وفقا أحدث إصدار من مجلة "ساينتيفيك ريبورتس" التابعة لمجموعة "نيتشر" سجّل المغرب مستوى متوسطاً من القدرة على الصمود أمام الكوارث الطبيعية ضمن مؤشر القدرة على مواجهة الكوارث، وهو المؤشر الجديد الذي طورته الدراسة بهدف تقييم قدرة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الاستعداد والاستجابة والتعافي من الكوارث الطبيعية. ويعتمد هذا المؤشر، بحسب الدراسة، على عشرة أبعاد تشمل عوامل اقتصادية واجتماعية ومؤسساتية وزراعية وبشرية، إضافة إلى بعد جديد يتعلق بالمخاطر الطبيعية وبُعد جغرافي يعتمد على بيانات النظم الجغرافية، ليكوّن بذلك تقييماً متعدد الأبعاد يهدف إلى قياس المرونة الحقيقية للدول أمام الأحداث الطبيعية التي تزداد شدّتها وتكرارها، كما تؤكد الدراسة نفسها.
وقد جاء المغرب ضمن مجموعة "دول شمال أفريقيا" التي حددتها الدراسة إلى جانب الجزائر وتونس ومصر، والتي سجّلت متوسطاً عاماً قدره 0.420، بينما حصل المغرب بشكل منفرد على نتيجة كلية بلغت 0.384، ما يضعه في خانة "المرونة المتوسطة" وفق التقييم الشامل كما ورد في جدول النتائج ارتفاع وتيرة الكوارث بالمنطقة وأشارت الدراسة إلى أن قياس القدرة على الصمود ضد الكوارث ليس مجرد عملية تقنية، بل عملية معقدة تعتمد على مؤشرات قابلة للقياس تعكس مدى قدرة المجتمع والدولة على الاستعداد والتخفيف والاستجابة والتعافي. وتُظهر نتائج المغرب، وفقاً للأرقام الدقيقة الواردة، أن البلاد تمتلك نقاط قوة في بعض الأبعاد ونقاط ضعف في أبعاد أخرى، ما يفرض قراءة دقيقة لكل عنصر لقياس ما يمثّله من قدرة محتملة أو خطر مضاعف في حالة وقوع كارثة طبيعية، خصوصاً وأن الدراسة تؤكد أن الكوارث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شهدت ارتفاعاً في وتيرتها خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2022، وأن الزلازل والفيضانات والحرائق ودرجات الحرارة القصوى تشكل إطار المخاطر الذي تبني عليه الدول توقعاتها المستقبلية كما ورد في التحليل العام للدراسة. وتبرز الدراسة أن المغرب سجّل قيمة 0.452 في بُعد "مخاطر الكوارث الطبيعية" الذي اعتمدته الدراسة كأحد الأبعاد الجديدة في بناء المؤشر، وهو بُعد يقوم على عكس قيمة المؤشر الأصلي لأن ارتفاع قيمة هذا المؤشر يعني ارتفاع درجة التعرض للخطر، ما يعني أن ارتفاع قيمة المغرب إلى 0.452 يمثل درجة تعرض معتبرة للأخطار الطبيعية وفق المعايير التي تبنتها الدراسة، خاصة أنّ هذا البعد كان ضمن البعدين الأكثر حداثة في المؤشر إلى جانب بُعد "المرونة الجغرافية" الذي حصل فيه المغرب على قيمة بلغت 0.549. وتشدد الدراسة على أنّ البعدين المذكورين يمثلان إضافة للقدرة على قياس طبيعة التحديات الحقيقية في المنطقة، إذ تساعد هذه المعايير في رصد عدم التكافؤ في التعرض للمخاطر، وقياسها بطريقة مبنية على تحليل جغرافي مدعوم ببيانات واقعية حول البنية التحتية، ومسافات الوصول إلى الخدمات، وشبكات النقل، وارتفاعات التضاريس. القدرة على الصمود وتوضح الدراسة أن المغرب حقق نتيجة مرتفعة نسبياً في مؤشر "القوة العاملة في حالات الطوارئ" حيث بلغ 0.776، وهي قيمة تضعه في مرتبة قوية مقارنة بعدد من دول المنطقة. وتفسر الدراسة هذا البعد بأنه يعكس مدى توافر العاملين القادرين على التعامل مع الكوارث في قطاعات الصحة والإنقاذ والدفاع