نحو ألفي قتيل و30 ألف جريح إسرائيلي منذ أكتوبر 2023.. تقرير يرصد امتداد الخسائر إلى خمس جبهات    سائقو الطاكسيات الصغيرة بالجديدة يحسمون الموقف: ''لا أمين للحرفة.. والعداد لن يشتغل حالياً!    التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026.. "الأسود" ينهون استعداداتهم لمواجهة الكونغو    سابقة.. مؤسسة خاصة للمهن شبه الطبية بالجديدة تعلن عن إطلاق سنتها الدراسية الأولى بالمجان    ترامب وقادة عرب يوقعون على وثيقة شاملة بشأن اتفاق إنهاء الحرب في غزة    بميناء طنجة المتوسط: إحباط محاولة تهريب أدوية مخدّرة وحجز 9 آلاف قرص من "ريفوتريل"    تأخر التساقطات يقلق المزارعين ومربي الماشية من موسم فلاحي صعب    المغرب يتجه نحو نمو أكثر توازناً في النصف الثاني من 2025 مع تباطؤ طفيف بعد طفرة الربيع    "جيتكس غلوبال" يبرز مستجدات الحلول الذكية ومستقبل الأصول الرقمية    مشاكل تقنية تربك بيع "تذاكر الكان"    "المجلس الإقتصادي والإجتماعي": الدعم الحكومي للصحافة عام 2024 بلغ 325 مليون درهم وعلى الوزارة نشر لوائح المستفيدين    من فرنسا... شباب الاتحاد يطلقون "نداء" رفضًا للولاية الرابعة للشكر ول"مسرحية" المؤتمر الوطني    المغرب يطلق مشروعا جديدا لصناعة محركات الطائرات باستثمار يفوق 3.4 مليارات درهم    رئيس الحكومة يدعو إلى تعزيز التنسيق والتعاون بين المرافق العمومية ووسيط المملكة    المنتخب المغربي يصطدم بفرنسا في نصف نهائي مونديال أقل من 20 سنة    العثور على جثة بدون رأس بشاطئ الديزة بمرتيل    نتنياهو يعلن الغياب عن "قمة مصر"    هيئة حقوقية تطالب بمراجعة قوانين التظاهر ووقف متابعة المحتجين السلميين    بنسعيد: رهانات 2030 بالمغرب تتطلب تطوير المشهد الإعلامي الوطني    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    820 مليون درهم لتحويل ورزازات إلى وجهة مرجعية في السياحة الثقافية المستدامة    الكشف عن أثمنة تذاكر "كان" المغرب    المغرب يضرب موعدا مع فرنسا في قبل نهائي كأس العالم للشباب    صحيفة إسبانية: المغرب يفرض نفسه كأبرز المرشحين لكأس العالم بعد أداء "لا يمكن وقفه"    اليساري مصطفى البراهمة في ذمة الله    وهبي: يبدو أني الوحيد في جهة الأغلبية .. الجميع اختار صف المعارضة    "حماس" تسلم الدفعة الأخيرة من الرهائن    برادة: الجيل "زد" ينبّه لإكراهات قائمة.. وميزانية الملاعب لا تعطل الأولويات    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    حملات أمنية تمشيطية واسعة بغابات طنجة وتطوان لتوقيف المهاجرين    فوز 3 علماء بجائزة نوبل في الاقتصاد    منعم السليماني يتألق مع نجوم عالميين    لافونتين المغربي والخطاب السياسي..    معايير منح جائزة نوبل بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة إلى غاية 20 أكتوبر    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    منظمة الصحة تحذر: البكتيريا المقاومة للمضادات تهدد الأرواح    علماء كنديون يكتشفون طريقة بسيطة عن طريق تحليل عينات من أظفار القدم للكشف المبكر عن سرطان الرئة    جائزة نوبل للأدب بيان ضدّ الشعبوية الأوروبية    «بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» .. ما بين المبتدأ وشبه الجملة، ينهمر شعر مينة الأزهر    إدغار موران: فيلسوف العصر العاشق للحمراء    ولد الرشيد: حرية الصحافة وسيلة لمحاربة الفساد وشرط أساسي لبناء الثقة بين المواطن والدولة    الصين: ارتفاع الصادرات بنسبة 8,3 بالمائة في شتنبر رغم التوترات التجارية مع واشنطن    الرئيس الصيني يدعو إلى مسيرة جديدة لتحقيق المساواة وتمكين المرأة عالمياً    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    وهبي: نقاتل من أجل المغرب.. وحلمنا رفع كأس العالم    كيوسك الإثنين | تحذيرات من التواطؤ الثابت بين البوليساريو والجماعات الإرهابية    الملك يشرف اليوم على تدشين مصنع لصناعة أجزاء الطائرات بالدار البيضاء    إيطاليا.. العداء المغربي الحسين العزاوي يتوج بطلا للعالم في سباق "غولدن تريل ورلد سيريز"    الفلبين: زلزال بقوة 5,8 درجة يضرب جزيرة سيبو    نجيب أقصبي ل "لوموند": حركة "جيل زد" نتيجة مباشرة ل "رأسمالية التواطؤ" في المغرب التي سحقت الفقراء والطبقة الوسطى    نظام آلي جديد يراقب حدود أوروبا    العِبرة من مِحن خير أمة..    الإصابة بضعف المعصم .. الأسباب وسبل العلاج    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الاجتماعية ...والدستور الجديد ...
