محمد إنفي الإسلام السياسي، بكل تنظيماته، نادرا ما يهتم بالقضايا الوطنية، وأساسا المصالح العليا للوطن؛ لكن بعضا من هذه التنظيمات لا تجد حرجا في إعلان مواقف معادية للمؤسسات السيادية في الوطن وتجتهد في النيل منها. وبهذا، فهي تقدم خدمة مجانية (ما لم يكن هناك مقابل ما) لأعداء الوطن، سواء كانوا أفرادا وجماعات أو كانوا دولا وكيانات لا تريد الخير لهذه البلاد. وفي الغالب، تنظيمات الإسلام السياسي يكون ولاؤها ليس للوطن، بل لجهة أو جهات خارجية. ومن المعروف عن ٍ الإسلام السياسي أنه لا يؤمن بالوطنيات وبالحدود القُطرية، ويزعم أنه يعمل على توحيد الأمة الإسلامية تحت راية الخلافة. ومن التنظيمات التي يمكن تقديمها كمثال في هذا الشأن، "جماعة الإخوان المسلمين" التي نشأت في مصر عام 1928 كجماعة دعوية، قبل أن تصبح تنظيما سياسيا عالميا ينشط في الدول العربية والإسلامية وفي أوروبا وأمريكا، لدرجة أن أغلب تنظيمات الإسلام السياسي تدين بالولاء لهذا التنظيم، إن فكريا وعقديا أو سياسيا وتنظيميا. ومعروف عن تنظيم الإخوان أنه يستعمل التقية على طريقة الروافض الشيعية. ويوجد توافق فكري وإيديولوجي بين الإخوان المسلمين والشيعة، ويشتركون في الأهداف والأفكار الهدامة وفي ممارسة الاستبداد، رغم ما بينهما من فوارق عقدية. وبما أن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين مهووس بالخلافة، فمن حقنا أن نصفه بالحالم وننبهه بأن الحديث عن الخلافة، في سياقنا الحالي، هو حديث هلامي وحنين لزمان ولَّى. فواقع الحال يجعل من هذا الحلم مجرد سراب في عالم إسلامي يتكون من أكثر من خمسين دولة. فهل الحالمون بالخلافة يستحضرون هذا الواقع أم أن تفكيرهم الجامد والمُحنَّط صار لا يميز بين الممكن والمستحيل؟ فعدد الدول المنتمية لمنظمة التعاون الإسلامي 57 دولة أو يزيد. والحديث عن خمسين أو ستين دولة، فهذا يعني أن الأمر يتعلق بخمسين أو ستين شعب وأمة وخمسين أو ستين مجتمع ونظام سياسي. وتُبرز الخارطة السياسية في العالم الإسلامي أن الأنظمة تنقسم إلى ملكيات وشبه ملكيات وجمهوريات؛ وبين الملكيات، هناك من هي دستورية برلمانية ديمقراطية ذات تعددية حزبية ومن هي تنفيذية خالصة لا يوجد فيها أحزاب سياسية ولا يسمح فيها بالمعارضة. أما الجمهوريات فتنقسم إلى أنظمة شمولية ذات الحزب الواحد، والتي غالبا ما تنحو نحو توريث الحكم (الرئيس يسلم السلطة لابنه؛ سوريا الأسد على سبيل المثال)؛ وهناك أنظمة يتحكم فيها الجيش وتسمى بالأنظمة العسكرية؛ والصنف الثالث من الأنظمة الجمهورية، هو ذاك الذي يتبنى الديمفراطية إما كشعار للاستهلاك الداخلي وإما كخيار فكري وسياسي يسعى لتحقيق مفهوم دولة المؤسسات والقانون. أمام هذا الخليط وهذا الواقع المعقد، يبقى الحلم بالخلافة الإسلامية، سواء من قبل الإخوان المسلمين أو من غيرهم من الحركات الدينية، مجرد أحلام يقظة. وعلى كل، فالأحزاب المحسوبة على الإسلام السياسي، عند وصولها إلى السلطة، غالبا ما تفشل في تدبير الشأن العام، إلا فيما ندر. ويمكن أن نستشهد على هذا الفشل، في العالم العربي، بمصر والمغرب اللذين تولى فيهما الإسلام السياسي أمر تدبير الشأن العام بعد ما سمي، ظلما وزورا، ب"الربيع العربي". ولن ندخل في التفاصيل لأن المقام لا يسمح بذلك. وبالنسبة للعالم الإسلامي غير العربي، يوجد بلد واحد نجح فيه حزب إسلامي، هو حزب العدالة والتنمية التركي. لقد نجح الحزب المذكور، بفضل عقليته البرجماتية واختياره للواقعية بدل الطوباوية والرومنسية السياسية، نجح في تطوير البنيات التحتية وجعل البلاد متقدمة اقتصاديا واجتماعيا وصناعيا وسياحيا… وربما لهذا السبب، راح الدكتور أحمد الريسوني يحلم بالخلافة الرشيدة بقيادة تركية؛ والمقصود بها خلافة "أردوغان". والخلافة الرشيدة التي بشر بها الريسوني سنة 2020 وعمل على التسويق لها، من جهة، بهدف التغطية على "الفظائع التي يرتكبها هذا 'الخليفة الجديد' في بعض البلدان الأفريقية والعربية؛ ومن جهة أخرى، ليبشر بعودة الخلافة على يد 'أردوغان' الذي يجتهد في التغلغل في أفريقيا والعالم العربي، إما بتقديم السلاح لأحد الطرفين المتنازعين أو بالتدخل المباشر في النزاع، وإما بالبحث عن الهيمنة بوسائل أخرى" (من مقال لنا بعنوان " أحمد الريسوني والحلم بالخلافة الرشيدة بقيادة تركية"، نشر ب"العمق المغربي" بتاريخ 27 نونبر2020). خلاصة القول، الإسلام السياسي الحالم بالخلافة لا يهتم بقضايا التنمية وبالعدالة الاجتماعية والمجالية؛ ولا تهمه قضايا حقوق الإنسان ودمقرطة الحياة السياسية والنضال من أجل دولة القانون والمؤسسات؛ ولا تعنيه مكانة البلد بين البلدان في شيء. ما يشغله هو الاستلاء على السلطة بأية وسيلة كانت (الانقلاب، التمرد، العصيان المدني، الثورة وحتى الانتخابات يمكن تجريبها كما حدث في مصر وفي المغرب). المهم لدى الإسلام السياسي، هو بلوغ الهدف الذي لا يعني شيئا آخر غير الاستحواذ على السلطة وتقويض ركائز الدولة. مكناس في 31 غشت 2025