بمشاركة خطيب الأقصى.. باحثون يناقشون تحولات القضية الفلسطينية    طقس الأحد.. ثلوج وأمطار رعدية بعدة مناطق من المملكة    انتخاب نزار بركة بالإجماع أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    عاجل.. الاستقلاليين صوتوا بالإجماع على نزار بركة أمين عام لحزب الاستقلال لولاية ثانية    عاجل.. مؤتمر "الاستقلال" يختار نزار بركة أمينا عاما لولاية ثانية    ما هو صوت "الزنّانة" الذي لا يُفارق سماء غزة، وما علاقته بالحرب النفسية؟    "دكاترة التربية الوطنية" يطالبون بتعويض المتضررين من عدم تنفيذ اتفاق 2010    العثور على شاب منحور بباب مستشفى طنجة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    بعد تداول الفيديو.. توقيف شخص بطنجة لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة و اعتراض السبيل    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    حكيمي ينقذ فريقه من هزيمة قاسية أمام لوهافر    بدء أشغال المجلس الوطني لحزب "الميزان"    بعد إعادة انتخابه زعيما ل"الميزان".. بركة يتطلع إلى تصدر المشهد السياسي    حزب "الاستقلال" يختتم مؤتمره.. في انتظار الحسم في اختيار أمينه العام واتجاه لتزكية بركة لولاية جديدة    قيادة الاستقلال تتوافق على لائحة الأسماء المرشحة لعضوية اللجنة التنفيذية    أولمبيك آسفي يتعادل مع ضيفه اتحاد طنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    الجيش الملكي يستنكر "الأخطاء التحكيمية" في مباراة الحسنية ويشكو الرداد للجنة التحكيم    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    حكيم زياش يبصم على أداء كبير رفقة غلطة سراي التركي    اجتياح إسرائيل لرفح قد يكون "خدعة" أو مقدمة لحرب مدمرة    صحيفة "النهار" الجزائرية: إتحاد العاصمة الجزائري يتجه إلى الإنسحاب من مواجهة نهضة بركان    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    انطلاقة مهرجان سينما المتوسط بتطوان    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    بفضل فوائده وجودته.. منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    الرئيس الفلسطيني وزعماء دوليون يعقدون محادثات بشأن غزة في الرياض    بعد مشادات مع كلوب.. صلاح: حديثي سيشعل الأمر    الأمثال العامية بتطوان... (584)    توافد غير مسبوق للزوار على المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    زلزال قوي يضرب سواحل جاوا بإندونيسيا    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    اتحاد العاصمة باغيين يلعبو وخايفين من الكابرانات: هددو ما يلعبوش ويرجعو فالطيارة اليوم للجزائر وفاللخر مشاو يترينيو    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصرع محسن بائع السمك الذي مات "مطحونا" داخل شاحنة للأزبال لغز حير الجميع
نشر في ناظور سيتي يوم 01 - 12 - 2016

الحسيمة الآن.. هدوء لا ينتظر العاصفة، وسكان يترنحون من الصقيع، ويتنفسون أخبار بائع السمك محسن فكري، ثم يتيهون في الساحات والشوارع بحثا عن حقيقة "طحن مو". تعددت الروايات حول الحادثة، بعد أسابيع من تحريات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وإيقاف ثمانية متهمين، وانطلاق تحقيق قاضي التحقيق باستئنافية الحسيمة.. فماذا حدث في تلك الليلة؟
"الصباح" انتقلت إلى الحسيمة، واستمعت إلى شهود عيان، بعضهم رفض الكشف عن هويته لحساسية موقفه، ثم حاورت محامي أربعة متهمين، واستمعت إلى وجهة نظر حقوقيين وجمعويين، وزارت ميناء المدينة، وواست أب الضحية، وتتبعت خيوط حراك الغاضبين، فوقفت على الألغاز المحيرة: من ضغط على زر شاحنة النفايات؟ ومن أطلق عبارة "طحن مو"؟
حين تجتاز منعرجات "وادي ايسلي" بسلام، وتصل إلى الحسيمة، فتأكد أنك زائر محظوظ جدا، ونجحت في أولى المهام الشاقة، حينها تستطيع أن تحاور السكان بسهولة، فهم طيبون، لكنهم يغضبون بسرعة، مثل غضب الطبيعة التي تحضنهم من كل الجهات.
