مباراة المغرب والبحرين .. بيع 30 ألف تذكرة إلى حدود منتصف نهار اليوم الاثنين ( اللجنة المنظمة)    توقيف شقيق بارون "دولي" للمخدرات بطنجة    ترامب "واثق" من التوصل لاتفاق غزة    حالة تأهب قصوى في منطقة فالنسيا .. وتأجيل مباراة الدوري الإسباني    جبهة القوى الديمقراطية تدعو إلى مناظرة وطنية شاملة حول قطاع الصحة    الركراكي يلتقي بالصحافيين في سلا    صحافة الشيلي: فوز المغرب على إسبانيا يفجر أولى مفاجآت "مونديال U20"    بورصة البيضاء تُغلق على أداء سلبي    أمطار رعدية قوية مرتقبة في المغرب    النصب بالعملات الرقمية يوقف شابيْن    دي كابريو يتصدر شباك السينما بأمريكا الشمالية    الصندوق المغربي للتقاعد يعلن صرف معاشات المتقاعدين الجدد التابعين لقطاع التربية والتعليم    القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    علماء روس يبتكرون أدوية "ذكية" يتحول شكلها داخل الجسم    الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك'قطب استراتيجي' للأعمال والصناعة    برامج شيقة تمزج بين الإبداع والتجديد في الموسم التلفزي الجديد لقناة الأولى        فرع أولاد صالح بإقليم النواصر يُشعِل شعلة العمل الحزبي الحداثي    عام أخير لحكومة "أخنوش".. تحديات وتطلعات وأجندة انتخابية (تحليل)        نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من مناطق المملكة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تقديم 21 موقوفا من "جيل Z" بالرباط أمام النيابة العامة غدا الثلاثاء    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب ترصد الانتهاكات التي رافقت "قمع" احتجاجات الشباب وتطالب بوقف الترهيب    حقوقيون يطالبون المغرب بإنقاذ جاليته العالقة في غزة وسط الحرب والمجاعة    وجدة تحتفي بالسينما المغاربية والدولية في الدورة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    المعهد المتخصص في الفندقة و السياحة بالحوزية ضمن المتوجين في الدورة 11 للمعرض الدولي ''كريماي'' للضيافة وفنون الطبخ    تعزيز القدرات الدفاعية المغربية: استلام مدرعات M1117 الأمريكية ومنظومة الدفاع الجوي الصينية FD-2000B    باريس سان جيرمان: ديمبلي يسافر إلى قطر لاستكمال تعافيه    بنسعيد: الراحل سعيد الجديدي أغنى المكتبة الوطنية بإنتاجات أدبية وصحفية قيمة            مساءلة وزيرة السياحة حول تعثر مشروع تهيئة مضايق تودغى بعد إلغاء طلب عروض بسبب كلفة الأشغال        الذهب يتجاوز عتبة 3800 دولار للأوقية وسط تزايد توقعات خفض الفائدة    الباييس: إسبانيا فرضت رقابة على القواعد الأمريكية على أرضها لمنع نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين        اقتراع سوريا يستبعد "مؤيدي الأسد"    تراجع طفيف لأثمان الإنتاج الصناعي    محمد وهبي: المنتخب المغربي أحسن استغلال نقاط ضعف نظيره الإسباني    البرلمان البرتغالي يناقش مقترح الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء    الصين تهدف تحقيق نمو يزيد عن 5 في المائة في صناعة البتروكيماويات خلال 2025-2026    رؤساء جمعيات آباء وأمهات التلاميذ يتدارسون بالجديدة مشاكل المنظومة التربوية وبنية المؤسسات التعليمية        إلياس فيفا يتوج في مدينة البيضاء    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    قمع مفرط في احتجاجات جيل Z بالمغرب.. بين انزلاقات فردية ومسؤولية مؤسساتية    ‬محاولات ‬الاقتراب ‬من ‬جيل ‬z ‬‮..‬ زورو ‬يقود ‬الربيع ‬الدائم‮!‬    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم            بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غاندي ومانديلا
نشر في مغارب كم يوم 17 - 12 - 2013

لدى وصولي إلى هذا المكان، عقب وفاة نيلسون مانديلا، بعد نحو قرن من إنهاء غاندي لإقامته المؤقتة التي استمرت لمدة 21 سنة في جنوب أفريقيا وعودته إلى الهند، كان لزاما أن تتداخل شخصية هذين الرجلين الفذين المقاومين للاستعمار في القرن العشرين مع بعضهما من وجهة نظري.
