أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    "بوكينغ" أمام دعوى من آلاف الفنادق بأوروبا        أستراليا تتهم مواطنة صينية بالتجسس        عاكف تتوج ببطولة "فريستايل إفريقيا"        الدرونات تساعد على سرقة السياح في تايلاند    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    جماهري يكتب: من أجل قواعد نهائية في تدبير الانتخابات    الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    كيوسك الإثنين | مراكش والدار البيضاء ضمن الوجهات الأكثر جاذبية للسياح الأمريكيين    تقرير: ارتفاع في عدد المهاجرين غير النظاميين إلى سبتة ومليلية المحتلتين منذ بداية 2025        حين يغيب تكافؤ الفرص… تضيع شفافية الانتخابات    سوق الشغل في المغرب خلال الفصل الثاني من 2025.. مؤشرات متباينة وسط تداعيات الجفاف وتراجع الفلاحة    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    حماس تقول إنها لن تسمح للصليب الأحمر بالوصول إلى الرهائن إلا إذا تم فتح ممرات إنسانية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    حادثة مأساوية بطنجة.. مصرع سيدة وسقوط سيارة في مجرى واد بعد اصطدام عنيف    مسيرة تناصر قطاع غزة من ساحة الأمم إلى أبواب ميناء "طنجة المدينة"    ‬إسبانيا ‬تزيل ‬علمها ‬من ‬جزيرتين ‬قبالة ‬الحسيمة ‬دون ‬إعلان ‬رسمي.. ‬    رواج الموانئ المغربية يسجل ارتفاعا ب11,6% خلال النصف الأول من 2025    المغرب.. أقدم أصدقاء أمريكا وركيزة في مسار العلاقات التاريخية    السكتيوي: الفوز على أنغولا نتيجة نضج تكتيكي واضح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    مصرع طيار وابنه في تحطم طائرة خفيفة في إسبانيا    حريمات أفضل لاعب في لقاء أنغولا    الشركات الرياضية تختبر حدود التمويل والحكامة في كرة القدم المغربية    إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفجيج..بن حمزة يوضح    الجزائر تروج لوثيقة وهمية للطعن في اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء    شخصيات مقدسية تشيد بمبادرة الملك محمد السادس إرسال مساعدة إنسانية وطبية عاجلة لسكان قطاع غزة    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية النيجر بمناسبة العيد الوطني لبلاده    لفتيت يقدم خطة الدولة من 7 أهداف لتعزير المسار الديمقراطي والأحزاب ملزمة بتقديم ردها قبل نهاية غشت    مبابي يشهد.. حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    "3 لاءات" نقابية تواجه خطط الإصلاح الحكومية لأنظمة التقاعد المغربية    موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الأحد إلى الجمعة بعدد من مناطق المغرب    نازهي يسائل وزير الثقافة حول اختلالات مسرح محمد عفيفي بمدينة الجديدة    جمعية أنزا الهجرة والتنمية تنظم الدورة الرابعة لمهرجان المهاجر    دراسة تحذر: هل يكون عام 2027 بداية نهاية البشرية بسبب الذكاء الاصطناعي؟    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    النجمة أصالة تغني شارة "القيصر" دراما جريئة من قلب المعتقلات    المركز السوسيوثقافي أبي القناديل يحتظن حفلا مميزا تخايدا لذكرى 26 لعيد العرش المجيد    السياسة وصناعتُها البئيسة !    اختتام معرض الصناعة التقليدية بالعرائش        دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التشيّع..ذلك " الإسلام " الهرمسي
نشر في هسبريس يوم 07 - 02 - 2010

الحق في الاختلاف ضمانة إلهية،و كل ما يتنافى مع هذا الحق من تكميم الأفواه و إقصاء الآخر أو أي شكل من أشكال الاستبداد،فصاحبه مرتكب لحماقة فكرية، ويسير على غير سنة الله تعالى القائل في محكم كتابه "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" ،غير أن الإيمان بالتعددية الفكرية والحق في الاختلاف لا ينبغي أن نفهم منه قبول ما يقول هذا "الآخر" و التسليم بصحته من غير نظر،بالفعل قد أدافع عن حقك في إبداء الرأي لكن لا تصادر حقي في أن أختلف معك مادمت أومن يقينا بأن الحق أحادي الوجه و النقيضان كما أنهما لا يرتفعان فإنهما لا يجتمعان،من هنا نرى ضرورة التمييز و الفصل بين الاعتراف ب"الآخر" كمكون سوسيوثقافي و بين الاعتراف بصحة ما يقول ذلك "الآخر".
