في بيان المؤتمر الإقليمي السابع لأكادير إداوتنان دعا إلى توحيد الصف واستنهاض كافة الطاقات من أجل استعادة الريادة تنظيميا وسياسيا بالإقليم    لوكا مودريتش يعزز صفوف ميلان الإيطالي    لماذا يغيب "اللواء الأزرق" عن شواطئ الحسيمة؟    استمرار ‬ارتفاع ‬أسعار ‬الأسماك ‬والخضر ‬والفواكه ‬يزيد ‬من ‬إثقال ‬كاهل ‬المغاربة    نزار بركة يؤكد من العرائش: اهتمام خاص بقطاع الموانئ والنقل الجوي بجهة الشمال    المغرب ‬يواصل ‬تعزيز ‬صمود ‬المقدسيين ‬في ‬مواجهة ‬الاحتلال        تشيلسي يختبر صلابة فلومينينسي في نصف نهائي كأس العالم للأندية    قطاع الإسمنت بالمغرب يسجّل أداء إيجابيا في النصف الأول من 2025    العمراني: دفاعنا عن تطوان التزام أخلاقي يسبق الممارسة السياسية وجلبنا للإقليم مشاريع هامة    توقعات احتياجات الخزينة تتراوح بين 12 و12,5 مليار درهم في يوليوز الجاري    جواد الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي لكرة القدم    عودة المياه بشكل طبيعي إلى إقامة النجاح بسلا بعد تدخل عاجل    عواصف وأمطار غزيرة تتسبب في فيضانات وانهيارات أرضية بعدة مناطق بإيطاليا    مبابي يسحب شكوى المضايقة الأخلاقية ضد سان جرمان    جمود في مفاوضات الدوحة بشأن وقف إطلاق النار في غزة    مجلة أوليس الفرنسية: المغرب يجذب بشكل متزايد كبار المستثمرين    المغرب وألمانيا يبحثان الارتقاء بعلاقتهما إلى "شراكة استراتيجية"    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وفاة الطالبة آية بومزبرة يُخيم بالحزن على قلوب المغاربة    المغرب يكثف جهود الإنذار والتوعية من مخاطر موجات الحر            بورصة البيضاء تبدأ التداول بالتراجع    بايرن ميونخ على أعتاب توجيه ضربة لبرشلونة الإسباني في الميركاتو الصيفي    إلغاء مباراة المركز 3 بمونديال الأندية    "كان" السيدات.. المنتخب المغربي يختتم تحضيراته تأهبا لمواجهة الكونغو في ثاني الجولات    مقتل 5 جنود إسرائيليين بكمين لكتائب القسام في شمال قطاع غزة    شرطة السياحة بأكادير تؤكد قانونية تدخلاتها ضد الإرشاد العشوائي    أمريكا تلغي تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية    بعودة حنان الابراهيمي.. سعيد الناصري يصور "تسخسيخة"    مؤسسة منتدى أصيلة تسدل الستار على الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال46 (صورة)    بتوجيه من نظام تبون.. مدرب الجزائر يُجبر على إخفاء اسم المغرب من شارة كأس إفريقيا    تهديدات بفرض رسوم جمركية جديدة على دول "البريكس".. كفى للحمائية غير المجدية    حضره ممثل البوليساريو.. محمد أوجار يمثل حزب أخنوش في مؤتمر الحزب الشعبي الإسباني    بنعلي: غياب تمثيلية الجالية غير مبرر    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    أوزين: الصحة تنهار وشباب المغرب يفقد ثقته في الدولة    حزب "فوكس" الإسباني يهاجم معرضًا مؤيدًا للبوليساريو: ترويج لعدو إرهابي قتل مئات الإسبان    مهرجان ثويزا يشعل صيف طنجة بالفكر والفن والحوار    سيادة دوائية في الأفق .. أخنوش يكشف تفاصيل خارطة الطريق لإنتاج الأدوية واللقاحات    بلاغ إخباري حول تجديد مكتب جمعية دعم وحدة حماية الطفولة بالدارالبيضاء    التوقيع على مذكرة تفاهم بين المغرب والمنظمة العالمية للملكية الفكرية للحماية القانونية للتراث الثقافي المغربي    ارتفاع الفقر في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة منذ 30 عاما    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    لقاء تواصلي أم حفل فولكلوري؟    فتح باب الترشيح لانتقاء الفيلم الطويل الذي سيمثل المغرب في جوائز الأوسكار 2026    المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بالرباط .. باحثون من أزيد من 100 بلد يناقشون «اللامساواة الاجتماعية والبيئية»    حق «الفيتو » الذي يراد به الباطل    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي        التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشيّع..ذلك "الإسلام" الهرمسي