وصم غاندي، في جنوب أفريقيا، بسبة عنصرية عندما أطلق عليه «المحامي غير البارع»، وزج بمانديلا في نفس السجن في جوهانسبورغ مثلما كان الحال مع غاندي من قبل. والتقى الرجلان رغم اختلاف السبل على فكرة أوردها غاندي في سيرته الذاتية، بقوله: «عندما نفكر في الأمر، نكتشف أن الاختلاف بين التباين والتماثل ليس سوى وهم، فكلنا أسرة واحدة».
صار غاندي - الذي طرد من مقصورة أحد قطارات الدرجة الأولى في جنوب أفريقيا بسبب معارضته للمواطنين البيض وتحوله إلى المقاومة السلمية بسبب التشريع العنصري المناهض للهنود في جنوب أفريقيا عام 1906 - محرر الهند في جنوب أفريقيا. ويعد في الوقت الراهن الأب المؤسس لقوس قزح جنوب أفريقيا، التي أرسى مبادئها مانديلا والتي تنادي بالمساواة في الحقوق بين جميع الأفراد.
هذا التداخل بين هذين الرجلين الفذين أمر فريد. لم تكن جنوب أفريقيا مركز العالم، رغم أنها بدت كذلك خلال الأسبوع الماضي. لكن هذا التشابه لا ينبغي أن يعمينا عن الاختلافات بين هذين البطلين.
استغرق غاندي، كما ورد في كتاب جوزيف ليليفيلد «روح عظيمة: المهاتما غاندي ونضاله مع الهند»، سنوات عديدة كي يتبنى قضية السود، فقد أعلن فقط عشية مغادرته جنوب أفريقيا أن «هذه الأرض ملك لأبنائها الذين ولدوا على أرضها». وكان غاندي يركز على حقوق الهنود. وفي المقابل، استخدم مانديلا المظاهرات السلمية التي نادى بها غاندي كأساس للعمل الجماهيري. وهو ما قاله مانديلا: «طالبت بتنظيم احتجاجات سلمية، ما دامت تلك الوسيلة فعالة». لكنه كان لديه شكوك إزاء القواسم المشتركة لقضيتي أبناء جنوب أفريقيا والهنود، لأن الكثير من مؤيديه «عدوا الهنود مستغلين للعمالة السوداء بدورهم كأصحاب متاجر وتجار».
وعلى الرغم من ذلك، توصل هذان الرجلان إلى إيمان وقناعة مشتركة بضرورة تكاتف جميع الشعوب المضطهدة، أيا كان الاختلاف بين دياناتهم أو إثنيتهم أو طبقاتهم الاجتماعية، معا ضد الظلم. وفي كلمات غاندي: «لا تكن جزءا من السلطة الطاغية». وتغيير طريقة التفكير وحده القادرة على تغيير بنية سلطة البيض الاستعمارية. توصل هذان الزعيمان إلى تلك القناعات، عبر رحلة روحية متعمقة وسط ظروف المهانة والسجن، وهي الرحلات التي انتقلت بهما من الانتقام العنيف إلى السكون الداخلي، الذي كان أكثر ما نبه العالم لهما.