المدني، وتؤكد أن هذا العامل يعد أحد أكثر الأبعاد تأثيراً في نتائج الدول منخفضة المؤشر، إذ يمثل عاملاً حاسماً في خفض عدد الوفيات وتقليل حجم الخسائر بعد وقوع كارثة. وتظهر البيانات التي قدمتها الدراسة ارتباطاً وثيقاً بين انخفاض هذا البعد وارتفاع الخسائر البشرية، خصوصاً عندما تتعرض الدول لموجة من الكوارث التي تحتاج إلى تدخل سريع ومنسق. وفي المقابل، تُظهر الدراسة بعض نقاط الضعف التي سجّلها المغرب في بُعدي "المرونة الاجتماعية" و"المرونة المؤسسية"، حيث حصل على قيمتين تبلغان 0.108 و0.264 على التوالي، وهما قيمتان تُعتبران منخفضتين نسبياً في سياق المؤشر. وتشير الدراسة إلى أن المرونة الاجتماعية تشمل عوامل مثل مستوى التعليم، قوة الروابط المجتمعية، القدرة على الاستجابة الجماعية، البنية الديموغرافية، ودينامية المجتمع في مواجهة الأزمات. ويعني انخفاض هذه القيمة أن المجتمع أقل قدرة على التكيف والاستجابة الموحدة في الظروف الحرجة. أما انخفاض قيمة المرونة المؤسسية، فيدل وفق الدراسة على أنّ البيئة المؤسسية، المتعلقة بالحكامة والجودة التنظيمية وقدرة النظام المؤسساتي على إدارة المخاطر، لا تزال تحتاج إلى مزيد من التطوير، خصوصاً في ظل الإطار الذي حدده "إطار عمل سنداي للحد من مخاطر الكوارث" الذي اعتمدته الأممالمتحدة والذي اعتمدت عليه الدراسة كأساس علمي. وهذا الانخفاض، كما تذكر الدراسة، من شأنه أن يؤثر على آليات اتخاذ القرار وسرعة التنفيذ في لحظات الكوارث الكبرى، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على النتائج المتوقعة في حالات الطوارئ. وتشير الدراسة كذلك إلى أن المغرب حقق نتيجة مرتفعة نسبياً في مؤشر "رأس المال البشري" الذي بلغت قيمته 0.634، وهو رقم يعكس، بحسب الدراسة، توفر قدرات تعليمية ومهارية وبشرية تدعم الاستعداد للكوارث الطبيعية. ويمثل رأس المال البشري أحد العناصر المحورية في المؤشر، إذ يعد عاملاً أساسياً في عملية التعافي وبناء المناعة المجتمعية. وتؤكد الدراسة أن الدول التي سجلت نتائج مرتفعة في هذا البعد كانت أقل عرضة للوفيات الناجمة عن الكوارث خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2022، وهو ما يدعم الفرضية الأساسية للمؤشر التي تقول بأن ارتفاع القدرة على الصمود يرتبط بانخفاض الخسائر البشرية. وتوضح الدراسة أن المغرب سجّل في مؤشر "المرونة الاقتصادية" قيمة قدرها 0.401، وهي قيمة تُعدّ من المتوسطة ضمن سياق التقرير الذي يربط هذا البعد بقدرة الاقتصاد على امتصاص الصدمات وتوفير الموارد اللازمة للتعافي السريع. وتبرز الدراسة أن الاقتصادات التي تعتمد على قطاع واحد أو تلك التي تمتاز بدرجة ضعيفة من التنويع تكون أكثر عرضة للاضطراب عند وقوع الكوارث، خصوصاً إذا كانت تتزامن مع تحديات اقتصادية موازية. وتضيف الدراسة أن المرونة الاقتصادية، رغم تأثيرها غير المباشر، تُعدّ عاملاً مهمّاً في الخروج السريع من آثار الكوارث، إذ تحدد القدرة على توفير التمويل الضروري للبنية التحتية ولبرامج التعافي. ويعني حصول المغرب على قيمة متوسطة أنّه قادر على امتصاص جزء من الصدمات، لكنه لا يزال، وفق الدراسة، في منطقة تحتاج إلى تعزيز قدرات المرونة الماكرو-اقتصادية تفادياً للاضطرابات التي قد تنتج عند تزامن الضغوط المناخية مع تحديات اقتصادية. الزراعة والمناخ أما البعد الزراعي، فقد حصل فيه المغرب على نتيجة بلغت 0.467، وهي قيمة متوسطة تميل إلى الارتفاع مقارنة بعدد من دول المنطقة. وتعتمد قيمة هذا البعد على مؤشرات تشمل الإنتاج الزراعي، الغذائي، وإسهام قطاع الفلاحة في التنمية. وتشير الدراسة إلى أن هذا البعد على وجه الخصوص يرتبط بشكل وثيق بالظروف المناخية المتغيرة في المنطقة، إذ تؤكد الدراسة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من بين أكثر المناطق تعرضاً لموجات الجفاف وشح المياه وتقلّبات المناخ، ما يجعل القدرة الزراعية عاملاً حاسماً في الاستجابة للكوارث الطبيعية، خاصة تلك المتصلة بشح الموارد الطبيعية. وتوضح الدراسة أن ارتفاع قيمة هذا البعد يعكس قدرة نسبية على تأمين قطاع زراعي أكثر قدرة على الاستجابة للضغوط المناخية، لكنّه لا يُعفي من الحاجة إلى تعزيز قدرات هذا القطاع الذي يبقى حساساً للغاية أمام الظواهر المناخية. وتبرز الدراسة نتائج "تمكين المرأة" التي بلغت قيمتها بالنسبة للمغرب 0.501، وهي قيمة متوسطة أيضاً ضمن المؤشر. وترى الدراسة أن مشاركة المرأة وتمكينها يشكلان أحد العناصر المركزية في تخفيض آثار الكوارث، خصوصاً في ما يتعلق بقدرة المجتمعات على اتخاذ قرارات شاملة تستوعب حاجات جميع الفئات. وتؤكد الدراسة أن البلدان التي سجلت مستويات هشة في تمكين المرأة كانت غالباً أكثر عرضة للوفيات وعدم الاستقرار في حال وقوع كوارث واسعة النطاق. لذلك فإن متوسط قيمة المغرب يعكس قدرة قابلة للتعزيز من خلال سياسات ترفع من مستوى إشراك النساء في عمليات التوعية والتخطيط واتخاذ القرار، وهو ما تؤكد الدراسة أنه جزء مركزي في تعزيز القدرة على الصمود. ومن خلال المقارنة التي قدمتها الدراسة بين دول المنطقة، يتضح أن المغرب يقع ضمن الشريحة المتوسطة، ولا يندرج ضمن الدول الأعلى قدرة على الصمود مثل قطر (0.744) أو الإمارات (0.691)، ولا ضمن الدول الأكثر هشاشة مثل اليمن (0.044). وتبرز الدراسة أن هذا الوضع الوسطي يعبّر عن هيكلة متوازنة في نقاط القوة والضعف، لكنّه يشير كذلك إلى ضرورة تعزيز القدرات المؤسسية والاجتماعية كأولوية أولى، خصوصاً وأن التحليل الإحصائي الذي قدمته الدراسة يظهر أن هذين البعدين تحديداً يرتبطان بشكل مباشر بقدرة الدولة على الحد من الوفيات، كما هو مُبيَّن في الارتباط العكسي بين قيمة المؤشر وعدد الوفيات خلال إثني عشر عاماً من الرصد. وتشير الدراسة إلى أن اختلاف مستويات التعرض للمخاطر لا يكون المحدد الوحيد لارتفاع الخسائر، بل إن غياب القدرة المؤسسية وانخفاض المستويات التعليمية والاجتماعية يلعب دوراً مركزياً في تضخيم آثار الكوارث، وهو ما يجعل نتيجة المغرب في هذين البعدين قضية مركزية في أي نقاش مستقبلي حول السياسات الوقائية. ويشير التحليل العام الذي تقدمه الدراسة إلى أن المنطقة بأكملها تواجه مساراً تصاعدياً من المخاطر في ظل تغير المناخ وتزايد الظواهر المتطرفة، وأن المؤشر الجديد يهدف إلى مساعدة الدول، بما في ذلك المغرب، على قراءة موقعها داخل هذا السياق. ويؤكد الباحثون أن فائدة المؤشر تكمن في قدرته على تقديم تقييم شامل يدمج بين الجغرافيا، والبنية التحتية، والإدارة المؤسسية، والعوامل الاجتماعية، والعوامل الاقتصادية، ما يجعل من هذه القراءة ضرورة لتوجيه استراتيجيات الحد من مخاطر الكوارث داخل المنطقة.