يمتحن البحر والجبال صبر الزائرين، لكنهما ينفجران غضبا في القضايا الكبرى، فالمدينة تتعايش فيها الإيديولوجيات وبساطة السكان، فتكشف، مثلا، "نشاط" أطياف اليسار ، وغياب "الإسلاميين"، واستحواذ أتباع حزب الأصالة والمعاصرة، على شؤون المدينة ورياضتها.
الفاجعة
لم يندثر ألم فاجعة محسن فكري، رغم مرور ثلاثة أسابيع، فالسكان يروون التفاصيل بفضول، ويترحمون، مساء كل جمعة، على روحه بحمل آلاف الشموع، ويمشون بخشوع في الشوارع، ثم يتفرقون بهدوء في انتظار زف حقيقة وفاته.
ألغاز قضية محسن فكري متشعبة، ومناطق الظل في الملف متعددة يرويها الكثيرون بجرأة، مع إعادة سيناريو الحادثة الذي يشبه المشي في حقل ألغام لا شك أنه يفجر أسئلة كثيرة ومتنوعة، موازاة مع انتهاء تحريات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وانطلاق التحقيق التمهيدي مع قاضي التحقيق باستئنافية الحسيمة، ووصولا إلى اعتقال ثمانية متهمين بالقتل غير العمد وتزوير محاضر.
أصل الحكاية
"الصباح" عادت إلى مسرح الجريمة لإعادة تمثيلها، بناء على تصريحات شهود عيان، ورواية الأب المكلوم:
في الرابعة بعد زوال يوم الجمعة 28 أكتوبر الماضي أنهى محسن فكري اقتناء بضاعته من سمك "أبو سيف"، إذ نجح في اقتناء ستة أطنان من مراكب صيد بقيمة مالية وصلت إلى ستة ملايين و800 ألف سنتيم، علما أن هذا النوع من السمك ممنوع صيده في فترة الراحة البيولوجية التي تمتد شهري أكتوبر ونونبر، إضافة إلى منع صيده بواسطة الشباك، ويسمح فقط بصيده بالصنارة.
الساعة الخامسة عصر اليوم نفسه، يشحن فكري بضاعته في سيارة من نوع "مرسيدس"، ويغادر الميناء، ثم فجأة تتوقف السيارة عند حاجز المراقبة، وفي لغز، مازال محيرا إلى حد الآن، تغادر السيارة الميناء، رغم أنها لا تتوفر على ترخيص، حينها يعمد شرطي المراقبة إلى الاتصال بمسؤوليه، ويخبرهم أن شحنة السمك غير المرخص غادرت الميناء.. فهل فرت السيارة من المراقبة عنوة؟ أم أن سائقها استغفل الشرطي؟
الاتجاه السائد يؤكد فرضية استغفال الشرطي، فلو منع السيارة من مغادرة الميناء لما تطورت القضية، يؤكد أحد تجار السمك بالميناء، مشيرا إلى أن غياب المراقبة داخل الميناء يعكس الفوضى التي يعيشها، فلا أحد يراقب نوعية السمك المصطاد، حتى ولو كان ممنوعا، بل إن "مافيا" تستغل هذه الثغرات من أجل الاتجار في السمك الممنوع وجني أرباح طائلة منه، ومحسن فكري، مثل العديدين، يقتني بضاعته من داخل الميناء، ثم يعيد بيعها.
بعد إبلاغ الشرطي عن فرار السيارة، تحرك الأمن والسلطات المحلية بسرعة من أجل توقيف سائقها، فتم العثور عليها في شارع الحسن الثاني في طريقها إلى طنجة، ثم صودر السمك، وتوجه الجميع إلى المركز الأمني من أجل مباشرة الإجراءات.
سمع محسن فكري بواقعة حجز بضاعته، فتوجه إلى المركز الأمني من أجل الاحتجاج، سيما، يقول والده، إنها ليس المرة الأولى التي تُتلف فيها بضاعته، فقبل أشهر قليلة تلقى الراحل صدمة قوية بسبب إتلاف كمية كبيرة من سمك "التون" تقدر قيمتها المالية بعشرين مليون سنتيم، مما كبده خسائر مالية فادحة، لم يستطع تعويضها إلا بصعوبة كبيرة.
التحق عدد من أصدقاء فكري بالمركز الأمني، تضامنا معه، ووصل عددهم إلى حوالي عشرين شخصا وقفوا يحتجون على مصادرة السمك، في الوقت الذي كان المسؤولون يباشرون إجراءات إتلاف المحجوز.
