أصبح الرأي العام في ذهول كبير ممّا رأى وسمع أمس الخميس في غرفة عمليات ما بقي من المجلس الوطني للصحافة، التي أُعدّت قبل أشهر لذبح الزميل حميد المهدوي بسيف زملاء ليسوا كالزملاء، وبواسطة مجلسٍ للأخلاقيات صار مجزرة مهنية وقانونية وإنسانية للصحافة. أحيانًا يتفوّق الواقع على الخيال، وأحيانًا تصدق عبارة ما خفي أعظم حرفيًا. لجنة معيّنة من قبل الحكومة باسم الصحافيين والأخلاقيات المهنية تجتمع لتسلخ جلد صحافي مغضوب عليه من قبل السلطة، تحت رئاسة يونس مجاهد الذي كان في يوم من الأيام نقيبًا للصحافيين. يجتمعون ليقرّروا في تسليم المهدوي للقانون الجنائي، أي المساهمة في إرساله إلى السجن عن طريق سحب بطاقة الصحافة منه، وإخراجه من قانون الصحافة والنشر الذي لا يتضمّن عقوبات حبسية، إلى القانون الجنائي الذي يذهب بالمدان به إلى غياهب السجن. وفي طريق دفع المهدوي إلى الهاوية، خدمةً لأكثر من أجندة ضاقت بما بقي من نزرٍ قليل من الصحافة، يدهس محسوبون على المهنة (الديلمي / السلهامي / الورياغلي / الحري / مجاهد) القوانين والأخلاقيات والحدّ الأدنى من الإنسانية، ويرتكبون خطايا عدّة في غرفة عمليات "دعم سريع" مخصّصة لذبح الزملاء وتعبيد الطريق نحو الإجهاز الكلّي على أي شيء يمكن أن يشكّل نواة سلطة رابعة قادرة على القيام بمهامها في الأخبار والتحقيق، وتمثيل سلطة الرأي العام على أصحاب السلطة والنفوذ والقرار. مرعبٌ ما سمعناه ورأيناه في مقرّ ملعون للمجلس الوطني للصحافة، القابع بين فيلات حي الرياض بالرباط، من تدخّلٍ في سلطة القضاء avec des petits mots، ومن التفافٍ إجرامي حول القانون لمنع الضحية من الطعن في قرارات لجنة التأديب في المجلس. ولا أتحدّث هنا عن التنمّر والعنصرية والكلام البذيء في حقّ إنسان، في اجتماع رسمي حضره رئيس المجلس ورئيس لجنة الطعون. لا أريد أن أحرك المزيد من السكاكين في جسمٍ مثخن مثل الجسم الصحافي، ولا أريد أن أرمي المزيد من الملح في جرحٍ متعفّن منذ زمان، والآن فقط وصلت رائحته إلى الرأي العام. لا يحتاج ما رأيناه وسمعناه مساء الخميس، قبل أن نذهب إلى النوم مع كوابيسنا، إلى تحليل أو شرح أو توضيح؛ فكلّ واحد، مهما كان مستواه المعرفي في القانون والسياسة والصحافة، يستطيع أن يفهم لماذا وصلت صحافتنا وسياستنا وقضاؤنا إلى هذا الوضع البئيس، وكيف تحرّرت غرائز القتل الرمزي والمادي من عقالها وصارت تتصرف كأنها في غابة. أنا واحدٌ من الذين دافعوا عن ميلاد مجلس وطني للصحافة يقوم بدور الوساطة والتحكيم وتثبيت أسس أخلاقيات المهنة، حتى يُعزّز من سلطة الصحافة وتأثيرها في مناخ معادٍ. وأنا واحدٌ ممن ساهم داخل الفيدرالية المغربية لناشري الصحف في صياغة بنود قانون هذا المجلس، الذي لم يدرْ في خلد أحد آنذاك أن يصير سكّينًا لذبح المهنة، ويصير "قوات دعم سريع" — كما سمّاه الزميل عماد ستيتو — لإقبار ما تبقّى من مهنة. كنتُ الصيف الماضي ضيفًا على مؤسّسة عبد الرحيم بوعبيد للحديث عن مشروع قانون جديد للمجلس الوطني للصحافة، أثار وما زال جدلًا قويًا بين المهنيين، وبين مؤسسات الحكامة ووزارة الاتصال وذراعها الدعائي في اللجنة المؤقتة لتسيير المجلس الوطني للصحافة. وسألني رئيس المؤسسة محمد الأشعري: ما الذي يجعل مشروع قانون للمجلس الوطني للصحافة يأخذ كل هذه الأبعاد بالنظر إلى دوره المحدود في تنظيم المهنة؟ فقلتُ جوابًا على السؤال: إن مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، الذي أُعدّ على المقاس ليدخله صنفٌ من ممتهني المهنة، سيكون أداة من أدوات القضاء على ما بقي من الصحافة، وسيكون قفلًا جديدًا للأفواه التي ما زالت مفتوحة تجرّب المشي على الألغام لقول شيء من الحقيقة. نحن أمام عمل من أعمال المناولة la sous-traitance، سيذبح فيه الزملاء بزملائهم، بسيفهم لا بسيف السلطة أو القضاء، لأن التدخل المباشر للدولة في المجال الصحافي أصبح مكلفًا في الداخل والخارج. وجد بعض الزملاء الذين ناقشوني في هذا الرأي أنني أبالغ في الأمر أو في تخيّل المؤامرة. والآن، لا أدافع عن رأيي بل أحيلهم فقط إلى فيديو اجتماع غرفة عمليات الدعم السريع. هذا يقع، والقانون لم يخرج بعد من الغرفة الثانية. ومن العار الآن أن يخرج هذا القانون، الذي فُصّل على مقاس هؤلاء وغيرهم ممن لا تربطهم برسالة الصحافة ولا عالمها أي رابطة. ننتظر من النيابة العامة فتح تحقيق فيما رأيناه وسمعناه: نوايا، أو أوامر، أو اقتراحات بالتدخل في عمل القضاء والقضاة والنظر في صحته وإبعاده وما نفذ منه وما لم ينفذ . ننتظر من مجلس المستشارين تجميد النظر في مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، لأن مرامي الوزارة ظهرت وأهداف المدافعين عن القانون الجديد تجلّت. ننتظر من المعارضة في مجلس النواب تشكيل لجنة للتقصّي حول التلاعب ببطاقة الصحافة وتسييس مجلس ولد للأخلاقيات فصار اول من يذبح الاخلاقيات . ننتظر من الجسم المهني أن ينتفض وأن يطالب بفتح تحقيق فيما رأيناه وسمعناه ، وإن لم يستطع هذا الجسم المتعب من التحرك، فليقُم الصحافيون قيامة رجلٍ واحد وامرأةٍ واحدة، ولْيرجعوا بطاقة الصحافة إلى مجلسٍ سقطت عنه الشرعية الأخلاقية والقانونية؛ فلا يشرفهم حمل بطاقةٍ عليها توقيع يونس مجاهد. بهذه الطريقة نكون قد أبدينا التعاطف مع المهنة المهدورة سمعتها اليوم، ومع زميل صحافي ظلم ومازال يظلم هو وغيره في مواقع التشهير وبين فك آلة ضخمة لأكل اللحم البشري ممولة من جيوب دافعي الضرائب.. وذلك أضعف الإيمان. قال دوستويفسكي: «من السهل فهم الشر، لكن من الصعب فهم الشرير».