الذهب يرتفع ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    مع تأييد 81% من المغاربة لحق المرأة في العمل.. هل تكون "كوطا النساء" حلا لأزمة البطالة؟    تراجع طفيف لأسعار النفط في التعاملات المبكرة    المغرب يسجل أزيد من 4.2 مليون ليلة مبيت سياحي مع نهاية فبراير    أكثر من مليون ونصف حاج يؤدون رمي الجمرات في منى صباح الجمعة    وقفة تضامنية مع الفلسطينيين بتطوان تندد ب"حرب التجويع والقتل" في غزة    إيران تستنكر قصف منشآت حزب الله    قاض يوقف "مؤقتا" حظر التحاق الطلاب الأجانب بجامعة هارفارد    الاتحاد الأوروبي يدعم المحكمة الجنائية على خلفية العقوبات الأميركية وإصدار مذكرة توقيف ضد نتنياهو    أسود الأطلس يتعهدون بإسعاد الجماهير في وديتي تونس والبنين    مونديال الأندية: الوداد يضم المدافع الهولندي مايرس    مهنيو قطاع سيارات الإسعاف بإقليم الجديدة يوضحون: نشتغل في إطار القانون وتحت مراقبة السلطات المختصة    اتحاد المنظمات التربوية يندد بمحاولات خوصصة فضاءات الطفولة والشباب    فتاة في حالة حرجة بعد سقوط مروع من عمارة سكنية    الحجاج يشرعون في أداء نسك النحر و رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    الحجاج يرمون الجمرات في أول أيام عيد الأضحى    تهنئة عيد الأضحى المبارك    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة بالمغرب    عمال النظافة بالفقيه بن صالح بلا أجور قبيل عيد الأضحى والمكتب النقابي يلوّح بالتصعيد    طنجة : العثور على جثة أربعيني بمنطقة خلاء بكورنيش "مالاباطا " يستنفر الأمن    الحجاج يبدأون رمي "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    النمو الاقتصادي بالمغرب يرتفع إلى 3.8% عام 2024 رغم ضغوط التضخم وتراجع الأنشطة الفلاحية    أين ومتى ستُقام صلاة العيد بطنجة؟ إليكم ما أعلنت عنه المندوبية    "يمكن" عمل جديد للفنان زياد جمال – فيديو-        انتخاب عميد الشرطة الإقليمي "ليلى الزوين" نائبة لرئيس الفريق الدولي لخبراء الإنتربول في مجال الجرائم السيبرانية    تعاون إفريقي-إفريقي متجدد .. المغرب وغانا يعززان الشراكة الإقليمية    جمهورية غانا تعتبر المخطط المغربي للحكم الذاتي الأساس الواقعي والدائم الوحيد لحل مقبول من الأطراف لقضية الصحراء    بصمة مغربية .. الأردن في كأس العالم أخيرًا!    جلالة الملك يهنئ لي جاي ميونغ بمناسبة تنصيبه رئيسا لجمهورية كوريا    انتخاب المغربية ليلى الزوين نائبة لرئيس فريق خبراء الإنتربول في الجرائم السيبرانية    أمير عبدو مدربا جديدا لحسنية أكادير خلفا للسيكتيوي    لاعبو المنتخب: مستعدون للقاء تونس    سعاد صابر تحظى بتعاطف المغاربة    "فيفا" يثمن مونديال الفتيات بالمغرب    بريطانيا تحذر إسرائيل من عقوبات    الحجاج يودعون "عرفات" متوجهين إلى مشعر مزدلفة    طنجة المتوسط يزيح موانئ أوروبا من الصدارة ويصعد إلى المركز الثالث عالميا    الناطق باسم الحكومة يستعرض جديد الاستعمال المؤمن لشهادة الباكالوريا    نشرة برتقالية تحذر من موجة حر تصل إلى 43 درجة يومي السبت والأحد    كرواتيا.. المغرب يفتتح شهر السينما والثقافة العربية بمدينة كارلوفاتس    أسماء لمنور تفوز بجائزة أفضل مطربة عربية في DAF BAMA بألمانيا        معرض للفن التشكيلي والمنتجات المجالية بمولاي ادريس زرهون    مهرجان كازا ميوزيك يتافس بقوة موازين .. والجسمي يتألق في سماء الدار البيضاء    توقعات إيجابية لقطاع البناء بالمغرب في الفصل الثاني من سنة 2025    دونالد ترامب