قررت غرفة الجنايات الابتدائية لدى محكمة الاستئناف بمراكش، المكلفة بجرائم الأموال، تأجيل النظر في الملف المعروف بقضية تبديد وتفويت أملاك الدولة، الذي يتابع فيه عشرة متهمين، بينهم مسؤولون ومنتخبون، بتهم تبديد الأموال العمومية، وتلقي فوائد في عقود، والتزوير واستعماله، والمشاركة في ذلك، إلى غاية 28 نونبر؛ لتكليف الوكيل العام للملك باستدعاء المتهم المتغيب عن الجلسة، وهو المدير الجهوي السابق لأملاك الدولة. وأكد محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن وقائع هذا الملف خطيرة، إذ استغل مسؤولون ومنتخبون مواقعهم المسؤولية لصناعة محاضر ووثائق وعقد اجتماعات رسمية بإشراف الوالي الأسبق عبد الفتاح البجيوي، الذي فُصل ملفه عن هذه القضية وأحيل على محكمة النقض للبت في الاختصاص، لكونه يتمتع بالامتياز القضائي، دون أن يُعرف مصير قضيته حتى الآن.
وأشار في تدوينة على "فيسبوك": "اعتبر منتخبون ومسؤولون أن البرنامج الملكي "مراكش الحاضرة المتجددة"، الذي خصصت له ميزانية تقدر ب 600 مليار سنتيم، فرصة من ذهب لمراكمة الثروة وخدمة المصالح الخاصة وتبييض الأموال، فأسس بعضهم شركات في جنح الظلام، وأطلق عليها أسماء أبنائه وشركاته، وكلف أشخاصا هم زبائن وأجراء لدى هؤلاء، مع أنهم لا يملكون أي شيء لتسيير هذه الشركات، وزعموا أنهم مستثمرون بإمكانهم استثمار مبالغ تصل إلى 49 مليون درهم و52 مليون درهم، فضلا عن تشغيل يد عاملة مهمة". وأضاف: "بمجرد حصول هذه الشركات الصورية، التي تُعتبر واجهة لمنتخبين نافذين، استثمروا في الفلاحة والبلاستيك والتصدير والإعلام وفي كل شيء، بل إن بعضهم حصل على شهادة إدارية بأنه فلاح، والحال أنه يزاول مهنة حرة، واستفاد أيضا من الدعم المخصص لاستيراد الأبقار، حتى صارت ثروته تقدر بمليارات الدراهم، وأصبح عابرا للقارات، إذ أسس شركات وأبرم شراكات مع شركاء أجانب من إيطاليا وفرنسا وغيرها من الدول الإفريقية". وتابع: "شركات – في حقيقتها – لمنتخبين لا يدري أحد من أين يستمدون كل هذه القوة والنفوذ، حصلت على صفقات وعقود، وبمجور حصول هذه الشركات على هذه الصفقات وإبرامها لعقود صورية، تنازلت عنها لفائدة الأغيار، وتحول العقار العمومي والمال العام إلى وسيلة للمضاربة والتجارة وجني أرباح طائلة". واعتبر الغلوسي أن كل هذه الوقائع لم ير فيها الوكيل العام للملك وقاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بمراكش ما يدعو إلى اعتقال المتهمين المتورطين في هذه الفضيحة الكبرى، واكتُفي فقط بسحب جوازات سفرهم وإغلاق الحدود في وجوههم. وشدد على أن الجمعية المغربية لحماية المال العام ستكشف عن معطيات وحقائق أخرى، وستقدمها للقضاء في الأيام المقبلة، في ملف باشرت فيه الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أبحاثها وتحرياتها منذ سنة 2018، واتسمت أبحاثها بالمهنية العالية، وكشفت جوانب الفساد المستشري في مدينة مراكش، وكيف جعل البعض من برامج وصفقات المدينة بقرة حلوبا. وسجل الغلوسي أن هذا الملف يعرف تأخيرات متكررة، ومن المرجح أن يتأخر حتى يذكر الناس بقضية "كازينو السعدي" التي استغرقت مدة تزيد عن خمسة عشر سنة، مؤكدا أن التأخير من شأنه أن يشكل هدرا للزمن القضائي وتمطيطا للمسطرة. وعبّر عن أمله في أن يحرص الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش وغرفة الجنايات الابتدائية على حسم هذه القضية الشائكة، وتجنب كل التأخيرات المضرة بالعدالة وسيادة القانون، خاصة أننا أمام قضية يتطلع الرأي العام إلى أن يقوم فيها القضاء بدوره الدستوري والقانوني في القطع مع الفساد والإفلات من العقاب، والإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال، واستغلال مواقع النفوذ والسلطة لمراكمة الثروة المشبوهة، وتفويت فرص التنمية على المدينة.