إن التشيع بالفعل يشكل جزءا من الفسيفساء المذهبي في مجتمعنا المغربي،و هذه المسألة لا يمكن أن ننكرها على الرغم من تمثيله لأقلية قليلة جدا بالمقارنة مع الإسلام القائم على الولاء للسلف رضي الله عنهم بمن فيهم آل بيت رسول الله صلى الله عليهم جميعا،و الكثير من "الأعراف" الشيعية استطاعت أن تتوغل في الثقافة المغربية،و هذا ما دفع البعض للمزايدة بقوله أن أول مذهب عرفه المغرب هو التشيع،و حتى إن افترضنا جدلا صحة هذا القول،فهل هو المذهب الشيعي كما عرفه الأوائل،ذلك التشيع السياسي الذي يرى أحقية آل البيت بالخلافة؟أم تشيع الإساءة للصحابة القائم على مغالطات تاريخية و أكاذيب ملفقة لا سند لها؟ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه في منهاج السنة : " كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا عليا أو كانوا في ذلك الزمان لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان،وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر،حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي،قال سأل سائل شريك بن عبد الله ابن أبي نمر(من كبار الشيعة) فقال له أيهما أفضل أبو بكر أو علي فقال له أبو بكر فقال له السائل أتقول هذا وأنت من الشيعة، فقال نعم إنما الشيعي من قال مثل هذا،والله لقد رقى علي هذه الأعواد فقال ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر أفكنا نرد قوله أكنا نكذبه؟ والله ما كان كذابا، ذكر هذا أبو القاسم البلخي في النقض على ابن الراوندي اعتراضه على الجاحظ ،نقله عنه القاضي عبد الجبار الهمداني في كتاب تثبيت النبوة. "اه
و لابد من التنبيه هنا إلى كون أبحاث الأنتروبولوجيين أكدت بأن ثمة الكثير من الطقوس تنسب إلى "اللامعقول الشيعي" و هي في جوهرها طقوسا كانت سائدة في شمال إفريقيا قبل دخول الإسلام،مثل عاشوراء،يقول بهذا الصدد إدوارد فسترمارك : "على الرغم من الاعتقاد السائد في مناطق المغرب بأن عاشوراء حداد على مقتل أبناء علي بن أبي طالب،و أحيانا على موت الرسول،و على الرغم من توقيتها الذي يصادف اليوم الثاني من محرم و هو الشهر الأول للسنة الهجرية المحمدية،فإنها طقس شمال إفريقي لا ينتمي إلى الإسلام و لا إلى الوثنية العربية" و قوله على درجة كبيرة من الصحة،و يشهد له أجواء المرح و الفرح التي تمر فيها هذه المناسبة،حيث جرت العادة أن يرمي الأطفال بعضهم البعض بالبالونات المائية و يشترون الألعاب،فهم أقرب إلى الناصبة منهم إلى الشيعة،كما أننا لا نلحظ معالم الحزن في المجتمع المغربي،فلا تقام المآثم و لا تلطم الخدود و لا تضرب الأظهر و الرؤوس بالسلاسل و السكاكين كما يفعل شيعة المشرق في مشهد همجي لاإنساني، تقشعر منه جلود الأسوياء و يقف له الشعر عجبا من هذه الحماقات و السخافات،و يتبرأ منه الإسلام الرسمي قبل ذلك.
