في تقديمه للحوار مع الصحافي الفرنسي المخضرم jean lacouture جون لكوتور، كتب حميد برادة جملة أراها صالحة اليوم اكثر من الأمس كتب : (الصحافيون طيور نادرة تحت سماء إفريقيا). واضاف حميد برادة شفاه الله في تقديم صحافي كبير لقراء مجلة (جون أفريك ) سنة 1982 : (اذا كنتم تعتقدون أن الصحافة تُقاس بأطنان الورق التي تُدفع إلى المطابع، أو بعدد من يمتهنون حرفة جمع الأخبار وتوزيعها والتعليق عليها، فبالتأكيد هذا النوع من الكائنات وفير. لكن إذا اعترفنا بأن الصحافة الحقيقية لا تنفصل عن شغف الوصول إلى الحقيقة، والرغبة التي لا تُقاوَم في نقلها إلى القراء كما هي، فلابد من الإقرار بأن هذه الفصيلة من الصحافيين نادرة الانتشار، كما هي الطيور في صحراء إفريقيا...). تذكرت هذا الاقتباس المأخوذ من كتاب الزميل حميد برادة الأخير Anthologie d'entretien لما طالعت خبر تعيين رئيسة(...) للجنة الجائزة الكبرى للصحافة من قبل وزير لا علاقة له لا بالصحافة ولا بالاتصال ولا بالثقافة نزل على الوزارة التي أضحت درا بلا باب ولا تقاليد ولا أعراف... أي جائزة هذه تمنحها الوزارة ولجنتها المعينة لمهنة تعيش حدادا وفي بيتها عزاء على وفاة حرية الصحافة، مهنة يساق ممتهنوها إلى المحاكم والسجون والمعتقلات ومن بقي في الخارج يعيش على الحسرة والألم في بلاد لا يوجد فيهامن الحرية ما يسعف بكتابة خبر واحد ولا يوجد فيها غرام واحد من التسامح وحتى غض البصر من قبل السلطة اتجاه الإعلام ... فالصحافيون لا يحتاجون اليوم إلى جائزة تمنحها السلطة بل يحتاجون هم انفسهم للاعتراف بهم كسلطة ويحتاجون إلى مناخ حرّ، وإلى جمهور يقدّر قيمة الحرية ويدافع عنها، والى سلطة تعترف بغيرها من السلط، وتقر بحق المواطنين في الوصول إلى الخبر والتحقيق والمعلومة … بعدها يأتي الشغف لدى الصحافي والرغبة التي لا تقاوم لنشر ما لديه لجمهور القراء الذي لم يعد موجودا ،ثم رابعا تأتي قدرة الصحافي والناشر على تحمل تكاليف ومخاطر مهنة البحث عن المتاعب... قليلون هم الصحافيون الذين يتمتعون بمضاد حيوي لمقاومة سحر الاقتراب من السلطة و غواية التودد اليها. نحن اليوم في المغرب نعرف كيف نُميّز مثلًا بين طبيب محترف خريج كلية طب معترف بها، وبين فقيه دجّال مثل ذلك الذي كان في الصخيرات، يعالج باللمس وبالماء الذي يبلغ ثمن اللتر الواحد منه مئة درهم! لكننا لا نعرف — للأسف — من هو الصحافي المهني الذي يملك تكوينًا علميًا وأدوات اشتغال وتجربة والتزامًا مهنيًا اتجاه القراء ومسافة من سلطة الدولة والمال . لهذا لم يكن مستغربًا أن يتفاجأ الوسط الصحافي بتعيين سيدة محترمة لم تمارس الصحافة يومًا في حياتها – كما افهم أنا على الأقل الصحافة – رئيسةً للجنة الجائزة الكبرى للصحافة، وهي التي لم يعرف لها مقالا واحداً أو رأيا أو تحليلا أو روبرتاجا أو مواقفا من اية قضية . ولا غرابة في ذلك، فالمشهد برمته عبث في عبث ولا ضير في نقطة يفيض معها الكأس ويفيض معها اليأس ...