الاستخبارات المغربية... قوة عالمية بعيون معهد R.O.C.K: إرث تاريخي وهندسة أمنية تسبق التهديدات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    حكومة لبنان تدين "تهديد" حزب الله    من نزاع إقليمي إلى خطر إرهابي عالمي: نداء لتصنيف "البوليساريو" على لوائح الإرهاب    إسبانيا ترفع التأهب لمواجهة الحرائق    اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري بتعاون مع المغرب    نشرة إنذارية.. موجة حر مع الشركي وزخات رعدية بعدد من مناطق المملكة            إصابات في حادث إطلاق نار قرب مسجد في مدينة أوريبرو السويدية    مشاريع المياه المهيكلة بسوس.. رؤية ملكية استراتيجية لمواجهة الجفاف لا ورقة للركمجة والمزايدات السياسية            فرق التدخل تنجح في تطويق حريق غابة دردارة بشفشاون    أكادير.. توقيف شخصين بشبهة التورط في وفاة مشكوك فيها والتخلي عن الجثة بالقرب من أحد المستشفيات    الملك محمد السادس يهنئ رئيسة جمهورية الهند بمناسبة عيد استقلال بلادها    هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة: ارتفاع صافي الأصول تحت التدبير بنسبة 9,12 في المائة متم شهر يوليوز (جمعية)    هولندا.. العثور على جثة سيدة مسنة داخل منزلها والشرطة تشتبه في جريمة قتل    ترامب يتوجّه إلى ألاسكا للقاء بوتين    الدولار يستقر بعد بيانات تضخم قلصت رهانات خفض الفائدة الأمريكية    الحكومة تراهن على "التوازن" بين رعاية الحيوانات الضالة والأمن العام    الحسيمة.. المضاربة ترفع أسعار الدجاج والسردين إلى مستويات قياسية    الشرطة الإسبانيا تطالب باتفاق مع المغرب لإعادة المهاجرين    منظمة حقوقية تشكل لجنة لتقصي أسباب حرائق شفشاون    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تندد باعتقال ابتسام لشكر وتعتبره تعسفياً    سبيس إكس تطلق 28 قمرا صناعيا إضافيا إلى الفضاء    بطولة إنجلترا.. الأنظار نحو شيشكو ويوكيريس في قمة يونايتد وأرسنال    طقس حار في توقعات اليوم الجمعة بالمغرب    كرنفال وعروض موسيقية وفروسية في افتتاح مهرجان وادي زم    هويلوند يرحب بالانتقال إلى ميلان الإيطالي    رئيس خيتافي ينتقد مقترح إقامة مباراة برشلونة وفياريال في ميامي الأمريكية    "الإساءة للذات الإلهية" تشعل الاتهام ب"التحريض" بين الجامعي والرميد    العين يفتقد رحيمي في افتتاح الدوري    العثور على جثة بالقرب من غابة في هولندا يرجح أنها تعود لسيدة مفقودة    اختتام المؤتمر العالمي الخامس للتصوف بفاس بإعلان تأسيس "التحالف العالمي لأهل التصوف"            إحتارن يقترب من محطة جديدة في الدوري الهولندي            "كارثة طبية" أدت لوفاة العشرات في الأرجنتين    انتشار الصراصير في أحياء طنجة يثير استياء السكان ومطالب بتدخل عاجل    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    تهديدات ترامب ترفع أسعار النفط        المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    نصائح ذهبية لتجنب حوادث الآلات الكهربائية    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليمان العيسى... وريث النكبات وشاعرها
نشر في مغارب كم يوم 12 - 08 - 2013

أحد روّاد الشعر العربي مضى قبل أيّام تاركاً أجيالاً سورية متعاقبة تربّت على أناشيده. عبرت تجربته أكثر من برزخٍ، لكنها لم تغادر الهتاف القومي المحمول على أحداث كبرى، مثل تأميم السويس، والوحدة السورية المصرية. نبرة قصائده الحماسية خفتت بعد الستينيات، وخسائره الفادحة جعلته معلّقاً في أرجوحة الأمل واليأس
أمس، ووري سليمان العيسى (1921 2013) في ثرى مقبرة الشيخ رسلان في دمشق بعدما رحل في التاسع من آب (أغسطس) بصمت. سكة القطار المعطّلة في خرائط العالم العربي وتضاريسه الممزّقة، ونكباته المتتالية، لم تمنع الشاعر الراحل من أن يخترع قطار الوحدة العربية، أقله على الورق. طوال نحو 70 عاماً، لم يفقد الأمل في تحقيق هذا الحلم حتى في أكثر الأزمنة حلكة. الشاعر الذي غادر لواء اسكندرون مرغماً في صباه، حمل أرضه الأولى مثل وشم في الجلد، واكتشف فجر «البعث» بصحبة مؤسسه الأول زكي الأرسوزي، ذلك الحلم القومي الذي لم يخبُ يوماً في حياته وأشعاره، حتى بعدما ابتعدت البوصلة عن جهة الأمل. كان «شاعر البعث» يزداد يقيناً (شعرياً) بانجاز هذا الحلم العصي، نكبةً وراء أخرى، من نكبة سلخ لواء اسكندرون عن وطنه الأم، مروراً بنكبة فلسطين، وصولاً إلى نكبة حزيران 67.
