نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية وهبات رياح قوية من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    اكتفى بتعزية عابرة… أخنوش يمر سريعا على فاجعة آسفي في البرلمان    اضطرابات جوية تؤدي إلى تعليق الدراسة مؤقتًا بعدد من جماعات جهة درعة-تافيلالت    سوء أحوال الطقس.. تحذيرات رسمية للسائقين ودعوات لتأجيل التنقل غير الضروري    المؤثرات الأساسية على التخييل في السينما التاريخية    تعاون عربي في إصدار أغنية «روقان» للفنان المغربي محمد الرفاعي    أخنوش: الحكومة وضعت منتجات مالية مبتكرة وعروض بنكية لتسهيل ولوجية المقاولات للتمويل    "النهج الديمقراطي" يطالب بإعلان المدينة العتيقة بآسفي منطقة منكوبة    فاس تحتظن الدورة ال13 لأيام التواصل السينمائي    تراجع ب5,7% في نفقات المقاصة    كأس العرب.. السكيتيوي يعلن عن التشكيلة الرسمية لمواجهة الإمارات    دورة ناجحة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمكناس    انعقاد مجلس للحكومة الخميس المقبل    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    كرة السلة المغربية تفتح صفحة جديدة    ميناء الناظور .. انخفاض الكميات المفرغة من منتجات الصيد البحري    البرلمانية الدمناتي تستفسر وزيرة المالية عن غياب الأثر الاقتصادي المباشر للدعم الحكومي على الفئات الفقيرة والهشة        فيضانات آسفي.. تفعيل مخطط استعجالي بمستشفى محمد الخامس لاستقبال المصابين    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    القوات المغربية والموريتانية ترتقي بالشراكة في التكوينات والتداريب العسكرية    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (المغرب 2025).. برنامج مباريات المجموعة الثانية    كأس إفريقيا 2025: المغرب يرسخ معايير جديدة بتخصيص ملاعب تداريب حصرية لكل المنتخبات    الاتحاد العربي للصحافة الرياضية ينتخب مجلس إدارة جديد بقطر        "البيجيدي" ينتقد توزيع الدعم على الفلاحين الصغار بمنطق الولاءات السياسية والانتماء الحزبي    "شبهة داعش" تحيط بهجوم أستراليا    إعلام إسرائيل يكشف تفاصيل عن حاخام قتل في هجوم سيدني وعلاقته بحرب غزة    بروكسل توسع عقوبات السفن الروسية    ضبط مخربين في الرباط والدار البيضاء    التامني: آسفي طالها الإهمال والنسيان والفساد لا يسرق المليارات فقط بل أرواح المواطنين    هولندا تعتقل محتجين على منشد جيش إسرائيل    البابا يحذر أجهزة المخابرات من إساءة استخدام برامج التجسس وتأثيرها على الحريات والديمقراطية    تقرير: ملايين المسلمين في بريطانيا عرضة لخطر سحب الجنسية    عشرات التوقيعات للمطالبة بالحرية ل"بوز فلو" ووقف متابعة الفنانين بسبب تعبيراتهم    أسعار صناعات التحويل تزيد بالمغرب    الدولار يستقر قرب أدنى مستوى له    "لارام" تُوسع شبكتها الجوية ب10 وجهات جديدة ابتداء من 2026    سيول آسفي ترفع حصيلة الضحايا إلى 37 وفاة واستنفار متواصل للسلطات    ترامب يوقع أمراً تنفيذياً جديداً ينظم قواعد الذكاء الاصطناعي    طقس عاصف يوقف الدراسة بالمضيق-الفنيدق    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    رافينيا يحسم مستقبله مع برشلونة بقرار مثير: "لن أغادر الفريق قبل التتويج بدوري أبطال أوروبا"    محطة القطار "الرباط الرياض" تفتتح تأهبا لاستقبال كان المغرب    من المعبد إلى المدرّج: كرة القدم بوصفها دينا ضمنيا    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    الرباط تحتضن مهرجان "ربادوك" للسينما الوثائقية    قتيلان و8 مصابين في إطلاق نار بجامعة براون الأمريكية    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتفاضة الشعوب رسائل للعالم وطريق نحو التغيير
نشر في ناظور سيتي يوم 07 - 06 - 2011


مقدمة:
إن من كان ينظر إلى الشعوب التي عاشت قرونا تحت وطأة الاستبداد من الملك العاض والملك الجبري، والذي أوصلها إلى هذا الحضيض من التشتت والغثائية والضعف حتى أصبحت قصعة مستساغة في أيدي العدو ليجزم أنها ماتت موتة يستحيل إحياؤها وبالأحرى انبعاثها بنفسها. شعوب فعل بها الاستبداد من الأفاعيل ما لا يتسع لذكرها الأوقات، ولا لتدوينها المجلدات... وكان أخوف ما يخافه المستبد عبر التاريخ، ويحاول دائما لتفاديه حتى لا ينغص عنه سلطته وتحكمه في رقاب العباد و خيرات البلاد هو الحيلولة دون تحقيق أمرين:
1- أن تلتف الشعوب حول رجال القومة والإصلاح، لأنهما إذا اجتمعا شكلا عليه الخطر وساهما في إسقاطه.