قد نعترف أن أساس الاختلاف بيننا و الشيعة تاريخي بالدرجة الأولى،و يعترف الكثير من الباحثين الشيعة أن مذهبهم تبلور من خلال القراءة "العميقة" للتاريخ! فهم - بزعمهم- استطاعوا أن يستشفوا الوجه الآخر للصحابة،بينما قراءات أهل السنة للتاريخ تفتقر للموضوعية حسب المزاعم،و لم تتناول بحياد الخلافات الناشبة بين الصحابة بدءا من السقيفة و مرورا بالجمل و صفين و النهروان.. فنحن إذن في حاجة ماسة إلى إعادة قراءة التاريخ قراءة منصفة،بحيث نترك جانبا كل أولئك الذين تلاعبوا بالتاريخ لخلفياتهم الإيديولوجية و منهم الشيعة الرافضة،فمعلوم عند المؤرخين و علماء الجرح و التعديل بأن التشيع من المدارس الكبيرة التي تخرج منها عدد لابأس به من الكذابين،و لن نتحفظ من القول بأن التشيع كله مبني على الكذب أو ما يسمى عندهم ب"التقية".
و نحن في محاولتنا هذه لكشف حقيقة المذهب الشيعي لن ننساق مع طرحهم "التاريخي"،و إنما سنعمد إلى تقييم عقائد الشيعة باعتماد المنهجين الفيلولوجي و الإبستمولوجي،أما الفيلولوجيا فمنهج استشراقي رغم نمطيته إلا أنه سيساعدنا على تفكيك المنظومة العقدية للفكر الشيعي ثم رد كل فرع إلى أصله،إنه منهج قائم على الفصل و الوصل،أن نفصل الموروث الشيعي عن تراثنا الإسلامي ثم نصله بنا ،و الوصل هنا بوضعه حيث ينبغي أن يكون أي خارج حدود المعقول الديني و الإسلام الرسمي.أما المنهج الإبستمولوجي فإنه المنهج الذي يكشف عن بنية العقل و أسلوب التفكير و طريقة إنتاج المعرفة.
لنقل بادئ ذي بدء إن الإسلام السني هو امتداد للإسلام الناصح الخالص من المعتقدات الفلسفية القديمة التي انبعثت في عصر التدوين،فهو مذهب قائم على "المعقول الديني" في مقابل "اللامعقول العقلي" عند الشيعة،معقول ديني لأنه يكرس خطاب العقل القائم على الحس.إن المعقول الديني يتحدد من خلال العلاقة الجدلية بين المعقول واللامعقول في الخطاب القرآني،الخطاب الذي صور في مواضع عدة التاريخ كدورة مغلقة لصراع بين المعقول و اللامعقول الدينيين،حيث إن الزمن يذوب في هذه الدائرة التي تعيد نفسها بعد أن تتم دورتها و تعود إلى درجة الصفر.و أول ما يتحدد به المعقول الديني هو الإيمان بالله و توحيده،ذلك لأن الشرك بالله ينطوي على تناقضات إذ "لو كان فيهما آلهة غير الله لفسدتا"،بينما في "اللامعقول" ثمة الوسائط و التجسيد و التعدد،ثم الإيمان بالنبوة،نبوة محمد صلى الله عليه و سلم،و لأنه خاتم المرسلين فذلك يعني أن الاتصال بالله لتلقي الوحي لن يكون إليه سبيلا لا بالكشف و لا العرفان، و توحيد الله و الإيمان بالنبوة قائم على الحس،فتوحيد الله يكون بالنظر في الكتاب المنظور(= الكون)،و نبوة محمد تثبت بالنظر في الكتاب المسطور(= القرآن)،بينما اللامعقول يطالب بحضور ما وراء الطبيعة في الطبيعة،فهو قد يذهب إلى أبعد مدى فيطلب حضور الله لكي يؤمن بالنبوة "يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة"، و مطالبة أصحاب اللامعقول بالمعجزات هو من هذا القبيل كذلك،إذن فالمعقول الديني يتحدد من خلال القول بوحدانية الله أي نفي الشريك،بمعنى نفي تأثير الكواكب،و الإيمان بالنبوة إنكار لإمكانية الاتصال بالله و التلقي منه مباشرة(ثمة الكثير من الملاحدة العرب كفروا بنبوة محمد أو بالأحرى "استغنوا" عنها لا من منطلق مادي، بل لأنهم كانوا يرون إمكانية تلقي الوحي عن الله بما يسمى عندهم التطهير و الخلاص، و بأن ذلك ليس مخصوص بالنبي كالطبيب الرازي أبو بكر مثلا)،و إذا كانت معجزات الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه و سلم طبيعية،أي خرق لنواميس الطبيعة و قوانينها،فإن معجزة محمد بيانية على مستوى اللغة و البيان.
هذا عن المعقول الديني،أما "اللامعقول العقلي" فإنه يتحدد بنقيضه و كما يقال فإن الأشياء بضدها تتميز،لكن ما هو هذا اللامعقول العقلي الذي نهلت منه الأدبيات الشيعية؟ إنها باختصار تلك الفلسفات التي انبعثت في العصر الهيلنستي و تزامنت مع التهام العقل الإغريقي لنفسه، و استسلامه للخرافة التي قدمت باسم العقل،فهو لامعقول(=خرافة،أسطورة) لكنه عقلي(=يقدم باسم العقل)،إنه إذن "ميثوس" في قالب "اللوغوس"،و يؤكد لنا "فيستوجييرFestugière " أن هذه الفلسفات-بما فيها الهرمسية- إنما رأت النور نتيجة ظروف تاريخية عقب فتوحات الإسكندر،و حروب تلتها محدثة أزمات اجتماعية فكرية متمثلة بالأساس في عجز العقل اليوناني عن تطوير نفسه،فهذا الأخير لم يحدث ما قد نسميه مع "باشلارد" قطيعة إبستمولوجية(الطابع التراكمي للمعرفة إنما هو ناجم عن قطائع إبستمولوجية)،لأن العقلانية اليونانية أطلقت العنان لنفسها محتقرة المنهج التجريبي بله الاحتكام إليه،و عندئذ قدّمت "اللاعقلانية" كبديل للعقلانية،و حلّ الاحتكام إلى "الغنوص" و العرفان محل الاحتكام للعقل و الإنصات لسلطانه و الإصغاء لندائه،حيث نقرأ في نص هرمسي يصف الفلسفة المثالية بأنها "تلك التي لا يدنسها أي فضول سئ للعقل"،عندئذ استقال العقل اليوناني الذي بلغ أوجه مع أستاذ الاسكندر "أرسطو طاليس" حيث تعالى في سماء العقل بمنطقه الصوري،فأرسطو لم يفكر بالعقل فقط بل فكر في العقل و وضع قوانين تعصمه من الخطأ،و هذه درجة من المعقولية أعلى لاشك.
لننظر الآن في الخطوط العريضة لهذه الفلسفة الهرمسية التي اغتالت العقل و استسلمت للغنوص و العرفان،و هو النظام المعرفي الذي ستتبناه صفوف عريضة ممن ينتسب إلى الإسلام كالحركات الباطنية و المتصوفة و الشيعة.