ويقول عضو بغرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة طنجة تطوان الحسيمة، إنه عمد إلى الاتصال بالمراقب العام للأمن الإقليمي، بعد إخبار رئيس الغرفة بالحادث، قبل أن يجيبهما المسؤول الأول عن الأمن بأن الملف بين يدي النيابة العامة.
وتساءل العضو عن السر في عدم الاحتفاظ بالهالك بمقر الأمن الإقليمي للحسيمة، لحظة إتلاف البضاعة، خاصة أنه ظل يهدد بإلقاء نفسه في حاوية شاحنة الأزبال، مضيفا أن جميع المسؤولين الذين اتصل بهم من أجل إيجاد تسوية للملف، أخبروه أن هناك تعليمات صارمة من النيابة العامة، ولا يمكن تجاوزها.
واعترف العضو ذاته بأن الهالك هو من المنتسبين لغرفة التجارة بجهة طنجة، ومنح له شهادة الانتساب من أجل إضافتها إلى وثائق كان أودعها لدى إحدى القنصليات من أجل الحصول على تأشيرة.
حوالي الثامنة مساء، توصل رجال الأمن بأوامر من جهة معنية من أجل استدعاء شاحنة أزبال من النوع الآلي لإتلاف البضاعة المحتجزة، حينها جن جنون محسن فكري الذي بدأ يرغي ويزبد ويهدد بالتضحية بحياته، إذا ما قررت المصالح الأمنية مصادرة بضاعته ووضعها في شاحنة الأزبال.
وحين شرع بعض العمال في إفراغ السيارة ووضع محتوياتها من الأسماك في الشاحنة، صعد فكري، رفقة زميلين له، إلى حاشية الشاحنة، غير بعيد عن آلة الشفط والعصر، وبدؤوا يلحون بمنع إتلاف البضاعة.
وفي الوقت الذي اختار زميلا محسن النزول من الشاحنة، هوى داخلها، وانزلق داخل ماكينة الشفط التي ابتلعته في دقائق معدودة، فارق إثرها الحياة.
والد فكري: مازلت أنتظر الحقيقة
أوضح والد محسن فكري، في لقاء مع "الصباح" بمنزله بإمزورن، أن قاضي التحقيق استمع إلى طلباتهم، إذ أمدوه بلائحة تتضمن أرقاما هاتفية وجدت بهاتف الضحية، وذلك من أجل تحديد هوية أصحابها، ومعرفة محتوى الحديث الذي دار بينهم وبين الضحية.
ونفى الأب أن يكون الأمر يتعلق بأحد رجال الأمن. وقال:" ما زلت لم أستوعب بعد وفاة محسن، فقد كان ابنا بارا، ولا أملك حقيقة ما حدث له، إذ مات وهو يحمل معه حقيقة ما حدث في تلك الليلة"، مشيرا إلى أن صدمة مقتله قوية، بعدما ترك فراغا كبيرا.
ونبه الأب إلى ضرورة التعجيل بإنهاء التحقيق في الملف، وأن يشمل جميع الجهات، علما أننا، يقول علي فكري، حريصون على عدم تسييس الملف، ف"الراحل لم يكن له انتماء نقابي أو سياسي، بل كان يكافح فقط من أجل لقمة العيش". ولم يخف الأب تأثره بحجم التضامن مع قضية ابنه.
وقال الأب:"أبلغ الآن من العمر 71 سنة، ولم يسبق لي أن عاينت مثل هذا التضامن الكبير"، مشيرا إلى أن الأسرة التقت وفودا من المعزين، ومنهم هيآت وشخصيات حقوقية، مثل محمد الصبار الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وتساءل الأب بحرقة: "أريد معرفة الحقيقة فقط، والإجابة عن عدة أسئلة لتحديد هوية من ضغط على زر شاحنة النفايات التي"طحنت" ابني، إذ كان بالإمكان اللجوء إلى رفع البصمات لمعرفة المتسبب المباشر في قتله، وتحديد هوية من أعطى الأوامر للضغط على زر الشاحنة"، مشيرا إلى أنه كان بالإمكان اعتقال محسن أثناء إتلاف السمك إجراء احترازيا، تحسبا لردة فعله، خصوصا أن الراحل سبق أن أُتلفت بضاعته من سمك "التون" التي وصلت قيمتها، آنذاك، إلى 20 مليون سنتيم.