2- أن تصل الشعوب في يوم ما إلى درجة الإحساس بالاستبداد، لأنها إذا أحست به ستنتفض وتطالب بالحرية.
لكن إرادة الله وسنته، ومشيئته التي تعمل في الخفاء شاءت أن تظهر للعالم ما لم يكن في الحسبان، وأن يبين سبحانه للناس أنه على كل شيء قدير، وأنه يخرج الحي من الميت، وأنه قاصم الجبارين وناصر المستضعفين، وأنه الكريم سبحانه، الرحيم بعباده المؤمنين يبارك لهم الخطوات ويطوي لهم المسافات.
ولا شك أن ما عرفته بعض الدول الإسلامية من هبة وانتفاضة من أجل التغيير قد أدخل الفرحة على قلوب كثير من الناس، وأعاد فيها الأمل في معانقة الحرية واستعادة الكرامة وتشوف إلى العدل. في الوقت نفسه أسقط بعضا من عروش الاستبداد كما في تونس ومصر وزلزل أخرى كما في عديد من الدول العربية والإسلامية فهي في طريقها إلى السقوط إن شاء الله تعالى. فلعل الكثير من الناس الذين لم يتوقعوا مثل هذه الانتفاضات أن تحدث يتساءل عن أسبابها وأهم التحديات التي قد تعترض طريقها وأهم مطالبها، إلى غير ذلك من التساؤلات التي تراود الأذهان وتبحث عن الإجابات. ولعل في هذه السطور ما يلمس بعضا من جوانبها.
أسباب الانتفاضات الشعبية:
هذه الانتفاضات الشعبية يمكن أن نرجع اندلاعها إلى عدة أسباب، لعل من أهمها:
1- النضج الذي وصلت إليه الشعوب من حيث إحساسها بالقهر والاستبداد، وبأنها غير قادرة على الصبر أكثر مما صبرت عنه من محن وإحن تمثلت في حرمانها من حقوقها في الحرية والكرامة والعدل لعدة عقود إن لم نقل لعدة قرون. ومن حيث إحساسها بأن ساعة التغيير قد دقت وحانت فلا يمكن أن تضيع هذه الفرصة التاريخية للتحرك قدما نحو تحقيق مطالبها المشروعة بكل الوسائل المشروعة.
2- ما وصلت إليه الطبقة الحاكمة من استبداد بالسلطة، وتحكم في الرقاب، ونهب للثروات، وظلم للعباد، واستغلال للنفوذ لم يكن لينتج عنه إلا انفجار وغليان وغضب في وسط الشعوب. فقانون الضغط والانفجار استوفى شروطه، ودوام الحال من المحال قولة قد صدقت، وسنة الله في هلاك الظالمين ونصرة المظلومين ولو بعد حين قد حقت. يقول الله عز وجل:[ وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون] [القصص:59].