يوقع قرارا يمنع دخول رعايا 12 دولة لأمريكا    مهرجان كناوة 2025 بالصويرة .. تلاق عالمي بين الإيقاعات والروح    لقجع يزور معسكر الوداد الرياضي بمركز محمد السادس استعدادا لمونديال الأندية    أكثر من 1.6 مليون مسلم يتوافدون على عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    قتل الكلاب والقطط الضالة بالرصاص والتسميم يخضع وزير الداخلية للمساءلة البرلمانية    الهلال السعودي يعلن تعاقده مع المدرب الإيطالي إنزاغي بعد رحيله عن إنتر ميلان    في يوم عرفات.. ضيوف الرحمن يتوافدون لأداء الركن الأعظم بخشوع وإيمان    بداية عهد جديد في تدبير حقوق المؤلف.. مجلس إداري بتمثيلية فنية ومهنية لأول مرة    ضوء النهار يعزز المناعة.. دراسة تكشف سر النشاط الصباحي للخلايا الدفاعية    دراسة: الإفراط في الأطعمة المصنعة قد يسرّع أعراض باركنسون    "الخرف الحيواني" يصيب الكلاب والقطط مع التقدم في العمر    الناظور.. نفاد حقنة تحمي الرضع من أمراض الرئة    









معركة التعليم: 1 أمة في خطر
نشر في وجدة نيوز يوم 18 - 09 - 2013

د. فؤاد بوعلي / ... لكن الأهم من ذاك، وذاك؛ أن يكون الإصلاح المقترح وطنيا، وتشاركيا، وليس عبر قرارات فوقية
منذ الخطاب الملكي، تناسلت المقالات والتعليقات حول التعليم ومشاكله المزمنة، ودور الحكومة الحالية في الحل والتأزيم.. فليس مفاجئا أن نصف وضع التعليم المغربي بالمأزوم، وليس جديدا أن نعلق فشلنا التنموي على فشل المنظومة التربوية، لكن الإشكال يطرح حين نفشل في تشخيص الوضع، ونبحث دوما عن الحلول العرضية التي تنتج دوما استنساخا لنماذج متغيرة في أصلها، ونشخصن الأزمة ضمن حسابات السياسة، والمصلحة الظرفية.
عرفت سنة 1983 حدثا بارزا في تاريخ العملية التعليمية بالولايات المتحدة الأمريكية، فقد دق تقرير الرئيس الأمريكي رونالد ريغان" الأُمة في خطر: أمر إلزامي لإصلاح التعليم" ناقوس الخطر حول واقع التميز التربوي، ومرتبة التعليم الأمريكي في التصنيف العالمي، حيث أشار في دراسات متعددة" وليست سرية" إلى تدني التحصيل الأكاديمي على الصعيدين الوطني والدولي في الشعب المختلفة: في قواعد اللغة، والرياضيات، والمواد المكتوبة، وتوقف كذلك عند المقارنة مع التعليم خارج الولايات المتحدة، حيث احتل الطلاب الأمريكيون صفوفا متأخرة. كل هذا استفز القيادة الأمريكية لإحداث النقلة النوعية في النظام التعليمي المشهود بها لحد الآن، وكان التوصيف على العديد من المستويات: المحتوى، والمعايير، والتوقعات، والوقت، والتعليم، والقيادة، والدعم المالي. ولأن الأمر أكبر من الاختلاف الحزبي، فقد ظﻠﺖ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺘﻲ أﺻﺪرت التقرير منعقدة حتى نهاية القرن العشرين، ومهدت لخطوة بوش في 1990، المعنونة" أمريكا سنة 2000 استراتيجية للتعليم"، والتي تضمنت الكثير من توصيات سلفه.
قد يفيدنا الاستئناس بالتجربة الأمريكية في فهم ظروف الإصلاح، وسياقاته، وضرورته، فقد أبرزت التلازم الضروري بين التعليم والتطور المجتمعي، فحين اكتشفت الولايات المتحدة أن نظام التعليم في اليابان، وكوريا الجنوبية، يتفوق على نظام التعليم عندها؛ أقامت مؤتمرًا، دُعي إليه كبار رجال الدولة، والمؤثرون في المجتمع، بنفس عنوان التقرير:" أمة في خطر"؛ وذلك لأنه إذا كان خريجو الجامعات من هذين البلدين، سيتفوقون على خريجي الجامعات في أمريكا، فإنها ستكون في خطر بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة، وعزته إلى قصور نسبي في نظامها التعليمي، فأجرت الإصلاحات اللازمة.
