فرض "البوانتاج" الرقمي على الأساتذة!    ارتفاع العجز في الميزانية إلى 55 مليار درهم عند متم يوليوز 2025        المغرب ضيف شرف الدورة ال 19 للمعرض الوطني للصناعة التقليدية ببنين    الريسوني: الأمة الإسلامية تواجه زحفا استئصاليا احتلاليا من قبل الكيان الصهيوني    الصين تكتشف احتياطيات الغاز الصخري    تحقيق صحفي: بيانات استخباراتية إسرائيلية تؤكد أن 83% من ضحايا الحرب على غزة "مدنيون"    الركراكي يستعد لكشف "قائمة الأسود"    الريصاني: مفتش شرطة يستخدم مسدسه لتحييد خطر صادر عن شخص عرّض مواطنين وعناصر الشرطة لاعتداء وشيك    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    حريق في السوق الأسبوعي للريصاني    الحسيمة.. الدرك يحبط محاولة للهجرة السرية عبر قارب صيد تقليدي        تواصل الجهود لإخماد حريق غابة بوهاشم بإقليم شفشاون    مقاربة فلسفية للتنوير والتراصف والمقاومة في السياق الحضاري    تغيير المنزل واغتراب الكتب    الاتحاد الأوروبي يفتح باب المشاورات حول استراتيجية جديدة لسياسة التأشيرات    نادي باريس سان جرمان يودع حارسه الايطالي دوناروما بتكريم مؤثر    المغرب يبرم اتفاقية استشارية لفضح البوليساريو وتعزيز علاقاته بواشنطن    سائق يفقد عمله بعد رفضه الفحص الطبي والمحكمة تنصف الشركة    استقالة وزير الخارجية الهولندي بسبب غزة    جدل واسع بعد الإعلان عن عودة شيرين عبد الوهاب لحسام حبيب    متجاوزا فرنسا..المغرب أول مستورد للغاز الإسباني    جمعية حقوقية تدق ناقوس الخطر من توالي الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال في المغرب    برلمانية: الخلاف بين أخنوش ووزير النقل حول الدراجات النارية كشف هشاشة الانسجام الحكومي        كلفته 14.7 مليار سنتيم... 'البيجيدي" يسائل الحكومة عن جدوى برنامج "الزبون السري"    الذهب في المغرب .. أسعار تنخفض والمبيعات في ركود    وزير خارجية باكستان يصل إلى بنغلاديش في أول زيارة من هذا المستوى منذ 13 عاما    المغرب يتصدر قائمة مستوردي التمور التونسية    الأنشوجة المغربية .. سمكة صغيرة تصنع ريادة كبرى في القارة الأفريقية    كونتي: نعلم المخاطر التي تواجه نابولي للاحتفاظ بلقب الدوري الإيطالي    السكتيوي: مواجهة تنزانيا كانت صعبة لكن اللاعبون أثبتوا جدارتهم    المغرب بين الحقيقة والدعاية: استخبارات منسجمة وتجربة أمنية رائدة تعزز الاستقرار    ثلث الألمان يخشون فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي    إعصار إيرين يدمر أعشاش السلاحف البحرية المهددة بالانقراض    كيوسك السبت | قادة إفريقيا واليابان يشيدون بالمبادرات الملكية بشأن المناخ والهجرة    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. "أسود الأطلس" يقتربون من اللقب بتغلبهم على تنزانيا    "يويفا" يمنح برشلونة الإسباني دفعة قوية قبل انطلاق دوري أبطال أوروبا    أجواء حارة نسبيا في توقعات طقس السبت    بطولة انجلترا: تشلسي يهزم وست هام (5-1)    الإعدام للرئيس السابق للكونغو الديمقراطية مطلب النيابة العامة    للمرة الثالثة: عودة الفنانة شيرين عبد الوهاب لطليقها حسام حبيب يشعل أزمة جديدة    احتفاء خاص بالباحث اليزيد الدريوش في حفل ثقافي بالناظور    مهرجان الشواطئ يحتفي بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بمشاركة نجوم مغاربة وعرب            إعادة برمجة خلايا الدم إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات يفتح آفاقا واسعة في مجال العلاج الشخصي والبحث العلمي (صابر بوطيب)    دراسة: عدم شرب كمية كافية من الماء يسبب استجابة أكبر للإجهاد        ابتكار جهاز من الماس يرصد انتشار السرطان دون مواد مشعة        "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تطليق الشقاق بين الحماية القانونية والواقع