نشر في مرايا برس يوم 05 - 02 - 2010

الحق في الاختلاف ضمانة إلهية،و كل ما يتنافى مع هذا الحقمن تكميم الأفواه و إقصاء الآخر أو أي شكل من أشكال الاستبداد،فصاحبهمرتكب لحماقة فكرية، ويسير على غير سنة الله تعالى القائل في محكم كتابه "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك"،غير أن الإيمان بالتعددية الفكرية والحق في الاختلاف لا ينبغي أن نفهم منه قبول ما يقول هذا "الآخر" و التسليم بصحته من غير نظر،بالفعل قد أدافع عن حقك في إبداء الرأي لكن لا تصادر حقي في أن أختلف معك مادمت أومن يقينا بأن الحق أحادي الوجه و النقيضان كما أنهما لا يرتفعان فإنهما لا يجتمعان،من هنانرى ضرورة التمييز و الفصلبين الاعتراف ب"الآخر" كمكون سوسيوثقافيو بين الاعتراف بصحة ما يقول ذلك "الآخر".
إن التشيع بالفعل يشكل جزءا من الفسيفساء المذهبيفي مجتمعنا المغربي،و هذه المسألة لا يمكن أن ننكرها على الرغم من تمثيله لأقلية قليلة جدا بالمقارنة مع الإسلام القائم على الولاء للسلف رضي الله عنهم بمن فيهم آل بيت رسول الله صلى الله عليهم جميعا،و الكثير من "الأعراف" الشيعيةاستطاعت أن تتوغل فيالثقافة المغربية،و هذا ما دفع البعض للمزايدة بقوله أن أول مذهب عرفه المغرب هو التشيع،و حتى إن افترضنا جدلا صحة هذا القول،فهل هو المذهب الشيعي كما عرفه الأوائل،ذلك التشيع السياسي الذي يرى أحقية آل البيت بالخلافة؟أم تشيعالإساءة للصحابة القائم علىمغالطات تاريخية و أكاذيب ملفقة لا سند لها؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في منهاج السنة : " كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان،وهذا مما يعترفبه علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر،حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي،قال سأل سائل شريك بن عبد الله ابن أبي نمر(من كبار الشيعة) فقال له أيهما أفضل أبو بكر أو علي فقال له أبو بكر فقال له السائل أتقول هذا وأنت من الشيعة، فقال نعم إنما الشيعي من قال مثل هذا،والله لقد رقى علي هذه الأعواد فقال ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر أفكنا نرد قوله أكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابا، ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ ،نقله عنه القاضي عبد الجبار الهمداني في كتاب تثبيت النبوة. "اه
و لابد من التنبيه هنا إلى كون أبحاث الأنتروبولوجيين أكدت بأن ثمة الكثير من الطقوس تنسب إلى "اللامعقول الشيعي" و هي في جوهرها طقوسا كانت سائدة في شمال إفريقيا قبل دخول الإسلام،مثل عاشوراء،يقول بهذا الصدد إدوارد فسترمارك : "على الرغم من الاعتقاد السائد في مناطق المغرب بأن عاشوراء حداد على مقتل أبناء علي بن أبي طالب،و أحيانا على موت الرسول،و على الرغم من توقيتها الذي يصادف اليوم الثاني من محرم و هو الشهر الأول للسنة الهجرية المحمدية،فإنها طقس شمال إفريقي لا ينتمي إلى الإسلام و لا إلى الوثنية العربية" وقوله على درجة كبيرة من الصحة،و يشهد له أجواء المرح و الفرح التي تمر فيها هذه المناسبة،حيث جرت العادة أن يرمي الأطفال بعضهم البعض بالبالونات المائية و يشترون الألعاب،فهم أقرب إلى الناصبة منهم إلى الشيعة،كما أننا لا نلحظ معالم الحزن في المجتمع المغربي،فلاتقام المآثم و لا تلطم الخدود و لا تضرب الأظهرو الرؤوس بالسلاسل و السكاكين كما يفعل شيعة المشرق في مشهد همجي لاإنساني، تقشعر منه جلود الأسوياء و يقف له الشعر عجبا من هذه الحماقات و السخافات،و يتبرأ منه الإسلام الرسمي قبل ذلك.