من البديهي أن التعليم هو بوابة التقدم، أو التأخر، وإذا كانت حكومات الإصلاحات الهيكلية، قد اعتبرت التربية من القطاعات الاجتماعية المكلفة، فقد انطلقت من فهم قاصر للتنمية، وسبل الاستثمار في الكائن البشري، لذا، ليس مفاجئا أن نوضع في ذيل قائمة الدول من حيث التنمية، مادام فهمنا للعملية التعليمية لم يتجاوز النظرة النفعية الظرفية التي رأت، وترى في مواد معينة مضيعة للوقت، واستعمال لغات محددة استفراغا للجهد في ما لا طائل فيه، وتنظر إلى الميدان برمته بمعيار التكاليف، لا النتائج.. فقد شهد المغرب منذ الاستقلال، إلى يومنا هذا العديد من الإصلاحات التربوية والتعليمية، إلا أن جل هذه الإصلاحات، كانت فاشلة بسبب، ليس قلة الموارد المالية والبشرية، وإنما غياب الرؤية الاستراتيجية، والفلسفة المؤطرة للقطاع. فالأصل، الانطلاق من أمرين اثنين: إرادة سياسية حقيقية، غير مرتبطة بحل الأزمات، وتحديد الإطار المفاهيمي للمراد من العملية بأكملها.
إن دور القيادة، كما يبرز في النموذج الأمريكي في القضايا المهددة لوجود الأمة، هو التفكير الاستراتيجي، والقدرة على الارتفاع على الخلافات السياسية والإيديولوجية التي تملأ ساحات الفرقاء المجتمعيين، والحسم في القضايا الخلافية، لكن الدور الأسمى، هو الحفاظ على الثوابت، والتراكمات التاريخية التي صنعت وجود الأمة، وبدونها لن يكون لها وجود. فما عاشه التعليم، ويعيشه، بعيدا عن النقاشات الحزبية، هو تراكم أزمات هيكلية، تتعلق بالمناهج الدراسية، والموارد البشرية، والتخطيط ، لكن الأكثر من ذلك، هو غياب الجرأة لدى سادة القرار السياسي في الحسم في كل القضايا المتعلقة بالمسائل الهوياتية، واتباع منطق التوازنات الاجتماعية.
في هذا الإطار، يمكننا مساءلة التجربة الماضية: هل كنا في حاجة لمخطط استعجالي أصلا، كلف ميزانية الدولة أموالا باهظة، ودون استشارة الفعاليات المعنية التي وجدت نفسها مدعوة لتطبيق برنامج فوقي؟، وهل استطاعت القيادة السياسية تنزيل، وأجرأة ميثاق التربية والتكوين؟.. فمن المعلوم أن سياق وضع المخطط الاستعجالي، هو سياق الفشل المتتالي في البرامج المختلفة، بدءا بتعميم التمدرس، والدعوة إلى مجانية المدرسة، وتوحيد المدرسة المغربية، ونظرية الأهداف، والأخذ بالنظرية التداولية، ونظرية الشراكة، واستلهام نظرية مشروع المؤسسة، واستنبات نظرية الكفايات، وتمثل نظرية الإدماج... وصولا إلى الفشل في تطبيق بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والتي أصبحت مقرراته مرفوضة على الرغم من طموحها الكبير، ولم يتم تنفيذ معظم تعهداتها بالرغم مما كلفته للدولة من جهود وأموال.
الهدف الأساسي للعملية التعليمية، هو التنشئةُ على نفس القيم، دفعاً للتناشز الفئوي المفضي إلى تفكيك الجماعة، وضبطاً للإيقاع الفردي الضامن لتماسك مكونات المجتمع. وعلى قدر نجاح النظام التربوي في التنشئة على نفس القيم الاجتماعية، يضعف التناشز الطائفي المرخِّصِ للاستقواء بالأجنبي على الوطني، ويشتدُّ التناغمُ المجتمعي المانعِ من تسلُّل القيم النواشز التي تبثُّ الوهنَ في جسم الأمَّة ابتغاءَ تَفكيكِه، وما نعيشه في تعليمنا من خلال مداخله المتعددة، والمتصارعة، ينتج قيما متناقضة، وغياب الرؤية النقدية للكفاءات المنظرة. ولو عدنا للنموذج الأمريكي، لوجدنا أن وزير التعليم آنئذ صارع لترأس لجنة التقرير، لكن الرئيس منحها لشخصية مستقلة، لأن الأمر أكبر من الولاءات الحزبية، أو الإيديولوجية. والوعي وإن جاء متأخرا بأهمية التعليم، ودوره المحوري في النهوض بالمجتمع، وبتقدمه، أمر أساسي، وتقدم حقيقي في النقاش العمومي، لكن التوصيف، والتقييم، ينبغي أن ينطلق من معطيات حقيقية، وواقعية، بحثا عن الحلول الناجعة التي ينبغي أن تنفذ بجرأة، وباستشراف لمستقبل الأمة، لكن الأهم من ذاك، وذاك؛ أن يكون الإصلاح المقترح وطنيا، وتشاركيا، وليس عبر قرارات فوقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.