لنسجل بادئ ذي بدء أن المؤرخين للفلسفة اختلفوا حول أصل التسمية هرمس(المثلث بالحكمة) فمنهم من اعتقد بأنه اله من آلهة اليونان و طابقوا بينه و بين إله مصري يسمى طوط thoth،و اليهود يرون بأنه النبي موسى نفسه،أما في الأدبيات العربية فقد طابقوا بين هرمس و النبي إدريس المذكور في القرآن،و الفكر الهرمسي مزيج من المعتقدات الدينية و الفلسفات التي تحتل فيها العلوم السحرية مكانة مهمة،أما الرؤية الكوسمو-أنطولوجية الهرمسية فإنها تقرر بأن فوق السماء إله متعال لا تدركه الأبصار و العقول،و إزاءه توجد المادة الغير المتعينة و هي مبدأ الفوضى و ميدان النجاسة و القذارة،و أما العالم السماوي و الإنسان فقد قام الإله الصانع(و هو غير الإله المتعالي) بخلقهما بتكليف من الإله المتعالي و هذا الإله الصانع قابل للإدراك و المعرفة،و أما الإنسان فيتكون من جسم نجس يعتريه الموت،و النفس و هي الجزء الأشرف في الإنسان ،ذات أصل إلهي ،و هي الطريق لمعرفة الإله بعد تطهيرها لأنها جزء منه أصلا حسب المزاعم،و كذا القول بارتباط العالم السفلي بالعالم العلوي بل و توقف أجزائه بعضها على بعض، فهي عبارة عن دوائر بعضها داخل بعض(يمثل لذلك إخوان الصفا بقشرات البصلة..و إخوان الصفا فلاسفة من الشيعة الإسماعيلية).
هذا عن الفكر الهرمسي في العصر الهيلنستي،و الآن قبل أن ننظر في المواقع التي احتلها هذا "الركام الجيولوجي" من المعتقدات التي شكلت ما سمي في عصر التدوين ب "علوم الأوائل" في "الثقافة الإسلامية" ، قد نتساءل و التساؤل هنا مشروع عن حقيقة الحضور الهرمسي في التيارات الإسلامية التي جعلت من هذا الموروث القديم معينا لا ينضب لتأويلاتها المتسمة بالباطنية،ذلك أن المتأمل لتراثنا لا بد أن يستشف بسهولة بأن ثمة اختلافات في الأنظمة المعرفية بين الفرق الإسلامية،فهناك فرق بيانية و هي تلك التي انصب اهتمامها على فهم النصوص باعتماد البيان العربي(التركيز على الازدواجية لفظ/معنى)،و ثمة فرق عرفانية غنوصية جعلت من "التأويل الباطني" غطاءا "شرعيا" للتلاعب بالنصوص،و هم المتصوفة و الشيعة بالأساس.
تكاد تجمع مصادرنا الإسلامية أن "أول نقلة من لغة إلى لغة" بتعبير ابن النديم في فهرسته كانت مع أمير أموي يدعى خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الذي جاء إلى دمشق من الإسكندرية -التي كانت مركزا ثقافيا مهما- بالفلسقة الهرمسية،و أنه إنما تعاطى لهذه الفلسفة التي تضم بين ثناياها "علوما" كالكيمياء ( تعنى بتحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة) من أجل الحصول على المال و استعادة الخلافة التي وعد بها في مؤتمر الجابية المنعقد في 64ه،إذن فالتشكيك في حضور الموروث الهرمسي بالثقافة الإسلامية تفنده مراجعنا الإسلامية،و ما يزيد من تأكيد ذلك أننا نقرأ نصوصا ذات حمولة هرمسية في الكتب التي اعتنت بالعقائد الشيعية ككتاب إمامنا الأشعري رحمه الله "مقالات الإسلاميين"،يقول عن فرقة شيعية من أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين "يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب وأن الأرواح تناسخت وأن روح الله جل اسمه كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت فيه قال‏:‏ وزعم أنه رب وأنه