قد نعترف أن أساس الاختلاف بيننا و الشيعةتاريخي بالدرجة الأولى،و يعترف الكثير من الباحثين الشيعة أن مذهبهم تبلور من خلال القراءة "العميقة" للتاريخ!فهم - بزعمهم- استطاعوا أن يستشفوا الوجه الآخر للصحابة،بينما قراءات أهل السنة للتاريخ تفتقر للموضوعية حسب المزاعم،و لم تتناول بحياد الخلافات الناشبة بين الصحابة بدءا من السقيفة و مرورا بالجمل و صفين و النهروان.. فنحن إذن في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة التاريخقراءة منصفة،بحيث نترك جانبا كل أولئك الذين تلاعبوا بالتاريخ لخلفياتهم الإيديولوجية و منهم الشيعة الرافضة،فمعلوم عند المؤرخين و علماء الجرح و التعديل بأن التشيع منالمدارس الكبيرة التي تخرج منها عدد لابأس به من الكذابين،و لن نتحفظ من القول بأن التشيع كله مبني على الكذب أو ما يسمى عندهم ب"التقية".
و نحن في محاولتنا هذهلكشف حقيقة المذهب الشيعي لن ننساق مع طرحهم"التاريخي"،و إنما سنعمد إلى تقييم عقائد الشيعة باعتماد المنهجين الفيلولوجي و الإبستمولوجي،أما الفيلولوجيا فمنهج استشراقي رغمنمطيتهإلا أنهسيساعدناعلى تفكيك المنظومة العقدية للفكر الشيعي ثم رد كل فرع إلى أصله،إنهمنهج قائم على الفصل و الوصل،أن نفصل الموروث الشيعي عن تراثنا الإسلامي ثم نصله بنا ،و الوصل هنا بوضعه حيث ينبغي أن يكون أي خارج حدود المعقول الديني و الإسلام الرسمي.أما المنهج الإبستمولوجي فإنه المنهج الذي يكشفعن بنية العقل و أسلوب التفكير و طريقة إنتاج المعرفة.
لنقل بادئ ذي بدء إن الإسلام السني هو امتدادللإسلام الناصح الخالص من المعتقدات الفلسفية القديمة التي انبعثت في عصر التدوين،فهو مذهب قائم على "المعقول الديني" في مقابل "اللامعقول العقلي" عندالشيعة،معقول ديني لأنهيكرس خطاب العقل القائم على الحس.إن المعقول الديني يتحدد من خلال العلاقة الجدلية بين المعقول واللامعقول في الخطاب القرآني،الخطاب الذي صور فيمواضع عدة التاريخ كدورة مغلقة لصراعبين المعقول و اللامعقول الدينيين،حيث إن الزمن يذوب في هذه الدائرة التي تعيد نفسها بعد أن تتم دورتها و تعود إلى درجة الصفر.و أول ما يتحدد به المعقول الديني هو الإيمان بالله و توحيده،ذلك لأن الشرك بالله ينطوي على تناقضات إذ "لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا"،بينما في "اللامعقول" ثمة الوسائط و التجسيد و التعدد،ثم الإيمان بالنبوة،نبوة محمد صلى الله عليه و سلم،و لأنه خاتم المرسلين فذلك يعني أن الاتصال بالله لتلقي الوحيلن يكون إليه سبيلا لا بالكشف و لا العرفان، و توحيد الله و الإيمان بالنبوة قائم على الحس،فتوحيد اللهيكون بالنظر في الكتاب المنظور(= الكون)،و نبوة محمد تثبت بالنظر في