نشر في أخبارنا يوم 18 - 10 - 2022

عرفت المنظومة القانونية المغربية في السنوات الأخيرة العديد من الإصلاحات والتعديلات فرضتها التحولات الهيكلية العميقة في جميع مناحي الحياة السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية ببلادنا، كما اقتضتها مسألة ملاءمة القوانين الوطنية مع المواثيق والاتفاقيات الدولية المرتبطة أساسا بحقوق الإنسان عامة وحقوق المرأة والطفل خاصة، وفي سياق هذه الاعتبارات الوطنية والدولية صدر قانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، التي جاءت بالعديد من المستجدات الهامة لعل أبرزها إضافة سبب جديد لانحلال ميثاق الزوجية لم يكن موجودا في مدونة الأحوال الشخصية الملغاة ويتعلق الأمر بتطليق الشقاق الذي تم التنصيص عليه في المواد من 94 إلى 97 من مدونة الأسرة، حيث يعتبر تطليق الشقاق مكسبا حقوقيا تم من خلاله منح حق المرأة في طلب التطليق في إطار تعزيز مبدأي المساواة والإنصاف بين الزوجين، ذلك أن هذه المسطرة تمنح للمرأة نفس حق الرجل في إنهاء العلاقة الزوجية، على عكس مدونة الأحوال الشخصية سابقا التي كانت تجعل هذا الحق حكرا على الزوج، بينما الزوجة لا يمكنها الحصول على التطليق من زوجها إلا عن طريق مسطرة الخلع التي تقتضي أن تمنح الزوج مقابلا لكي يطلقها أو عن طريق طلب التطليق للضرر فيكون عليها إثبات الضرر الذي يُلحِقه بها، وفي كلتا الحالتين كانت هذه العراقيل تشكل عنفا قانونيا على الزوجة الراغبة في إنهاء العلاقة الزوجية، كما تجعلها رهينة سلطة الزوج الممتنع عن طلاقها. ويحظى موضوع التطليق للشقاق بأهمية بالغة في مدونة الأسرة على مستوى النظري من خلال معرفة المساطر والاجراءات بالإضافة إلى الأهمية العملية التي تظهر بشكل ملفت للنظر عند الاقتراب من أقسام قضاء الأسرة، لدرجة قد يخيل للمرء عند زيارته أول مرة لهذه المحاكم أن عقود الزواج آيلة للاضمحلال بحكم كثرة الطلبات التي تسجلها المحاكم يوميا لسبب الشقاق وللإحصائيات الصادرة في هذا الشق.
وبالرجوع الى القواعد المنظمة للشقاق، فإن المشرع حاول إيجاد نوع من التوازن فيما يخص صلاحية أي من الزوجين في إنهاء الرابطة الزوجية، وسلب من الزوج ذلك الامتياز الذي كان مخولا له باعتباره الوحيد المالك لسلطة إيقاع الطلاق بإرادة منفردة، وعلى هذا النحو فقد نصت المادة 52 من المدونة على أنه عند إصرار أحد الزوجين على الإخلال بالواجبات الزوجية، يمكن للطرف الآخر مطالبته بتنفيذ ما هو ملزم به أو اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94 إلى 97 من المدونة، كما يمكن للمحكمة أن تطبق مسطرة الشقاق تلقائيا طبقا لمقتضيات المادة 45 من مدونة الأسرة، وهي الحالة التي يصر فيها الزوج على التعدد وترفض الزوجة الأولى ذلك، وفي جميع الحالات إذا تعذر الصلح واستمر النزاع، فإن المحكمة تحكم بالتطليق وبالمستحقات المنصوص عليها في المواد 83 و84 و85 من مدونة الأسرة مع مراعاة المتسبب في التطليق طبقا لمقتضيات المادة 97 من مدونة الأسرة، كما أوجب المشرع المغربي أن يتم الطلاق والتطليق تحت مراقبة القضاء للحد من التعسف الذي يستعمله الزوج أحيانا في ممارسة هذا الحق وتفادي ما يترتب عن الطلاق من أضرار للمرأة والأطفال ضمانا لاستقرار الأسرة وحمايتها من التفكك. وفي هذا الصدد، نصت مدونة الأسرة على إلزامية القيام بمحاولة الصلح بين الزوجين في جميع قضايا الطلاق والتطليق، ما عدا التطليق للغيبة، مشيرة إلى أن المحكمة لا تأذن بالإشهاد على الطلاق إلا بعد استيفاء الإجراءات القضائية المتعلقة بإصلاح ذات البين بين الزوجين وإعلانها فشل محاولة الصلح.
