محمد إنفي الغباء الجزائري سارت بذكره الركبان وأصبح ماركة مسجلة عالميا (made in Algeria)؛ وبذلك، فهو يستحق أن يكون موضوع دراسة علمية تتناوله في أبعاده وعناصره البيولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية وحتى الأنثروبولوجية والإثنية من أجل رصد تجلياته وانعكاساته على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية: التعليم، الصحة، الرياضة، الثقافة والفن، البنيات التحتية، مستوى المعيشة، فن العيش، العلاقات الإنسانية… وهذه مهمة مراكز البحث العلمي والمختبرات العلمية المتخصصة. وقد سيق لكاتب هذه السطور أن نشر أكثر من مقال في موضوع الغباء في الجزائر. وهاكم بعض الأمثلة: "الغباء في الجزائر وراثي أم مكتسب؟" (نشر بموقع "ميديا. كوم" بتاريخ 2 أبريل 2023)؛ "تحذير من العدوى بالغباء الجزائري" (نشر بموقع "أخبارنا" بتاريخ 24 أبريل 2023)؛ رسالة مفتوحة " موجهة للتونسيين تحذرهم من العدوى بالغباء الجزائري" (أنظر "الحوار المتمدن"، الموقع الفرعي ل"محمد إنفي" بتاريخ 19 شتنمبر 2024) و"رسالة مستعجلة موجهة إلى منظمة الصحة العالمية: أنقذوا الجزائر من الحُمق الجماعي" (نفس الموقع بتاريخ 8 مايو 2024)… ونحن، في هذا المقال، لا نسعى إلى الإساءة للجزائريين؛ بل هدفنا هو كشف الواقع أمامهم لعلهم يستيقظون وينفضون عنهم غشاوة الأوهام التي يستمرئون العيش فيها بفعل "بروباغندا" الإعلام الموجه من قبل النظام العسكري المتحكم في قدرات البلاد والجاثم على أنفاس الشعب (أنظر "استمراء العيش في الأوهام"، محمد إنفي، جريدة "الاتحاد الاشتراكي" بتاريخ 9 أكتوبر 2024). لن نتحدث، في هذا المقال، عن كل نماذج الغباء التي تعبر عن نفسها في القرارات الرسمية وفي السلوكيات البشرية وفي الحوارات والمنصات والتلفزيونات والإذاعات والصحف وغير ذلك من المنابر والمؤسسات. سوف نخصص لهذا الموضوع عدة مقالات تتناول كل نموذج على حدة. وسوف نبدأ بغباء النظام الجزائري الذي أصبح مكشوفا اليوم أمام العالم؛ ومن تجليات هذا الغياء أنه لا يستوعب التطورات التي تحصل في العالم؛ فهو لا يزال يعيش بعقلية مرحلة الحرب الباردة، ويبني سياسته على رد الفعل وليس على الفعل، ويعتمد على ديبلوماسية الشيكات والهبات وليس على الديبلوماسية الناعمة والديبلوماسية المتعددة الأبعاد (ديبلوماسية اقتصادية تقوم على الاستثمار، ديبلوماسية روحية، ديبلوماسية أمنية، ديبلوماسية رياضية…). وحتى في العلاقات الدولية، لا تبحث الجزائر على تنويع تحالفاتها؛ بل تضع بيضها في سلة واحدة. فهي لا تؤمن بأنه ليس هناك صديق دائم ولا عدو دائم. ولذلك، فهي فاشلة في علاقتها الدولية؛ فحتى الدول التي تعاقدت معهم على صفقات البترول والغاز بأثمنة زهيدة على أساس أن يدعموها في صراعها مع المغرب في قضية الصحراء، انقلبوا عليها وأصبحت تعيش اليوم عزلة قاتلة، بالإضافة إلى أن حدودها كلها ملتهبة. وكل تصرفات النظام وقراراته تدل على غبائه سواء تحدثنا عن موكنه العسكري أو مكونه المدني. ولنا في الأرقام الخيالية والمشاريع الوهمية التي يقدمها الرئيس عبد المجيد تبون سواء في المحافل الدولية أو في خرجاته الإعلامية ما يكفي من الدلائل على غباء الرجل؛ ونجد في تدخلات الوزراء وخطب شنقريحة وعنترياته من القرائن والأمارات ما يدل على أن النظام بكل مكوناته وأتباعه كلهم في الغباء سواء. فلو كان في الجزائر حكماء وعقلاء ورجال دولة ونخب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية…في المستوى لما وصل الوضع بالشعب الجزائري إلى ما هو عليه اليوم من وضع مزر اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا وحقوقيا وإعلاميا… فلو لم يكن النظام الجزائري (وأبواقه أيضا مثل بونيف وبنسديرة وغيرهما) غبيا لما تمسك بقضية خاسرة لمدة خمسين أنفقوا من أجلها مال قارون كما قال عبد المجيد تبون. وبسبب قضية الصحراء المغربية التي جعل منها النظام الجزائري البليد قضية وجود، فقدت الجزائر كل أوراقها الخاصة بالصحراء الغربية المغربية. ورغم ثرواتها الطائلة (بترول، غاز، معادن ثمينة، أراض فلاحية شاسعة، ثروة بشرية هامة…)، فإنها تعيش اليوم على حافة المجاعة. لقد عجزت "الدولة" الجزائية الفاشلة عن بناء اقتصاد متنوع واكتفت بريع البترول والغاز، وفشلت في توفير أبسط المواد الغذائية للجزائريين؛ والطوابير ألا متناهية خير دليل على حدة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. ونتحدى "النظام الجديد" أن يقدم لنا وزيرا أو واليا أو بوقا من أبواقه، خطابه مقنع وتحليله منطقي ومرافعته محترمة. وقد نعود إلى هذا الموضوع لما نتناول غباء النخب. خلاصة القول، الغباء في الجزائر أصبح عملة رائجة في كل المجالات والسياقات. وسوف نتناول بحول الله لاحقا الغباء في الإعلام الجزائري الرسمي منه وغير الرسمي، ثم بعد ذلك سنتناول غباء النخب قبل أن نأتي على غباء نشطاء التواصل الاجتماعي. مكناس في 3 دجنبر 2025