الكتاب المسطور(= القرآن)،بينما اللامعقول يطالب بحضور ما وراء الطبيعة في الطبيعة،فهو قد يذهب إلى أبعد مدى فيطلب حضور اللهلكي يؤمن بالنبوة "يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة"، و مطالبة أصحاب اللامعقول بالمعجزات هو من هذا القبيل كذلك،إذن فالمعقول الديني يتحدد من خلال القول بوحدانية الله أي نفي الشريك،بمعنى نفي تأثير الكواكب،و الإيمان بالنبوة إنكار لإمكانية الاتصال بالله و التلقي منه مباشرة(ثمة الكثير من الملاحدة العرب كفروا بنبوة محمد أو بالأحرى "استغنوا" عنها لا من منطلق مادي، بل لأنهم كانوا يرون إمكانية تلقي الوحي عن الله بما يسمى عندهم التطهير و الخلاص، و بأن ذلك ليس مخصوص بالنبي كالطبيب الرازي أبو بكر مثلا)،و إذا كانت معجزات الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه و سلم طبيعية،أي خرق لنواميس الطبيعة و قوانينها،فإن معجزة محمد بيانية على مستوى اللغةو البيان.
هذا عن المعقول الديني،أما "اللامعقول العقلي" فإنه يتحدد بنقيضه و كما يقال فإن الأشياء بضدها تتميز،لكن ما هو هذا اللامعقول العقلي الذي نهلت منه الأدبيات الشيعية؟ إنها باختصار تلك الفلسفات التي انبعثت في العصر الهيلنستي و تزامنت معالتهام العقل الإغريقي لنفسه، و استسلامه للخرافة التي قدمت باسم العقل،فهو لامعقول(=خرافة،أسطورة) لكنه عقلي(=يقدم باسم العقل)،إنه إذن "ميثوس" في قالب "اللوغوس"،و يؤكد لنا "فيستوجييرFestugière " أن هذه الفلسفات-بما فيها الهرمسية- إنما رأت النور نتيجة ظروف تاريخيةعقب فتوحات الإسكندر،و حروبتلتهامحدثة أزمات اجتماعية فكرية متمثلة بالأساس في عجز العقل اليوناني عن تطوير نفسه،فهذا الأخير لم يحدث ما قد نسميه مع "باشلارد" قطيعة إبستمولوجية(الطابع التراكمي للمعرفة إنما هو ناجم عن قطائع إبستمولوجية)،لأن العقلانية اليونانية أطلقت العنان لنفسها محتقرة المنهج التجريبي بله الاحتكام إليه،و عندئذ قدّمت "اللاعقلانية" كبديل للعقلانية،و حلّ الاحتكام إلى "الغنوص" و العرفان محل الاحتكام للعقل و الإنصات لسلطانه و الإصغاء لندائه،حيث نقرأ في نص هرمسي يصف الفلسفة المثاليةبأنها "تلك التي لا يدنسها أي فضول سئ للعقل"،عندئذ استقال العقل اليوناني الذي بلغ أوجه مع أستاذ الاسكندر "أرسطو طاليس"حيث تعالى في سماء العقل بمنطقه الصوري،فأرسطو لم يفكر بالعقل فقط بل فكر في العقل و وضع قوانين تعصمه من الخطأ،و هذه درجة من المعقولية أعلى لاشك.
لننظر الآن في الخطوط العريضة لهذه الفلسفة الهرمسية التي اغتالت العقل و استسلمت للغنوص و العرفان،و هو النظام المعرفي الذي ستتبناه صفوف عريضة ممن ينتسب إلى الإسلام كالحركات الباطنية و المتصوفة و الشيعة.