الحراك الاجتماعي... تعبئة وصراع
خرج آلاف المحتجين بالحسيمة، بعد مقتل محسن فكري، إلى شوارع المدينة، وتحولت الوقفات الحاشدة بساحة الشهداء إلى مسيرات حمل فيها المحتجون الشموع، ورددوا شعارات تندد بمقتل بائع الأسماك ب"طريقة مهينة"، كما طالبوا بالكشف عن نتائج التحقيق، ومحاسبة المتورطين في مقتل الضحية.
صورة تعكس رقي المحتجين، سيما بعد لجوئهم إلى حراسة المحلات التجارية، وتنظيف الشوارع، بعد نهاية المسيرات.
وخلف صورة التضامن اندلع صراع بين المنظمين دفع أحد المسؤولين بحزب النهج الديمقراطي إلى شن حملة على أحدهم امتدت إلى صفحات المواقع الإلكترونية بعبارات لم تخل من شتم و سب.
لم تمنع "هذه المناوشات" باقي المنظمين من الاستمرار في الاحتجاج وإبداع طرق جديدة، ففي آخر الوقفات رسم المتظاهرون لوحات فنية تضامنية مع الضحية، انتهت بوضع المشاركين توقيعاتهم على لافتة كبيرة مكتوب عليها "كلنا محسن".
الميناء... أصل الداء
لا أحد ممن التقتهم "الصباح" ينكر أن ميناء المدينة هو أصل الداء، وحادث مصرع محسن فكري كشف الفوضى التي يعرفها قطاع الصيد البحري، مثل سوء التدبير وعدم احترام الراحة البيولوجية وصيد الأسماك دون الحجم القانوني والصيد بالجر في المياه الضحلة وقليلة العمق، إضافة إلى تهريب السمك.
لم يخف عدد من البحارة، في اللقاء نفسه، المشاكل التي يتخبط فيها قطاع الصيد، مثل التخريب الذي يطول المصايد التقليدية، من قبل مراكب الصيد بالجر التي تلقي شباكها على السواحل والشواطئ القريبة من اليابسة، حيث تأتي هذه المراكب على الأخضر واليابس داخل البحر، إضافة إلى الصيد بالمتفجرات .
وفي الوقت الذي كان البحارة ينتظرون، بعد الفاجعة، وقف الفوضى بالميناء، زاد الأمر سوءا، فعدد منهم أكدوا أنهم مازالوا يشتغلون خارج القانون، بعد سحب رخص الصيد والإبحار منذ أزيد من ثلاث سنوات، ما يعرضهم للعديد من الكوارث والمآسي، فالوثيقة الوحيدة التي يملكونها هي بطاقة التعريف الوطنية، مما يجبرهم على بيع منتوجهم من السمك خارج الأسواق الرسمية، ويعرضهم إلى خسائر فادحة.
بعد الفاجعة، اختفت مراكب صيد "أبو سيف"، كما عاينت "الصباح"، إلا أن الشباك التي اعتاد البحارة صيد هذا النوع من السمك تم إخفاؤها فقط ف"جميع المراكب المتخصصة في صيد هذا السمك تستعمل الشباك المنجرفة المحرمة دوليا منذ 2011، والملايين من منتوج هذا السمك تروج بالسوق السوداء، فلا أحد يمنع البحارة من وضعها فوق رصيف الميناء، غير أن حملها على متن القوارب واستعمالها في صيد سمك "أبوسيف" أمر محظور".
أخطاء بالجملة قادت إلى الفاجعة
لم تفض التحقيقات التي باشرتها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، إلى حدود الآن، ولا التحقيق الذي يجريه قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف، مع أحد عشر موقوفا في الملف، إلى تحديد هوية الشخص الذي عمد إلى تحريك الزر الذي يتحكم في عملية ضغط النفايات داخل حاوية شاحنة الأزبال عمدا أو خطأ، ما أدى إلى مصرع الضحية تحت الضغط.
الضغط على زر "الطحن" أصبح أحد ألغاز الملف، علما أن ثلاثة أشخاص من مستخدمي شركة النظافة المفوض لها تدبير النفايات، الذين تم إيداعهم السجن المحلي، وجهت إليه فقط تهمة القتل غير العمد، بمن فيهم سائق الشاحنة.
