قالت لي شابة مغربية–يابانية في مكالمة هاتفية من طوكيو، بعد فوز المنتخب المغربي على الأرجنتين: «مذهل، لا يُصدَّق... نجحنا في كرة القدم، والقوة الناعمة تسير على ما يرام». وككلّ المغاربة، كانت تغمرها الفخر بهذا الإنجاز التاريخي، لكنها أضافت على الفور، بوعيٍ لافت: «دابا بْغينا اللّي بعدُو... بْغينا الملموس». كلمة الملموس تختصر خيبة أمل جيلٍ بأكمله. وهي نفسها الروح التي دفعت شباب حركة GenZ-212 إلى النزول إلى الشارع خلال الأسبوعين الماضيين للمطالبة بإصلاح حقيقي ودائم لمنظومة التعليم، بوصفها الركيزة الأساسية لأي تحديثٍ مجتمعي، وضمانةً لتنميةٍ متوازنة بين الجهات والفئات الاجتماعية. تقول شابة ناشطة تؤازر الحركة: «نصفّق لشبابنا حين يسجّلون الأهداف ويرفعون اسم المغرب عالياً، لكن ما إن يخرجوا في مظاهرات سلمية للتنديد بانهيار القطاعات الاجتماعية، حتى تعود الهراوة لتكون الجواب الوحيد». ثم تضيف: «الجهاز القضائي بدأ يتحرك، وهذا يُثير القلق...». هؤلاء الشباب، ببراءتهم وحماسهم، يجدون صعوبة في فهم منطق المخزن الذي كان كثيرون يظنّونه من الماضي. — ذاكرة من ثمانينيات القرن الماضي شخصيًا، عشتُ تجربةً مشابهة قبل نحو أربعين عامًا. في مطلع عام 1986، كنّا مجموعةً من عشرين صحفيًا وتقنيًا في التلفزيون المغربي (TVM)، نطالب، بشكلٍ سلمي، بتحسين ظروف العمل، بالتوازي مع التحضير لإضرابٍ مهني. استدعانا إدريس البصري، الوزير القوي آنذاك في الداخلية والإعلام، إلى قاعةٍ واسعة داخل وزارته، حيث كان يعقد مؤتمراته الصحفية المهيبة. كان يشرف على عملية بعنوان «الحركة في التلفزيون» بإشراف المهندس المعماري الفرنسي أندري باكار، الذي جرى التعاقد معه لاستقدام طاقاتٍ شابة بأجورٍ أعلى منّا — في مشهدٍ فاضحٍ من اللاعدالة. وقف البصري أمامنا غاضبًا، وإلى جانبه باكار بوجهٍ متعالٍ، وصاح: «نشأتُ في النظام والانضباط. أريد أسماء ثلاثة منكم لأطردهم فورًا!» ثم أطلق تلك العبارة القاسية التي ما زالت محفورة في ذاكرتي: «الظلم خيرٌ من الفوضى.» جملةٌ مستوحاة من فكر ميكيافيللي، وما زالت، للأسف، صالحة إلى اليوم. وحين أرى اليوم كيف فُرِّقت مظاهرة شباب "جيل زد" في شارع محمد الخامس بالرباط أمام عدسات العالم، أتساءل إن كانت الثقافة الأمنية لعهد البصري تُبعث من رمادها. اضطرّت حكومة عزيز أخنوش إلى تليين موقفها — أو لنقل "أن تضع قليلًا من الماء في شايها بالنعناع" — بعدما عبّرت الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي سريعًا عن دعمهما للمظاهرات السلمية التي نظّمها شباب الحركة. — التعليم.. القوة الحقيقية الوحيدة لنَعُد إلى الأساس: التعليم. لا يمكن للمغرب أن يتقدّم في عصر الذكاء الاصطناعي بمجتمعٍ بسرعتين: جزرٌ حضرية مزدهرة ومتصلة من جهة، ومناطق قروية غارقة في الجهل من جهة أخرى. فما يزال نحو ربع المغاربة غير قادرين على القراءة والكتابة. قبل عشرين عامًا، قال لي دبلوماسي كوري جنوبي: «في بداية خمسينيات القرن الماضي، كانت كوريا الجنوبية في المستوى نفسه تقريبًا الذي كان عليه المغرب.» سألته: وكيف تجاوزتم ذلك وأنتم خارجون من حربٍ مدمّرة؟ فأجاب، بتلك البساطة المتواضعة التي تميّز الآسيويين: «لا عصا سحرية. حشدنا النخب والأساتذة والمثقفين لمحاربة الأمّية في القرى.» اليوم، يُقدَّر الناتج الداخلي الخام للفرد في كوريا الجنوبية بنحو 36 ألف دولار (اسميًا) و63 ألف دولار (بمعيار القدرة الشرائية)، وهي تحتل المرتبة 12 عالميًا وفق صندوق النقد الدولي لعام 2024. الأمر نفسه ينطبق على التجربتين اليابانية والسنغافورية: فالأولى خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، والثانية، التي كانت جزيرة مستنقعات بعد رحيل البريطانيين سنة 1971، أصبحت من أنشط المراكز الاقتصادية في العالم. سرّ نجاحهما؟ التعليم العمومي، لا التعليم الخاص. بعد سبعين سنة على الاستقلال (1956)، لم يربح المغرب بعدُ معركة التعليم. مشروع قانون المالية لعام 2026 يرصد 140 مليار درهم (حوالي 14 مليار دولار) لقطاعي الصحة والتعليم — مبلغ ضخم بلا شك، لكنه يطرح سؤالين جوهريين: كيف سيُصرَف هذا المال؟ ولصالح مَن؟ هل ستكون هناك لجان مستقلة لضمان الشفافية والإنصاف المجالي؟ وهل ستنجو الإصلاحات من براثن الزبونية والمحسوبية التي أفسدت تجارب سابقة؟ في الأثناء، يجلس أخنوش على كرسيّه الهزّاز، في هدنةٍ سياسية إلى حين انتخابات 2026. نجا مؤقتًا من تعديلٍ حكومي، لكن الغبار الذي يكنسه تحت السجادة لن يختفي من تلقاء نفسه. — حكمة الجيلاني في طفولتي بمدينة سيدي بنور، كان معلمي يردّد علينا قول الشيخ الصوفي مولاي عبد القادر الجيلاني: «الله ينْجيك من الجايات» مؤسس الطريقة القادرية في بغداد بالقرن الثاني عشر، كان الجيلاني يدعو إلى العدل والصدق والإصلاح الداخلي قبل كل شيء. قد تنكمش حركة "جيل زد" مع مرور الوقت وتعب المسار، لكنها لن تتخلى عن أحلامها. فلنتأمّل جميعًا حكمة الجيلاني: إنّ «الجايات» لا تكون بعيدة أبدًا حين تعجز دولة عن تعليم أبنائها — جميع أبنائها، بنين وبنات — ليواجهوا عالم الغد المليء باللايقين. Article19.ma