لنسجل بادئ ذي بدء أن المؤرخين للفلسفة اختلفوا حول أصل التسمية هرمس(المثلث بالحكمة) فمنهم من اعتقد بأنه اله من آلهة اليونان و طابقوا بينه و بين إله مصري يسمى طوط thoth،و اليهود يرون بأنه النبي موسى نفسه،أما في الأدبيات العربية فقد طابقوا بين هرمس و النبي إدريس المذكور في القرآن،و الفكر الهرمسي مزيج من المعتقدات الدينية و الفلسفات التي تحتل فيها العلوم السحرية مكانة مهمة،أما الرؤية الكوسمو-أنطولوجية الهرمسية فإنها تقرر بأن فوق السماء إله متعال لا تدركه الأبصار و العقول،و إزاءه توجد المادة الغير المتعينة و هيمبدأ الفوضى و ميدان النجاسة و القذارة،و أما العالم السماوي و الإنسان فقد قام الإله الصانع(و هو غير الإله المتعالي) بخلقهما بتكليف من الإله المتعالي و هذا الإله الصانع قابل للإدراك و المعرفة،و أما الإنسان فيتكون من جسم نجس يعتريه الموت،و النفس و هي الجزء الأشرف في الإنسان ،ذات أصل إلهي ،و هي الطريق لمعرفة الإله بعد تطهيرها لأنها جزء منه أصلا حسب المزاعم،و كذا القول بارتباط العالم السفلي بالعالم العلوي بل و توقف أجزائه بعضها على بعض، فهي عبارة عن دوائر بعضها داخل بعض(يمثل لذلك إخوان الصفا بقشرات البصلة..و إخوان الصفا فلاسفة من الشيعة الإسماعيلية).
هذا عن الفكر الهرمسي في العصر الهيلنستي،و الآن قبل أن ننظر في المواقع التي احتلها هذا "الركام الجيولوجي" من المعتقدات التي شكلتما سمي في عصر التدوين ب "علوم الأوائل" في "الثقافة الإسلامية" ، قد نتساءل و التساؤل هنا مشروع عن حقيقة الحضور الهرمسي في التيارات الإسلامية التي جعلت من هذا الموروث القديم معينا لا ينضب لتأويلاتهاالمتسمة بالباطنية،ذلك أن المتأمل لتراثنا لا بد أن يستشف بسهولة بأن ثمة اختلافات في الأنظمة المعرفية بين الفرق الإسلامية،فهناك فرق بيانية و هي تلك التي انصب اهتمامها على فهم النصوص باعتماد البيان العربي(التركيز على الازدواجية لفظ/معنى)،و ثمة فرق عرفانية غنوصية جعلت من "التأويل الباطني" غطاءا "شرعيا" للتلاعب بالنصوص،و هم المتصوفة و الشيعة بالأساس.
تكاد تجمع مصادرنا الإسلامية أن "أول نقلة من لغة إلى لغة" بتعبير ابن النديم في فهرسته كانت مع أمير أموي يدعى خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الذي جاء إلى دمشق من الإسكندرية -التي كانت مركزا ثقافيا مهما- بالفلسقة الهرمسية،و أنه إنما تعاطى لهذه الفلسفة التي تضم بين ثناياها "علوما" كالكيمياء ( تعنى بتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة) من أجل الحصول على المال و استعادة الخلافة التي وعد بها في مؤتمر الجابية المنعقد في 64ه،إذن فالتشكيك في حضور الموروث الهرمسي بالثقافة الإسلامية تفنده مراجعنا الإسلامية،و ما يزيد من تأكيد ذلك أننا نقرأ نصوصاذات حمولة هرمسية في الكتب التي اعتنت بالعقائد الشيعية ككتاب إمامنا الأشعري رحمه الله "مقالات الإسلاميين"،يقول عن فرقة شيعية من أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين "يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب وأن الأرواح تناسخت وأن روح الله جل اسمه كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت فيه قال‏:‏ وزعم أنه رب وأنه