قبل ساعات قليلة من التصويت المرتقب في مجلس الأمن على القرار الأممي لعام 2025 بشأن قضية الصحراء المغربية، يبدو أن المملكة المغربية تستعد لخوض واحدة من أهم معاركها الدبلوماسية منذ عقود. فالمؤشرات القادمة من نيويورك تؤكد أن مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب قبل أكثر من 17 سنة بات قريبًا من نيل اعتراف أممي واسع باعتباره الإطار الواقعي والوحيد لتسوية هذا النزاع الإقليمي الذي طال أمده. المغرب يدخل هذه الجلسة التاريخية من موقع قوة غير مسبوق، بفضل الدعم المتنامي من عواصم القرار الكبرى، وعلى رأسها واشنطن وباريس ومدريد، إلى جانب دول إفريقية وعربية عديدة تبنّت صراحة موقف السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية. ويكمن التحدي الأساسي أمام الرباط في تأمين تسع أصوات مؤيدة داخل مجلس الأمن، مع ضمان تفادي أي استخدام لحق النقض (الفيتو) من أحد الأعضاء الدائمين. لكن المؤشرات الحالية ترجّح أن الكفة تميل لصالح المغرب، خصوصًا بعد التعديلات الأخيرة التي أدخلتها الولاياتالمتحدة على مشروع القرار، والتي جاءت لتراعي بعض التحفظات الشكلية دون المساس بجوهر دعمها القوي لمقترح الحكم الذاتي. على الجانب الآخر، تبدو الجزائر في موقف دفاعي ضعيف، بعد أن تحولت من "دولة مجاورة" إلى "طرف مباشر" في النزاع، كما ورد في تقارير الأممالمتحدة الأخيرة وتصريحات عدد من أعضاء المجلس. دبلوماسيتها تتحرك هذه الأيام في كل الاتجاهات لمحاولة كبح قرار قد يُكرّس فعليًا نهاية مشروع الانفصال الذي استثمرت فيه لعقود. إلا أن تلك التحركات تبدو أشبه بمحاولات اللحظة الأخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في ظل تغير موازين القوى الإقليمية والدولية لصالح المغرب، وافتتاح أكثر من 30 قنصلية إفريقية وعربية في العيون والداخلة كدليل ميداني على الاعتراف الفعلي بمغربية الصحراء. في الأروقة الأممية، يتحدث دبلوماسيون عن "نقطة تحول تاريخية" في ملف الصحراء، حيث تقترب الأممالمتحدة من الإقرار بأن مبادرة الحكم الذاتي تمثل "الحل الواقعي والجاد والدائم"، وهي العبارات نفسها التي دأبت قرارات مجلس الأمن على تكرارها منذ 2007. كما أن الموقف الأمريكي يظل العامل الأبرز في هذه المرحلة، خاصة بعد التصريحات المتكررة لمسؤولي إدارة واشنطن التي أكدت أن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء "قرار استراتيجي لا رجعة فيه". المشهد الحالي يوحي بأن لحظة الحقيقة تقترب، وأن المجتمع الدولي بات على قناعة بأن استمرار هذا النزاع يخدم أجندات معزولة تتناقض مع منطق الاستقرار الإقليمي والتنمية المشتركة في شمال إفريقيا. وإذا ما أقرّ مجلس الأمن في جلسته المقبلة القرار المنتظر دون فيتو، فسيكون ذلك بمثابة شهادة دولية جديدة على عدالة الموقف المغربي، وإعلانًا ضمنيًا عن نهاية المشروع الانفصالي الذي فقد حاضنته السياسية والإيديولوجية. يدخل المغرب هذه "المعركة الأخيرة" بثقة راسخة وبديبلوماسية واقعية تزاوج بين الشرعية الدولية والحضور الميداني، بينما تكتشف الجزائر أن الزمن تغيّر، وأن التاريخ لا ينتظر المترددين.