3- ما بذلته حركات المجتمع المدني الجادة من مجهود عبر سنوات وعقود في توعية الشعوب بمطالبها وحقوقها، وفي الدفاع عنها في كل مناسبة، وفي تأطير جزء كبير منها، وقد أبلت في ذلك البلاء الحسن من حصار وقمع لم يكن ليذهب سدى، بل مجهود أتى أكله وبدت ثماره تظهر، إذ لا يحق لأحد أن ينكر هذا أو يبخس الناس أشياءهم. والواقع يشهد على ذلك في أكثر من بلد عربي وإسلامي، إذ لم تجد الشعوب بجانبها حين أعلنت عن مطالبها وخروجها إلى الشارع لتهتف بها غير هذه الحركات، فهي التي ساندتها منذ البداية وتبنت مطالبها وخرجت معها ولا زالت فهي منها وإليها.
هذه بعض الأسباب ولعلها من أهمها هي التي فجرت هذه الانتفاضات المباركة التي أذهلت العالم والتي أصبحت مثالا ينادى به في الدول الغربية ليحتذى في تحقيق الحرية.
رسائل موجهة إلى العالم:
هذه الشعوب التي أحياها الله من موات فاجأت العالم بثقتها الكبيرة بنفسها، وبإرادتها القوية على إحداث التغيير، وبقدرتها الخارقة على إسقاط الاستبداد الجاثم على صدرها لقرون. فمن خلال انتفاضاتها حاولت أن توجه مجموعة من الرسائل إلى العالم تتجلى في كونها:
1- أثبتت للجميع أنها واعية بمطالبها الإنسانية، فمهما حاول المستبدون أن يقللوا منها أو أن يختزلوها في خبز وشغل وسكن فهي لا ترضى بمطالب دون العدل والكرامة والحرية ورحيل الاستبداد.
2- أثبتت للجميع أن طريقها إلى تحقيق هذه المطالب سيكون بكل الطرق المشروعة وعلى رأسها التظاهر في الشارع بشكل حضاري ضرب أروع مثال في السلمية والتنظيم، وهي بذلك أجهضت كل محاولات المستبد في استفزازها وتشويه صورتها بجرها إلى العنف.
3- أثبتت للجميع أن معدنها طيب أصيل، وأن انتماءها عميق لأمة لها امتداد جغرافي كبير، وامتداد تاريخي بعيد، مهما حاول المستبد أن يشتت صفها ويكسر وحدتها بإثارة النعرات من قبلية وطائفية ومذهبية فلم ولن يستطيع أن ينال من تلك الوحدة شيئا.
4- أثبتت للجميع أنها قادرة على قيادة شؤونها، واختيار من يحكمها، وتحديد مصيرها بنفسها، من دون وصاية من أحد أو تدخل خارجي ليسرق انتفاضتها. وهي قادرة أيضا على أن تساهم في إعادة بناء ما تهدم لاستئناف مسيرتها التاريخية من جديد على أسس العدل والكرامة والحرية.
5- أثبتت للجميع أنها قادرة أن تحاسب كل المتورطين ممن يقفون في وجه انتفاضتها بالقمع والعنف وإثارة الفوضى، وممن أيضا ساموها سوء العذاب طوال حياتها.
تحديات في وجه التغيير:
لعل مما ينقص بعض الدول في الإسراع من وتيرة التغيير بعض التحديات التي تقف حجرة عثرة، بعضها يحتاج إلى حسم في المواقف، وبعضها يحتاج إلى تصحيح في المفاهيم وهي:
1- أصحاب المصالح والنفوذ ممن لهم باع في ما وصلت إليه بلدانهم من تخلف في مختلف الميادين وتراجع على جميع المستويات، المتمثلان في الاستبداد السياسي والاحتقان الاجتماعي والظلم الاقتصادي وغيره. فهؤلاء لا يريدون أكثر مما هو كائن، وإن بدت بوادر التغير فبالشكل الذي يريدون مما يحفظ لهم مصالحهم لا بالشكل الذي يحقق مصالح الشعب ويخدم أهدافه. فإن صارت رياح التغيير بما لا تشتهي سفن هؤلاء انبروا إلى وضع العصا في عجلة التغيير وأنى لهم ذلك لأنهم يحاولون عكس التيار الذي يجرف كل من حاول الوقوف في طريقه. هؤلاء لعل مما يحفظ ماء وجوههم عندما تهب رياح التغيير أن يحسموا مواقفهم منذ البداية قبل فوات الأوان. فيعلنون بكل صراحة في الكلام وبكل جرأة في الموقف أنهم مع الشعب وفي خدمة الشعب.