فرغم الحماية القانونية التي منحها المشرع المغربي للأسرة ،إلا أن ما يعاب على هذا القانون أن حالات الطلاق عرفت ارتفاعا كبيرا منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق إلى غاية 2021، حيث كشفت وزارة العدل أن عدد حالات الطلاق سنة 2021، بلغ ما مجموعه 26957 حالة طلاق وأشارت الوزارة ذاتها إلى أن الطلاق الاتفاقي أصبح يشكل النسبة الأكبر من حالات الطلاق بمرور السنوات، إذ انتقل من 1860 حالة سنة 2004 إلى 20655 حالة سنة 2021، فيما حصلت قضايا (الطلاق بالشقاق) على نصيب الأسد ، ولعل الأمر يرجع إلى مجموعة من الأسباب منها: تنامي الوعي لدى الأزواج بأهمية إنهاء العلاقة الزوجية بشكل ودي وحل النزاعات الأسرية بالحوار للوصول إلى الاتفاق، وكذا المرونة والسهولة التي يتسم بها هذا النوع من الطلاق الناتج عن اتفاق الزوجين. بيد أن هذه الأرقام تؤكد المنحنى التصاعدي في قضايا الطلاق بالمغرب، خاصة وأن الفترة تزامنت مع جائحة كورونا، وما صاحبها من عزل منزلي، وإشكاليات تتعلق بفقدان العديد من الأفراد لمصادر دخلهم، الأمر الذي أثر سلبا على قدرتهم على تلبية متطلبات العيش، ناهيك أن هذا الارتفاع في حالات الطلاق بالمغرب يعزى إلى تزايد عدد الشكايات التي وضعتها النساء لدى النيابة العامة بمختلف المحاكم المغربية ضد العنف الذي تعرضن له، إذ وصلت خلال 2020 إلى 64251 شكاية، موزعة بين 53552 عادية، و 10699 الكترونية. كما لوحظ كذلك ارتفاع في حالات الطلاق المرتبط بشكايات إهمال الأسرة التي بلغت 4271 شكاية، وقضايا طرد النساء من بيوتهن إلى 836 شكاية.
فمن خلال ما سبق، يتضح أن مسطرة الشقاق وضعت في الأصل في نظرنا من أجل حل النزاعات الزوجية التي يخشى منها استمرار الخلاف بين الزوجين؛ فهي تهدف بالأساس إلى إصلاح ذات البين بين الزوجين وليس لفك ميثاق الزوجية ذلك أن المشرع المغربي لم يتوخى من التنصيص على مسطرة الشقاق كمستجد بمدونة الأسرة توسيع دائرة التطليق ولا تنويع إجراءاته ولا إيجاد متنفس للمرأة لفك ميثاق الزوجية وتدارك عنصر الزمن الذي تستغرقه باقي المساطر وإنما يتوخى حماية الأسرة، فالدور الأساسي المطلوب من المحكمة أن تضطلع به ليس هو حسم النزاع بين الزوجين بالتفريق، وإنما بذل الجهد من أجل التوفيق بين الزوجين في دور وقائي استباقي، لذلك يقترح تقديم وسائل بديلة في مسطرة الصلح مثل الوساطة الأسرية تفعيلا لمقتضيات الفصل 32 من دستور المملكة، كما وجب مراجعة مقتضيات المدونة من أجل تجاوز الثغرات وتذليل الصعوبات التي أفرزتها الممارسة ومن أجل تطبيق أمثل للمدونة وضمان الانسجام والتضامن داخل الأسرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.