نبي" و لاشك أن القول ب"نبات" العلمفي القلب معتقد هرمسي لا غبار عليه كما قلنا سابقا،و أيضا القول بالأصل الإلهي للنفس البشرية،و كذلك "يزعمون أن المعارف كلها اضطرار و ان الخلق جميعا مضطرون و ان النظر و القياس لا يؤديان الى علم و ما تعبد الله العباد بهما" و في هذا النص الشيعي نلحظ التطابق بينه و بين النص السابق الذي مفاده أن الفلسفة لا ينبغي أن تدنس بأي فضول سئ للعقل،و في نفس السياق نجد نصا لفرقة شيعية تدعى الخطابية تكرس دائما خطاب اللاعقلانية و الغنوص الهرمسي حيث يزعمون ب"أن كل ما يحدث في قلوبهم وحي،و أن كل مؤمن يوحى إليه".أما رسائل إخوان الصفا فهي مدونة هرمسية و موسوعة ل "اللامعقول العقلي"، حيث تجدهم يؤكدون على المبدأ الهرمسي المتمثل في ضرورة تطهير النفس قبل الكلام عن ذات الباري "و اعلموا أيها الاخوان أنه لا ينبغي أن يتكلم أحد في ذات الباري تعالى و لا صفاته بالجزر و التخمين،بل ينبغي أن لا يجادل فيه إلا بعد تصفية النفس".و الأهم من كل هذا هو توظيفهم لشظايا الفلسفة الهرمسية في الحقل السياسي،فمثولوجيا الإمامة القائمة على وراثة النبوة إنما تجد سندها و دعامتهافي الفلسفة الهرمسية،إنهم يعتقدون في "الأسرار" التي تمنح بعض الأشخاص(و هم المعصومون) قوى خارقة للعادة من خلال الاتصال بالعالم العلوي حسب المزاعم،و من هنا خاض الشيعة على مر التاريخ الكثير من الثورات التي يقودها أشخاص لهمقدرات خارقة !و هم الأئمة الذين غلى الناس فيهم حتى سموا فيمراجعنا ب "الغلاة"،إن الغاية إذن من القول بعصمة الإمامهي تعبئة الجمهور و كسب الأتباعو تكريس الزعامة الروحية،و قد نجحوا باعتماد هذا النهج في تجنيد الساخطين على الحكم الأموي و الانقلاب عليه،لكن محاولاتهم باءت بالفشل في الحقبة العباسية،حيث قام الخليفة المأمون بذكائه السياسي من تحويل المعارك المسلحة ضد الشيعة إلى مجادلات فكرية،و هو الأمر الذيأدى بهفي آخر المطاف للاستنجاد بفلسفة أرسطو التي تحصر الحسن فيما حسنه العقل و الشرع و الجمهور،ما يعني الرفض القاطع للعرفان كمعيار لتقييم الأشياء،و بالتالي رفض التأويل الباطني الذي وظفته الفرق الشيعية.
إنه في الوقت الذي يظن فيه الشيعة بأنهم يأخذون سنتهم عن آل البيت عليهم السلام،تأبى الأبحاث العلمية الرصينة القائمة على مناهج صارمة إلا أن تؤكد "أجنبية" الفكر الشيعي،يقول ماسينيون "إن الغلاة الأوائل من شيعة الكوفة قد اطلعوا على نصوص هرمسية"،و يضيف قائلا "فليس من الغريب أن تكون الشيعة أول من تهرمس في الإسلام"،و في نفس السياق يلح محمد عابد الجابري على أنه "بالفعل حفظت لنا كتب الفرق و المقالات كثيرا من الأطروحات التي قال بها الغلاة و الروافض و التي لا يمكن الشك في هرمسيتها"..
إن التشيع ليس سنة نبوية على نهج آل البيت،بل هو إسلام في قالب هرمسي،فالإسلام في فتوحاته لم "يمسح الطاولة" بالتعبير الديكارتي ،و إنما انطبقت عليه قوله دودس " من النادر جدا أن تقوم بنية جديدة من المعتقدات بمحو البنية السابقة لها محوا تاما"،إن الهرمسية واصلت حياتها في الإسلام في صيغة واحدة هي الفكر الشيعي.
www.adiltahiri.maktoobblog.com http://www.adiltahiri.maktoobblog.com/
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.