2- فئة عريضة من الشعب لا تحسن فقه طلب حقوقها لأنها لم تدرك أن لها حقوقا، ولم تعلم أن من حقها أيضا أن تطالب بها، فهي للجهل الذي مورس عليها تظن أن ما يقوم به المسئولون من حين لآخر من رتوش هنا وهناك إنما هو منة منهم وفضل، ولا تعرف أن ذلك مجرد تمويه للإجهاز على حقوقها كاملة، وذرا للرماد في العين حتى لا تبصر الحقيقة. ويزيد من جهلها هذا ما تراه ممن يمثلونها من انسياق مع الموجة ومباركة للوعود والرتوش. تقف هذه الفئة حجرة عثرة في طريق التغيير لأنها لا ترى واقعا يبشر به أفضل مما تعيشه. فهي ترى أي استبدال لهذا الواقع قد يأتي بآخر أسوأ منه. وكثيرا ما يكون هؤلاء أداة طيعة في يد أصحاب المصالح والنفوذ لترويج أفكارهم ضد التغيير ولمواجهة أصحابه. هذه الفئة تحتاج إلى من يصحح لها المفاهيم بأن حياة كهذه على حساب حريتها وكرامتها وحقها في العيش الكريم إنما هي موت بعينه، والسكوت عن طلب هذه الحقوق جبن ما بعده جبن، وتفويت فرصة التغيير خذلان، والوقوف في وجه التغيير جريمة لا يتساهل معها التاريخ.
إن كان التغيير الذي تهدف إليه هذه الشعوب يعرف تحديات في طريقه، فهي أيضا استطاعت أن تصنع جملة من التحديات أمام مجموعة من مكونات المجتمع، وعلى رأسهم العلماء الذين يعتادون الأبواب ويخدمون الأعتاب. هؤلاء العلماء وجدوا أنفسهم أمام انتفاضة الشعوب في مفترق الطرق، هل ينحازون إلى المستبد الذي انكشفت عوراته أمام العادي والبادي، وعُرفت مخازيه للخاص والعام فيدافعون عنه دفاع من يريد الانتحار، أم ينضمون للشعب ويتبنون مطالبه ويساهمون في تحقيقها، وهم بذلك على الأقل سيحاولون أن يكفروا عن مساوئهم في حق الشعوب التي لطالما حاولوا أن يكذبوا عليها بخطابهم الرسمي ليكرسوا الاستبداد ويطيلوا من عمره.
لو أن هؤلاء العلماء علموا الشعوب أن الحكم تكليف لا تشريف، وأن السياسة رعاية شؤون الأمة وخدمتها، وأن أطر الحاكم على الحق فريضة شرعية، وأن تبديد ثروات الأمة ونهبها جريمة، وأن إيثار أعداء الأمة بخيراتها جريمة، وأن اعتقال أي إنسان دون ذنب جريمة، وأن منع إنسان من التعبير عن رأيه جريمة، وأن أي اعتداء على حرية أو كرامة مواطن جريمة، وأن مراقبة الناس والتجسس عليهم وتتبع عوراتهم جريمة، إلى غير ذلك من الجرائم، فلو حدث مثل هذا التعليم والتوعية لما تركت الشعوب نفسها للمستبد يسوقها سوق الأغنام، ولتردد على الأقل بعض أعوان المستبد أن يكون أداة من أدواته.
خاتمة:
إن هذا العمل الذي انبرت له الحركات التغييرية من يناير إلى فبراير إلى مارس إلى أبريل وماي وما بعده هو عمل قوي فلا بد أن يكون الفاعل فيه قويا أيضا تتوحد فيه كل التصورات والجهود، وتذوب فيه كل الخلافات والاختلافات، له من الصبر والإرادة وطول النفس على إنجاز مهماته حتى النهاية وتحقيق مطالبه كاملة.
إن كانت هذه الشعوب فاجأت العالم، فلم تكن لتفاجئ المؤمنين بربهم الذين كانوا يحدوهم الأمل في أن المستقبل لهذه الأمة، وقد أشرقت شمسه لتعم بنورها العالمين. وعد الله لا يخلف الله وعده ولو كره المستبدون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.