نبي" و لاشك أن القول ب"نبات" العلم في القلب معتقد هرمسي لا غبار عليه كما قلنا سابقا،و أيضا القول بالأصل الإلهي للنفس البشرية،و كذلك "يزعمون أن المعارف كلها اضطرار و ان الخلق جميعا مضطرون و ان النظر و القياس لا يؤديان الى علم و ما تعبد الله العباد بهما" و في هذا النص الشيعي نلحظ التطابق بينه و بين النص السابق الذي مفاده أن الفلسفة لا ينبغي أن تدنس بأي فضول سئ للعقل،و في نفس السياق نجد نصا لفرقة شيعية تدعى الخطابية تكرس دائما خطاب اللاعقلانية و الغنوص الهرمسي حيث يزعمون ب"أن كل ما يحدث في قلوبهم وحي،و أن كل مؤمن يوحى إليه".أما رسائل إخوان الصفا فهي مدونة هرمسية و موسوعة ل "اللامعقول العقلي"، حيث تجدهم يؤكدون على المبدأ الهرمسي المتمثل في ضرورة تطهير النفس قبل الكلام عن ذات الباري "و اعلموا أيها الاخوان أنه لا ينبغي أن يتكلم أحد في ذات الباري تعالى و لا صفاته بالجزر و التخمين،بل ينبغي أن لا يجادل فيه إلا بعد تصفية النفس".و الأهم من كل هذا هو توظيفهم لشظايا الفلسفة الهرمسية في الحقل السياسي،فمثولوجيا الإمامة القائمة على وراثة النبوة إنما تجد سندها و دعامتها في الفلسفة الهرمسية،إنهم يعتقدون في "الأسرار" التي تمنح بعض الأشخاص(و هم المعصومون) قوى خارقة للعادة من خلال الاتصال بالعالم العلوي حسب المزاعم،و من هنا خاض الشيعة على مر التاريخ الكثير من الثورات التي يقودها أشخاص لهم قدرات خارقة !و هم الأئمة الذين غلى الناس فيهم حتى سموا في مراجعنا ب "الغلاة"،إن الغاية إذن من القول بعصمة الإمام هي تعبئة الجمهور و كسب الأتباع و تكريس الزعامة الروحية،و قد نجحوا باعتماد هذا النهج في تجنيد الساخطين على الحكم الأموي و الانقلاب عليه،لكن محاولاتهم باءت بالفشل في الحقبة العباسية،حيث قام الخليفة المأمون بذكائه السياسي من تحويل المعارك المسلحة ضد الشيعة إلى مجادلات فكرية،و هو الأمر الذي أدى به في آخر المطاف للاستنجاد بفلسفة أرسطو التي تحصر الحسن فيما حسنه العقل و الشرع و الجمهور،ما يعني الرفض القاطع للعرفان كمعيار لتقييم الأشياء،و بالتالي رفض التأويل الباطني الذي وظفته الفرق الشيعية.
إنه في الوقت الذي يظن فيه الشيعة بأنهم يأخذون سنتهم عن آل البيت عليهم السلام،تأبى الأبحاث العلمية الرصينة القائمة على مناهج صارمة إلا أن تؤكد "أجنبية" الفكر الشيعي،يقول ماسينيون "إن الغلاة الأوائل من شيعة الكوفة قد اطلعوا على نصوص هرمسية"،و يضيف قائلا "فليس من الغريب أن تكون الشيعة أول من تهرمس في الإسلام"،و في نفس السياق يلح محمد عابد الجابري على أنه "بالفعل حفظت لنا كتب الفرق و المقالات كثيرا من الأطروحات التي قال بها الغلاة و الروافض و التي لا يمكن الشك في هرمسيتها"..
إن التشيع ليس سنة نبوية على نهج آل البيت،بل هو إسلام في قالب هرمسي،فالإسلام في فتوحاته لم "يمسح الطاولة" بالتعبير الديكارتي ،و إنما انطبقت عليه قوله دودس " من النادر جدا أن تقوم بنية جديدة من المعتقدات بمحو البنية السابقة لها محوا تاما"،إن الهرمسية واصلت حياتها في الإسلام في صيغة واحدة هي الفكر الشيعي.
www.adiltahiri.maktoobblog.com http://www.adiltahiri.maktoobblog.com
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.