يثير هذا العنوان ثلاث ملاحظات رئيسية: الأولى: أن فكرة المواطنة كانت في قلب النقاشات التي عرفها الزمن السياسي المغربي مند لحظة الانفتاح السياسي، مما ولد ثقافة سياسية جديدة لدى عموم الفاعلين أطرت أساسا بفكرة الحقوق والحريات. ثانيا: أن فكرة المواطنة، لم تعد أسيرة سجل الحقوق المدنية والسياسية بل امتدت لتشمل حلقات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ثالثا: أن قنوات الطلب على المواطنة قد انتقلت تدريجيا من الفاعل السياسي (الحزبي) إلى الفاعل المدني الحقوقي، الذي أصبح وفق آليات الشراكة والتمثيل فاعلا رئيسيا في هندسة السياسات العمومية الحقوقية. يطرح سؤال تيبولوجية الطلب المدني على المواطنة في مغرب اليوم؟، من داخل هذا السؤال يمكن أن نميز بين ثلاث أنواع من الطلبات: - يمكن أن نسمي الطلب الأول ب "الطلب المبادر المقترح"، ويتمثل حين يظهر المجتمع المدني كحامل لتصور بديل عن ما هو قائم، ويظهر ذلك عبر أمثلة عمل الجمعيات على تيمات: المساواة بين الرجل والمرأة، الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية.... - الطلب الثاني، وهو الذي يمكن أن ننعته ب "الطلب البديل"، وهو الذي يقدم من قبل مكونات المجتمع المدني كبديل على التصور الدولتي لتدبير سؤال الحقوق والحريات، من ذلك الموقف السلبي لمكونات المجتمع الحقوقي من "هيئة التحكيم المستقلة" كآلية لتدبير ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان... - الطلب الثالث، وهو "الطلب التقييمي"، وهو طلب دوري ومنتظم، يحمل تقييما لما هو كائن ومقترحات تعديلية في صيغة مطالب أو توصيات. إن هذه الطلبات لم تكن دائما ذات طبيعة سجالية أو مناظراتية، بل وظفت أيضا آلية الاحتجاج في المجال العمومي، كصيغة للمشاركة غير التعاقدية. مما يجعل الطلب على المواطنة في مغرب اليوم يتميز بالخصائص التالية: - أنه "طلب تفاعلي"، بمعنى أنه طلب غير مغلق، يؤثر ويتأثر. - أنه "طلب ديناميكي"، قادر على استيعاب المضامين الجديدة للمواطنة. - أنه "طلب غير إجماعي"، حيث اختلاف تصورات مقاربة مكونات المجتمع المدني لعدد من القضايا من أمثلة: العلمانية، رسمية أو ووطنية اللغة الأمازيغية في الدستور... لكن، أين تكمن قوة الطلب المدني؟، في اعتقادي، فإن طلبا بالخصائص السالفة تكمن قوته في ما يلي: - في كون إجابات الدولة الرسمية، قد نهلت في العديد من النماذج: المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، عدالة الانتقال، هيكلة المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وفق إعلان باريس...من جوهر مطالب الحركة المدنية الحقوقية. - في ميلاد نخبة مدنية امتلكت معطى الشرعية الناتج سواء عن الاعتقال أو الاحتجاج، واستطاعت أن تخترق فضاء التمثيل الذي كان محصورا على الفاعلين التقليديين أحزابا ونقابات... لذلك، فإن الطلب المدني في مغرب اليوم: - يتسع ليشمل الواجهات التقليدية لعمل الأحزاب والنقابات، ويعبر عن فكرة الحقوق في كليتها، ويملأ أدوار الوساطة، ويبدع للتكيف مع المطالب الجديدة للمواطن والتي تدور أساسا حول مجاله الخاص. - التسييس المتزايد للطلب المدني من خلال التشديد على أولوية الإصلاح الدستوري، إصلاح غير قاصر على المضامين الحقوقية وضمانات حمايتها، بل يمتد لطرح بدائل تهم طريقة وضع الدستور، جوهر النظام السياسي والعلاقة بين السلط. - تجاوز البنية القانونية الوطنية عبر المطالبة بجعل المعاهدات الدولية جزءا من القانون الوطني، وهو ما يعيد طرح أسئلة من قبيل: . علاقة الخصوصية بالعالمية. . الغموض الدستوري الذي يكتنف مكانة المعاهدات في التراتبية القانونية. أربعة أسئلة تطرح في نهاية هذه الورقة: 1- هل الطلب المدني على المواطنة يجب أن يكون محصورا في خانة المرجعية الحقوقية؟، أم أنه مطالب باستحضار الإشكال السياسي ما دام الأمر يتعلق بحقل للصراع وبتنافسية المشاريع، وأيضا لكون الحدود غير واضحة بين الحقوقي والسياسي؟. 2- كيف يمكن للطلب المدني على المواطنة أن يتجاوز دائرة "الحقوق" ويهتم أيضا بشق "الواجبات" ما دامت المواطنة تعرف "بأهلية اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات"؟. 3- إلى متى ستستمر حرب القراءات والعنف اللفظي في خطاب جزء من النسيج المدني حول المواطنة والحصيلة التي تقدمها مؤسسات التدبير الرسمي للحقوق والحريات؟. 4- ما مدى قدرة "النموذج المغربي" المبني على تعايش الخصوصية والعالمية في الاستمرار على تقديم إجابات للأجيال الجديدة للحريات؟.