وتؤكد العديد من الروايات أن عملية الضغط على الآلة، تمت في اللحظة التي صعد فيها الضحية إلى حاوية الشاحنة رفقة ثلاثة من أصدقائه الذين اعتصموا قبل موته أمام مقر الأمن الإقليمي، للحيلولة دون إلقاء كميات من سمك " أبوسيف " قررت لجنة خاصة تتكون من رئيس مصلحة بمندوبية الصيد البحري وطبيب بيطري وخليفة قائد، مصادرتها وإتلافها بسبب عدم التأكد من مصدرها.
ولم يخف عدد من هيآت مدنية وحقوقية، الطريقة التي اتبعت في محاولة إتلاف بضاعة محسن فكري، أمام مقر المحكمة الابتدائية، والتي لم تكن بالطرق المعهودة في إتلاف هذا النوع من البضائع، ما أدى إلى شد وجذب بين الضحية ومواطنين وكذا مستخدمين من شركة النظافة الذين، وحسب بعض الروايات، تم إبعادهما عن الشاحنة من قبل مواطنين، فمن ضغط على الزر إذن؟
كشف مصدر مطلع، أن سائق الشاحنة تلقى أمرا بحضوره إلى المكان سالف الذكر، الشيء الذي نفذه، مرفوقا بأحد أعوان شركة النظافة الذي يتابع في حالة سراح، مستندا في ذلك إلى محضر توصل به.
وتشير العديد من الروايات إلى أن حادث مصرع محسن فكري تتحمل فيه المسؤولية العديد من الأطراف تم استثناؤها من المساءلة وخرجت سليمة من تداعيات هذا الحادث، مضيفة أن التحقيق مازال جاريا بشأن الحادث، وأن المسؤوليات متداخلة أساسها انعدام المراقبة الصارمة داخل ميناء الحسيمة، إذ بإمكان أي كان الدخول إليه والخروج منه واقتناء كل ما يرغب فيه من الأسماك سواء المرخص صيدها أو الممنوعة.
تتقاذف لغز الضغط على زر تشغيل الآلة عدد من الجهات، فدخلت المديرية العامة للأمن الوطني على الخط، للدفاع عن رجال الشرطة، مشيرة إلى أن "المزاعم التي نسبت لموظف شرطة بإعطاء الأمر لسائق الشاحنة بتشغيل آلة الضغط على النفايات، المتصلة بالمقطورة، تبقى بدورها مجرد ادعاءات غير صحيحة.. على اعتبار أن ذراع التحكم في هذه الآلة الضاغطة توجد في الجهة اليمنى لآخر الشاحنة، ويستحيل على السائق التحكم فيها، وهي المهمة التي يضطلع بها عادة، مستخدمون آخرون غير السائق".
وأمام هذه التصريحات المتضاربة، لم يستسغ علي فكري، والد الضحية، عدم اللجوء إلى رفع البصمات عن الآلة لمعرفة المتسبب المباشر في مقتل ابنه...
إنه اللغز الذي يحير الجميع، إلا أن كل المعطيات التي توصلت إليها "الصباح" تشير إلى أن الضغط على زر تشغيل الآلة لم يكن متعمدا.
اللغز الثاني... "طحن مو"
جسدت عبارة "طحن مو" لغزا آخر في القضية، فالعبارة انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تغزو كل القنوات التلفزيونية العالمية، فمن صاحب العبارة؟
لا أحد يملك الجواب، بل إن شاهدا نُسب إليه سماعه للكلمة سرعان ما تراجع عنها، وادعى أنه ربما خُيل إليه سماعها، في حين أشار أحد المقربين من الضحية إلى أن المقصود بالكلمة كان "طحن السمك"، سيما أنه جرى إتلاف كمية قليلة من السمك بداية، قبل أن يصعد الضحية إلى الشاحنة لوقف العملية.
ما زاد الأمر غموضا هو محاولة نسب قولها إلى شرطي، حتى يكتمل مشهد "الحكرة"، إلا أن المديرية العامة للأمن الوطني تدخلت، مرة أخرى، من أجل نفي التهمة عن الشرطي، موضحة أن "مجموعة من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تداولت أخبارا غير صحيحة، مفادها أن أحد الشرطيين قد طالب سائق السيارة التي كانت محملة بالأسماك بمبلغ مالي على سبيل الرشوة، وأن مسؤولا أمنيا هو من أعطى تعليماته لسائق الشاحنة بتشغيل آلة الضغط على النفايات بالمقطورة الخلفية، مما أفضى إلى الوفاة".
وبعيدا عن الرواية الأمنية، فالخلاصة أن لا أحد سمع عبارة "طحن مو"، علما أنها وجدت صدى لدى بعضهم.
