نماذج من الغباء الجزائري: ثالثا (غباء النخب) العرائش أنفو محمد إنفي يبدو أن الجزائر، في عهد عبد المجيد تبون وسعيد شنقريحة، قد فرغت من النخب بشكل يكاد يكون كليا. وسواء تعلق الأمر بالسياسة أو الديبلوماسية أو الاقتصاد أو الإعلام أو الفكر والثقافة أو غير ذلك من المجالات، فإن الجزائر تعرف فراغا مهولا وكسادا خطيرا في كل هذه المجالات، فيما يخص النخب. وبمعنى أخر، فلن تجد في المجالات التي ذكرناها، طاقات تستحق أن تصنف في خانة النخب بالمعنى المعجمي والمفهوم الاصطلاحي المتعارف عليه. فالجزائر "الجديدة" (جزائر تبون وشنقريحة) تتمثل جِدتها في الخصاص المهول الذي تعرفه البلاد في رجال الدولة والنخب بكل أصنافها. لقد أفرغ النظام البلاد من النخب الحقيقية وقرب إليه الأغبياء والعُبط المؤهلين للانبطاح ولعب الأدوار الخبيثة المطلوبة منهم، من قبيل ترويج الأكاذيب والإعلاء من شأن الجهلة والفارغين فكريا وثقافيا والمنحطين أخلاقيا. وأهم خصلة مطلوبة في أتباع النظام وأبواقه، هو الكره للمغرب والحقد عليه (مع الاجتهاد في الافتراء عليه والعمل على سرقة تراثه بكل السبل)، وغير ذلك من الصفات القبيحة والخسيسة، والتي لا تتوفر إلا في أقوام ناقصي العقل والإيمان، منعدمي الأخلاق والضمير، فاقدي مواصفات الإنسان السوي؛ فهمهم الوحيد ليس العمل على تفدم بلادهم وتغييرها نحول الأفضل، بل العمل على عرقلة تقدم جيرانهم؛ وذلك، بافتعال مشاكل داخلية لهؤلاء الجيران. وبسبب هذه التصرفات الرعناء، فإن الجزائر تعاني من عزلة قاتلة، وحدودها في أغلبها مشتعلة بسبب العقلية المتحجرة والمتعجرفة للنظام الغبي بواجهتيه المدنية والعسكرية. ومن هم بهذه العقلية، لن يكونوا أبدا على الطريق المستقيم، ولن يوفقهم الله في مساعيهم الخبيثة، ولن يكونوا عند الله عز وجل إلا مبغوضين ومنبوذين؛ وعند السواد الأعظم من الناس، لن يكونوا إلا في مرتبة حثالة البشر. وهذا هو واقع حال النظام الجزائري وأنصاره مع أغلب جيرانهم، بمن فيهم من هم في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط (إسبانيا، فرنسا، إيطاليا…). وعلى كل، فبسبب كل ما ذكرنا أعلاه، فالجزائر أفلست ديبلوماسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا… وهي الآن على حافة الانهيار. والغباء لا بد وأن ينتج مثل هذا الواقع، الذي نبهنا إليه أكثر من مرة في مقالات متعددة ورسالات مفتوحة إلى القائمين على شئون الشعب الجزائري الذي يعاني الإمرين بسبب تحكم العسكر في كل شيء. فالشعب مهدد بالمجاعة؛ إذ النظام عاجز عن توفير المواد الغذائية الأساسية لهذا الشعب الذي يعاني من الخصاص في كل شيء، حتى في المحروقات التي تنتجها بلاده. وبما أننا نتحدث عن النموذج الثالث من الغباء الجزائري؛ ألا وهو غباء "النخب"، فمن الواجب تقديم بعض الأمثلة. فالنخبة التي تؤمن بجهاد اللقلاق وتروج له، وجهاد الصخرة، وجهاد الشجرة وهَلُمَّ جراً من الجهالات والحماقات التي أوصلت عدد "الشهداء" إلى عدة ملايين، بينما المؤرخون يتحدثون عن عشرات أو مآت الآلاف على أقصى تقدير. وهذه هي "النخب" التي يعتمد عليها النظام العسكري للدفاع عن الجزائر وعن صورتها في الإعلام الداخلي والخارجي. فمن حقنا، منطقيا وواقعيا، أن نصفها بالغباء والجهل والفراغ وجل أنواع النقائص الموجودة في أبواق النظام العسكري، والتي (أي النقائص) لا توجد عند النخب الحقيقية. فمع تبون وشنقريحة، أصبح تقني البيطرة مؤرخا "موثوقا" لدى سكان قصر المرادية، وبنقرينة زعيما سياسيا مقربا من النظام، وبونيف بوقا ومدافعا شرسا عن الغباء والجهل، وغير هؤلاء كثر. ومن المفارقات العجيبة، أن يظهر في الواجهة الإعلامية، أساتذة جامعيون يدرسون العلاقات الدولية، لا يختلفون في عقليتهم وخطاباتهم عن بونيف وبنقرينة ودومير. كما أن طريقتهم في النقاش والحوار لا تختلف عن نقاشات الذباب الإليكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي، من حيث الزعيق والنعيق (يحضرنا، هنا على سبيل المثال، اسم إسماعيل خلف الله). تجدر الإشارة إلى أن في المراحل السابقة (أي قبل مرحلة تبون وشنقريحة)، كانت هناك نخب حقيقية، وكان لها وزنها وهيبتها، سواء في المجال السياسي أو الديبلوماسي أو الفكري والثقافي أو غيره من المجالات. كما أن الجزائر لم تكن بهذا التردي وهذا التأخر والانحطاط في كل شيء، حتى أصبحت "لا وزن، لا هبة، مواقف"، كما قال "سيرجي لبروف"، وزير خارجية روسيا. ولم يكن الجزائري، قبل عهد تبون وشنقريحة، يقضي ساعات طوال في الطابور لعله يحصل على شيء من المواد الغذائية الضرورية للبقاء على قيد الحياة. ويبدو أن الوضع قد بدأ في التردي على عهد عبد العزيز بوتفليقة خلال ولايته الرابعة التي أنهاها على كرسي متحرك، وظل رئيسا صوريا، بينما أخوه كان هو الرئيس الفعلي. ولما انتهت الولاية الرابعة، دفع به النظام العسكري للترشح لولاية خامسة رغم ظروفه الصحية الصعبة، فانتفض الشعب الجزائري، وأرغم بوتفليقة على الاستقالة، واستمر في حراكه السلمي، رافعا شعار "دولة مدنية ماشي عسكرية". هذا الحراك الشعبي السلمي لم يتوقف إلا بسبب جائحة كورونا؛ وهو ما فسح المجال أمام العسكر للدفع بدميتهم تبون إلى الترشح لرئاسة الجمهورية. ومع تبون وشنقريحة، ستغرق البلاد في بحر من المشاكل، أهمها الخصاص في رجال الدولة والنخب، بعدما ألقوا بأغلب من كان قبلهم في غياهب السجون. ونختم هذا المقال المتواضع بالإحالة على مقال لنا بعنوان "في الجزائر، خصاص مهول في رجال الدولة والنخب؛ فهل من أمل في إصلاحها؟"، والأنسب " فهل من أمل في إصلاح هذا الوضع؟" (نشر في "العمق المغربي"، موقع إليكتروني، بتاريخ 10 نونبر 2025). مكناس في 21 دجنبر 2025