الطالبي العلمي: المغرب يجعل من التضامن والتنمية المشتركة ركيزة لتعاونه جنوب-جنوب    لبؤات الأطلس يتأهلن إلى ربع نهائي "كان السيدات" بعد فوز صعب على السنغال    بنسعيد: "البام" آلية لحل الإشكاليات .. والتحدي الحقيقي في التفكير المستقبلي    أثنار: جاك شيراك طلب مني تسليم سبتة ومليلة إلى المغرب سنة 2002    عبد العالي الرامي يغادر إلى دار البقاء    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    المفوضية الأوروبية تنتقد رسوم ترامب    حرب الإبادة الإسرائيلية مستمرة.. مقتل 100 فلسطيني في قصف إسرائيلي على غزة منذ فجر السبت    الملك يهنئ رئيس ساو طومي وبرانسيبي    خطوة مفاجئة في إسبانيا .. ملقة ترفض استقبال مباريات "مونديال 2030"    لبؤات الأطلس يتأهلن إلى ربع نهائي "كان السيدات" بعد فوز صعب على السنغال    أكرد يلتحق بتداريب نادي "وست هام"    الوداد يكسر تعاقد الصبار مع الزمامرة    نسبة النجاح في البكالوريا تتجاوز 83 %    تفاصيل انتهاء اعتصام في بني ملال    اجتماعات بالرباط لتسريع مشروع أنبوب الغاز الإفريقي وتوسيع الشراكات الإقليمية        من الجدل إلى الإجماع .. إشادة واسعة بإعادة تهيئة سور المعكازين في طنجة    الوقاية المدنية بطنجة تحسس المصطافين من مخاطر السباحة    أسبوع الفرس 2025 (بطولة المغرب للخيول القصيرة).. ليا عالية ناضوري تفوز بلقب الفئة "أ"    المغرب يفتح باب الترخيص لإرساء شبكة 5G    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    الوزير بنسعيد يُشرف على إطلاق مشاريع تنموية بإقليمي زاكورة والراشيدية ويُعطي انطلاقة ترميم مدينة سجلماسة التاريخية    فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين    تقديم العرض ما قبل الأول لفيلم "راضية" لمخرجته خولة أسباب بن عمر    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    حادثة اصطدام مروعة بين دراجتين ناريتين تخلف قتيلين ومصابين بتطوان    ليفربول الإنجليزي يعلن سحب القميص رقم 20 تكريما للاعبه الراحل ديوغو جوتا    الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"                تونس في عهد سعيّد .. دولة تُدار بالولاء وتُكمّم حتى أنفاس المساجين    تواصل الانتقادات لزيارة "أئمة الخيانة والعار" للكيان الصهيوني    فرنسا تدين طالبًا مغربيًا استبدل صور طلاب يهود بعلم فلسطين    أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    الصين- أمريكا .. قراءة في خيارات الحرب والسلم    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    57 ألفا و823 شهيدا حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ بدء الحرب    عقوبات أميركية تطال قضاة ومحامين بالمحكمة الجنائية لإسقاط مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    البرلمانية عزيزة بوجريدة تسائل العرايشي حول معايير طلبات عروض التلفزة    "وول مارت" تستدعي 850 ألف عبوة مياه بسبب إصابات خطيرة في العين    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلام العربي المعاصر
نشر في مغارب كم يوم 25 - 02 - 2014

الإعلام هو قضية العصر، فالذين قالوا من قبل (لكل زمان آية وآية هذا الزمان الصحافة) لم يكونوا مبالغين، فالرسالة الإعلامية في النهاية هي التي تتشكل بها صورة من أرسلها، وهي التي تحدد قيمته لدى من تلقاها، والإعلام والديبلوماسية وجهان لعملة واحدة هي «السياسة الخارجية» وصورة الدولة في المجتمعين الدولي والإقليمي، وما زالت الرسالة الإعلامية العربية دون المستوى برغم كل الجهود المبذولة للارتقاء بها خارجياً وداخلياً، فما زالت رسالة دفاعية تبريرية لم تدخل مرحلة اقتحام الغير وطرح المبادرات التي تجعل الطرف الآخر في موقف دفاعي بديل، إضافة إلى اللهجة المتهافتة أحياناً بل والاعتذارية أحياناً أخرى.