الملف الآن بين يدي قاضي التحقيق، ولا يطالب أبو الضحية وأصدقاؤه إلا بتسريع التحقيقات من أجل فك ألغاز الملف، ومتابعة المتسببين الرئيسيين في مقتله بتلك الطريقة، علما أن محامي المتهمين من عمال النظافة يصر على براءتهم، في حين يتابع آخرون بالتزوير في المحضر فقط.
أخطاء بالجملة وتجاوزات قادت إلى فاجعة "محسن فكري"، فتهريب السمك والفوضى بالميناء، وعدم تشديد المراقبة على مراكب الصيد، وتدخل مافيا السمك.. أسباب جعلت الضحية يشعر ب"الحكرة"، ويحاول منع إتلاف بضاعته، قبل أن يلقى حتفه.
أبو سيف: السمكة القاتلة
اختار محسن فكري، في ليلة مصرعه اقتناء بضاعته من سمك "أبو سيف"، التي يصل ثمنها في الأسواق حوالي 80 درهما للكيلوغرام الواحد.
حسب مدونات "البحار"، فإن "أبو سيف" سمكة كبيرة تعيش في المحيطات والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، لها جسم طويل وملفوف، وعينان كبيرتا الحجم. وأخذت اسمها من فكها العلوي الطويل الذي يأخذ شكل السيف، ويشبه هذا النوع من الأسماك.
وتعيش هذه السمكة في مياه البحار الدافئة، ويصل طولها إلى ما يقرب من المترين، كما تتميز بالسرعة التي تصل، أحيانا، إلى 100 كيلومتر في الساعة.
سيف هذه السمكة الذي سميت به قوي يبلغ طوله ما يساوي نصف طول جسم هذه السمكة، ويُستخدم سلاحا للدفاع أو لطعن الفريسة. وبالإضافة لذلك يعد شكله الانسيابي أداة تساعد السمكة على شق المياه أثناء السباحة مما يزيد من سرعة انسيابها.
وتقبع هذه السمكة في الأعماق خلال النهار بينما تصعد إلى سطح المياه أثناء الليل. وهي تتغذى بالحبار وأنواع الأسماك الأخرى التي تتحرك على هيأة أسراب.
ونظرا لقيمة سمك أبو سيف، فقد تدخلت المفوضية الأوربية من أجل تحديد حصص صيده في البحر المتوسط من أجل حماية هذا النوع الذي يتعرض للصيد المفرط منذ وقت طويل. وتشير منظمات غير حكومية للدفاع عن الحيوانات إلى أن هذه الأنواع من الأسماك التي تعيش في أعالي البحار مازالت تصطاد صغيرة و أن وضعية المخزون في انخفاض. حيث تراجعت أعداد سمك "أبو سيف" بنسبة 70 % في ظرف 30 سنة بسبب الصيد المفرط.
ونسقت المفوضية الأوربية مع البلدان المتوسطية من خارج الاتحاد الأوربي، ومنها المغرب، من أجل الاستمرار في ترشيد اصطياده بتعزيز الإجراءات التقنية والمراقبة بغية حماية الأسماك غير البالغة (اقل من ثلاث سنوات) ومراقبة الصيد البحري والتسجيل والتصريح بالصيد وتبني نظام تفتيش دولي وتوزيع مراقبين علميين.
ورغم كل هذه الإجراءات، فإن اصطياد سمك أبو سيف في المغرب مازال قائما، وغالبا لا تحترم الراحة البيولوجية.
محامي المتهمين: نثق في القضاء
قال عبد النور أضبيب امحمد، المحامي الذي ينوب عن مستخدمي شركة النظافة المتابعين في الملف، إن الملف بين يدي قاضي التحقيق، وإن السر المهني يمنعه من كشف تفاصيل القضية.
وأوضح المحامي أن التحقيق يسير في الاتجاه الصحيح، والدفاع يملك الثقة الكاملة في القضاء، فهو الضامن لحرية الأفراد ببحثه عن الأدلة ووسائل الإثبات والأطراف التي لم تذكر في التحريات.
وكشف المحامي أنه تقدم بطلب الطعن في قرار الأمر الإيداع بالسجن بالنسبة إلى موكليه وذلك أمام الغرفة الجنحية التي أيدت قرار قاضي التحقيق لأن التحقيق مازال في بدايته.
الصباح : خالد العطاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.