(بقلم سعيد الرفاعي) الرصاصات الغادرة التي وجهت إلى رأس المفكر العربي حسين مروة بتاريخ 17 فبراير 1987 في بيروت وأردته شهيدا، تلاها رصاص قناص استهدف حفيده ياسر وأصابه برصاصة في رأسه ما زال يعاني جراءها من شلل خفيف في جسده لم يقعده عن مواصلة الحلم من أجل غد أفضل. وبعد سنوات من الحادث المروع، بادر ياسر مروة إلى تأسيس مبادرة مدنية تحمل عنوان "إبريق الزيت" يسعى من خلالها، بمعية مجموعة من الشباب اللبناني التفت حوله، إلى أن يوقد شمعة في الظلام الحالك من أجل الأطفال برواية حكايات لهم بعنوان معبر "أتعرف إلى حقي من خلال الفن والتعبير". عن ميلاد الفكرة، يقول ياسر مروة، المزداد عام 1969، إنها رأت النور من خلال برنامج إذاعي تربوي بعنوان (حكايات إبريق الزيت) كان يبث على إذاعة (صوت الشعب) اللبنانية عامي 1998 و1999، من إعداده وإخراجه بمشاركة مجموعة من الصغار والفنانين في تخصصات متعددة. ويضيف مروة، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن البرنامج تحول بعد ذلك إلى محترف بالإسم ذاته في 29 يوليوز 2009 ، وتجسد نجاحه في حيازته جائزة منظمة (يونسكو) الإقليمية للمبادرة الإبداعية الفردية في التعلم المستمر عام 2009 ، وشهادة تقديرية من برنامج الأممالمتحدة للتنمية البشرية المستدامة عام 2000 في إطار مسابقة "الإنسان يساعد الإنسان". وأوضح المبدع اللبناني الشاب أن الغاية من تحويل البرنامج الإذاعي إلى محترف تربوي وثقافي وفني وترفيهي يتغيى توسيع مجالات تعبير الأطفال عن ذواتهم من خلال الرسم والتمثيل والأمسيات الشعرية الممسرحة والكتابة التعبيرية والصحفية وغيرها. وبخصوص طريقة العمل، قال إنها تتمثل في إقامة مشاريع متعددة تشمل أنشطة فنية إبداعية، وإشراك الأطفال في إعداد النشاطات الفنية الترفيهية وتنفيذها وحثهم على التعبير عن أنفسهم، والعمل على إقامة المشاريع بشكل خاص في المناطق التي تعاني من الحرمان. أما عن الأهداف المتوخاة، فتتمثل في توعية الأطفال من خلال الفن بمواضيع تنموية وثقافية وتربوية أهمها حقوق الطفل، وخلق مساحة آمنة لدى الأطفال والناشئة لمواجهة عنف الحرب والمجتمع، وتعزيز قدرات الأطفال من خلال مساعدتهم على اكتشاف اهتماماتهم الفنية والثقافية. كما تتمثل هذه الأهداف في تنمية روح المشاركة والتعاون والاندماج الاجتماعي لدى الأطفال، وحث الأطفال على تقبل الآخر واحترام الاختلاف، وتحقيق المساواة في التنمية والتعلم بين جميع الأطفال. وعدد ياسر مروة إنجازات المحترف في عشريته الأولى (1999-2009)، وتتمثل في عروض مسرحية وورشات رسم وصناعة دمى وأمسيات شعرية ممسرحة ومعارض لرسوم الأطفال، وكتابة قصص أطفال بأقلام أطفال، وورشات عمل، علاوة على إصدار ثلاثة أشرطة سمعية (كاسيت وقرص مدمج) وبطاقات معايدة من رسم الأطفال وكتاب (نور- إبداعات الأطفال في قصص) ..ورأى ياسر مروة أن إنتاج الواسطة السمعية (سي.دي) "وسيلة فعالة في تحفيز مخيلة الأطفال"، فهي "تخلق امتدادا أرحب في محدوديتهم، وتساعدهم على التعبير عن أنفسهم وعن اهتماماتهم وعلى فهم حقوقهم بأسلوب فني مبسط وممتع". وأشرك مروة في مشروعه الجميل عددا من شعراء لبنان (باللهجة المحكية) وموسيقييه ومغنيه، فقد أدى بطرس روحانا حكاية (التفاحة) وأدى عمر ميقاتي حكاية (الصوص وفرخ البط) اللتين اقتبسهما ياسر مروة من الكاتب الروسي سوتييف، كما أدت ميرنا شبارو حكاية (هيدي هي القرية) التي اقتبسها أيضا من نص لرشيد الضعيف. وأدت الأخوات سارة وديمة ورنا حمادة من إبداعهن (نحن والقمر جيران) و(يا أرض ليش عم تبكي)، وأدى أحمد قعبور حكاية (هدهد أبو خليل) ليوسف الخال، ومن إبداعه أيضا أدى ربيع مروة (حكاية السبع اللي صار ملك)، وأدت ريما خشيشي حكاية (الدجاجة جمولة) لفاطمة شرف الدين، وأدى الحكواتي جهاد درويش من الحكايات الشعبية التراثية حكاية (العجوز والتاجر) وكذا إحدى الحكايات الشعبية الإيطالية. ولم يقتصر نشاط محترف (إبريق الزيت) على بيروت وحدها بل امتد إشعاعه إلى مناطق لبنانية عديدة بما فيها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبعض التجمعات العراقية، وشمل أزيد من مائة وخمسين مدرسة وجمعية قبل أن يشارك المحترف في ملتقيات وورش عمل وندوات حول الحكاية والمسرح والطفل في تونس والأردن وغيرها. ولم يتوقف المحترف عن الإبداع والعطاء طوال سنوات العقد المنصرم، وإن كان إشعاعه يبرز أكثر في ظروف معينة فخلال حرب يوليوز 2006 بادر المحترف إلى تنظيم أنشطة خاصة للأطفال النازحين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين ستة أعوام و16 عاما، في العديد من المدارس في بيروت، وشملت ورش رسم وصناعة الدمى وكتابة قصص قصيرة. وبتعاون مع جهات عديدة، يقوم المحترف بمبادرات تمتد على مدى شهور طويلة قد تبلغ العام من قبيل مشروع "التعبير والمشاركة" في قرى الأطفال الذي استمر لمدة عام كامل (2008)، ومشروع "التربية الفنية" الذي يهدف إلى تعليم المعلمين والمعلمات نظريا وتطبيقيا كيفية التعامل مع الصغار والناشئة من خلال الرسم وصناعة الدمى والأشغال اليدوية والحكايات الذي استمر ستة أشهر عامي 2006 و2007. ولكن المشروع الأطول للمحترف تمثل في تنظيمه على مدى خمس أعوام متتالية (2000-2004) يوما تعبيريا طويلا في السنة إحياء ليوم (البث العالمي للطفل) إذ منح الأطفال فرصة التعبير عن دواخلهم من خلال المشاركة في إعداد وتنفيذ العديد من العروض المسرحية والتلفزية والإذاعية وكذا الكتابة الصحفية. لا ريب أن الرصاصات التي أصابت رأس صاحب (النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية) لم تكن غادرة فحسب ولكنها كانت بليدة أيضا إذ لم تصب منه مقتلا، ما دام حفيده ياسر مروة قد ورث سره، فهو من خلال (حكايات إبريق الزيت)، يحلم بغد أفضل لكل الأطفال، ويقول إنها تسمح لهم "بإبداء الرأي، وتقبل الرأي الآخر، وإن كان مغايرا".