ومنذ أيام قليلة، وجدت نفسي أشق طريقي وسط الحشود الضخمة في دلهي، حيث كانت تلك الحشود ترتدي زيا أبيض وقبعات خاصة بغاندي، مكتوبا عليها بعض الكلمات مثل: «أنا رجل عادي». وترتبط تلك القبعات بحزب «آم آدمي» (عامة الشعب) الذي يترأسه آرفيند كيجروال، حيث ظهر ذلك الحزب من خلال حالة الحراك في الشارع لمحاربة الفساد بهدف الإطاحة بهيمنة حزب المؤتمر الهندي، منذ فترة طويلة، على انتخابات ولاية دلهي. وكان رمز الحزب هو المكنسة، أي الإطاحة بالفساد والتخلص منه.
وصرح أحد المؤيدين، وهو محاسب يدعى سانجاي كوهلي، قائلا لي: «إن الفضل في ذلك يعود إلى غاندي، فكيجروال شخص أمين وحازم ومثابر ومبدع». الحقيقة أن الحزب لا يزال حديثا، لكن نجاحه يعد تذكرة لكلمات غاندي التي يعبر فيها عن إيمانه واقتناعه بتحقيق المساواة عالميا من خلال كلماته المأثورة: «إنني مسرور بأن أطلق على نفسي اسم عامل النظافة، أو عامل الغزل، أو النساج، أو المزارع، أو العامل».
وهنا نجد حلقة أخرى في سلسلة غاندي - مانديلا، ألا وهي قيمة العمل اليدوي والعامل اليدوي. إن الأيدي الناعمة لزعماء العالم في الوقت الحاضر الذين يجرون العمليات المالية الواحدة تلو الأخرى لجني المزيد من المال، لا تمثل أي شيء بالنسبة لهذين الرجلين. كان الاستقلال الذاتي هدفا سياسيا، كما كان قيمة داخلية أيضا بالنسبة لهذين الرجلين الفذين.
جنوب أفريقيا كانت موطن والدي، وفي منتصف خمسينات القرن الماضي، صار والدي، الذي كان طبيبا صغير السن في ذلك الوقت، عميدا لكلية «دوغلاس سميت هاوس» للطب، وهو مقر الإقامة المحجوز لطلبة الطب السود بجامعة «ويتواترسراند» في جوهانسبورغ، الذين لم يكن عددهم كبيرا في ذلك الحين، إذ سرعان ما فقدوا ذلك الحق عندما شدد نظام الفصل العنصري من قبضته على الأمور في البلاد.
كان مانديلا في «ويتواترسراند» قبل سنوات قليلة من ذلك. ففي أواخر أربعينات القرن الماضي، كان مسموحا للهنود والمواطنين الملونين من جنوب أفريقيا بالركوب في نفس الترام مع المواطنين البيض، ما داموا ظلوا يجلسون في الدور الأعلى من القسم الخلفي للترام. وكان المواطنون السود مطالبين باستخدام ترام مستقل لهم يتوقف تشغيله ليلا، ما لم يكونوا مصحوبين بأحد الركاب البيض. يروي بروس موراي في «فيتس: السنوات المفتوحة»، كيف كان مانديلا يسافر في إحدى الليالي مع ثلاثة أصدقاء هنود في ترام ل«المواطنين البيض». وحاول الشخص الذي يجمع التذاكر أن يطردهم من الترام، قائلا لهم: «أنتم عمال آسيويون غير مهرة، ومن غير المسموح لكم اصطحاب شخص زنجي معكم في الترام، حيث لا يمكن لأي شخص أن يفعل ذلك الأمر سوى المواطنين البيض فقط».
كانت تلك أحد التصرفات المشينة لشرطة جنوب أفريقيا لضبط الأمن بالتمييز بين مواطنيها. كان ذلك الحدث هو البوتقة التي زادت من إصرار غاندي ومانديلا على تشجيع الشعب بألا يكونوا جزءا من الحكم الطاغية، ومن ثم أسرا مخيلة العالم الذي قاما بتغييره. وبالتالي، صارت هاتان الدولتان من أكثر الدول المفعمة بالأمل في العالم بأسره.
"الشرق الأوسط"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.