إن مضمون الرسالة الإعلامية يجب أن يكون من القوة بحيث يضع الخصوم والأصدقاء على السواء في موضع الشعور بالاحترام لمصدر الرسالة والهيبة للدولة التي خرجت منها، ولا بد أن نعترف أن الكوادر الشابة والمتعلمة تعليماً حديثاً والمدربة تدريباً عملياً من الجيل الجديد في جماعة «الإخوان المسلمين» وتنظيمها العالمي تمكنت إلى حدٍ كبير من الإمساك بزمام الأمور في عدد من العواصم الأجنبية وكأننا أمام المقولة الشهيرة (إن القضية ضعيفة ولكن المحامي ناجح) بينما نملك نحن القضية العادلة ولكن ليس لدينا المحامي القدير! ولا يتصور أحد أن الرسالة الإعلامية هي سطور «لقيطة» ليس لها أب شرعي بل هي في المقام الأول تعبير عن واقع قائم، لذلك لا يتوهم أحد أن الفعل الداخلي يمكن أن يكون متراجعاً فتصدر عنه رسالة إعلامية قوية والعكس بالعكس، فالارتباط بين الرسالة الإعلامية والوقائع على الأرض ارتباط موضوعي مثل الارتباط بين المطبخ وحجرة الطعام، إذ أن ما يقدم على المائدة هو نتاج لعملية الطهي مهما كانت درجة اتقانه خصوصاً في عصر السماوات المفتوحة والتطور الهائل في تكنولوجيا المعلومات، إذ لا تستطيع دولة إخفاء ما يجري فيها أو حتى تجميل الأحداث إلا في حدودٍ معينة، فالكل يرصد الكل بل أقول إن الكل يتآمر على الكل! عالم يموج بتياراتٍ مختلفة ومصالح متعارضة وارتباطات متداخلة، لذلك فإن من الطبيعي أن تكون الرسالة الإعلامية واعية بكل هذه الحقائق، ولعلنا نفصل هنا ما أجملناه وذلك من خلال الملاحظات التالية:
أولاً: لقد قطعت البشرية شوطاً كبيراً في مجال ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على نحو جعل الأسرار العليا مباحة والخفايا الداخلية مكشوفة، وأصبح الحادث الواحد في أحد أركان الدنيا يجد صداه في نفس اللحظة في باقي بقاع المعمورة، ولقد ترتب على ذلك أن تمتعت الرسالة الإعلامية بميزات لم تتوافر لغيرها من السلع الفكرية أو النتاجات الثقافية، وتلك ميزة وضرر في ذات الوقت، أما الميزة فإنها جعلت من العالم قرية كونية صغيرة ترتبط شعوبها بصلات أوثق وعلاقات أقرب، وأما الضرر فأنها أسقطت أقنعة الانظمة وأنهت عمليات التجميل المصطنعة للأحداث والمواقف والأفكار، ولكننا في النهاية أمام عالم مختلف تطير فيه المعلومة وينتشر الخبر حتى يكاد العالم أن يرى بعضه بعضاً في شفافيةٍ يستحيل التخلص منها.
ثانياً: ليس من شكٍ في أن الإعلام المعاصر هو التعبير الحقيقي عن مكانة الدولة وحجمها الإقليمي. دعونا نتذكر نموذجين الآن الأول هو عبدالناصر و «صوت العرب»، عندما استطاع أن يكرس مفهوم «القومية العربية» من خلال تلك المحطة الصاخبة على امتداد خمسينات وستينات القرن الماضي بحيث أصبحت إذاعة «صوت العرب» مسموعة من المحيط إلى الخليج إلى أن جاءت النكسة عام 1967 فضربت صدقيتها، والنموذج الثاني هو قطر وقناة «الجزيرة»، حيث استطاعت هذه القناة العربية أن تجد مكاناً على خريطة الإعلام الدولي وأن تصبح لسنوات أهم قناة فضائية في العالم العربي كله إلى أن سقطت صدقيتها هي الأخرى بدفاعها المستميت وغير المبرر والخارج عن الموضوعية عن جماعة «الإخوان المسلمين» بحيث استفزت جموع المشاهدين في العالمين العربي والإسلامي. لذلك فإننا نؤكد هنا أن العمود الفقري للإعلام هو صدقيته حيث لا يمكن ترجمة ولائه للمشاهد أو المستمع أو القارئ إلا من خلال درجة الصدق التي يحرص عليها ومن حيث انتقاء مصادره والحياد في نشر الأخبار وتحديد مساحات متكافئة لكل منها من دون تمييز أو انحياز، لأن الانحياز ينتهي في النهاية إلى مردود عكسي يصرف الناس عن المصدر الإعلامي الذي حاول أن يستخف بمن يتابعه مقروءاً أو مسموعاً أو مشاهداً!