عند هذا الحد، صمت الشاعر الذي كان يهتفُ «أمةُ الفتح لن تموت/ وإني أتحداكَ دونها يا فناء» جراء هول الفجيعة، واحتضار الأمل، إلى أن وجد عزاءه أخيراً في الكتابة للأطفال، إثر خيبته الكبرى مما أصاب الأمة من انكسارات وهزائم. هكذا تفتّحت أجيال سورية متعاقبة على أناشيده في كتب المنهاج المدرسي، وحفظوها غيباً، وإن لم يدركوا معانيها بدقة. كما كان على هذه الأجيال أن تردّد نشيد طلائع «البعث» كل صباح مع تحية العلم مثل تعويذة، والأمر نفسه بخصوص «نشيد البعث» بموسيقى الياس الرحباني. لكن شاعرنا، لم يغرق في مباهج الرفاق، فقد نأى بنفسه باكراً، حالما خطف العسكر الراية، وظل مخلصاً لمبادئه الأولى بعيداً من التصفيق لنزاهة شخصية نشأ على قيمها أولاً، وميل إلى العزلة، وزهد صوفي بالمكاسب التي كانت متاحة لآخرين أقلّ منه موهبة وإخلاصاً للفكرة. حتى أنّ وزارة التربية لم تعوّضه ليرة واحدة عن حقوقه في تأليف عشرات القصائد والأناشيد التي أُدرجت في كتب القراءة، وفقاً لاعترافه، في حوار تلفزيوني معه.
عبرت تجربة صاحب «أعاصير في السلاسل» (1953) أكثر من برزخٍ شعري، لكنها لم تغادر الهتاف القومي العالي المحمول على أحداث كبرى، مثل تأميم قناة السويس، والوحدة السورية المصرية، وحركة الكفاح المسلح في فلسطين، والهتاف الذي تلقّفه جيل عربي نهضوي بوصفه بياناً ثورياً، يبشّر بغدٍ جديد، وشمسٍ لا تحجبها الغيوم الطارئة. إلا أن نبرة قصائده الحماسية، خفتت تدريجاً، في ما بعد الستينيات الغاضبة، وظلّ معلّقاً في أرجوحة الأمل واليأس، نظراً لفداحة خسائره «من الماء إلى الماء»، إذ لم يعد لائقاً أن يهتف «ما كنتُ إلا صيحةً/ للثأر تشتعلُ اشتعالاً».
منحة دراسية إلى العراق قادته إلى «دار المعلمين» في بغداد. هناك تعرّف إلى زميله في الدراسة بدر شاكر السياب، ثم عبد الوهاب البياتي، ولميعة عباس عمارة، ليعود بعدها إلى حلب، ويعمل في سلك التعليم، ثم إلى دمشق بصحبة رفيق طفولته في لواء اسكندرون، صدقي إسماعيل، ليسهم معه في تحرير جريدة ساخرة، اسمها «الكلب» كان صدقي يحرّرها بخط يده. وقد جمع العيسى قصائده المنشورة في هذه الصحيفة لاحقاً في كتاب «الديوان الضاحك» (1989)، وانكبّ فترة من حياته على تعريب أعمال كتّاب جزائريين يكتبون بالفرنسية أمثال مالك حدّاد، وكاتب ياسين، ومحمد ديب، بمشاركة رفيقة دربه ملكة أبيض. في التسعينيات، أحسَّ صاحب «الثمالات» (1997) بأن هواء دمشق يضيق به، فرحل إلى اليمن بهدوء، واستقر فيها 15 عاماً، أنجز خلالها سبعة دواوين، وكرّمته صنعاء بما يليق بشاعر عروبي مثله، أهدى معظم البلاد العربية دواوين بأسمائها من اليمن إلى الجزائر بوصفها أمةً واحدة. لكن هل كتب سليمان العيسى قصيدته المشتهاة؟ أجاب مرةً: «القصيدة التي أريد أن أقولها، ما زلت أبحث عنها بعد 60 عاماً من كتابة الشعر، وكل ما قلته هو موّال في رأسي أردت أن أغنّيه». الكلاسيكية المنفتحة على الحداثة، وضعت قصيدته، في مقامٍ خاص، وإن تفوّق المعنى على الصورة الشعرية في بعض نصوصه، لكنه لم يستثمر قافيته يوماً، في مديح ما لا يرتضيه، جرياً على ما فعله بعض مجايليه من الشعراء الكلاسيكيين. لقد كان همّه الأساسي، الحشود وليس الحكّام، الأيقونة وليس الشعار، هكذا ذهب إلى محاورة امرئ القيس، وبابلو نيرودا، ولوركا، والمعرّي، ورامبو، حالماً بشموسٍ مختلفة.
بعد عودته من مغتربه اليمني إلى دمشق، لزم بيته في حي مشروع دمّر، بعيداً من الأضواء. وكان على الشاعر التسعيني، لرهافته وشفافية روحه وحيائه الشخصي، أن يحتمل مزايدات من أراد أن يصنع منه مانشيتاً صحافياً، مع صورة مشتركة تحت بند «تكريم المبدعين» واستثمار اسمه لمقاصد أخرى، في الوقت الضائع، إلى أن اشتد عليه المرض، وذهب في غيبوبة استمرت أشهراً في أحد المستشفيات الحكومية، في صراع طويل مع المرض والذكريات والأحلام المعلّقة بين خرائط بلاد بعيدة، وبلادٍ في أتون النار.
رمال عطشى
ولد سليمان العيسى في قرية النعيرية (غرب أنطاكية) لأب يدير كتّاباً في بيته. في العاشرة، بدأ كتابة الشعر، ليستيقظ على فجيعة سلخ اللواء عن وطنه سوريا. شارك في التظاهرات المندّدة بالاستعمار الفرنسي، وسُجن مراراً وذاق مرارة التشرّد. أصدر ديوانه الأول «مع الفجر» (1952)، لكنّ «رمال عطشى» (1960) سيكون منعطفاً في تجربته القومية لجهة النبرة الثورية الغاضبة. أنجز نحو 50 كتاباً منها «ثائر من غفار»، «صلاة لأرض الثورة» وأشعاراً ومسرحيات للأطفال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.