برعلا زكريا_باحث في علوم الأديان يستدعي قرار وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة بإطلاق مهنة المساعد الاجتماعي، المتزامن مع النقاش العمومي حول تأهيل المقبلين على الزواج وتفعيل الوساطة الأسرية، توجيه الأنظار صوب التجربة الإندونيسية باعتبارها النموذج الأقرب للمرجعية المغربية والأكثر تفوقا في التنزيل المؤسساتي، لا سيما أمام لغة الأرقام الصادمة التي كشفت عن تسجيل المحاكم المغربية لما يناهز 147.895 حالة طلاق وتطليق خلال سنة 2024، مع هيمنة مطلقة لمسطرة التطليق للشقاق التي استحوذت لوحدها على نسبة 97.4% من مجموع قضايا النزاع الأسري. لعل هذا الواقع المتأزم يفرض تجاوز المقاربات الغربية التي تفتقر للبعد القيمي المشترك، واستلهام النموذج الإندونيسي حيث تخضع الأسرة لهندسة حكومية دقيقة تشرف عليها وزارة الشؤون الدينية (Kemenag) وليس جمعيات المجتمع المدني فحسب، وذلك عبر مؤسسات متخصصة مثل هيئة المشورة والتطوير والحفاظ على الزواج (BP4)، التي تعمل بتكامل تام مع المحاكم الشرعية لتقديم خدمات استباقية وعلاجية تتجاوز الوعظ التقليدي إلى الممارسة المهنية المؤطرة بالقانون. يشكل برنامج "سوسكاتين" (Suscatin) حجر الزاوية في هذه التجربة، وهو دورة تكوينية إلزامية للخطيبين حيث لا يتم توثيق العقد في غالبية المقاطعات إلا بعد اجتيازها والحصول على شهادة رسمية، وقد أثمرت هذه الاستراتيجية الوقائية انخفاضا ملموسا في معدلات الطلاق الوطنية بإندونيسيا بنسبة 10.2% في عام واحد، حيث تراجع العدد من 516.344 حالة في 2022 إلى 463.654 حالة في 2023. يعتمد البرنامج على مناهج علمية دقيقة تدمج بين الأحكام الفقهية والمعارف الحديثة، بدعم تقني من الوكالة الوطنية لتخطيط الأسرة (BKKBN) التي طورت تطبيق "إلسيميل" (Elsimil) لرصد الجاهزية الصحية والنفسية للمقبلين على الزواج قبل ثلاثة أشهر من العقد، وهي الآلية التي مكنت من رصد ومعالجة الآلاف من حالات فقر الدم ونقص الطاقة المزمن لدى المخطوبات، موفرة بذلك للمساعدين الاجتماعيين بيانات دقيقة للتدخل المبكر، مما يجعل التجربة الإندونيسية مختبرا حقيقيا يمكن للمغرب استنساخه لتجاوز الطابع الشكلي للدورات التأهيلية. في نفس السياق تكتمل الصورة النموذجية في شق الوساطة الأسرية التي تطبقها المحاكم الدينية الإندونيسية بصرامة مسطرية لا تقبل الاجتهاد. إذ يلزم القانون القاضي بإحالة ملفات الشقاق وجوبا إلى وسطاء معتمدين ومرخصين يمتلكون تكوينا مزدوجا في الشريعة وتقنيات فض النزاعات، ولا تقبل دعوى الطلاق إلا بتقرير رسمي يثبت استنفاد محاولات الصلح المهنية. هذا النظام الصارم حول الوساطة من مجرد إجراء روتيني لتسريع الطلاق إلى مرحلة قضائية حاسمة رفعت نسبة نجاح الصلح وطنيا إلى ما يقارب 40%، بل وقفزت في بعض النماذج المحكمية الرائدة (كمحكمة بانا مانا) إلى مستويات قياسية بلغت 77.27%، منقذة بذلك عشرات الآلاف من الأسر سنويا من التفكك، وهو ما يقدم للباحثين وطلبة الدكتوراه والفاعلين في ورش مدونة الأسرة المغربية برهانا عمليا على أن التحديث الإداري والمهني لقطاع الأسرة يمكن تحقيقه بنجاعة قصوى من داخل المنظومة القيمية الإسلامية، ودون الحاجة لاستيراد نماذج لا تتوافق والخصوصية المجتمعية للمغرب. مراجع ومصادر: 1. وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية (Kemenag): الموقع الرسمي والتقارير السنوية للمديرية العامة للتوجيه الإسلامي (kemenag.go.id) 2. الوكالة الوطنية للسكان وتخطيط الأسرة (BKKBN): البيانات الرسمية ومنصة "Elsimil" للمقبلين على الزواج (bkkbn.go.id) 3. دليل المحكمة العليا الإندونيسية (Mahkamah Agung): اللائحة التنظيمية رقم 1 لسنة 2016 بشأن إجراءات الوساطة في المحاكم (mahkamahagung.go.id) 4. نظام معلومات إدارة الزواج (Simkah): البوابة الحكومية الرقمية لخدمات الزواج والإحصائيات الأسرية (simkah.kemenag.go.id)