نشر في لكم يوم 21 - 07 - 2011

من المطالب المركزية التي تؤطر الحراك الاجتماعي والسياسي في بلادنا وبقية البلدان العربية ألأخرى ,مطلب العدالة الاجتماعية , موصولا وثيق الصلة بمطلب إسقاط الاستبداد والفساد , ففي جميع التظاهرات والمسيرات ترفع شعارات منددة بأوضاع الفقر والتهميش والإقصاء التي ترزح تحت نيرانها فئات عريضة من المجتمع .
العدالة, من المفاهيم الكبرى في الفلسفة السياسية,وفي الفكر السياسي الحديث والمعاصر ,فهي "أم الفضائل " عند أرسطو,وهي ما يحقق إنسانية الإنسان في فرديته الخاصة وفي علاقاته بالدولة والمجتمع ,في المنظومة الليبرالية,وهي غاية الفعالية البشرية في الفكر الاشتراكي ,الذي ربط تحقيق العدالة الاجتماعية لا فقط بالمساواة القانونية في الحقوق وتكافؤ الفرص,وإنما أساسا , بالقضاء على جذور الاستغلال والفوارق الطبقية المتمثلة في النظام الاقتصادي الرأسمالي ذاته,وآلياته التي توفر له الاستمرارية والهيمنة .
الحراك الجاري اليوم, يتوحد داخله التوجهان معا , الليبرالي والاشتراكي, إلى جانب " المنظور الإسلامي" للعدالة, الذي يشتق مفرداته من المرجعية الإسلامية ,دون أن يتجاوز أبعاد ومضامين هذا المطلب ضمن المنظومتين ا لليبرالية والاشتراكية , رغم الطابع الأخلاقي المميز له دعويا .
ودون الانزلاق هنا نحو نقاش نظري للموضوع ,وهو نقاش مطلوب اليوم فتح صفحاته ومنتدياته من طرف النخب الفكرية والسياسية والثقافية ,يبقى السؤال الذي يفرض نفسه, من وجهة الممارسة والفعالية والتدبير هو :ما السبيل إلى إقرار عدالة اجتماعية على أرض الواقع ولو في حدودها الليبرالية (كمرحلة تاريخية انتقالية ومفتوحة على الأفق الاشتراكي) ؟ أي, بما هي هنا, ضمان فرص متكافئة أمام الجميع للعيش الكريم وللارتقاء الاجتماعي, وللتأهيل الفردي للمواطن في المستويات الاجتماعية والثقافية والمهنية .. الخ ؟
لقد سطر الدستور الجديد للمغرب إطارا سياسيا لتقاسم السلطة ,ودمقرطة الحقلين السياسي والمؤسسي ,كما نص على مبادئ ومقتضيات عامة حول حق جميع المغاربة في التعليم والصحة والشغل والسكن والحماية الاجتماعية من كل ما يهدد حقهم في عيش كريم ,وهي نفسها ألمبادئ والمقتضيات التي رصعت ما سبقه من دساتير على امتداد نصف قرن .
وقد أ بانت التجربة منذ عقود, أن العدالة ليست مجرد إعلان مبادئ ونيا ت,وإنما هي صراع اجتماعي وسياسي بين قوى ومصالح, اختل فيه الميزان ,ليفرز كل مظاهر اللاعدالة التي تفاقمت مع مر العقود ,من فقر وبطالة وإقصاء اجتماعي لفئات واسعة من أوليات الحياة الكريمة . ولعل المسؤولية ألأولى في ذلك ,تقع على الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات التي رهنت البلاد بتوجيهات وتوصيا ت المؤسسات الدولية ",ولولبيات " مصالح بورجوازية طفيلية فاقدة لأي حس اجتماعي وإنساني ,هاجسها الاغتناء بدون تنمية , والاستهلاك بدون استثمار منتج و ذي مرودية على الاقتصاد الوطني ,إنها الليبرالية الاقتصادية المتخلفة والمتوحشة, وغير المتشبعة بالقيم الليبرالية المؤسسة للمواطنة.