ثالثاً: ولماذا نذهب بعيداً؟ إنني أظن إلى درجة اليقين أن القوة الإعلامية كانت هي السند التاريخي للحركة الصهيونية والتفوق الإسرائيلي في كل المجالات، خصوصاً أن الدولة العبرية برعت في اختلاق الروايات التاريخية والدفوع الدينية للترويج لحقوق مزعومة في أرض الميعاد! فضلاً عن نزعات عنصرية واضحة وميول عدوانية لا تتوقف وتطلعات توسعية لا تنتهي، وإذا نظرنا إلى مدينة نيويورك الأميركية مثلاً باعتبارها تحوي أكبر تجمع يهودي في العالم لوجدنا أنها اعتمدت على دعامتين هما الاقتصاد والإعلام، حتى أصبحت تلك المدينة الكبرى مصدراً للترويج للحركة الصهيونية وأهداف الدولة العبرية، فالإعلام الحديث هو الذي يخلق الصورة ويحدد النموذج النمطي، وذلك من أجل هدف محدد أو غاية منشودة، وقديماً قالوا (ليس المهم عدالة القضية ولكن الأهم هو كيفية الترويج لها). من هنا جاءت قوة الإعلام وأبواقه خصوصاً على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
رابعاً: إذا كان الاقتصاد والإعلام هما ركيزتا التفوق الغربي عموماً والأميركي خصوصاً فإننا نزعم أن المظلة السياسية هي العائد المباشر للامتزاج بين هذين العنصرين، ولا نستطيع أن ننكر أن الحياة المعاصرة تقوم على درجة من التشابك والتداخل بحيث يصعب فيها تحديد الفوارق بين ما هو سياسي واقتصادي وإعلامي، إنها تبدو كالأواني المستطرقة، كل ما يصب في واحد منها يتجه أيضاً إلى العنصرين الآخرين. إننا نعتقد بحق أن الرسالة الإعلامية هي الأكثر تأثيراً لأنها تعبيرٌ عن منطوقٍ شامل يحتوي كل الأوامر الأخرى السابقة على تشكيله. إن الإعلام هو الظاهرة العصرية النهائية للصراع السياسي والحوار الإيديولوجي والتنافس الاقتصادي. إن الإعلام في الحياة العصرية مثل البشرة الجلدية في جسم الإنسان إذ تظهر عليها أعراض الصحة والمرض مهما كانت التفاعلات الداخلية والعلاجات السريعة. لذلك فإن سرعة الاستجابة الإعلامية تعكس إلى حدٍ كبير أهمية التعامل المباشر ما دامت الرسالة الإعلامية سليمة وواضحة وذات صدقية.
خامساً: يجب أن نعترف بأن الإعلام العربي قاصر لأنه يتحدث في الغالب إلى الداخل ساعياً نحو الاستهلاك المحلي من دون التفكير في المخاطبة الجادة للغير وتقديم الصورة الصحيحة عن واقعنا المعاصر واكتساب الصدقية المفتقدة واستعادة الثقة الضائعة بيننا وبين غيرنا من القوميات والشعوب، خصوصاً ذلك الغرب الذي تعود دائماً أن يرانا من منظاره الخاص وأن يفكر فينا بطريقته المنحازة. إنه الغرب الذي يأخذ ولا يعطي، إنه الغرب الذي يتهم الآخر ويتعامل معه بدونية شديدة ليس لها مبرر تاريخي إلا كل ما كان من صنعه هو! سواء آثار الظاهرة الاستعمارية أو نتائج الكشوف الجغرافية أو غيرهما من مظاهر احتكاك الغرب مع الشرق ومحاولة فرض السيطرة الأوروبية الأميركية على العالمين القديم والجديد.
هذه ملاحظات خمس حول الإعلام عموماً والعربي خصوصاً ندرك منها أنه لا مفر من التسليم بأننا متخلفون على صعيد الإعلام، وحتى لو حاولنا توظيف شركات أجنبية للقيام بتلك المهمة فإنها ليست دائماً كما نريدها ولكنها تتعامل معنا فقط كمصدر للحصول على الأموال واستنزاف الثروة، لذلك أصبحت مسؤوليتنا الأولى هي الخروج من هذا المنزلق والاتجاه نحو اقتحام المؤسسات الإعلامية الدولية سواء كانت شركات أو وكالات أنباء أو صحفاً أو إذاعات أو فضائيات بزخمٍ قوي من المبادرات البناءة والمعلومات الموثقة والأخبار الدقيقة من دون اهتزاز أو ضعف فنحن أصحاب قضية عادلة ولنا كعرب تاريخ عريق يسمح لنا بأن نسود من جديد مهما كانت المصاعب والمتاعب والتحديات!
"الحياة" اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.