بعد النزال الذي احتضنه الفضاء العام حول مراجعة مدونة الأسرة، بين المدافعين عن المرجعية الدينية والقيمية والثقافية للمجتمع المغربي، وبين الاقلية المسيطرة على بعض مواقع القرار الساعية إلى تفكيك البنية الثقافية للمجتمع، وفرض تغييرات وتعديلات وراثية في العلاقات والمؤسسات داخله، وعلى رأسها مؤسسة الأسرة، تُسجّل منذ مدة تصريحات وأنشطة ومبادرات تستهدف التأثير التدريجي في قناعات الرأي العام الرافض للتعديلات المعلنة بشأن مدونة الأسرة، من خلال إثارة القضايا الخلافية وترويج مقترحات مرفوضة على انها توصيات أو اجتهادات محسومة. هذا المخطط الذي يبدو ممنهجا، يساهم فيه في كل مرة "عرّاب الإفساد" الوزير الثرثار عبد اللطيف وهبي، الذي يستغل كل مناسبة للتحرش بالمسار الذي رسمه أمير المؤمنين لإصلاح مدونة الأسرة، ويستدرك في كل مرة بأسلوب مستفز، على هذا المسار، مثلما صرح بدون سياق في جلسة الأسئلة الشفوية لمجلس النواب المنعقدة يوم فاتح دجنبر 2025، متلاعبا بالكلمات بأنه لا يعرف متى "تأتي المدونة" للبرلمان، وأنها عرفت اختلافا واتفاقا، بعد أن هاجم "زواج القاصرات" بدون تحديد المفهوم ولا الحالات والغاية طبعا هي التدليس على الرأي العام. وهبي سبق له كذلك في إطار "المعركة المقدسة" التي يظن أنه مكلف من السماء بها، سبق له ان صرح في اجتماعات برلمانية وغيرها، بأن اصلاح المدونة يواجه بالمحافظة في الحكومة، وأن النص جاهز للعرض على البرلمان، متوسلا، بل ربما مهددا، من الاغلبية دعمه لتمرير تعديلاته "الحداثية". مبادرة أخرى تأتي في هذا السياق، تجلت في اجتماع احتضنه مجلس النواب، في موضوع خلافي هو الاخر، وتحت مسمى جذاب لا يوحي بأي خلاف، ويتعلق بتثمين العمل المنزلي للمرأة، صدرت عنه عدة توصيات لا مكان لتنزيلها سوى مدونة الأسرة، فضلا عن عدد اخر من الأنشطة المشابهة موضوعا واستراتيجية، نظمتها هيآت مدنية ورسمية كذلك. لكن المثير هو تزامن هذا المبادرات المكشوفة الاهداف، مع تخصيص عدة خطب جمعة، في إطار خطة تسديد التبليغ، لمواضيع تتعلق بالمرأة، بحيث تم تعميم أربعة خطب على الاقل منذ يوليوز 2025، تتعلق المعاشرة بالمعروف بين الأزواج، وتكريم المرأة في الإسلام، وحقوق المرأة في الإسلام، ومخاطر العنف صد النساء. هذه الخطب المنبرية منشورة، يمكن العودة إليها من طرف اهل الاختصاص، والتمعن في مضامينها ورسائلها كذلك، وعلاقتها بالنقاش الدائر حول مدونة الأسرة. إن موضوع الأسرة سيبقى محورا من محاور الصراع، واليات الصراع فيه سياسية وقانونية، و"ربح" المساحات فيه خاضع لتغير موازين القوى السياسية، وتغير موازين القوى خاضع بدوره للقدرة على توجيه الرأي العام، لذلك على المدافعين على المرجعية الدينية والقيمية للمجتمع المغربي، أن يرفعوا مستوى الرصد ويبقوا على اليقظة في درجة عالية، لأن معركة مدونة الأسرة مستمرة، وما لم يتم فرضه بالنقاش العمومي وخلف الأبواب المغلقة، يمكن أن يتم تمريره داخل "حصان طروادة".