ورغم المجهود الإصلاحي الهام الذي بذلته حكومة التناوب ,والذي أنقذ البلاد من"السكتة القلبية",فمازالت مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تراوح مكانها,معبرة عن نفسها اليوم بشكل واضح ومقلق, من خلال : تفاقم بطالة الخريجين من الجامعات والمعاهد العليا ,وفشل مشاريع الإصلاح للمنظومة التربوية بفعل المقاربة"التكنوبيروقراطية "لاختلالاتها , والتدهور المريع للخدمات الصحية العمومية ,وتعثر مشاريع القضاء على السكن العشوائي,و التفقير المتواصل لفئات حيوية من الطبقة المتوسطة ..الخ . إن كل ذلك ,وغيره كثير ,يجعل من سؤال العدالة الاجتماعية "جوهر جواهر"الإصلاح في المرحلة السياسية الراهنة, وعلى المديين المتوسط والبعيد , إذ لا تقدم للبناء الديمقراطي, السياسي والمؤسسي, كما حدد الدستور الجديد إطاره وأدواته وأفقه ,بدون التأهيل الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والثقافي للإنسان المغربي .
إن النص الدستوري كوثيقة, لا يوفر شغلا ولا خبزا, ولا يبني مدرسة ولا مستشفى, وإنما يضع المؤسسات وفي مقدمتها الحكومة أمام مسؤولية تنفيذ وتحقيق ذلك انطلاقا من اختيارات وبرامج يتكامل فيها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والخدماتي , في إطار تصور واضح لنموذج تنموي شامل, يضع العدالة الاجتماعية غاية له, ويخطط لسبل وآليات بلوغها.
إن أكبر تحدي , على أول حكومة في العهد ألد ستوري الجديد, رفعه ,هو ترجمة البعد الحقوقي والاجتماعي والاقتصادي في الدستور الجديد, إلى سياسات عمومية تتجاوب مع حاجات الناس الضاغطة ,ومع تطلعاتهم المشروعة في المساواة والكرامة والعدالة ..فذلك هو الطريق الحريري لانتشالهم من اليأس والشعور ب"الحكرة" وفقدان الثقة في كل شيء, وبالتحديد في كل العملية السياسية الجارية, والمتجهة نحو أفق واعد ومغاير,على الرغم من كل الصعوبات والاكراهات ..والمقاومات السلبية...
وفي هذا السياق ,فان ما ينتظره المغاربة "هنا والآن" هو قرارات تستجيب للمطالب الجوهرية للحراك الجماهيري,وتتلاءم مع ألإبعاد الاجتماعية للدستور الجديد ,ومن بينها على سبيل المثال فقط :
_مواجهة فعلية ملموسة ومدروسة لاقتصاد الريع وأنظمة الامتيازات في مجال العقار ,والتي أفرزت طبقة من "القطط السمان" اغتنت بسرعة وفي الظلام ,وذلك على حساب ذوي الدخل المحدود والمستضعفين.
_اتخاذ إجراءات ترفع , وتحمي القدرة الشرائية لأغلبية الفئات الاجتماعية ,بما فيها جزء أساسي من الطبقة المتوسطة, وذلك من خلال مراجعة جذرية للمنظومة الضريبية المجحفة وغير العادلة ,ولمنظومة ألأجور المستفزة .
_ضمان تكافؤ الفرص في ولوج سوق الشغل ,بمحاربة المحسوبية والزبونية ,بما يكفل حق خريجي الجامعات والمعاهد العليا, بغض النظر عن تخصصاتهم ,الحق في الشغل ,ويفتح أمامهم آفاق تطوير كفاياتهم ,والارتقاء الاجتماعي والشخصي.
إن برنامجا اقتصاديا واجتماعيا واقعيا , وقابلا للتنفيذ, هو المعيار ألأساسي, الذي على قاعدته سيتم تنصيب الحكومة أو إسقاطها, وللمواطنين الدور الحاسم في ذلك ,ففي يدهم "سلطة التصويت",على الأغلبية البرلمانية التي ستشكل الحكومة مما يفرض من جهة, تحصين الانتخابات التشريعية القريبة بكل شروط وضمانات النزاهة واحترام الإرادة الشعبية ,ومن جهة أخرى ,المشاركة الشعبية الواسعة في هذا الاستحقاق النوعي في التاريخ الانتخابي المغربي ..
إن الذي يخدم خصوم التطور الديمقراطي, هو العزوف والعدمية واليأس.. فالديمقراطية السياسية والاجتماعية عبر تاريخ تجاربها, هي من صنع المواطن المدافع بوعي وإرادة و أمل في المستقبل, عن قيم العدالة والكرامة والحرية.. وفي مغرب الدستور الجديد ,الذي هو ثمرة نضال طويل ومرير ,لسنا فحسب, في حاجة إلى أحزاب قوية نظيفة أصيلة ومناضلة ,و إلى نخب كفأة ونزيهة ..وإنما ,أولا أخيرا ودائما ,إلى مواطنة حقه فاعلة ..فهي الماء الذي ترتوي منه الديمقراطية وتنمو ..وهي أس العدالة.. وشرطها الذي بدونه.. يبعث الاستبداد ..ويعم الفساد ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.