبق للعدالة الاجتماعية".